دراسات وأبحاث

«اليمن السعيد» في الواقع المؤلم التسمية لا توافق المسمى
إعداد: د. أحمد علو
عميد متقاعد


هو اليمن السعيد وفق التسمية المعروفة و«العربية السعيدة» في اللغة الاغريقية، أما في الواقع فالتسمية ليست إسمًا على مسمى... فتداخل المعطيات الجغرافية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، يرخي بثقله على هذا البلد.


الموقع والمساحة
الجمهورية اليمنية، دولة عربية آسيوية تقع جنوبي غرب شبه الجزيرة العربية بين المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان. وهي تحتل موقعًا استراتيجيًا هامًا، إذ تشرف على مضيق باب المندب الذي يربط بحر العرب والمحيط الهندي بالبحر الأحمر، والأخير يرتبط بالبحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس. وهذا المضيق هو من اكثر ممرات العبور العالمية ازدحامًا وأهمية، إذ يشهد حركة كثيفة وعبور السفن التجارية والأساطيل الحربية.
تبلغ مساحة اليمن الموحدة (الشمال والجنوب) نحو 528 الف كلم2 تقريبًا، عاصمتها صنعاء.
واليمن ارض شبه صحراوية باستثناء شريط ساحلي ضيق خصب، ومرتفعات جرداء.
 

الحدود
يحد اليمن من الشمال المملكة العربية السعودية (نحو 1458 كلم)، ومن الشرق سلطنة عمان (288 كلم)، وهي تطل من الجنوب على بحر العرب وغربًا على البحر الأحمر بشاطىء يزيد طوله على 2000 كلم. ولدى اليمن أكثر من 200 جزيرة في البحر الأحمر وبحر العرب أكبرها جزيرة سوقطرة (بحر العرب) ومساحتها نحو 3796 كلم2 ويسكنها نحو 140 الف نسمة، وهي تبعد نحو 350 كلم عن البر اليمني وكانت قاعدة عسكرية بحرية للقوات السوفياتية خلال حقبة الإتحاد السوفياتي.
تأتي بعدها في المرتبة الثانية جزيرة حنيش الكبرى في البحر الأحمر، والتي تبعد نحو 50 كلم عن البر اليمني وكانت مع غيرها من الجزر القريبة منها مثار نزاع مع اريتريا حول ملكيتها.
 

السكان
المجتمع اليمني قبلي، إذ تعيش غالبية سكانه في الأرياف، وتشكل القبائل قرابة 85% من التعداد الكلي للسكان. وللانتماءات القبلية والمناطقية دور كبير في رسم الخارطة السياسية للبلاد، التي تعتبر الثانية بعد الولايات المتحدة الأميركية في نسبة امتلاك أفرادها للسلاح.
قدّر كتاب المخابرات المركزية الاميركية «حقائق العالم» أن عدد سكان اليمن قد بلغ في تموز 2014 نحو 26 مليونًا و53 الف نسمة، يعيش نحو 32% منهم في المناطق الحضرية وبخاصة في منطقة العاصمة صنعاء وميناء عدن.
تصل البطالة بين الشباب إلى 33.7% (26% ذكور و74% اناث) وفق تقديرات 2010. وتعتبر نسبة 50% من الشعب اليمني تحت خط الفقر.
واليمنيون عرب بنسبة شبه مطلقة، ولكن هناك عرب افارقة، وجنوب آسيويين، وأوروبيين.
يرى بعض الباحثين الاجتماعيين أن اليمن أكثر بلدان العالم العربي قبلية من ناحية نفوذ زعماء القبائل وتغلغلهم في مفاصل الدولة. وللقبائل اليمنية تاريخ قديم إذ يعود بعضها لأيام مملكة سبأ. وفي فترات مختلفة من التاريخ تشكلت تحالفات قبلية قوية لبناء دولة أو لإسقاط أخرى.
أهم قبائل اليمن هي قبيلة همدان التي تقسم إلى قسمين حاشد وزعامتهم اليوم في آل الأحمر، وبكيل في آل بولحوم والشايف. كانت همدان أولى القبائل التي دخلت في الاسلام على يدي الامام علي بن ابي طالب، وهي من اقوى القبائل واكثرها نفوذًا ومعظمها زيدية.
اليمنيون مسلمون بنسبة 99.1% (65% على المذهب السني الشافعي، و35% على المذهب الزيدي الشيعي)، وهناك اقليات من اليهود والبهائيين والمسيحيين والهندوسيين، وهؤلاء إما لاجئون أو مقيمون مؤقتون.
 

