اقتصاد ومال

«غافي» بنسختها الاقليمية تلتزم المعايير الدولية
إعداد: تريز منصور

لـبـنـان رئيس منتخب للمجموعـة خلال العام الأول من عمرها

 

نظـراً للمخاطر التي تثـيرها عملـيات غسل أو تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وباعتبار أن هذه المخاطر يمكن معالجتها بطريقة فعّالة، من خـلال التعاون بـين دول المنطقة، تم انشاء مجموعة العمل المالي لمنطقـة الشـرق الأوسـط وشمال افريقيـا من أجـل مكافحة غسل الأموال وتمـويل الارهاب، «غافـي الاقلـيمية».
الأهداف الأساسية للمجموعة تتلخص بتبنّي توصيات «غافي» الدولية المتعلقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وكذلك في تنفيذ معاهـدات واتفاقيات الأمـم المتحدة ذات الصلـة بالموضوع وأيضاً قرارات مجلس الأمن. إضافة إلى التعاون الوثيق بين الدول الأعضاء الـ41 وتبادل الخبرات في ما بينها...
«غافـي» بنسختها الاقليمية عكست ثقة كبيرة بلبنان تجلت من خلال انتخاب الأمين العام لهيئة التحقيق الخاصة لمكافحة غسل أو تبييض الأموال وتمويل الارهاب في مصرف لبنان السيد محمد بعاصيري، رئيساً لها.
وفـي ما يلـي حوار مع بعاصـيري حول «غافي» الاقليمية وتولـي لبنان رئاستها..


لماذا نشأت «غافي»؟

* أين تكمن أهمية انشاء مجموعة العمل المالي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، في هذه الفترة الحرجة من تاريخ المنطقة؟
- ان فكرة انشاء «غافي الشرق الأوسط وشمال افريقيا»، بدأت تلوح بالأفق اثر أحداث 11 أيلول 1002، حيث أصبح العالم العربي في قفص الاتهام، كمموّل للإرهاب... وهذا الاتهام غير مبني على حقائق تدين العالم العربي، خصوصاً وأن ثقافة هذا العالم وتراثه ضد الارهاب، هذا عدا أن الدول العربية أصبحت ضحية لهذا الإرهاب. أضف إلى ذلك، وجود لبنان ومصر سابقاً على لائحة الدول غير المتعاونة مع مكافحة غسل الأموال. كل هذه الأسباب مجتمعة دفعت ببعض من الدول العربية إلى مواجهة هذه الحالة الشاذة، وأخذ المبادرات، ومشاركة المجتمع الدولي في مكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب، لتصبح شريكة فعلية لهذا المجتمع، وذلك من خلال انشاء مجموعة العمل المالي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.
وقد سبق إنشاء المجموعة اجتماعات عدة، أولها كان في تشرين الأول 3002 في ستوكهولم على هامش اجتماعات «غافي الدولية»، تبعه اجتماع ثان في 31 كانون الثاني 4002 في البحرين، والثالث في أواخر شباط 4002، والرابع كان في أول تموز 4002.
نتج عن هذه الاجتماعات، انضمام 41 دولة عربية إلى هذه المجموعة وهي: لبنان، سوريا، الأردن، دول مجلس التعاون الخليجي (البحرين، الكويت، السعودية، قطر، الامارات، سلطنة عمان) اليمن، مصر، الجزائر، تونس والمغرب.
في هذه الاجتماعات، تقرر أيضاً جعل مركز الأمانة العامة للمنظمة أو السكرتيرية التنفيذية في دولة البحرين، أما قضية اختيار الرئيس ونائب الرئيس فتركت لعمليتي الترشيح والانتخاب. وهكذا، فقد قدّم لبنان ترشيحه لرئاسة المجموعة (باسمي من خلال هيئة التحقيق الخاصة برئاسة الحاكم رياض سلامة)، فيما قدّمت مصر ترشيحها لنيابة الرئيس، كما أن ترشيحات عدة قدمت من بعض الدول العربية. ولقد قام لبنان بجهود كبيرة للحصول على مركز الرئاسة، علماً أن الرئيس الشهيد رفيق الحريري، قام باتصالات شخصية مع بعض الدول العربية أهمها المملكة العربية السعودية، رغبة منه بتأييد لبنان. وطبعاً فقد تعرّفوا على كفاءة لبنان في مجال مكافحة تبييض الأموال من خلال الاجتماعات الأربعة، ووثقوا بنا، وقدّروا الجهود الكبيرة والعمل الدؤوب الذي قام به لبنان بغية حذف اسمه عن اللائحة السوداء، خلال فترة زمنية قياسية لم تتعد التسعة أشهر.
وهكذا فقد تولى لبنان رئاسة المنظمة للسنة الأولى من انشائها، وتولت مصر منصب نيابة الرئيس، أما السعودية فقد شغلت منصب السكرتير التنفيذي، على أن تتولى الرئاسة لاحقاً الدول الأعضاء مداورة ووفقاً للتسلسل الأبجدي (لسنة واحدة فقط).
ولا بد هنا من الاشارة إلى أنه يمكن لدول مراقبة أن تحضر اجتماعات «غافي الشرق الأوسط» من دون أن يكون لها حق التصويت، وهذه الدول هي: فرنسا، بريطانيا، والولايات المتحدة الأميركية، اضافة إلى مؤسسات دولية مراقبة لا تتمتع بحق التصويت وهي: صندوق النقد الدولي، البنك الدولي ومؤسسة «غافي الدولية» ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجرائم والمخدرات.

