في كل بيت

«التنمّر» المدرسي ظاهرة تزداد انتشارًا
إعداد: ريما سليم ضوميط

كيف ندرّب أولادنا على حماية أنفسهم؟

 

التنمّر أو الإستقواء (Bullying) سلوك عدائي يزداد انتشارًا في المدارس، الأمر الذي يهدّد الصحّة النفسية والجسدية لعدد كبير من الأطفال. ولمّا كان الصغار في العادة يخفون أمر تعرضّهم للتنمّر خوفـــًا من سخرية الآخرين، فمن الضروري ان ينتبه الأهل الى وجود المشكلة لمساعدة الطفـــل في مواجهتها.


أذى جسدي ومعنوي
التنمّر شكل من أشكال الإساءة المتعمّدة أو المضايقات المتكرّرة التي يرتكبها أحد التلامذة (المتنمّر) بحق تلميذ أضعف منه جسديًا أو معنويًا، وهو يتخذ مظاهر مختلفة من بينها الأذى الجسدي كالضرب واللكم والركل، أو الأذى المعنوي كالإغاظة والتهكّم وإلقاء الألقاب على سبيل الإستهزاء. وفي عصر التكنولوجيا بات التنمّر ممكنًا أيضًا من خلال رسائل قدح وذم عبر البريد الإلكتروني.

 

ضحايا التنمّر
يبدأ التنمّر في الصفوف الإبتدائية، ليصبح أكثر شيوعًا في الصفوف المتوسطة، ثم يتراجع بشكل ملحوظ في الصفوف الثانوية، وهو يطال الصبيان والبنات على حدّ سواء. أما المتنمّرون فهم في الغالب من المتكبرين والنرجسيين الذين يحاولون الهيمنة وفرض السيطرة على الضحايا الضعيفة. ويبحث هؤلاء عن أهداف سهلة من بين التلامذة الذين ليست لديهم قدرات ظاهرة، أو الخجولين والمنعزلين اجتماعيًا، أو ذوي البنية الضعيفة، أو العاطفيين والسريعي التأثّر الذين يسهل استفزازهم. وفيما تتوجّه الفتيات المتنمّرات نحو الأذى النفسي، يشمل أذى المتنمّرين الذكور الناحيتين النفسية والجسدية في الوقت عينه. ومن مظاهر التنمّر عند الفتيات عزل الفتاة – الضحية إجتماعيًا عبر اقصائها عن المجموعة واستبعادها عن نشاطاتها، إضافة الى التعامل معها بأسلوب فوقي أو السخرية منها. أما الفتى المتنمّر، فإنه لا يتوانى عن دفع ضحيته بعنف ليشق طريقه في الردهة، وقد لا يكتفي بذلك بل ينعت الآخر بأسماء وصفات غير حميدة. الى ذلك يشترك الصبيان والبنات في التنمّر عبر الانترنت حيث ينشرون الشائعات والاساءات عبر غرف الدردشة، أو يبعثون الرسائل المؤذية عبر البريد الالكتروني للأشخاص الراغبين في ايذائهم.

 

أسباب التنمّر
يشير الباحثون الى وجود عدة أسباب للتنمّر من بينها أن يكون المتنمّر نفسه عرضة للإساءة في منزله، أو أن يفتقر الى الشعور بالأمان، وقد يكون سلوكه تعبيرًا عن الغيرة أو تنفيسًا للإحباط الذي يعيشه نتيجة ظرف ما. كذلك يمكن أن ينتج التنمّر عن رغبة الطفل في لفت الانتباه إليه.
ويسهم الأهل أيضًا في هذه الظاهرة، من خلال تشجيع طفلهم على ضرب من يضربه، أو من خلال استخدامهم الضرب كوسيلة لمعاقبته. كذلك، فإن مشاهدة الكثير من أفلام العنف تؤدي أيضًا إلى التصرفات العدائية، كما يساهم في تزايدها تساهل إدارة المدرسة في اتخاذ الإجراءات النظامية ضد الطلاب العدوانيين والمتنمّرين.