الموارد الطبيعية والإقتصاد
تشمل ثروات اليمن الطبيعية البترول، الغاز، الثروة السمكية، الملح الصخري، الرخام، الذهب، الرصاص، النيكل، والفحم، كما يتميز القسم الغربي من اراضيها بالخصوبة. ولكن اليمن تفتقر إلى موارد المياه العذبة، وتعاني نقصًا في مياه الشفه، وازدياد التصحر.
يعتمد الإقتصاد اليمني على موارد محدودة من النفط والغاز لم تستغل جيدًا، وعلى الرغم من أن هذا القطاع يشكل النسبة الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي فهو ما زال غير متطور بما يكفي، ويعتمد اليمن على مداخيل ممراته البحرية وموانئه، بالإضافة إلى انتاجه الزراعي.
يعاني الاقتصاد اليمني تراجعًا كبيرًا بسبب انخفاض عائدات الموارد البترولية بسبب تناقص الكميات المصدرة وذلك بفعل العمليات الهجومية التي تنفذها بعض المجموعات المسلحة على انابيب النفط. وتحاول اليمن أن تواجه هذه المشاكل بتنويع موارد الدخل وتعزيز القطاعات المنتجة غير البترولية (برنامج بدأ العمل به منذ العام 2006) وزيادة الاستثمارات الخارجية. وقد بدأت بتصدير الغاز المسيل منذ العام 2009. مع ذلك أدت الاحداث التي تشهدها البلاد منذ العام 2011 إلى انخفاض الدخل الوطني بنسبة 11% وإلى تراجع في الخدمات الاساسية كالماء والمحروقات والكهرباء، وما زالت اليمن تواجه اليوم تحديات كبيرة كندرة المياه وشحها، ازدياد حجم البطالة، قلة المواد الغذائية، وكثرة الولادات.
بلغ الدخل الوطني اليمني وفق تقديرات العام 2013 نحو 61.6 مليار دولار، ومعدل الدخل السنوي للفرد نحو 2500 دولار أميركي، وقدر عدد الأيدي العاملة بنحو 7 ملايين فرد يعمل معظمهم في الزراعة ورعاية الماشية والصناعة والخدمات واقل من الربع يعمل في التجارة.
 

سبأ وما أتى بعدها
يبدأ التاريخ اليمني منذ أواخر الألفية الثانية ق.م عندما قامت مملكة سبأ ومَعيَّن وقتبان وحضرموت وحِميَّر الذين طوروا أحدى أقدم الأبجديات في العالم، وما عرف بخط المسند، والذي قاموا بنقله إلى المتحدثين بالعربية الشمالية القديمة واللغات السامية في إثيوبيا. ويشهد التاريخ اليمني القديم والوسيط والحديث قيام عدة دول مثل الدولة الزيادية الدولة اليعفرية والإمامة الزيدية والدولة الرسولية والدولة الطاهرية.
دخل الإسلام إلى اليمن في العام 630 وأسلمت القبائل اليمنية سريعًا بعد قدوم علي بن أبي طالب حيث أسلمت همدان كلها في يوم واحد.
قسم الخلفاء الراشدون اليمن لعدة «مخاليف» (اقسام ادارية)، وكان عهدهم مستقرًا وأدت القبائل اليمنية دورًا مفصليا خلال الفتوحات الإسلامية في مصر والعراق والشام وشمال أفريقيا والأندلس.
كان اليمن مسرحًا لعدد من الحركات الإباضية والشيعية التي حاربتها دول الخلافة وبدا جليًا أن الدولة العباسية لم تستطع إحكام سيطرتها على هذه البلاد التي استقلت في العام 815 وقامت الدولة الزيادية في زبيد وامتدت من حلي بن يعقوب وحتى عدن.
بعد الدولة الزيادية قامت الدولة الصليحية (1040) التي استمرت حتى دخول الدولة الأيوبية (1174) والأخيرة هزمتها الدولة الرسولية (1228) التي حكمت حتى قيام الدولة الطاهرية (1454)، وهذه كانت أضعف من أن تحتوي الزيدية أو ان تدافع عن نفسها ضد الغزاة الأجانب.
أعقب ذلك وصول المماليك الذين سيطروا بالتعاون مع قوات قبلية موالية للإمام الزيدي المتوكل يحيى شرف الدين على مناطق نفوذ الطاهريين ولكنهم لم يتمكنوا من إسقاط عدن (1517). لم يدم الإنتصار المملوكي طويلًا، إذ بعد شهر واحد من إسقاطهم الطاهريين، احتلت الإمبراطورية العثمانية مصر وشنقت طومان باي آخر سلاطين المماليك في القاهرة، وقررت السيطرة على اليمن.
 

