طب وصحة

«إيبولا» قد يطرق أبواب لبنان
إعداد: روجينا خليل الشختورة

سلسلة إجراءات احترازية لمواجهة خطر المرض
 

دقّ ناقوس الخطر، وازدادت المخاوف من انتقال عدوى مرض «إيبولا» إلى عقر دارنا، من الدول الموبوءة والتي تنتشر فيها أعداد كبيرة من اللبنانيين.
ما حقيقة هذا المرض الوخيم، وما خطورة الإصابة به؟ كيف ظهر ومن أين أتى؟ ما هي أعراضه وكيف يمكن الوقاية منه؟ وهل من لقاحات وعلاجات للشفاء منه؟
تساؤلات كثيرة يطرحها المواطن اللبناني؛ رئيس فرع الأمراض المستعصية في المستشفى العسكري المركزي النقيب الطبيب أحمد يونس يجيب عن أسئلة مجلة «الجيش» حول هذا الموضوع، علمًا أنّ قيادة الجيش بادرت إلى تعميم نشرة توجيهية على العسكريين، تتضمّن التعريف بالفيروس وأعراضه وكيفية الإصابة به، والأهمّ من ذلك كلّه سبل الوقاية منه.

 

تعريف المرض وأعراضه
بدايةً، عرّف النقيب الطبيب يونس «حمى الإيبولا النزفية» على أنّها مرض فيروسي حاد ووخيم ينحدر من عائلة الـ«Filoviridés»، ظهرت أولى فاشياته في العام 1976 في قرية تقع في الكونغو على مقربة من نهر إيبولا الذي أعطى اسمه للمرض.
تفشّى هذا المرض في القرى النائية الواقعة في وسط أفريقيا وغربها بالقرب من الغابات الاستوائية الماطرة. وهو ظهر في غينيا أوّلًا وامتدّ إلى ليبيريا وسيراليون وينتشر الآن في نيجيريا والسنغال. وقد تجاوز عدد وفيات مرضى الإيبولا في العالم الـ4546 حسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية، وارتفع العدد الإجمالي للإصابات إلى 9178.
بالتالي، فإنّ هذا المرض الحموي يودي بحياة نسبة تراوح بين 50 و80% من مجموع المصابين به، إذ يغزو الخلايا البطانية للأوعية الدموية ويتكاثر فيها ويحطمها. وهذا قد يساهم فى إحداث النزيف، مما يؤكد الشك في العديد من حالات عدوى الإيبولا.
بعد نحو ثمانية أيام من الإصابة بالعدوى، يظهر على المصاب أعراض الحمّى والوهن الشديد والآلام في العضلات والصداع والتهاب الحلق، بالإضافة إلى التقيؤ والإسهال وظهور طفح جلدي واختلال في وظائف الكلى والكبد. مخبريًا، تترافق الأعراض المذكورة مع انخفاض عدد الكريات البيضاء والصفائح الدموية وارتفاع أنزيمات الكبد.
تراوح فترة حضانة المرض (الممتدة من لحظة الإصابة بعدواه إلى بداية ظهور أعراضه) بين يومين و21 يومًا، ويبقى المصاب معديًا طالما أنّ دماءه وإفرازاته تحتوي على الفيروس (حوالى 9 أسابيع).
يلفت النقيب الطبيب إلى أنّ آخر الدراسات التي أجريت للكشف عن أسباب انتشار عدوى الإيبولا، أظهرت أنّ سببها خفافيش الفاكهة المنحدرة من أسرة «Pteropodidae» بالإضافة إلى تسجيل بعض الإصابات عن طريق التعامل مع قردة الشامبنزي، الغوريلا، النسانيس والخنازير. وهو يؤكّد أنّ هذا المرض من أخطر الأمراض الوبائية الفتاكة، حيث أنّ عملية انهيار الجسم بعد العدوى بالفيروس تكون سريعة جدًا.
 