الآثار السلبية تطال الطرفين
يخلّف الإستقواء آثارًا سلبية على كل من الضحية والمعتدي. فضحايا التنمّر يمكن أن يعانوا مشاكل عاطفية وسلوكية على المدى الطويل، بسبب شعورهم بالوحدة والاكتئاب والقلق والتراجع في تقدير الذات. كذلك يمكن أن يتعرضوا في المستقبل للأمراض المرتبطة بالضغط النفسي والتي يمكن أن تؤدي في ظروف معيّنة إلى الانتحار.
أما بالنسبة الى المتنمّرين، فهم يعانون أيضًا على المدى البعيد ويكونون أكثر عرضة إلى تناول الكحول أو الإدمان. وتؤكد الدراسات أنه اذا لم يتم التصدي للسلوك العدواني في الطفولة، فهناك خطر في أن يصبح سلوكًا اعتياديًا. وتشير الأدلة إلى أن التنّمر خلال مرحلة الطفولة يضع الأطفال في خطر السلوك الإجرامي والعنف المنزلي في مرحلة البلوغ.

 

دور الأهل والمدرسة
يؤكد المتخصصون في الشأن التربوي أن التنمّر مشكلة قابلة للحل إذا ما تضافرت جهود المدرسة والأسرة لوضع حد لها، ويشيرون الى عدة خطوات يمكن القيام بها في هذا الإطار، بدءًا من رفع معنويات الضحايا وتعزيز قدراتهم في مواجهة المتنمّرين، الى تشجيع المتفرّجين من الأولاد على الإبلاغ عن أي حادثة تنمّر وعدم التغاضي عنها، إضافة الى خلق أجواء مدرسية تمنع وقوع أعمال التنمّر أو تعاقب عليها بصرامة. ويشير الخبراء الى أن الحد من ردّات الفعل العدائية داخل الأسرة كالـصراخ في وجه الأولاد أو صفعهم يخفّـف أيضًا من سلوكيات التنمّر في المدرسة.
في السياق نفسه، ينصح الخبراء الأهل بضرورة مراقبة التكيّف الإجتماعي للطفل في المدرسة عبر التحدّث معه عن رفاقه وصفّه وعن طريقة اللعب مع الآخرين، إضافة الى سؤاله بشكل مباشر عمّا اذا كان يتعرّض للتعنيف الجسدي أو النفسي من قبل الغير. ويقدّم الإختصاصيون بعض النصائح الى الأهل الذين يعاني أولادهم التنمّر، وتشمل النقاط الآتية:
- تشجيع الطفل على التحدث عن معاناته، والتحاور معه بأسلوب ودّي لكي يشعر بتعاطف أسرته، إضافة الى عدم اهمال قلقه واظهار جدّية تامة في السعي لحل المشكل.
- عدم لوم الطفل وتحميله مسؤولية التنمّر على افتراض أنه فعل شيئًا ليثير عدوانية الآخرين ضده، وإنما الأخذ برأيه حول الطرق التي يراها مناسبة لوقف التعدّي.
- عدم تشجيع الانتقام، وتعليم الطفل في المقابل مهارات الأمان، بما في ذلك اللجوء إلى المعنيين من معلّمين أو إداريين في المدرسة.
- تعليم الطفل الثقة بالنفس، والمرونة، وكيفية تطوير مهاراته الاجتماعية ليقلل من كونه هدفاً سهلاً للمتنمّرين، وقد يساعده في ذلك إشتراكه في نشاطات المدرسة كالرياضة أو الموسيقى الذي يرفع من تقديره لذاته.
- تشجيع الطفل على ملازمة صديق قوي ومحترم، في حافلة المدرسة، والكافيتيريا، وبين الحصص، والحرص على التواصل مع الزملاء الودودين والداعمين له، والذين سيشملونه بنشاطاتهم.

 

مهارات المواجهة
إضافة الى ذلك ينصح الخبراء الاهالي بتعليم اولادهم مهارات المواجهة عبر توجيه الطفل كالآتي:
- لا تستجب للمتنمّرين، فهم يستسلمون عندما لا يجدون اهتمامًا.
- لا تبادر الى الشجار والقتال.
- تدرّب على الرد بحزم كمثل: أريدك أن توقف هذا العمل فوراً.
- أظهر الثقة بالنفس، وتكلّم ورأسك مرفوع للأعلى.
ويفترض بالأهل جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات حول الإستقواء الذي يتعرّض له طفلهم، والطلب إليه وصف كيفية حدوثه، ومعرفة المتورطين فيه، ومن ثم التواصل مع إدارة المدرسة لحلّ المشكلة، مع الإشارة الى عدم الإتصال بأهل المتنمر، وإنما السماح للمدرسة بمعالجة الوضع بما تراه مناسبًا.