في ظل السلطنة العثمانية
بسطت الإمبراطورية العثمانية سلطتها على عدن وتهامة واتخذت من زبيد مقرًا إداريًا للسلطة العثمانية واقتحمت مع أنصار المطهر بن يحيى شرف الدين، تعز وتوجهت شمالًا نحو صنعاء وسيطرت عليها (1547). غير أن عدم مراعاة العثمانيين للتوازن الدقيق للقوى في اليمن، جعل اليمنيين يتناسون خلافاتهم ويتوحدون ضدهم.
 

دولة الأئمة الزيدية
توفي الإمام المؤيد بالله بن القاسم في العام 1644 واقتتل أبناء الإمام المنصور بالله القاسم على الإمامة حتى انتزعها المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم في العام ذاته وتوجه إلى عدن ولحج وأبين، وطرد بقية الجند العثماني منها وسيطر على عسير وحضرموت وظفار (1654). وتمكّنت اليمن من توطيد علاقات تجارية مع إمبراطورية مغول الهند وكانت مدينة سورات الهندية الشريك التجاري الأكبر لها، كذلك تبادلت البعثات الدبلوماسية مع الوالي العثماني في جدة وعباس الثاني الصفوي في إيران ومملكة إثيوبيا.
 

سيطرة الإنكليز
في القرن الثامن عشر، تمكن عامل لحج المعين من الأئمة من الإستقلال بالمدينة والسيطرة على عدن (1740)، ودخل في عدة صراعات مع القبائل المجاورة. واستولى الإنكليز على عدن في العام 1839 مطالبين بتعويضات من السلطان عن نهب حل بباخرة تابعة لهم. كان الإنكليز يدفعون المرتبات السنوية لمشايخ القبائل المحيطة بعدن، كما تواجدت بعض القبائل التي اعتبرها الإنكليز دولًا لمنع الزيدية من اقتحام عدن. الكيان الوحيد الذي كان مستقرًا ويتمتع بمنظومة حكم مستقلة إلى حد معقول ومستفيدًا من تواجد الإنكليز في عدن كان سلطنة لحج التي كانت تستغل من أراضيها الزراعية الخصبة فتجمع الضرائب من المزارعين والحرفيين ومن إعلان البريطانيين عدن منطقة حرة (1850).
 

عودة العثمانيين
عاد العثمانيون من جديد وأسسوا ولاية اليمن (1872) والتي ضمت مناطق إيالة اليمن السابقة باستثناء المناطق الجنوبية. والحقيقة أن تجارًا من صنعاء طلبوا منهم السيطرة على المدينة، بسبب يأسهم من قدرة مشايخ القبائل والأئمة الزيدية على فرض الأمن. سيطر العثمانيون على تهامة أولًا وتعلموا من تجربتهم السابقة فعملوا على ما أسموه تطوير اليمن فأدخلوا المطابع وبنوا المدارس بل عملوا على علمنة المجتمع اليمني. ولكن الفساد كان مستشريًا في الولاية والسبب في ذلك هو أن معظم المسؤولين العثمانيين كانوا يتحاشون الذهاب إلى اليمن، التي تمّ بالتالي إرسال أسوأ الجنرالات إليها.
كان العثمانيون يسيطرون على المدن الرئيسية ولم يستطيعوا احكام سيطرتهم على الأرياف حيث القبائل، وأفشل الزيدية كل المخططات العثمانية لإخضاعهم.
 

