قضايا اقليمية

«أمر اليوم» الإسرائيلي في خدمة الأهداف القومية
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الإسرائيلية

ضخّ المزيد من المستوطنين وتشجيع على زيادة النسل اليهودي وتقليص الحضور العربي

 

يعتبر هدف إقامة «إسرائيل الكبرى» ذات الهوية اليهودية النقية، وذات القوة المهيمنة في الشرق الأوسط، بمنزلة الهدف القومي الأعلى للقيادات الصهيونية في إسرائيل على امتداد فترة وجودها منذ تأسيسها العام 1948 وحتى اليوم. والقادة الإسرائيليون، على طريق تحقيق هذا الهدف، يلجأون الى السبل العسكرية القاسية بمختلف صورها الإجرامية والمروّعة، والى سبل المفاوضات السلمية التي لا ترمي إلا الى استدراج العرب للمساومة على حقوقهم الإقليمية والوطنية، تحت عنوان ما يسمونه «الأراضي المتنازع عليها». وفي الحالتين يسعى الإسرائيليون الى تعزيز مصالحهم الجيوستراتيجية والجيوسياسية من خلال ضمّ المزيد من الأرض المغتصبة الى كيانهم وتعزيز استيطانهم فيها ونهب ثروتها الطبيعية من مياه وأراضٍ خصبة ومواقع جغرافية مسيطرة، وبالتالي إقفال الطريق العام أمام الشعب الفلسطيني ومنعه من تحقيق آماله الوطنية والقومية بإقامة دولته المستقلة وإنهاء معاناة الشتات والغربة التي كابدها على امتداد نحو ستين عاماً.

الى جانب الأهداف المذكورة آنفاً، يسعى الإسرائيليون الى تعزيز بقائهم القومي اليهودي من خلال ضخ المزيد من المستوطنين وتشجيع زيادة النسل اليهودي وتقليص الحضور العربي في ما يسمى «أرض إسرائيل».

وهذا يدفعهم الى إيجاد السبل الآيلة الى تقوية روابطهم الإجتماعية والحدّ من حدة الصراعات والتناقضات العرقية والثقافية والإجتماعية والسياسية التي تسود المجتمع الإسرائيلي واليهودي على حد سواء. وعلى الرغم من الصفة العلمانية للدولة، فإن لديها هدفاً أيديولوجياً عالياً يكمن في إحياء مظاهر «الحضارة اليهودية» عبر بثّ الروح اليهودية العنصرية وترسيخ التقاليد المتوارثة في صفوف الشباب وداخل الجيش سعياً الى بناء الهيكل الثالث في مكان المسجد الأقصى في القدس باعتباره الهدف التاريخي الأسمى ليهود العالم، مع السعي الدؤوب في الوقت نفسه الى تكريس الفرقة والتشتت والتحجّر الفكري والتعصب الطائفي والمذهبي في المجتمعات العربية، بما يؤدي الى استفحال التطرّف الديني المتمثل في الأصوليات التكفيرية الإجرامية.

من ناحية أخرى كان رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق آرييل شارون قد حدّد العام 1982 المنطقة التي تضم مصالح إسرائيل الإستراتيجية بحيث جعلها تشمل مختلف الأراضي العربية المتاخمة للكيان العبري، علاوة على إيران وتركيا وباكستان وشمالي أفريقيا وصولاً الى زمبابوي في جنوب أفريقيا. وقد توسعت دائرة المصالح هذه في التسعينيات لتمتد من الساحل الشرقي للأطلسي غرباً الى إيران وباكستان شرقاً، ومن دول آسيا الوسطى الإسلامية شمالاً الى كيب تاون في جنوب أفريقيا. وفي هذا السياق جاءت المخططات الإسرائيلية التي تقوم على عقد تحالفات إستراتيجية مع مختلف دول الحزام المحيط بالعالم العربي مثل الهند وتركيا وقازاخستان وسريلانكا وأثيوبيا وأريتريا وزمبابوي وسواها، أولاً من أجل منع العرب من الحصول على عوامل القوة والوحدة، وثانياً من أجل جلب المزيد من المهاجرين اليهود لتغذية كيانهم المنتفخ والمتمدّد. وإستراتيجية «الردع» تدخل في هذا الإطار من أجل حرمان العرب من عوامل السعي للعمل بخطتهم الكبرى التي تستهدف إقامة دولة مستقلة للفلسطينيين، عاصمتها القدس، وإرغام جيش الإحتلال الإسرائيلي على العودة الى حدود العام 1967 وفقاً لقراري الأمم المتحدة 242 و338 أو ما يسمى الشرعية الدولية. كما وتدخل في هذا الإطار أيضاً مشاريع التسوية السلمية التي تتساقط وتتراكم فوق بعضها البعض من دون أي جدوى سوى الإستنزاف البشري والسياسي للعرب، عبر تعميق الخلافات في ما بينهم وتشجيعهم على التجزئة والتقسيم والتصارع العرقي والطائفي والمذهبي، والدخول في حروب أهلية لا نهاية لها كما حصل ويحصل في لبنان وجنوب السودان وشمالي العراق ومصر والجزائر، أو في حروب إقليمية مدمّرة كحرب السنوات الثماني العجاف بين العراق وإيران، وكالحرب التي كادت أن تقع بين سوريا وتركيا على خلفية المشكلة الكردية قبل أعوام.

