جمعيات أهلية

«بحر لبنان»
إعداد: باسكال معوض بو مارون

معاً من أجل بحر أنظف

 

معاً من أجل بحر أنظف» هذا هو الهدف الذي أُنشئت لأجله جمعية «بحر لبنان» البيئية. الأستاذ محمد السارجي نقيب الغواصين المحترفين في لبنان والعضو في هذه الجمعية كان ضيف مجلة «الجيش» في حديث عن الجمعية وتأسيسها وأهدافها. وكذلك عن مبادرتها للمساعدة في معالجة التسرّب النفطي الذي سببه العدوان الاسرائيلي الصيف الماضي في الجيّة.

 

دور الجمعية وأهدافها
قال السارجي بدايةً: «بحر لبنان» جمعية غير حكومية لا تتوخى الربح. تم تأسيسها في كانون الثاني 2002 بمبادرة من رئيس مجلس الوزراء آنذاك رفيق الحريري بهدف المحافظة على تنوّع النظام البيئي في لبنان وحمايته من كل أذى.
وتضمّ الجمعية أربعة أعضاء مؤسسين على رأسهم السيدة نازك الحريري كرئيسة للجمعية، ولجنة تنفيذية مؤلفة من أهل الاختصاص في مجال البيئة البحرية، وعلماء نفس وأطباء أمراض نفسية، اضافة الى اختصاصيين في علم الاجتماع، ومحامين وخبراء بالمجال الاعلامي.
أما الدور الرئيس للجمعية فهو إيجاد الطرق والاساليب التي من شأنها أن تضمن نظافة الشواطئ من التلوث البرّي والبحري، وتؤمّن حماية تنوّع الحياة على الشواطئ وفي البحر، وتمهّد لإنشاء إدارة مسؤولة عن المنطقة الساحلية.
وأضاف قائلاً: تتوخّى الجمعية العمل باستمرار لمكافحة التلوث بجميع أنواعه في سبيل المحافظة على صحة المواطنين وحماية التنوّع البيئي والموارد البحرية على طول الشاطئ اللبناني، ولتحقيق هذه الاهداف ينبغي القيام بحملة توعية وبعدد من الابحاث المتعلقة بالبحر والشواطئ.
وتحرص الجمعية على وضع خطتها في العمل في إطار الجهود المشتركة لدول البحر المتوسط من أجل مكافحة التلوث.
وفي هذا الاطار، وقّعت الجمعية عدداً من الاتفاقات الاقليمية مع دول شرق المتوسط ومنها تركيا ومصر، وذلك بهدف المساهمة في حماية البيئة البحرية المتوسطية.

 

برنامج العمل والنشاطات:

ما هو برنامج العمل الذي تعتمده الجمعية؟
- أعدّت الجمعية برنامج عمل طويل المدى يتضمن ستة أهداف أساسية:
أولها، حملة توعية وطنية لتنمية الشعور بالمسؤولية تمتد لسنوات عديدة، وتشمل البحر بتنوع حياته البيئية والتلوث وأضراره خصوصاً الناتج من النفايات العضوية.
ثانياً، هنالك عمل على الصعيد التشريعي بهدف مطابقة التشريعات المتعلقة بالبيئة البحرية مع القواعد الدولية، ووضع خطة لتجهيز الشاطئ وتنظيم البناء عليه والعمل على فرض غرامات قاسية على الملوثين والمخالفين.
ثالثاً، تنظيف الشواطئ والمياه، وفي هذا الاطار تأتي اتفاقية التعاون على مكافحة التلوث البحري مع إمارة موناكو.
رابعاً، مشروع إنشاء بنية تحتية لصيانة الشواطئ وتجنيد الطاقات الانسانية للمحافظة على نظافة الشواطئ وسلامتها وفقاً للقواعد المحلية والدولية.
خامساً، المحافظة على التنوّع البيئي في البحر وعلى الشاطئ وذلك بالتعاون مع منظمات ومؤسسات حكومية وغير حكومية.
سادساً، مشروع بناء اكواريوم مجهّز كمتحف بحري، يؤدي دوراً تثقيفياً وترفيهياً وهدفه تعريف المجتمع بالثروة البرية النباتية والحيوانية.
 ما هي أبرز النشاطات التي نفذتها الجمعية؟
- لقد كان برنامج العامين 2003-2004 حافلاً بالنشاطات البيئية منها، توقيع اتفاقية تعاون مع إمارة موناكو وأخرى مع مؤسسة H & C Leo Burnett التي ساهمت في حملة إعلانية اطلقت بواسطة التلفزيون والانترنت ووسائل توعية اخرى.
وإضافة الى مساهمتنا في مكافحة التلوث النفطي الذي سببه العدوان الاسرائيلي، نستمر في إقامة حملات لحماية البيئة البحرية الحيوانية والنباتية في لبنان، وتوعية المواطنين حول مخاطر تلويثها.

