ندوات

«دمج المعوّق في المجتمع»
إعداد: روجينا خليل الشختورة

كي لا يضاف إلى ظلم القدر ظلم البشر!

 

«إذا سلّمنا بأنّ الإعاقة تقع تحت عنوان ظلم القدر من دون التعرض للإرادة الإلهية وحكمتها، فإننا كمجتمع يجب أن نسعى بكل طاقاتنا كي لا يضاف إلى ظلم القدر ظلم البشر».
بهذه العبارات استهل ممثل قائد الجيش العميد الركن غابي القاعي، مسير أعمال كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان، كلمته خلال ندوة أعدها كل من السيدة هيام صقر – رئيسة دائرة الرعاية المتخصصة في وزارة الشؤون الإجتماعية – والسيدة نيكول نعمه – مديرة مركز الينبوع لتأهيل ذوي الإحتياجات الخاصة - والإعلامي طوني بارود – ممثل الشباب في الأمم المتحدة وناشط في مراكز وجمعيات خيرية مختلفة.


أين الخلل؟
بعد النشيد الوطني اللبناني، عرّفت السيدة هيام صقر «الدمج» بأنه «توفير الفرص للأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة للانخراط في الحياة المجتمعية وتعزيز التواصل والتفاعل الايجابي بينهم وبين المجتمع المحيط، فالمجتمع الصحيح والمتوازن والعادل هو المجتمع الذي يعطي لجميع أفراده الفرصة والحق في المشاركة والإنتاجية للمساهمة في تطوره وتماسكه، ويحترم الإختلاف ولا يعاقب عليه، كما يبعد خطر تفاقم الآفات السلبية الناتجة عن التمييز السلبي».
وتابعت صقر متحدثةً عن «الخلل في دمج الأفراد»، والذي يحصل عندما يكون هناك أشخاص مهمشون من دون إرادتهم ومستبعدون عن المشاركة في صنع القرار، وعندما لا يتقبلهم المجتمع كونهم مختلفين عن أفراده، وعندما لا تصلهم الخدمات العامة، والخدمات المتخصصة مع أنهم الفئة التي يصنفها المجتمع «الأكثر ضعفًا وتهميشًا».
واعتبرت أنّ الدمج هو حق من الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الشخص المعوق، مشيرةً إلى أنّ وزارة الشؤون الإجتماعية تهتم بقضية الإعاقة على الرغم من غياب مشروع واضح المعالم و المراحل للدمج لا يشكل سياسة عزل.
والدمج كما نص عليه القانون 220/2000، ليس مسؤولية وزارة الشؤون الإجتماعة فحسب وهذا سبب أساسي لعدم تحقيقه حتى الآن، علمًا أنه كان نتيجة جهود كل من وزارة الشؤون الاجتماعية، الأشخاص المعوقين، جمعيات المعوقين وخبراء في الاعاقة وقانونيين.
وعرّفت صقر «المعوق» بحسب المادة 2 من القانون 220/2000 على أنه «الشخص الذي تدنت أو انعدمت قدرته على ممارسة نشاط حياتي هام واحد أو أكثر، أو على تأمين مستلزمات حياته الشخصية بمفرده، أو المشاركة في النشاطات الاجتماعية على قدم المساواة مع الآخرين، أو ضمان حياة شخصية أو اجتماعية طبيعية بحسب معايير مجتمعه السائدة، وذلك بسبب فقدان او تقصير وظيفي، بدني أو حسي أو ذهني، كلي أو جزئي، دائم أو مؤقت، ناتج عن اعتلال بالولادة او مكتسب أو عن حالة مرضية دامت أكثر مما ينبغي لها طبيًا ان تدوم».
وأضافت: «بعد معاينة الشخص من قبل فريق طبي متخصص ومعتمد من قبل الوزارة والتأكد من إعاقته، يمنح «بطاقة المعوق الشخصية» وهي المستند الرسمي لإثبات الإعاقة والشرط الرئيس للحصول على الخدمات الخاصة بالمعوقين».

 

الخدمات والتقديمات بين الرعاية والدمج
مع تنامي الحركات الإنسانية وتكثيف الحملات الحقوقية، ربطت المقاربة الحقوقية بحقوق الشخص المعوق، وبعد صدور مواثيق دولية أهمها شرعة حقوق الانسان - قواعد تكافؤ الفرص ومنع التمييز - تغيرت النظرة إلى مفهوم الرعاية من مجرد الاهتمام بتأمين الإيواء والعناية (الحاجات الأساسية) إلى تأمين الحقوق الأساسية لكل انسان، من الرعاية إلى التمكين ومن الاحساس بالشفقة والتعاطف إلى تحفيز المشاركة في الواجبات والمسؤوليات.