الدولة المتوكلية
كان يحيى حميد الدين المتوكل إمامًا على الزيدية في اليمن وبخروج العثمانيين أراد هذا الإمام توسيع نفوذه ليشمل اليمن بكاملها ويعيد إحياء ملك أجداده القاسميين. ولم يعترف بالمعاهدة الأنجلو - عثمانية لترسيم الحدود التي قسمت اليمن إلى شمال وجنوب (1915)، في المقابل وقع الأدارسة في عسير على معاهدة مع الإنكليز لقتال الأتراك، تضمن لهم استقلالهم فور انتهاء الحرب العالمية الأولى.
حاول الإمام يحيى حميد الدين بعد خروج العثمانيين التوسع واستعادة «الدولة القاسمية». وفي العام 1919 توجه جنوبًا واقترب خمسين كيلومترًا من عدن، ولكن الإنكليز قصفوا جيشه بالقنابل فاضطر للتراجع، وأسرع الإنكليز نحو الساحل التهامي وسيطروا على الحديدة ثم سلموها لحليفهم الإدريسي في عسير (1920). أخذ الإنكليز بالتوسع وضم المشيخات المتعددة المحيطة بعدن لمنع الأئمة الزيدية من إقتحامها.
أسس الإمام يحيى حميد الدين حكمًا ثيوقراطيا، وتبنى سياسة إنعزالية خوفًا من أن تسقط بلاده ضحية القوى الإستعمارية المتحاربة عقب الحرب العالمية الأولى، وكذلك لإبعاد المملكة عن التيارات القومية التي ظهرت في المنطقة العربية في تلك الفترة. وهو تمكن من القضاء على ثورة قامت ضده (1948) بينما أحبط إبنه انقلابًا في العام 1955.
كان الدعم التقليدي للأئمة الزيدية يأتي دائمًا من المرتفعات الشمالية ولكن قبائل المرتفعات الشمالية كانت أكثر تعصبًا ونزعة للإستقلال عن السلطات المركزية نظرًا لفقر مناطقها مقارنة بالمناطق الأكثر خصوبة مثل إب وتعز. فرغم ولائها المذهبي للأئمة الزيدية كانت هذه القبائل أشبه بدويلات صغيرة لديها أراضيها، وحلفائها وزعمائها السياسيين (المشايخ) ومصالحها الخاصة.
 

محمية عدن
عقب الحرب العالمية الثانية، شهدت عدن حركة اقتصادية متنامية وأصبحت ثاني موانئ العالم نشاطًا بعد نيويورك.
كانت محمية عدن مقسمة إلى قسمين: محمية غربية وأخرى شرقية فيهما ثلاث وعشرين سلطنة وإمارة وعدة قبائل بدوية مستقلة تمامًا عن تأثير السلطنات. العلاقة بالإنكليز تمثلت بتوفير هؤلاء الحماية لعدن مقابل تحكمهم المطلق بالعلاقات الخارجية. وقد أنشأ الإنكليز ماعُرف بإتحاد إمارات الجنوب العربي لإبعاد عدن عن موجة القومية العربية التي اجتاحت المنطقة وللحد من مطالب الإستقلال.
 