 

الانجازات والخطط المستقبلية
 معلوم أنكم اضطلعتم بدور أساسي لمعالجة التسرّب النفطي الذي سببه العدوان الاسرائيلي الصيف الماضي. أخبرنا عن عملكم في هذا المجال؟
- كما هو  معلوم، أدى القصف الاسرائيلي لخزّانات الجيّة الى تسرّب كميات هائلة من الفيول، واضافة الى الحرائق التي لم يشهد لبنان مثلها على الاطلاق والتي بقيت مستعرة لأكثر من شهر، فقد تلقّى البحر المتوسط ضربة قاتلة بسبب تشكّل بحيرات نفطية مساحتها عشرات الكيلومترات المربّعة وكثافتها وصلت الى ما يزيد عن 40 سنتم في بعض الخلجان والموانئ.
لقد أدّى هذا التلوث النفطي الى كارثة بيئية واقتصادية، فمادة الفيول التي تدفّقت بغزارة شديدة، دخلت مياه البحر المحاذية لها بشكل نهر جارف، واستطاعت أن تصل الى قاع البحر وتتابع تدفقها ليغطي التلوث أكثر من 150 كلم من الشواطئ.
وأضاف قائلاً: أدى التسرب النفطي الى دمار البيئة البحرية الساحلية والتي تمتد من عمق 10 امتار من داخل البحر وصولاً الى الشواطئ الرملية والصخرية، وقتل كل ما تحتويه من مخلوقات بحرية من أسماك وديدان وسلاحف وسرطانات وأصداف وحشائش.
لكن الضرر الأعظم لحق بالثروة السمكية كون تجمعات نفطية كبرى غطت المناطق الساحلية من خلجان وموانئ وسناسيل وجعلت بعضها أشبه بقبر جماعي لكل ما هو حيّ.
وقد تفاقمت الاضرار وتضاعف حجم الكارثة مع استمرار العدوان ومن ثم الحصار وبالتالي إعاقة التحرك للحدّ من آثارها.
كما أن العوامل الطبيعية أدّت الى تغطية البقعة النفطية، فأصبحت عدة طبقات تغطيها أطنان من الرمل والبحص.

 

 ما كانت خطة الجمعية لمكافحة هذه الكارثة البيئية في العمق، خصوصاً وانك نقيب الغوّاصين؟
- لقد جنّدنا 50 غواصاً من نقابة الغواصين المحترفين في لبنان، عملوا لمدة ثلاثة أشهر على تنظيف قاع البحر من التلوث النفطي في أربع مناطق كانت قد حددتها الجمعية من خلال الحملة الاستكشافية لقاع البحر، وادي الزينة، الجية، الرملة البيضاء وجبيل.
ضمّ كل فريق ثلاثة غواصين، أحدهم يجمع البقايا النفطية والثاني يسهل له عملية وضعها داخل كيس خاص يبقيه بمحاذاته، بينما يرفع الغوّاص الثالث الكيس الممتلئ الى سطح الماء ويزوّد رفيقيه أكياساً جديدة.
وتابع وصفه آلية انتشال النفط من عمق البحر قائلاً: كنا نقوم «بسلخ» النفط الصلب من القاع ثم انتشاله قطعاً لوضعه داخل الاكياس ورفعه الى خزانات على ظهر المركب.فيما كنا نلفّ البقايا النفطية التي لم تحترق كالسجادة ونقطّعها لوضعها داخل الاكياس. وعندما يمتلئ الخزان الموجود على ظهر المركب، ندخل المرفأ حيث ننقل البقايا النفطية المنتشلة الى خزانات على الشاطئ.
وقد شاركت خمسة مراكب في عملية التنظيف في الجية، وعلى متنها 36 غواصاً قاموا في غضون أسبوعين بسحب أكثر من 70 طناً من قاع البحر، بينما قام فريق جبيل المؤلف من 14 غواصاً بسحب 60 طناً.
والجدير بالذكر ان الجمعية تخزّن كل المستوعبات التي تحوي بقايا النفط المستخرجة من القاع في مستودعات خاصة، لتتم معالجتها بالطرق البيئية المناسبة.