كيف تنتقل العدوى؟
عن سؤالنا عن انتقال عدوى الإيبولا، أجاب النقيب الطبيب يونس قائلًا: تنتقل عدوى الإيبولا إلى الإنسان بالملامسة المباشرة لدم الفرد المصاب بها أو إفرازاته أو أعضائه أو سوائل جسمه الأخرى، كالعرق والبول والبراز والترياق... كما يمكن أن تؤدي مراسم الدفن التي يلامس فيها النادبون مباشرة جثة المصاب المتوفى دورًا في انتشار عدوى فيروس الإيبولا.
كذلك ينتقل المرض عبر استعمال الإبر أو الأدوات الطبية الملوثة بالفيروس، وهو لا ينتقل بالماء ولا بالهواء...
 

لا لقاح.. ولا علاج !!
للأسف، لم يكتشف للإيبولا أي لقاح بعد، يقول النقيب الطبيب يونس، لكن يجري اختبار العديد من اللقاحات التي قد يستغرق العمل عليها عدة سنوات.
وخطورة هذا المرض توازي خطورة مرض الايدز عند ظهوره في ثمانينات القرن الماضي حيث لم يكن متوافرًا أي علاج فعلي له... اليوم تحوّل الإيدز إلى مرض يمكن للمريض أن يتعايش معه فترة من الزمن...
بانتظار اللقاح والعلاج المناسبين، تستدعي الحالات المرضية الشديدة توفير عزل تام ورعاية دائمة مكثفة للمرضى الذين يصابون من جرائها في كثير من الأحيان بالجفاف ما يقتضي تزويدهم السوائل بالحقن الوريدي أو عن طريق الفم.
في مجال مكافحة فيروس الإيبولا لدى الحيوانات الداجنة، لا يوجد لقاح، لكن عمليات التنظيف الروتينية لحظائر الخنازير والقردة والتطهير بهيبوكلوريت الصوديوم قد تؤدّي دورًا فاعلاً في تعطيل نشاط الفيروس، وإذا اشتبه بوجوده ينبغي فرض حجر صحي على المكان فورًا وقد يكون ضروريًا إعدام الحيوانات المصابة. كما ينبغي إنشاء نظام فعال لترصّد صحة الحيوانات وتبليغ السلطات المعنية فور اكتشاف الإصابة به.
لا يمكن تشخيص حالات الإصابة بعدوى الفيروس إلاّ في المختبر، وتنطوي الاختبارات التي تُجرى للعيّنات المأخوذة من المرضى على مخاطر بيولوجية جسيمة، وينبغي أن تُجرى ضمن ظروف قصوى للعزل البيولوجي.
 

تدابير وقائية
أمّا عن التدابير الوقائية التي يمكن أن يتخذها الأفراد كسبيل للحد من حالات العدوى والوفيات بين البشر، يقول النقيب الطبيب يونس: ينبغي للعاملين في مجال الرعاية الصحية القائمين على رعاية مرضى يُشتبه في إصابتهم بفيروس الإيبولا أو تتأكد إصابتهم به، أن يطبقوا احتياطات مكافحة العدوى تلافيًا للتعرض لدماء المرضى وسوائل جسمهم أو الاتصال المباشر غير الآمن بالبيئة التي يُحتمل تلوثها بالفيروس. لذا يتطلب توفير الرعاية الصحية للمرضى الذين يُشتبه في إصابتهم بعدوى الإيبولا أو تتأكد إصابتهم بها على اتخاذ تدابير محددة لمكافحة المرض وتعزيز الاحتياطات المعيارية، ولاسيما نظافة اليدين الأساسية واستخدام معدات الوقاية الشخصية (كفوف، مريول، غطاء وجه، كمامة...) واتباع ممارسات مأمونة في ميدان حقن المرضى ودفن الموتى.
كما يجب أن تركّز رسائل التثقيف على تقليل مخاطر العدوى من الحيوانات البريّة إلى الإنسان، والناجمة عن ملامسة خفافيش الفاكهة والقردة المصابة وتناول لحومها النيّئة، وينبغي ارتداء قفّازات وملابس واقية عند ملامسة الحيوانات، كما ينبغي طهي الأطعمة جيّدًا قبل تناولها.
يتعرض العاملون في المختبرات لخطر العدوى بالمرض، لذلك ينبغي أن يتولى موظفون مدربون التعامل مع العينات المأخوذة من الأشخاص المشتبه في إصابتهم بحالات حمى الإيبولا البشرية أو الحيوانية المنشأ لأغراض التشخيص، على أن تُعالج هذه العينات في مختبرات مجهزة بما يلزم من معدات.
 