اليمن الشمالي
تحول انقلاب عبد الله السلال (1962) ضد حكم الإمامية، وإعلان الجمهورية، إلى حرب أهلية عُرفت بثورة 26 ايلول - سبتمبر. وأرسل الرئيس جمال عبد الناصر ألف مقاتل مصري في إشارة إلى تأييد القيادة المصرية للإنقلاب. سقوط الإمامة في شمال اليمن لم يكن متوقعًا وقد صدم الأنظمة الملكية المحافظة في المنطقة، بينما رأى فيه عبد الناصر فرصة لإنجاح مشروع القومية العربية. كان الإمام أحمد يعتمد على القبائل الزيدية لتثبيت حكمه وبدأ أنصاره بشن حرب عصابات ضد الجمهوريين والقوات المصرية التي بلغ عديدها في شباط 1963، عشرين ألف مقاتل كانوا بقيادة المشير عبد الحكيم عامر.
تدخلت السعودية لإسقاط الجمهورية الناشئة بدعم القبائل الزيدية في المرتفعات وكان الإتحاد السوفييتي أول دولة تعترف بالجمهورية العربية، أما الإعتراف الأميركي فأتى في 19 كانون الاول 1962، مرفقًا بنصيحة من جون كينيدي للسعودية والأردن مفادها، إجراء إصلاحات داخلية لتجنب مصير الإمام على حد تعبيره، وهو طالب البريطانيين بالإعتراف بالجمهورية حتى يؤمنوا موقعهم في عدن.
كانت السعودية تدعم الملكيين بالأموال لشراء الولاءات القبلية، وبالأسلحة الخفيفة مثل البنادق والقنابل اليدوية، وتدخلت إسرائيل وبريطانيا في الحرب ما نقلها لمستوى آخر. حشد البريطانيون الآلاف من المرتزقة من مختلف أرجاء أوروبا ودعموها بأسلحة متطورة للقتال إلى جانب الملكيين. وكانت الطائرات الإسرائيلية تعبر الأجواء السعودية وتلقي الأسلحة إلى اليمن، ثم تتزود الوقود في جيبوتي وتعود إلى إسرائيل، وكان لأسلحتها دور كبير في الحفاظ على المواقع الموالية للإمامة أمام الجمهوريين. وهكذا ظهر دور إسرائيل كعامل موازن ضد تحقيق تقدم مصري في اليمن.
عزل عبد الله السلال في العام 1967 وتولى عبد الرحمن الإرياني رئاسة الجمهورية العربية اليمنية، وتوقفت المعارك رسميًا في العام 1970. بعد نحو 4 سنوات إنقلب المقدم إبراهيم بن محمد الحمدي (الناصري) على الرئيس عبد الرحمن الإرياني وسمى إنقلابه بحركة 13 يونيو التصحيحية. واتسمت فترة الرئيس إبراهيم الحمدي باصلاحات هيكلية في الدولة وبالعمل على تقوية العلاقات مع اليمن الجنوبي وعقد صفقات سلاح مع عدد من الدول، وإعادة هيكلة الجيش اليمني، لبناء سلطة مركزية قوية تهيمن على القبائل الموالية للسعودية. فقد كان الرئيس الحمدي يعتبر المشيخات القبلية عائقًا أمام التنمية لذلك سعى إلى عزلها سياسيًا، وهذا ماخلق له أعداء أقوياء منهم عبد الله بن حسين الأحمر، الذي حاول الإطاحة بالحمدي ولكنه لم ينجح. وفي العام 1977 أغتيل الرئيس ولم يقدم مدبرو الإغتيال للمحاكمة ولم يُكشف عنهم.
تولى أحمد بن حسين الغشمي الحاشدي رئاسة الجمهورية العربية اليمنية وقام بفصل حلفاء الحمدي أو نقلهم وتسليمهم مسؤوليات غير مهمة، وحل مجلس القيادة العسكرية.
أصبح علي عبد الله صالح السنحاني رئيسًا للجمهورية العربية اليمنية في العام 1978. عقب توليه الرئاسة، ولّى سبعة من إخوانه في مناصب عليا في الدولة. لم تطرأ تغييرات كبيرة على شمال اليمن منذ سقوط الإمامة، وبقيت القبائل مؤثرة، وتعلم علي عبد الله صالح من درس إبراهيم الحمدي فلم يحاول إثارة غضب القيادات القبلية.
 

اليمن الجنوبي
قامت ثورة 14 أكتوبر الشعبية ضد الاستعمار البريطاني في جنوب اليمن في 14 تشرين الأول 1963 بدعم من نظام الشمال وبمشاركة يمنيين شماليين. وبعد تضحيات كبيرة وجهاد متواصل، نال الجنوب استقلاله في 30 تشرين الثاني 1967، لينتهي بذلك احتلال دام لأكثر من 120 عامًا.
مع خروج آخر جندي بريطاني من عدن اعلنت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. تولى قحطان الشعبي رئاسة دولة باقتصاد منهار، غادر العمال المدنيون ورجال الأعمال وتوقف الدعم الإنكليزي، كما أن إغلاق قناة السويس عام (1967) خفض عدد السفن العابرة لعدن بنسبة 75%.
بعد ازاحة الشعبي (1969) تم تشكيل لجنة رئاسية من خمسة أشخاص، اتخذت هذه المجموعة خطًا يساريًا متطرفًا، فأعلنت تأييدها للفلسطينين ولثورة ظفار وعززت علاقتها بالإتحاد السوفياتي، وقامت القوى الجديدة بإصدار دستور جديد، وتم تأسيس اقتصاد مخطط مركزيًا.
كان لجنوب اليمن نظامه الخاص من الماركسية والذي خضع لعدد من الظروف والعوامل المحلية، فكانت الدولة الماركسية الوحيدة في العالم بدين رسمي هو الإسلام. وبين العامين 1972 و1979 قامت حرب بين جنوب اليمن وشمالها.
 

