أبحاث عسكرية

«الحرب غير المتماثلة» سلاح الأضعف قد يستخدمه الأقوياء أيضًا
إعداد: روجينا خليل الشختورة


تلاشت الحروب النظاميّة بشكليها الكلاسيكي والحديث، ولم نعد نشاهد في العقدين الأخيرين مثل هذا النوع من الحروب لا بين الدول الصغرى، ولا بين الدول الكبرى. فالأخيرة تحشد موارد ضخمة وتقنيّات متقدّمة في الحروب المحدودة، بينما تقاتل الدول الأصغر بموارد محدودة لكنّها تتسلّح بإرادة قويّة.
لقد بُنيت الجيوش الحديثة على أساس مواجهة جيوش نظاميّة أخرى، أو على أساس خوض الحرب بين جيوش ودول متكافئة نسبيًّا. إلا أنّ الحروب اليوم لم تعد تقع وفق هذا النموذج، فهي حروب بلا ميدان عسكريّ أو نمط محدد.
و«الحرب غير المتماثلة في الشرق الأوسط»، كانت عنوان البحث الذي قدمه كلّ من الرائد حسين عطايا، النقيب خليل البعيني والملازم أوَّل عبد القادر الكيّالي من موقع صربا - الفوج المضاد للدروع، وذلك في الكلية الحربية وفي حضور ضباط من قطع الجيش ووحداته.

 

أهداف البحث
تكمن أهمّيّة هذا البحث في تسليطه الضوء على ما استجدّ من نظريّات حول التكيّف، مع الحرب غير المتماثلة، وفي فهم القوّة غير المتوازنة بين الشعوب والأمم بشكل أعمق. فالأمّة القويّة تفرض إرادتها بما يتوافر لديها من إمكانات على الشعوب الأخرى، إلا أنّ ظهور الحرب غير المتماثلة نبّه الدول القويّة إلى أنّ التطوّر التكنولوجي في علم الحاسوب والرقميّات، والشاشات البلازميّة، وعالم الاتصالات، غير كافٍ لتحقيق النصر. كما تبيّن أنّ العنصر البشري عنصر فاعل في الصراع، إذا أحسن استخدامه وإدارته. من هنا تبرز الحاجة إلى التعديل في تنظيم الجيوش الحديثة، بما ينسجم مع الحرب غير المتماثلة، بهدف التقليل من الخسائر وتنفيذ المهمّات المطلوبة بسرعة.
وقد هدف البحث إلى توضيح النقاط الأساسيّة التي تتعلّق بالحرب غير المتماثلة، كتحديد الإستراتيجيّات العسكريّة في مواجهة هذه الحرب، وعرض تطوّرها وتجاربها على الساحة العالميّة، وتداعياتها، وما آلت إليه من تغيير في مبادئ الحرب وخصائصها... بالإضافة إلى تبيان أهمّيّة حرب المجموعات الصغرى وتطوّرها التاريخي، من حرب عفويّة غير منظّمة إلى علم عسكري إستراتيجي منظّم ومعتمد من قبل أقوى الجيوش النظاميّة.

 

الحرب غير المتماثلة واستراتيجياتها
قسّم البحث إلى فصلين: في الفصل الأول، تناول الباحثون نشأة الحرب غير المتماثلة، مفهومها وخصائصها، وظهورها ومسرح عمليّاتها.
واعتبر الباحثون أنّ الطرف الضعيف، في الحرب غير المتماثلة، يستخدم المجتمع كغطاء له، ويعتمد عليه في الإمدادات اللوجستيّة، ويقوم انطلاقًا منه بشنّ هجماته ضدّ الطرف الأكثر قوّة، ما يتسبّب بامتداد العنف داخل المجتمع. من هنا، فبداية هذه العمليّة هي حرب العصابات ونهايتها الإرهاب الدولي كما يحصل حاليًا. ومن نتائج الحرب غير المتماثلة حصول إبادة جماعيّة أو حرب أهليّة أو اندحار العدو (جنوب لبنان نموذجًا).
وأوضح الباحثون: في الحروب النظاميّة يلجأ المتحاربون إلى وسائل وأدوات متماثلة ومعروفة (مدفعيّة، صواريخ، طائرات حربيّة...) ولكن في الحرب غير المتماثلة تستخدم أساليب ووسائل وأدوات مختلفة (قنابل ذريّة، خطف طائرات، رهائن، ألغام، تفخيخ، عمليّة استشهادية، عمليّة انتحارية). كما أنه لا يوجد مكان محدّد لمسرح العمليّات، وحتّى الفترة الزمنيّة قد تمتدّ عدّة سنوات، وكذلك نمط الحرب لا يقتصر على مسرح العمليّات داخل دولة معيّنة بل يشمل مصالحها ورعاياها في العالم بأسره.