 

من الأهداف القومية الأخرى التي تعمل عليها إسرائيل في المرحلة الراهنة ايضاً مشروعا الإستيطان الزاحف من ناحية والترحيل (الترانسفير) للفلسطينيين من ناحية أخرى وإرغامهم على التوطين حيث هم في دول الشتات. وكل هذه الأهداف تنتظمها قواعد وثوابت صهيونية لا حياد عنها مهما كانت الضغوط والتعقيدات من أبرزها:

- لا للإنسحاب الكامل الى حدود العام 1967.
- لا لتقسيم القدس.
- لا لسيادة عربية كاملة على ما يسمى جبل الهيكل أو المسجد الأقصى.
- لا لدولة فلسطينية ذات إستقلال كامل.
- لا لإيقاف عمليات الإستيطان والتوسع بها تحت عنوان «التكاثر الطبيعي».
- لا لعودة اللاجئين الفلسطينيين.
- لا لتحالف إستراتيجي عربي أو عربي - إسلامي يضم بعض أو كل دول المواجهة والعمق العربي.
- لا لامتلاك أية دولة عربية برنامجاً نووياً.
- لا لأي خلل في الميزان العسكري المائل دائماً لصالح إسرائيل.
- لا لحرمان إسرائيل من أطماعها ومطالبها المائية في الأنهار العربية.

 

في ظل هذه الثوابت والقواعد تمضي إسرائيل الى مزيد من التعنّت والتطرّف، وهذا الأمر يؤكد استحالة الوصول الى تسويات منصفة أو شبه منصفة، لا سيما في ظل ما تعانيه إسرائيل اليوم من عقد الإنكسار والخيبة إثر عدوانها الأخير على كل من لبنان وقطاع غزة. وبالتالي إذا كانت التسويات الثنائية مستبعدة النجاح فإن الحلول الأحادية الجانب التي يعمل القادة الإسرائيليون على فرضها ميدانياً من خلال جدران الفصل هي أكثر استبعاداً وصعوبة. وهذا الوضع يتضح من خلال الموقف الإسرائيلي القائل إن نتائج الحرب الأخيرة هي بمثابة الحصاد المر للخطأ الكبير الذي يرتكبه رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك الذي سحب جيشه من لبنان بشكل أحادي الجانب العام 2000، كما وأن صواريخ القسام في غزة هي ايضاً من الثمار المرّة لخطوات أحادية الجانب من دون أية حلول سياسية جدية.

باختصار إن إسرائيل اليوم لن تكون إلا كياناً أكثر عنصرية وانعزالاً وتطرّفاً، كيان يتطلع الى مواجهات أكثر عنفاً ودموية، لترميم قوة ردعه التي تهاوت وإعادة إحياء الأمل الميت في نفوس المقيمين والوافدين من اليهود الذين باتوا في قرارة أنفسهم غير مقتنعين بجدية مشروع إسرائيل الكبرى، الذي ما تزال قيادات شوفينية مثل نتنياهو وليبرمان مصرّة على تسويقه والدفاع عنه.