متاحف في بلادي

«جاد» تقدّم «درهم» الوقاية في ظل شبه غياب لدراهم العلاج
إعداد: جان دارك أبي ياغي

المزيد من أولادنا إلى هاوية المخدرات

 

مشكلة المخدرات في لبنان تخطت الخط الأحمر، وتفيد تقارير الخبراء بانحدار كبير نحو الهاوية نتيجة عدد المدمنين الهائل وتدني مستوى أعمارهم. جمعية «جاد» (شبيبة ضدّ المخدرات) الرائدة في العمل على هذا الصعيد، كانت لها خطوة جديدة، حيث افتتحت متحفًا للتوعية والتدريب على مضار المخدرات والتدخين والكحول في منطقة حبوب - جبيل. المتحف هو الأول من نوعه في العالم ويحمل عنوان «فكرة حلم».


حلم عمره 33 سنة
توّجت فكرة حلم عمره 33 سنة من العمل المضني والمتواصل في افتتاح متحف متخصص بالتوعية والتدريب ضد كل أشكال الإدمان خصوصًا المخدرات. «المخدرات ليست شيئًا جميلاً كما يصورها البعض، بل هي آفة مدمّرة، طريقها خطر ونهايتها سيئة ومحتومة. فالمدمن إنسان مريض كاذب متقلّب المزاج، لا يعرف ما يريد، يعاني مشكلات متراكمة في محيطه العائلي، ويواجه عادة مشكلات مع القانون، مذكرات توقيف وبحث وتحرّ، سجل عدلي ملوّث بنقطة سوداء، باختصار، وضعه صعب جدًا ويدعو للشفقة، أما نهايته فتكون الوفاة بجرعة زائدة، أو بحادث سيارة أو بالتوقيف». بهذه الكلمات يختصر رئيس جمعية «جاد شبيبة ضد المخدرات» جوزف حوّاط وصفه المخدرات ومتعاطيها، ليدق ناقوس الخطر، محذّرًا من انتشار آفة المخدرات وتفشيها في شكل كبير في المجتمع اللبناني، خصوصًا حبوب الكبتاغون التي تعرف رواجًا لافتًا في لبنان منذ انطلاق الأزمة السورية قبل ثلاث سنوات ونيّف، وانتقال المعامل التي تنتج هذه الحبوب من سوريا إلى لبنان، والدليل الكميات الكبيرة التي ضُبطت في لبنان خلال فترة قصيرة في الآونة الأخيرة (18 مليون حبة).
ويضيف حواط قائلًا: «إن المحاضرات على أهميّتها أصبحت مملّة لكثيرين وكان لا بدّ من إيجاد وسيلة حديثة تجمع بين التوعية العمليّة والتسلية». من هنا كانت فكرة المتحف الذي اختار القيّمون عليه 6 آلاف قطعة نادرة من مواد توعية جمعت من 92 بلدًا حول العالم، إلى مجموعة من التحف والأفلام تظهر مضار المخدّرات والكحول و التدخين، والهدف: الحدّ من تفشّي آفة المخدّرات المنتشرة في لبنان حتّى بين الأطفال. وبما أنّ القطاع التربويّ هو شريك أساسي في محاربة هذه الآفة، أصدرت وزارة التربية والتعليم العالي تعميمًا إلى جميع المدارس يقضي بتنظيم زيارات للطلاب إلى المتحف، كما تواصل الجمعية جهودها لإشراك كل القطاعات في تبني مواقف أساسيّة وضروريّة للحفاظ على أولادنا».