الجمهورية اليمنية
شكلت الحرب الأهلية في اليمن الجنوبي (1986) المسمار الأول في نعش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. وساعدت التغييرات الداخلية والخارجية الطارئة في قيام الوحدة اليمنية، التي تم إعلانها رسميًا في 22 أيار من العام 1990، حيث تم إعتبار علي عبد الله صالح رئيسا للبلاد وعلي سالم البيض نائبًا لرئيس الجمهورية اليمنية. كانت القوى القبلية والدينية التي شكلت حزب التجمع اليمني للإصلاح (اسلاميين) في شمال اليمن ترفض الوحدة بوضوح بحجة أن الجنوب إشتراكي وسيؤمم الشمال، وكانت لها كذلك تحفظات إجتماعية، ويضاف إلى ذلك الضغوطات السعودية. لم تستطع أي من الدولتين اليمنيتين فرض نظامها ورؤيتها على الاخرى فقامت الوحدة السياسية قبل دمج المؤسســات العسـكرية والإقتصادية.
نظام الحكم في اليمن جمهوري تمثيلي ديقراطي يكون فيه الرئيس رأس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وينتخب لمدة 7 سنوات، وهو يعين نائب الرئيس لمدة 6 سنوات، ورئيس الوزراء ونائبه. السلطة التنفيذية بيد الحكومة، والسلطة التشريعية مستقلة كما ينص الدستور، إلا أن هناك تدخلا من قبل السلطات التنفيذية.
 

الجيش اليمني
يتكون الجيش اليمني من أربعة أقسام رئيسة هي: القوات البرية، القوات الجوية والدفاع الجوي، القوات البحرية والدفاع الساحلي، قوات حرس الحدود وقوات الاحتياط الاستراتيجي التي تضم العمليات الخاصة والحماية الرئاسية وألوية الصواريخ. تتبع غالبية الجيش لوزارة الدفاع وبعضها يتبع رئاسة الجمهورية مباشرة. تضم القوات اليمنية مجتمعة 138.000 جندي تقريبًا، ويقدر الاحتياط بنحو 450.000 مجند.
 

محاولة انفصال وعدم استقرار
في نيسان 1994 حصل تبادل لاطلاق النار في معسكر تابع لليمن الجنوبي قرب صنعاء، سرعان ما تطور إلى حرب أهلية شاملة في 20 أيار. وأعلن علي سالم البيض من عدن نفسه رئيسًا لدولة جديدة سماها جمهورية اليمن الديمقراطية، ولما لم يعترف أحد بالدولة الجديدة، غادر البيض البلاد.
في العام 2003 تأسس تكتل أحزاب اللقاء المشترك الذي ضم حزب التجمع اليمني للإصلاح والحزب الإشتراكي اليمني وحزب الحق والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري. وفيما أدى توظيف الوهابية لمصلحة الرئيس صالح في جنوب اليمن، إلى التخلص من الإشتراكيين، ظهرت في صعدة حركة الشباب المؤمن بقيادة حسين بدر الدين الحوثي مطلع التسعينيات، والتي أصبحت تعرف باسم «الحوثيين» الذين اصطدموا مع الحكومة اليمنية 2004. دوافع حسين بدر الدين الحوثي وأخيه عبد الملك بدت دينية في ظاهرها، ولكن هذا التوصيف لا ينطبق تماما على الواقع، إذ أن فصائل قبلية قوية، قاتلت إلى جانب الحوثيين بسبب النقمة على الحكومة اليمنية على خلفية الواقع الإقتصادي والمعيشي. استمرت المعارك المتقطعة وفي العام 2009 تدخلت السعودية مباشرة ضد الحوثيين.
يرى بعض المحللين أنه منذ العام 2007، بدا واضحًا أن اليمن دولة قائمة لإثراء طبقة على حساب الجمهور الأوسع، وارتفعت اصوات التذمر في الجنوب ليظهر «الحراك الجنوبي» في العام 2008، وبذلك بدأت أوضاع البلاد تتجه نحو الأسوأ.
 

