قضايا عسكرية

«تور» و«هايبر سونيك»: هل تغيّرت قواعد الحرب التقليدية؟
إعداد: العميد المتقاعد شارل أبي نادر

بعد نحو ثلاثة أسابيع من انسحابها رسميًا من معاهدة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، والتي كانت قد وقّعتها مع الاتحاد السوفياتي السابق في العام 1987، فاجأت الولايات المتحدة الأميركية العالم وبخاصةٍ روسيا والصين بإجراء تجربة لصاروخٍ متوسط المدى، تمّ إطلاقه من جزيرة سان نيكولاس في ولاية كاليفورنيا.

 

الصاروخ الذي كان يحمل عند التجربة رأسًا تقليديًا وليس نوويًا وفق البنتاغون هو نسخة معدّلة عن صاروخ «كروز توماهوك» البحري. يتجاوز مداه الـ500 كلم ويُستخدم لتدمير منشآت عسكرية أو مدنية كبيرة ومراكز قيادية.
صحيح أنّ مواصفات «كروز توماهوك» البحري المعدّل لا تختلف كثيرًا عن مواصفات العديد من الصواريخ المماثلة الروسية أو الصينية، ولكن ما أثار حفيظة كل من بكين وموسكو، يتجاوز في الحقيقة المميزات التقنية والفنية للصاروخ، ليمتد إلى خطورته بعد نشره في مواقع وأماكن تؤثّر مباشرة على الأمن القومي الفعلي لكل من الدولتَين.
يرتبط انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من معاهدة الصواريخ القصيرة والمتوسطة، كما إجراؤها التجربة الصاروخية الجديدة، باتهامها روسيا بتطوير صواريخ تتجاوز المعاهدة المذكورة وتلغيها. ويرتبط الموقف الأميركي أيضًا بواقع كون الصين خارج معاهدة الصواريخ أصلًا، بينما أصبحت تملك قدرات صاروخية تماثل وربما تفوق القدرات الأميركية والروسية المقيّدة بالمعاهدة، الأمر الذي يستدعي حسب واشنطن ربط الصين بمعاهدةٍ تقيّد قدراتها الصاروخية.
في المقابل، تعتبر روسيا والصين أنّ صواريخها لن تشكل خطرًا على المدن والأراضي الأميركية والأمن القومي الأميركي، نظرًا إلى بُعد المسافات، بينما العكس ليس صحيحًا. فالصواريخ الأميركية القصيرة والمتوسطة المدى، قادرة على تشكيل أخطار كبيرة على روسيا والصين، لأنّها سوف تُنشر وتُطلق من قواعد أميركية أو حليفةً، في شرق أوروبا أو في دول المحيط الهادئ وجزره، بينما لا وجود لقواعد عسكرية روسية أو صينية قريبة من الأراضي الأميركية.
 

برنامج روسي متكامل
إزاء هذا التطور الحساس، كلّف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزارتَي الدفاع والخارجية بدراسة مستوى التهديد الناجم عن التجارب الأميركية الأخيرة للصواريخ المتوسطة المدى، واتخاذ الخطوات الضرورية للرد عليها بالمثل. وخلال ترؤسه اجتماعًا لمجلس الأمن القومي الروسي، أشار بوتين إلى أنّ الخطط الأميركية لنشر هذه الصواريخ في آسيا والمحيط الهادئ تمسّ المصالح الروسية في تلك المناطق.
وفي السياق نفسه، شدّد بوتين على أنّ روسيا لن تنجرّ إلى سباق تسلح ينهك اقتصادها، لكنّه أكد في الوقت نفسه أنّها لن تتوانى عن اتخاذ الخطوات الضرورية لحماية أمنها وأمن مواطنيها.
وتنفّذ وحدات التصنيع الروسية الصاروخية حاليًا برنامجًا متكاملًا، تعتبر أنّه سوف يكون مناسبًا للرد على النشاط الصاروخي الأميركي، ويمكن القول إنّ منظومة «تور» الروسية المضادة للأجسام الطائرة تشكل عنصرًا أساسيًا من هذا البرنامج الصاروخي الروسي.
 