 

أقسام المتحف
يتضمن المتحف عدة أقسام تختلف بمحتوياتها وفق الأعمار المستهدفة، بالإضافة إلى قسم لتدريب الأشخاص المتخصصين والأهل.
35% من مساحة المتحف الإجماليّة مخصصة للتوعية على خطر المخدّرات (إدمان الأفيون، الكوكايين، القنب الهندي أو الحشيش، XTC، LSD، KROKODIL)، و45% منها للتوعية على خطر التدخين، فيما تخصص الـ20% المتبقية بمعالجة إدمان الكحول، والقمار، والإنترنت، ومرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز).
يضمّ المتحف في القسم «أ» قاعة (تتسع لـ35 شخصًا) تعرض فيها أفلام مخصصة للأطفال، ومكتبة عامّة (تتسع لـ30 شخصًا) تحتوي أرشيفًا للصحف منذ العام 1981 حول مواضيع الكحول، المخدّرات، التدخين، الإيدز وإدمان الإنترنت. أما الفئة المصرّح لها بالدخول إلى هذا القسم فهي من عمر 6 لغاية 10 سنوات.
في القسم «ب» معرض يضمّ 200 لوحة فنيّة ، ونحو 3000 قطعة فنيّة تستعمل في أساليب التوعية والتدريب وهي مرشحة لدخول موسوعة غينيس، بالإضافة إلى مجسمات و30 صورة لمشاهير هوليود تظهر حالهم قبل التعاطي وما أصبحوا عليه بعده.
في القسم «ج» الذي لا يسمح بدخوله لغير البالغين (من 18 إلى 28 سنة)، 1000 قطعة مخصصة لمكافحة إدمان الماريجوانا.
ويهتمّ القسم «د» بتدريب الأهل، الشرطة والمرشدين الاجتماعييّن، وفيه مختبر لفحص المدمنين والمواد المخدّرة. وقد أنجز هذا القسم بالتعاون مع: مكتب مكافحة المخدرات في قوى الأمن الداخلي، نقابة الصيادلة، والجمارك اللبنانية - شعبة مكافحة المخدرات وتبييض الأموال، ويمنع دخوله لغير المصرّح لهم.
أما القسم «ه» فيهتمّ بمتابعة المرضى المدمنين لإعادة دمجهم في المجتمع وحثهم على العمل التطوعي داخل المركز الثقافي بعد انتهاء فترة العلاج.
القسم الأخير «و» مخصص لبيع التذكارات ومواد دعائيّة ضدّ المخدرات والتدخين.
تتوزّع في زوايا المتحف مواد تحذيرية: منافض ضدّ التدخين، وعلب دخان عليها عبارات تحذّر من مضار التدخين بلغات مختلفة كونها جمعت من عشرات البلدان (الصين، اليابان، الولايات المتّحدة، إيطاليا، الهند، سلطنة عمان وغيرها). أما الهدف من جمعها وعرضها، بحسب حوّاط، فهو التوعية على مضار التدخين وإظهار كيفيّة تعامل الدول الأخرى معه بحيث تحذّر منه علنًا، على أمل أن نتوصّل في لبنان إلى التعامل مع الموضوع بالطريقة عينها. كذلك في المتحف زاوية مخصّصة لعرض أنواع الأدوية المخدّرة التي يستعملها المدمنون كأدوية السعال التي تصل إلى لبنان عن طريق التهريب، ومجموعة من الأكياس والموادّ وألعاب الأطفال التي كتب عليها عبارات التوعية.

 

أيها الأهل تنبّهوا
في الجناح المخصّص للأهل، تعرض مجموعة من الأدوات التي يستخدمها المدمن والتي على الأهل التنبّه اليها ليتمكّنوا من اكتشاف حالات الإدمان في حال حدوثها. كما تعرض وسائل تهريب المخدّرات التي يعتمدها المروّجون والمدمنون مثل البطاريّات والمشروبات الغازيّة وأحمر الشفاه وعلب النظّارات... وهي مخصّصة لأفراد الشرطة والقوى الأمنيّة ليكونوا على بيّنة منها والتنبّه لها وقمعها. يسلّط المتحف الضوء أيضًا على مجموعة من الحلويات من شوكولا وBonbons تحتوي على الحشيشة، إلى جانب أنواع من الفودكا، ومشروبات الطاقة.