 

أهداف وخطوات

* ما هي الأهداف الرئيسية لـ«غافي الاقليمية»؟
- لقد توافقت الدول الأعضاء في مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا على ما يلي:
1- تبنّي وتنفيذ التوصيات الأربعين لمجموعة العمل المالي حول مكافحة غسل الأموال.
2- تبنّي وتنفيذ التوصيات الخاصة لمجموعة العمل المالي حول مكافحة تمويل الارهاب.
3- تنفيذ معاهدات واتفاقيات الأمم المتحدة ذات الصلة بالموضوع، وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب.
4- التعاون سوياً لتعزيز الالتزام بهذه المعايير والاجراءات في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، والعمل مع المؤسسات الدولية الأخرى لتعزيز الالتزام بهذه المعايير والاجراءات في جميع أنحاء العالم.
5- العمل سوياً لتحديد الموضوعات المرتبطة بعمليات غسل الأموال وتمويل الارهاب ذات الطبيعة الاقليمية، وتبادل الخبرات حول هذه القضايا وتطوير الحلول الاقليمية لمعالجتها.
6- اتخاذ تدابير في جميع انحاء المنطقة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب بطريقة فعّالة، طبقاً للقيم الثقافية الخاصة بالدول الأعضاء واطرها الدستورية ونظمها القانونية.
وتسعى المجموعة إلى تغيير الصورة التي سادت عن العالم العربي بعد حوادث 11 ايلول 1002، ووضعته تحت المجهر الدولي، بأنه مموّل للارهاب، علماً أنه من مصلحة دول المجموعة اتخاذ اجراءات احترازية في القطاع المصرفي، لمنع سوء استعماله في تمويل الارهاب.

 

* هل هناك من خطوات عملية بدأت بها «غافي الاقليمية» منذ تأسيسها في تشرين الثاني 4002 الماضي؟
- عقدت «غافي الاقليمية» اجتماعها الأول في أوائل نيسان 5002 في مقر الأمانة العامة في البحرين، بعدما كان مقرراً عقده في بيروت مركز الرئاسة في السنة الأولى، واستحال ذلك بسبب الظروف الراهنة التي يمر بها لبنان.
وخصص الاجتماع لتحديد آلية العمل والموازنة المقترحة للمشروع، اضافة إلى استحداث مجموعات عمل خاصة ومناقشة توصيات لجنة المسؤولين الكبار في الدول الأعضاء لمكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب، خصوصاً أن جرائم غسل الأموال غير محصورة في مناطق جغرافية محدودة ضمن مجتمعات معينة أو ثقافة خاصة. وبفضل خبرتنا، بتنا ندرك أن ثمة طرقاً مختلفة متطورة تستخدم من الذين يقومون بعمليات الاحتيال، حيال التقنية والآلية والأدوات. وتتركز مسؤولية المجموعة في خرق النظام الذي يسعى إليه هؤلاء، بعد استحداث مجموعة «غافي الاقليمية» التي تعنى بوضع الخطوط والأسس.
وأضاف قائلاً: لقد تركز عمل الرئاسة منذ تأسيس المجموعة على عقد اجتماعات عمل لوضع سياسة المجموعة وخطة عملها لسنة 5002، والتي ركّزت أساساً على المساعدة الفنية، والتقويم المتبادل وزيادة التوعية.
وفي هذا الاطار، تم توجيه نماذج الى الاعضاء تتعلق بالمساعدة الفنية، بما يمكّن المجموعة من تقويم حاجات الدول وتحديد نوع المساعدة الممكن تقديمها. وسوف يتم عقد ندوة تدريبية في هذا الشأن في بيروت على هامش الاجتماع الثاني للمجموعة، المقرر عقده في أيلول المقبل. كما وانه سوف تقوم المجموعة بزيارات ميدانية الى الدول الاعضاء، من أجل تحسين فاعلية مكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب مع فريق من المتخصصين من صندوق النقد والبنك الدوليين و«غافي الدولية».