الدولة تتدارك خطر الأزمة
حتى الآن، رسميًا، لم تسجّل أي إصابة في لبنان، ولكن كيف تتحضّر الحكومة اللبنانية ووزارة الصحة العامة لتدارك خطر الأزمة؟
أوضح وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور أنّ الإجراءات المعتمدة تقوم على تتبع المرض من مصدره الأساسي وصولا إلى لبنان، عبر المطار أو المرفأ، فالمستشفيات، مشيرًا إلى أنه تم الاتفاق مع وزير الخارجية جبران باسيل على إخضاع أي مواطن غير لبناني قادم من الدول الموبوءة للتدقيق من خلال إجراءات إستثنائية تقوم بها السفارات قبل اتخاذ القرار بإعطائه تأشيرة دخول إلى لبنان أم الإمتناع عن ذلك.
وقال إنّ الآلية المعتمدة لذلك تبدأ من السفارات اللبنانية في الخارج (بدأ العمل بها)، وربما يصل الأمر إلى حجب التأشيرات عن عدد كبير من الأشخاص الذين هم عرضة للإصابة بهذا المرض. أما اللبنانيون الذين يريدون العودة إلى لبنان بشكل غير دائم، فعليهم إخبار السفارات اللبنانية التي تبلغ بدورها السلطات في لبنان للقيام بالإجراءات الإحترازية الأولية.
في ما يتعلق بشركات الطيران، تم توزيع عدد هائل من منشورات التوعية للمسافرين، كما تم الاتفاق مع شركات الطيران الآتية إلى لبنان من المغرب وإثيوبيا ولاغوس ونيجيريا، على توزيع استمارات على الركاب الآتين من دول موبوءة للتأكد ما إذا كانت لديهم أعراض تقيؤ أو غثيان أو حرارة وكل ما يشير إلى احتمال الإصابة بالإيبولا. فإذا وجدت حالات مشتبه بها، يتم إخبار السلطات اللبنانية قبل وصول الطائرة، ليتم بعدها إرسال فريق متخصص يصعد إلى الطائرة ويدقق بالحالة المشتبه بها في مكان محايد. وفي حال تبين في التدقيق الأولي عدم وجود عوارض حالية، يتم حفظ المعلومات عن كل الذين عبأوا الإستمارات جانبًا، حيث يبقى الفريق المتخصص على اتصال بهؤلاء الأشخاص للتأكد أن لا عوارض صحية خطرة تظهر عليهم. إلى ذلك، تمّ حصر كل الطائرات الآتية من الدول الموبوءة في مدرج واحد هو المدرج الغربي، وكذلك حصر دخول الوافدين من هذه الدول بمدخل واحد. وإلغاء خدمة الامتياز (VIP) في صالون الشرف، وهذا الإجراء سينسحب على الركاب الآتين من الدول الموبوءة.
في ما خصّ العلاج، لفت إلى تجهيز وحدة في مستشفى رفيق الحريري تتضمن فريقًا طبيًا متكاملًا مؤلفًا من خمسة عشر شخصًا، وقد وافق مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة على الاستعانة بخدمات اثني عشر ممرضًا وممرضة، علمًا أن الحاجة كبيرة إلى المزيد من الممرضين والممرضات.
ونبّه إلى أنّ النقص الوحيد الحاصل، يتمثل في كون المرض جديدًا وناشئًا، وقد أظهرت الإحصاءات أن ليس من خبرة ومعرفة طبية وليس من وعي شعبي للتعاطي مع هذا الأمر.
وإذ أكد وزير الصحة أنه لا توجد أي حالة، وقد تمّ الاشتباه في بعض الحالات تبيّن في ما بعد أنها مالاريا أو أمور أخرى، ولم ينفِ أنّ خطر دخول حالات إلى لبنان قائم ويجب التعامل معه بكل جدّية، وقال، نحن نعمل بكل طاقاتنا على هذا الأساس.