 

دور وزارة الشؤون الإجتماعية
يشكل المعوقون في لبنان إحدى أهم الشرائح التي توليها وزارة الشؤون الاجتماعية رعايةً واهتمامًا خاصًا، فقد خصصت جزءًا كبيرًا من موازنتها السنوية لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة ورعايتهم وتعليمهم. وركزت في تعاطيها مع هذه القضية على قاعدة الحق والواجب. كما تنتهج الوزارة سياسة شراكة مع القطاع الأهلي والمجتمع المدني لتأمين حقوق أساسية لصالح الأشخاص المعوقين، ورصد احتياجات الشرائح الاجتماعية المهمشة والسعي إلى تنمية المهارات وتطوير القدرات، إضافةً إلى التدخل في صياغة تشريعات تخص هذه الفئات، أو تعديل هذه التشريعات بالتعاون مع الإدارات المعنية، ووضع خطط لتمكين الفئات المهمشة وحثها على المشاركة.
شاركت الوزارة في مختلف اللجان المعنية بتطبيق القانون والتنسيق مع الإدارات الرسمية والقطاع الأهلي (المشروع الوطني للدمج المدرسي، تسهيل مشاركة ذوي الاحتياجات الخاصة في العمليات الانتخابية في وزارة الداخلية، تسهيل الحصول على رخص السوق، تسهيل مشاركة التلامذة من ذوي الإعاقات البصرية والسمعية في الامتحانات الرسمية...).
كما سهلت إعطاء قروض سكنية  لذوي الاحتياجات الخاصة بعد اقتراح المؤسسة العامة للإسكان الخاضعة لسلطة وزارة الشؤون الاجتماعية.
كذلك، اقترحت مشروع مرسوم حول المعايير الهندسية (أرسل مؤخرًا إلى مجلس الوزراء بعد عرضه على التنظيم المدني).
إلى ذلك، شاركت الوزارة في الاجتماعات والمناقشات الخاصة بالاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص المعوقين التي عقدت في «منظمة الامم المتحدة» منذ 2003 حتى 2006.

 

الرعاية بين الواقع والمأمول
ختمت السيدة صقر القسم الأول من الندوة بالتذكير بأنّ المشكلة لا تكمن في النصوص بل في إيجاد آليات واضحة للتطبيق، مقترحةً تخفيف الرعاية المؤسساتية المتخصصة وذلك من خلال تعزيز فرص الاندماج الاجتماعي  في القطاع التربوي (دمج تربوي جزئي أو كامل، صفوف موازية ) والمهني (توظيف في مؤسسات ليست معنية فقط بالاعاقة)، تمويل قروض لانشاء مشاريع منتجة، إنشاء مراكز تاهيل متخصص، تخصيص اعتمادات مالية  إضافية لزيادة عدد الخدمات وتلبية الحاجات. كما تمنت صدور المراسيم والقرارات التنفيذية لتطبيق القانون (تأمين وسائل نقل مجهزة، تحفيز التوظيف في القطاعين الرسمي والخاص، تأهيل عدد من المدارس الرسمية...)، توسيع المشاركة والتفاعل الاجتماعي والثقافي والرياضي للمعوقين في المجتمع، زيادة حملات التوعية ونشر الوعي لتغيير نظرة المجتمع السلبية تجاه الشخص المعوق، إنشاء مراكز للاكتشاف والتدخل المبكر للحد من تفاقم الاعاقة، وكذلك ايجاد دور حضانة دامجة لتهيئة الدمج التربوي، مراجعة الخطط والسياسات لتتماشى مع المتطلبات والحاجات المستجدة، وأخيرًا وليس آخرٍاً، خدمة الشخص المعوق في أسرته ومتابعة الحالات لدعم العائلة وتدريبها على كيفية التعامل مع الإعاقة.