«ربيع اليمن» أم خريف السلطة والوحدة؟
خرج طلاب الجامعات ومجموعات شبابية للإحتجاج ضد الرئيس علي عبد الله صالح في 15 كانون الثاني 2011، مطالبين برحيله بعد ثلاثة وثلاثين عامًا في السلطة، وبعدما بلغت نسبة المواطنين الذين يعيشون على دولارين يوميًا قرابة النصف، وتجاوزت نسبة الأمية القرائية الـ50%، بينما لم يستطع الحصول على وظيفة إلا 5% فقط من خريجي الجامعات.
دعت قطر علي عبد الله صالح إلى التنحي فورًا، ولكن السعودية لم تكن متحمسة لرحيله، فانسحبت قطر ليضغط الأميركيون على السعودييين. وفي 3 حزيران 2011 تم تفجير مقر قيادة الرئيس صالح ولكنه نجا من الموت وتوجه إلى السعودية لتلقي العلاج.
وقع علي عبد الله صالح على «المبادرة الخليجية» بعد عام من الإحتجاجات خلفت أكثر من 2000 قتيل و22000 جريح. وفي حين رأى حزب التجمع اليمني للإصلاح أن ماحدث في 2011 كان ثورة، كان في المقابل هناك من يرى أن ماحدث هو أزمة سياسية بين ما يعرف بـمراكز القوى القبلية والعسكرية التي كونت نظام علي عبد الله صالح.
وفّرت المبادرة الخليجية حصانة لعلي عبد الله صالح وأسرته من الملاحقة القانونية، وتولى المبعوث الأممي جمال بن عمر مهمة الإشراف على الفترة الإنتقالية برئاسة عبد ربه منصور هادي، وعلى سير أعمال مؤتمر الحوار الوطني اليمني.
اختتمت جلسات مؤتمر الحوار الوطني اليمني في أواخر كانون الثاني 2014 وتمّ الإتفاق على قيام دولة جديدة تحت اسم جمهورية اليمن الإتحادية على أن يترأس عبد ربه منصور هادي لجنة تحدد عدد الأقاليم الفدرالية في الدولة وصياغة الدستور الجديد، ومن المقرر أن تنهي اللجنة الرئاسية عملها في موعد اقصاه 25 كانون الثاني 2015.
غير أن ذلك لا يعني أن البلاد نعمت بالهدوء في تلك الأثناء فقد اندلعت اشتباكات مسلحة بين الحوثيين وأطراف مرتبطة بحزب التجمع اليمني للإصلاح (اخوان مسلمون) في دماج (2013)، وأعلن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب انضمامه للقتال ضد الجماعة الزيدية المسلحة، علمًا أن القاعدة كان قد قاتل سابقًا مع علي محسن الأحمر ضد الحوثيين. وكانت تلك بداية اشتباكات طويلة، انتقلت إلى محافظات الجوف وعمران وصنعاء. انتصر الحوثيون على ميليشيات الأحمر التي ضمت عناصر من تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في صعدة ومحافظة عمران بحلول شباط 2014، وتدخل بعدها اللواء 310 مدرع بقيادة حميد القشيبي الموالي لعلي محسن الأحمر الداعم لجماعة «الاصلاح». وقد رفضت وزارة الدفاع إضفاء الصفة الرسمية على عمليات اللواء وقالت إن الجيش اليمني يقف على مسافة واحدة من الشعب ويجب إبعاده عن الصراعات والمناكفات السياسية والحزبية.
وأصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2140 تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة والذي قضى بمعاقبة معرقلي التسوية السياسية اليمنية الذين يضربون ابراج الكهرباء وأنابيب النفط وغيرها من الممارسات الهادفة لعرقلة استكمال الانتقال السلمي للسلطة.
في 21 أيلول 2014، سيطر «أنصار الله» الحوثيون، بقيادة عبد الملك الحوثي على صنعاء وجامعة الإيمان ومقر الفرقة الأولى مدرع والقيادة العامة للقوات العسكرية ومنازل علي محسن الأحمر وحميد الأحمر، وأعلنوا في الليلة ذاتها تسليم جميع المباني الحكومية للشرطة العسكرية. واصدرت وزارة الدفاع بيانًا مقتضبا تأييدًا لـ«ثورة الشعب» كذلك أعلنت وسائل الإعلام الحكومية إستقالة رئيس الوزراء والتوقيع على إتفاق جديد برعاية الأمم المتحدة سمي بـ«اتفاق السلم والشراكة والوطنية 2014». ويسعى اليمنيون اليوم بصعوبة إلى ايجاد صيغ تفاهم جديدة لتأمين الشراكة والسلام عبر توزيع مراكز السلطة بين المكونات اليمنية المختلفة، في ظل مروحة من التدخلات الأجنبية والإقليمية قد تطيح بمكاسب الثورة اليمنية وتعيد البلاد إلى دائرة العنف والاقتتال والانقسام من جديد.
 