 

الشرق الأوسط بين المخططات والحروب
في الفصل الثاني، ركّز الباحثون على انعكاسات الحرب غير المتماثلة على الشرق الأوسط الذي يعود اهتمام مراكز الأبحاث الإستراتيجيّة الغربيّة به إلى عدة قرون من الزمن. واعتبروا أنّ الهدف من ذلك السيطرة على دول الشرق الأوسط واستغلال ثرواتها وإنهاكها، وقد ظهرت في هذا السياق عناوين وأسماء مختلفة مثل الشرق الأدنى، الشرق الأوسط، الشرق الأوسط الجديد والشرق الأوسط الكبير.
وتابعوا: يضمّ الشرق الأوسط الكبير 22 دولة عربيّة، إسرائيل، تركيا، دول آسيا الوسطى، دول القوقاز ومنطقة شبه القارّة الهنديّة. بالإضافة إلى بحارٍ ومضائق وممرات وأنهار، وثروة ضخمة من النفط والغاز الطبيعي.
وبغية السيطرة على هذه الثروات واستغلالها، استخدمت بعض القوى العالمية وسائل وأساليب متعددة منها الحروب التقليديّة، والحروب غير المتماثلة التي يندرج في إطارها خلق أو استثمار ثورة أو انقسام اجتماعي، سياسي، اقتصادي أو ديني داخل الدولة الواحدة وإنشاء تنظيمات سياسيّة إرهابيّة تكفيريّة داخل المجتمعات، ممّا يؤدّي إلى تفتيتها.

 

التوصيات
جاءت توصيات البحث على النحو الآتي:
• على المجتمع الدولي الحدّ من توسّع نفوذ الدول الكبرى ومنع سيطرتها على دول الشرق الأوسط، كما على حكومات الشرق الأوسط السعي إلى بسط سلطاتها على جميع أراضيها لمنع وجود أيّ إقليم خارج عن سيطرة الدولة. فوجود «إقليم غير محكوم»، يتيح لقوى أخرى فرصة السيطرة عليه، مع ما يستتبععه ذلك من تدخل الأعداء والقوى الخارجية.
• على حكومات دول الشرق الأوسط أن تعمل على تثقيف الأفراد وحثهم على التحصيل العلمي والتكاتف والوحدة. كما أنه على هذه الحكومات وضع سياسات استراتيجيّة دفاعيّة، خاصّة ومشتركة من خلال إنشاء مجموعة في الشرق الأوسط على غرار تلك الموجودة بين الدول الكبرى مثل مجموعة الثمانية (G8).
• نشر الديمقراطيّة والحرّيّة وجعل الدساتير على أساس المواطنة وليس الطائفيّة أو المذهبيّة أو العرقيّة حتّى يتحقّق الاستقرار والازدهار.
• على القيادات السياسيّة أن تعي خطورة الوضع القائم، كما يجب التعامل مع التحليلات والتصريحات المتعلّقة بتفتيت الشرق الأوسط بجدِّيّة، لتفادي انتشار الانقسامات الحادّة ومنع خلط الأوراق من خلال تحويل الانتباه عن المخطّطين الحقيقيّين والمستهدفين المستفيدين من تقسيم المنطقة.
• على السلطات في الشرق الأوسط وخصوصًا العالم العربي والإسلامي، العمل على إنشاء مراكز للأبحاث الإستراتيجيّة المتعلّقة بالأمن الغذائي والسكّاني والسياسي للحفاظ على الموارد البشريّة والاقتصادية، وخصوصًا النفط والغاز والمياه، ولاستدراك المخاطر المتأتّية من المخطّطات الشرق أوسطيّة المشبوهة ومكافحتها.
• على المجتمع المدني خصوصًا في المناطق التي تشكّل ملاذًا آمنًا للجماعات والتنظيمات المسلّحة والإرهابيّين، أن ينبذ مثل هذه الجماعات التي تحمل في جعبها عادةً مشروعًا أو مخطّطًا تدميريًّا يخدم مصالح دول أجنبيّة.
• اعتماد حرب المجموعات الصغرى في مناهج التدريب، كما في العقيدة العسكريّة، وتبيان أهميّتها وتطوّرها التاريخي من حرب عفويّة غير منظّمة إلى علم عسكري استراتيجي منظّم ومعتمد من قبل أقوى الجيوش النظاميّة. ويمكن استخراج العبرة مما حصل في لبنان إبّان حرب تموز سنة 2006. وبالتالي يمكن التوفير في النفقات العسكريّة وزيادة الفعاليّة في الميدان.