 

الرعاية المتخصصة
تتبع الوزارة سياسة الشراكة مع القطاع الأهلي من خلال إبرام عقود سنوية مع عدد من المؤسسات المتخصصة لتعليم الأشخاص ذوي الإعاقة وتدريبهم وتأهيلهم، وهي موزعة على مختلف الأراضي اللبنانية، ويبلغ عددها 72 مؤسسة تؤمن الرعاية لـ 7295 معوقًا من مختلف أنواع الإعاقات.
وتتضمن الرعاية المتخصصة ما يلي:
• تأمين التعليم (تعليم أكاديمي نظامي، أو مكيف) وذلك لعدم توافر الامكانات في المدارس النظامية، وكون المؤسسات التربوية غير مؤهلة من الناحية البيئية والفنية لاستقبالهم.
• تربية مختصة للاعاقات العقلية وشديدي الاعاقة.
• التأهيل (جلسات علاجية).
• التدريـب المهني: لفترة محددة بهدف التمكين، أو تدريب دائم ( مشاغل محمية....).
• تنمية المهارات الحياتية (تدريب على مهارات الاستقلالية الذاتية اي استقلالية الشخص في الحياة اليومية ).
• كيفية التنقـل (يترافق مع تكييف المحيط).

 

مركز الينبوع
في ظل غياب سياسة وطنية شاملة لدمج الاشخاص المعوقين، ساهمت الرعاية المتخصصة في استفادة الشخص المعوق من حقه بالتعلم والتأهيل والعلاج، فزاد عدد المعوقين المتعلمين في أكثر من مجال، وخفف ذلك من الظروف التي تساهم في عزل الشخص المعوق.
ففي مركز «الينبوع» لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة مثلاً، كان عدد المسجلين 8 طلاب العام 1993، وهو اليوم يناهز 60 طالبًا.
مركز الينبوع يستقبل ذوي الإحتياجات الخاصة من عمر 14 سنة حتى عمر الـ55 سنة ويعمل على تبيان قدرات هؤلاء الأشخاص وتفعيلها في المجتمع، وهو يعمل على تأهيلهم وتأهيل ذويهم على حد سواء.
في القسم الثاني من الندوة، عرضت السيدة نيكول نعمة فيلمًا مصوّرًا عن المركز وعن أبرز النشاطات التي يقوم بها الطلاب، حيث بدت السعادة واضحة على وجوه الجميع، من طلاب ومدرسين وأهالٍ عبّروا عن امتنانهم لهذا المركز وعن ثقتهم به وبمديرته، مطمئنين إلى حال أولادهم بعد العمر الطويل.
بعدها، تحدث الإعلامي طوني بارود عن خبرته الشخصية وعن علاقته الخاصة مع «الإنسان المعوق».


تضافر الجهود
في الختام، كانت كلمة للعميد الركن غابي القاعي قال فيها:
«إذا سلمنا بأن الإعاقة تقع تحت عنوان ظلم القدر من دون التعرض للإرادة الإلهية وحكمتها، فإننا كمجتمع يجب أن نسعى بكل طاقاتنا كي لا يضـاف إلى ظلـم القدر ظلم البشر.
من هنا فإنّ مسؤولية دمج المعوق في المجتمع تقع على عاتق جميع أفراده وهيئاته ومؤسساته من دون استثناء وقد أسهبتم مشكورين في شرح موجبات هذه المسؤولية وتفاصيلها وما يترتب عليها.
لو فكر كل واحد منا أنه غير معوق حتى الآن وقد يصبح معوقًا غدًا لأي سبب مفاجئ، لانعكس ذلك على نظرته للمعوق وسلوكه تجاهه.
بيد أني في سياق هذا الموضوع، لا بد أن أشير إلى أمر لافت في إطار رعاية المعوقين ومعالجتهم، فإذا كانت الإعاقة لا تميز بين شخص وآخر وفئة وأخرى أو دين وآخر، فإنه لمؤسف حقًا أن نرى تمييزًا من قبل بعض الهيئات والجمعيات الأهلية التي تهتم بفئة من المعوقين من دون غيرهم.
إنه أمر منـافٍ للقـيم الإنـسانـية يجـب تجـاوزه، لا سـيمـا أن الأخــلاق لا تـقـف عند حـدود معينـة».
وأضاف: «إنّ تحدي دمج المعوّق جسديًا في المجتمع يمكن مواجهته بتضافر جميع الجهود. أما تحدي دمج الأشخاص الذين يساهمون في تهديم المجتمع بأساليب شتى، وجب تطهيره منهم وليس دمجهم فيه...».
ثم شكر العميد الركن القاعي المحاضرين على الجهد الذي أعطوه، متمنيًا لهم التقدم والعون الإلهي في مهماتهم وقدم لهم باسم قائد الجيش دروعًا تذكارية.