 

من العلاج الى التوعية
يشير حواط إلى أن «جاد» كانت «تركّز بنسبة 60 في المئة من عملها على علاج المدمنين، مقابل تخصيصها 40 في المئة من جهودها للتوعية والتدريب. لكنها اليوم تحوّلت بنسبة 80 في المئة نحو التدريب والتوعية، مقابل 20 في المئة فقط للعلاج، وذلك لعدة أسباب أبرزها، أن علاج المدمن مُكلف جدًا ويحتاج إلى إمكانات وموارد خاصة تعجز عنها الجمعية فالعلاج الكامل يجب أن يشمل العلاج الطبي والديني والرياضي والمخبري ومتابعة الصيدلي لنوعية الأدوية وكيفية تناولها، إلى العلاج النفسي ومتابعة الأهل لإعادة التواصل الذي انقطع بين المدمن وعائلته. وهذا ما يقتضي وجود 18 اختصاصًا.
يضاف إلى ذلك أن الأدوية المستعملة للعلاج عالميًا غير متوافرة في لبنان. كما أن المراكز المتوافرة في لبنان تضع مدمن الهيرويين مع مدمن الكحول، أو مدمن الحشيشة مع مدمن المسكنات... وتجمع الأولاد مع كبار السن، والمدمن الحديث مع مدمن منذ 10 سنوات، ومع أن الشرط الأساس لنجاح العلاج هو التخصص والتمييز في الحالات.
هذه الأسباب، إضافة الى عدم تلقي الجمعية أي مساعدة رسمية من وزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية المعنيتين بهذا الموضوع، دفعت بالجمعية إلى توجيه جهودها نحو التوعية عملاً بالمثل القائل «درهم وقاية خير من قنطار علاج».
من جهة أخرى، يأسف حوّاط «للغياب المتعمد للمنظمات الدولية كمكتب المخدرات والجريمة التابع للأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، والـفاو، عن هذه الآفة في لبنان، في حين تنفّذ هذه المنظمات مشاريع بملايين الدولارات في الدول العربية لمكافحة المخدرات».
ويشدد على دور الأهل في هذا الموضوع، وتحديدًا الأم التي هي صمام الأمان في المنزل. ويتمنى على الأهل المزيد من التشدد والوعي مع أولادهم.
أخيرًا، إشـارة إلى أن المتحف يفتح أبوابه أمام الشباب والأطفال والطلاب والباحثين والأهل، وتضع الجمعيّة بمتناولهم مجموعة كبيرة من المناشير التي جمعتها من مختلف بلدان العالم، وهي متخصصّة بالتوعية على أضرار تعاطي المخدّرات والتدخين والكحول، الى جانب معلومات عن مرض السيدا.

 

إحصاءات
يؤكد حواط «أن لا وجود لإحصاءات في لبنان عن عدد المدمنين اليوم، وفي آخر دراسة أجرتها جمعية «جاد» مع «إدراك» في مستشفى القديس جاورجيوس برئاسة الدكتور إيلي كرم العام 2000، راوحت نسبة التعاطي التجريبي والإدمان بين طلاب الجامعات في لبنان بين 40 و60 في المئة. أما اليوم ورغم غياب الدراسات فالنسب مخيفة وتلامس 80 في المئة، ونحن نلمس ذلك من عدد المدمنين الذين يقصدون «جاد» للمعالجة، بحيث بلغ عددهم العام 2012، 220 شخصًا، فيما تخطى العدد 400 شخص في العام 2013. وهذا مؤشر واضح لتفاقم المشكلة، علمًا أن «جاد» لم تعد تعمل على العلاج كالسابق».
عمليًا، تشير الإحصاءات التي وزّعها مكتب مكافحة المخدّرات المركزيّ من 1/1/2013 حتّى 31/5/2013 إلى ضبط 83 كلغ من الحشيشة، 14 كلغ من الكوكايين، 16 كلغ من الهيرويين، 284 غرامًا من الماريجوانا، 6 كلغ بودرة مجهولة، إضافة إلى 1431821 حبّة من حبوب الكبتاغون، 14589 من الحبوب المهدّئة المتنوّعة، 57 كلغ من بودرة الأمفيتامين.
وفي الإحصاءات 937 قضيّة مضبوطة تشمل التصنيع، التهريب، الاتجار، الترويج، والتعاطي...

 

الصور: الجندي ميكرديج تبلسميان
وأرشيف المتحف