خلاصة
شكّلت الجغرافيا وتعقيداتها الطبيعية البيئة الحاضنة لتاريخ يمني معقد ومتداخل، فالعصبية القبلية والجهل والفقر والتعصب المذهبي والسلاح و«القات»، وتحالفات الزعماء الداخلية والخارجية وسرعة الانقلاب عليها، وتغليب المصالح المادية الآنية، ووهم الاستئثار بالسلطة والكسب، شكلت عوامل دافعة لليمني باتجاه الثورة. كما أن تهميش السلطة لمصلحة المواطن جعلته لا يعير أهمية لمصلحة الدولة التي افرغت من مضمونها، لتصبح شاهد زور واسم على غير مسمى، يوظفها المسؤول في حسابات انتماءاته الاساسية للقبيلة وللكسب المادي والسيطرة. فبلد اكثر من نصف سكانه حفاة عراة وجائعون، كما يرى بعض المراقبين، لا يمكن أن يسكت عن المطالبة بالتغيير والثورة والدولة الديمقراطية الحرة، والعدالة.
ويرى البعض الآخر أن اليمن اليوم بموقعه الجيوستراتيجي المهم وتعقيدات تركيبته الجيوبوليتيكية يستغل كمسرح للصراع الاقليمي بين ايران من جهة والمملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج العربي من جهة اخرى. وأن ما بينهما من تداخل وتقاطع محلي واقليمي ليس بعيدًا عما يجري في سوريا والعراق ولبنان من حروب مباشرة أو بالوكالة وتحت مسميات متعددة، على خلفية الصراع الدولي في لعبة الشطرنج الكبرى للسيطرة على المنطقة. وما شهده اليمن ويشهده اليوم، هو فصل من فصول هذه المسرحية الكبرى التي تدعى لعبة الأمم وصراع المصالح، حيث يتم توظيف العوامل الجغرافية الاستراتيجية والبنيوية للمجتمع اليمني لخدمة اهداف الآخرين. وأما اليمني فسيبقى يقاتل ويطالب بتحقيق العدالة في دولة فاشلة مرصودة، على أمل الوصول إلى جنته الموعودة.. وامام هذا الواقع المؤلم «يخزّن القات» المخدّر، علَّه، في الخيال، يستعيد سعادته المفقودة..أليست بلده هي اليمن السعيده؟...


المراجع:
اليمن/ ar.wikipedia.org/wiki
https://www.cia.gov/library/publications/cia-maps.../Yemen
https://www.cia.gov/library/publications/the...factbook/geos


الهوامش:
- الزيدية: نسبة الى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب. طائفة دينية إسلامية متفرعة عن الشيعة ويعتبرون أقلية بينهم، معظمهم في اليمن اليوم. وتواجدوا سابقًا في نجد وشمال أفريقيا وحول بحر قزوين، ويبلغ عددهم في اليمن نحو 10 ملايين نسمة.
- الحوثيون: أو حركة أنصار الله كانت تسمى بـ حركة الشباب المؤمن، هي حركة سياسية دينية مسلحة تتخذ من صعدة في اليمن مركزًا رئيسيًا لها. عرفت باسم الحوثيين نسبة إلى مؤسسها حسين الحوثي الذي قتل على يد القوات اليمنية (2004) والذي يعد الأب الروحي للجماعة. تأسست الحركة في العام 1992 نتيجة لمشاعر التهميش. قيادة الحركة وأعضاؤها ينتمون إلى المذهب الزيدي من الإسلام.
- الشافعية: الشافعية أو المذهب الشافعي أو الفقه الشافعي، اشتهر هذا المصطلح منذ البدايات المبكرة لنشوء المدارس الفقهية السنية المختلفة، لكنه ظهر في حياة الإمام محمد بن إدريس الشافعي (150 - 204هـ) الذي تنسسب الشافعية اليه.
- الحراك الجنوبي: هو حراك شعبي في جنوب اليمن بدأ بكيان جمعية المتقاعدين العسكريين والأمنيين المسرحين الذين قاموا ضد الظلم والعنصرية التي مارسها النظام الحاكم بحق أبناء الجنوب بعد حرب صيف 1994 والتي اجتاحت فيها قوات اليمن الشمالي عاصمة اليمن الجنوبي عدن. وبعد الأحداث الأخيرة تطوّر الحراك ليصبح شماعة تستغل للمطالبة بالتحرر والاستقلال لجنوب اليمن من قبل القوى المختلفة المعارضة للنظام القائم.