 

التقنيات المعتمدة
 ما كانت التقنية التي اعتمدت لعملية التنظيف على سطح البحر؟

- عمل فريق التنظيف المؤلف من اختصاصيين وصيّادين الى محاصرة المنطقة كلياً بأنابيب اسفنجية قابلة للتطويل حسب الطلب (يصل قطرها الى 40 سنتم) بهدف منع أي من البقايا من التسرّب الى داخل البحر وهي ما يعرف بال«Absorbent Booms».
وقد ابتكر فريق العمل «فرشات» لامتصاص كميات كبيرة من النفط موجودة على سطح المياه. صنعت هذه الفرشات من الشباك الممتصة للنفط والمحشوة بكميات كبيرة من المواد القطنية المستخدمة عادة داخل ال«Booms».
تصنع هذه الفرشات بأحجام مختلفة، يحمل كلاً منها صياد و«يلاحق» بواسطتها البقع النفطية في المنطقة المحددة. تمتص هذه الفرش النفط بسرعة البرق وبكميات كبيرة، حيث يتغير لونها من الأبيض الى الأسود في دقائق معدودة، ويثقل وزنها عشرات المرات نظراً الى ثقل البقايا النفطية التي تخزّن داخلها.
وقد اتبع الفريق التقنية نفسها في تنظيف الشواطئ البحصية، إلا أن اللافت للنظر أن الأمواج كانت تقوم بتنظيف البقايا النفطية عن البحص بسرعة فائقة مقارنة بتنظيف الرمال.

 

 ما هي الصعوبات التي واجهتكم خلال تنفيذكم أعمال التنظيف؟
- الصعوبة الكبيرة التي برزت هي البحث في عمق الشواطئ الرملية عن الطبقات النفطية التي أضحت في بعض الشواطئ تحت ما لا يقل عن مترين من الرمل النظيف. ولذا فقد عمد خبير اجنبي عمل معنا الى استخدام الآليات الثقيلة (جرّافات وبوكلين) لنقل الرمال النظيفة بعد تحديد عمقها بدقة، ومن ثمّ انتشال الطبقات النفطية المترسّبة في عمق الشاطئ لتوضع في المنطقة المعروفة ب«مضرب الأمواج».
هذه التقنية المستعملة عالمياً والمعروفة ب«غسل الأمواج» تعتمد على مبدأ غسل الرمال الملوثة بالنفط بأمواج البحر، التي تفكك البقايا النفطية عن حبيبات الرمال، فتغرق هذه الأخيرة بينما تطفو البقايا النفطية على سطح مياه البحر نظراً الى خفة وزنها.
وختم السارجي قائلاً:
أدهشني خلال عملة التنظيف الواسعة والمعقدة سرعة الصياد اللبناني في التدرب على القيام بأعمال التنظيف في قاع البحر او على الشواطئ الرملية والبحصية، واستيعابه السريع لطرق البحث عن البقايا النفطية، وعمليات الانتشال والتنظيف ومن ثم قيامه بتطوير هذه التقنيات.
وهذا ما أدهش الخبير الفرنسي وكل الخبراء الأجانب الذين توافدوا تباعاً وبشكل مستمر الى اماكن التنظيف للكشف أو المراقبة، وأظن أن هذه المسألة تعود الى إصرار الصياد اللبناني على تنظيف البحر والشواطئ من هذه الكارثة النفطية كون البحر هو مكان عمله، ومورد رزقه الوحيد.

 

هبات ومعدات

في 6 أيلول 2006، أصدرت الحكومة اللبنانية قراراً قبلت بموجبه هبة من جمعية «بحر لبنان». قوام الهبة دعم مالي وفني وبشري للقيام بمهمات تنظيف الشواطئ والمياه البحرية، بالتنسيق مع وزارة البيئة. وأعلنت الجمعية أنه في إطار تعاونه مع وزارة البيئة الفرنسية، ومؤسسات دولية تمّ الاتفاق على تزويدها المعدات اللازمة.