«تور» المضادة للصورايخ والطائرات
تُعرف هذه المنظومة بـ«صائدة التوماهوك» إذ إنّها قادرة على إيقاف صواريخ «كروز» المجنحة بمختلف نماذجها المعدلة، وهي مخصصة للعمل في الظروف المناخية كافة وبخاصةٍ في القطب الشمالي، وبإمكانها إطلاق صواريخها في أثناء السير، واستهداف الطائرات والصورايخ العالية السرعة. كما أنّها تتجاوز مختلف العوائق المائية والصخرية والمنحدرات حتى 35 درجة، وبإمكانها التعامل مع الأجسام الطائرة والغطس جزئيًا في المياه (حتى منتصف ارتفاع هيكلها).
تحمل كل بطارية من منظومة «تور» 16 صاروخًا، وتطلق صواريخها من 3 اتجاهات مختلفة في آن واحد لتشتيت المنظومات أو الطائرات العدوة، وتقوم محطة الرادار الخاصة بها بتنسيق اتجاهات إطلاق صواريخها وفق أفضلية الأخطار، فتحدد بطريقةٍ أوتوماتيكية أفضلية الاستهداف. وهي مبرمجة تقريبًا لاستهداف الصواريخ المضادة للرادار أولًا ثم صواريخ السفن، ومن ثم تستهدف صواريخ أرض - سطح فصواريخ الطائرات من دون طيار، وأخيرًا الطائرة نفسها.
عادة لا يشكّل الصاروخ «توماهوك» الهدف الأصعب، فسرعته هي بين 880 و1000 كلم بالساعة، بينما تصل سرعة الصاروخ الأميركي أ أ أر جي أم المضاد للرادارات إلى 2280 كلم بالساعة، وهو أصغر من الأول بمترَين تقريبًا، ما يجعل استهدافه أصعب وعلى هذا الأساس يكون في طليعة الأهداف التي تعالجها «تور».
بعد الصاروخ المضاد للرادار تأتي بالأفضلية لناحية الخطورة، الصواريخ الموجهة من الجو والقنابل الذكية والتي سوف تركز رمايتها حتمًا على آلية المنظومة «تور»، ويكون الوقت المتاح أمام هذه المنظومة لاستهدافها قصيرًا جدًا، لكنّها قادرة على ذلك بفضل سرعتها.
تُنشر منظومة «تور» عادة من ضمن نظام دفاع جوي متكامل، ويمكن استخدامها على السفن الحربية مع تغيير في قواعد إطلاق الصواريخ وتركيبتها المتحركة، وتقوم الوحدات الروسية حاليًا بتجهيزها للاستعمال على متن الفرقاطة الأدميرال غريغوروفيتش.
زُوِّدت صواريخ هذه المنظومة محركًا يسمح لها بتغيير وجهة طيرانها، وبإمكانها استهداف الصواريخ التي تطير على سطح الأرض بارتفاع 4 أو 5 أمتار فقط. كما تتميز «تور» أيضًا بقدرتها على استهداف الطائرات من دون طيار والتي يكون عادة من الصعب استهدافها، فضلًا عن استهداف صواريخ «غراد» وإسقاطها، كما أنّ تجارب إطلاقها برهنت قدرتها على اكتشاف أي جسم غريب بحجم كرة مضرب على مسافة حوالى 32 كلم واستهدافه.
 

سباق لامتلاك صواريخ «هايبرسونيك»
خلال فترة غير بعيدة، سوف يُقر الكونغرس الأميركي شريحة تمويل متقدمة من عملية متسارعة لإنتاج ونشر نظامَين من أنظمة الصواريخ الفرط صوتية (هايبر سونيك)، التي تتجاوز سرعتها سرعة الصوت بأكثر من 15 ضعفًا، وهو نوع من الصواريخ يقول خبراء الاستراتيجية العسكرية «إنها تشكل ثورة في الأسلحة التي ستغير حتمًا قواعد لعبة الحرب وشكل الصراعات المستقبلية. وذلك ليس فقط لأنّ هذه الصواريخ غير المسبوقة تصيب أهدافها بدقةٍ متناهية، ولكن أيضًا وهذا هو الأهم، لأنّه لا توجد دفاعات ضدها حتى الآن في العالم. كما أنّها سوف تُخل بنظرية الردع التي شكلت صمام أمان خلال فترة الحرب الباردة أو فترة ما بعد الحرب الباردة، ما يمثل تهديدًا غير مسبوق للاستقرار العالمي».
وفيما جعلت الولايات المتحدة تطوير هذه الصواريخ وتجربتها أولوية ملحّة لها كي تكون جاهزة للعمل بحلول تشرين الأول 2022، تُسرّع كل من روسيا والصين تجاربهما لتحقيق الأسبقية في إنتاج صواريخ مماثلة ونشرها. وقد أعلنت روسيا قبل سنة نجاحها في تجربة صاروخ أطلقت عليه وسائل الإعلام وقتها اسم صاروخ «يوم القيامة»، وقالت إنّها بدأت تشغيل منظومة من صواريخ «هايبر سونيك»، لكن خبراء في البنتاغون اعتبروا ذلك عملًا دعائيًا وشككوا في أن تكون روسيا قد استكملت تجاربها، أو نشرت بالفعل مجموعة من هذه الصواريخ. كما أعلنت الصين أيضًا نجاحها في اختبار صاروخ فرط صوتي قادر على حمل قنابل نووية، وخلال شهر حزيران الماضي، أكدت وزارة الدفاع الصينية اختبار إطلاق صاروخ باليستي من غواصة نووية قادر على استهداف أي مكان في الولايات المتحدة، الأمر الذي يزيد من مخاطر التسلح.
 

ما هي صواريخ الـ«هايبر سونيك»؟
الصواريخ الفرط صوتية، هي صواريخ مبرمجة تبلغ خلال تحليقها سرعات غير مسبوقة تراوح بين 5 و12 ألف ميل في الساعة، بينما تبلغ سرعة الصوت 767 ميلاً في الساعة أي 1 ماخ. ولهذا أُطلق على الصواريخ التي تتجاوز سرعتها الـ 5 ماخ تسمية «هايبرسونيك». لكن النماذج الاختبارية الأخيرة للصواريخ الروسية والأميركية والصينية تراوح سرعتها بين 10 و20 ماخ، بل تتجاوز ذلك حسب ادعاء كل طرف خلال السنوات القليلة الماضية، وهي تُطلَق من منصات متعددة، حيث يمكن إطلاقها من البر عبر قاذفات صواريخ، أو من البحر عبر غواصات أو سفن، أو من الجو عبر قاذفات استراتيجية.
بعد إطلاقها، تحلّق هذه الصواريخ بسرعةٍ هائلة على ارتفاع 100 ألف قدم (30 كيلومترًا) عبر محرك نفاث متقدم، وحينما تبلغ أهدافها (خلال دقائق معدودة تراوح بين 5 – 20 دقيقة وفق بُعد الهدف عن مكان الإطلاق)، تهبط الصواريخ مع قوة الجاذبية الأرضية، لتصيب أهدافها بدقةٍ متناهية وبسرعةٍ لا تقل عن 1150 ميلًا في الساعة، ما يجعلها قوية جدًا وبما يكفي لاختراق أي كتل خرسانية، أو صفائح فولاذية مدرعة بفضل متفجرات يراوح وزنها بين 3 و4 أطنان من مادة «تي إن تي». وهي تُحدث تأثيرًا كارثيًا وحفرة هائلة في حال استخدام الصواريخ التقليدية المزودة رؤوسًا متفجرة، إلا أنّ هذه الصواريخ يمكن أيضًا أن تحمل قنابل نووية تُستخدم في سيناريوهات مختلفة.
 

أهداف عسكرية أم اقتصادية؟
انطلاقًا مما تقدم، من الطبيعي أن تتجاوز الولايات المتحدة الأميركية في تجاربها وفي تحضيراتها الجدية لتطوير صواريخ فرط صوتية، الهدف العسكري والمتعلق بتشكيل أخطار جدية على الصين أو روسيا عند أي مواجهة عسكرية استراتيجية. فتلك الأخطار، وواشنطن تعلم ذلك جيدًا، لن تقتصر على روسيا والصين فقط، إذ تملك الأخيرتان من قدرات الردع ما يجعل أي استهداف أميركي لهما، خيارًا مدمرًا للجميع وضمنًا للولايات المتحدة الأميركية. يبقى احتمال أن يكون النشاط الأميركي الصاروخي المتسارع، اقتصاديًا أكثر منه عسكريًا، إذ تعمل أميركا وبطريقةٍ غير مباشرة لإجبار كل من الصين وروسيا على الدخول في سباق تسلّح مكلف، لن يكون تحمّله سهلًا على الموازنة العامة للدولتين.

 

مراجع:
- www.aljazeera.net
- www.independentarabia.com