 

تأثير المجموعة على لبنان

* هل ينعكس ترؤس لبنان لمجموعة «غافي الاقليمية» ايجابياً على الاقتصاد اللبناني وسمعته خارجياً؟
- ان لنجاح لبنان انتخابياً في تولّي رئاسة المجموعة صدى معنوياً هاماً جداً، ويعتبر بمثابة اعتراف وتأكيد من قبل المجتمع الدولي لأهمية لبنان، ولأهمية جهوده الحثيثة التي بذلت في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب. وان انخراط اي بلد في مكافحة تبييض الأموال، يزيد من تدفق الأموال اليه. علماً ان ما يهمنا طبعاً هو تدفق الأموال النظيفة. وعندما خرج لبنان من لائحة الدول غير المتعاونة في مكافحة تبييض الأموال، زاد حجم الاستثمارات والودائع الأجنبية والعربية بنسب عالية جداً وهذا خير دليل على ضرورة أن تتمتع أية دولة بنظام متقدم وبقوانين وتشريعات متقدمة تشجع رؤوس الأموال الأجنبية النظيفة.
ان اهمية «غافي الاقليمية» التي أصبحت عضواً في «غافي الدولية»، انها تتيح أمام الدول الأعضاء فرصة لعب دور هام على المسرح الدولي، وفي صنع السياسات، بدلاً من أن تكون المتلقي الدائم لهذه السياسات والقرارات. كما انها تعكس للمجتمع الدولي جدية عمل الأعضاء، في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب.

 

* تحدثتم عن خصوصية المجتمع العربي وثقافته وتراثه، فهل هناك من تقارب أم تباعد في وجهات النظر بين «غافي الدولية» وغافي الاقليمية، لا سيما في ما يتعلق بتعريف الارهاب؟
- ان تعريف الارهاب غير موحد على المستوى العالمي، فقد تصنّف منظمة معينة بالارهابية من قبل بعض الدول، في حين تصنف من الدول الأخرى بالمنظمة السياسية أو التحررية. لذلك نحن نأمل بوضع تعريف واضح وشامل لمفهوم الارهاب.
ومن هنا نجد انه من مصلحة «غافي الاقليمية» وبالتالي الدول العربيـة الأعضاء، الالتزام بتطبيق المعايير الدولية، مع الحفاظ على خصوصية وثقافة كل دولة، والأسس الدستورية والقانونية القائمة فيها.
ولا بد من الاشارة إلى أنه رغم وجود بعض الفروقات في مجال تعريف الارهاب، الا انه توجد نقاط عديدة مشتركة بين مجموعة «غافي الاقليمية» ومجموعة «غافي الدولية».

 

الوضع المالي اليوم

* كيف يمكنكم تصوير الوضع المالي اليوم، بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ان لناحية تدفق رؤوس الأموال الأجنبية والعربية أو الاستثمارات وغيرها؟
- ما من شك أنه اثر الجريمة التي أودت بحياة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، اهتز العالم بأكمله وليس فقط لبنان. وكان من الطبيعي أن تكون تأثيراتها سلبية وواضحة جداً. ولكن من واجبنا كلبنانيين النهوض بلبنان، وما من شك أن الدول العربية، أبدت كل تعاطف مع ما جرى في لبنان، وهي تكنّ له مودّة خاصة، تبدو صلبة من خلال الحركة السياحية والتجارية العربية الكثيفة، أو من خلال مشاهدتها لمحطات التلفزة اللبنانية كافة والتي تحتل المراتب الأولى في العالم العربي.
وقد يكون لأحداث اليوم، أثر سلبي في بعض الأحيان عند العرب، ولكنهم سوف يدركون أن لبنان بدأ يتعافى، لا سيما بعد اجراء الانتخابات النيابية، التي قد تعطي صورة مشرقة عن لبنان الغد. ووحدة اللبنانيين هي كفيلة وحدها باستمرار بناء لبنان.

 

* ما هو حجم عمليات تبييض أو غسل الأموال في لبنان والعالم العربي للعام 4002؟
- لا يخلو بلد في العالم من حركة غسل الأموال، لا سيما وأن العالم أصبح قرية كونية صغيرة مرتبطة بعضها ببعضها الآخر. إنما حركة غسل الأموال في العالم العربي ضئيلة نسبياً وصغيرة الحجم بالنسبة إلى حجم العمليات التي تتم في العالم. وهذه النتائج تعود لسببين أساسيين:
1- اتخاذ القطاع المصرفي في العالم العربي، احتياطات احترازية عديدة.
2- حجم الاقتصاديات العربية، الذي يبدو متواضعاً أمام حجم الاقتصاد العالمي.
وفي ما يخص لبنان، فقد أصدرت هيئة التحقيق الخاصة بمكافحة تبييض الأموال أو غسلها، تقريرها السنوي الرابع للعام 4002، وقد أشار إلى أن الهيئة تلقت 132 اخباراً متعلقاً بـ991 قضية، وحقق فيها، ورُفعت السرية المصرفية في 17 قضية، أبلغت النيابة العامة التمييزية أو غيرها من السلطات المختصة، وفقاً لما نص عليه القانون رقم 813. هذا فضلاً عن تدقيق الهيئة في 42 مصرفاً وعدد من المؤسسات المالية والهيئات الملزمة بالابلاغ، لتتأكد من امتثالها لأنظمة مكافحة تبييض الأموال المرعية الاجراء.
 

* هل يلوح في الأفق القريب، خطر ادراج اية دولة عربية على لائحة الدول غير المتعاونة في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب؟
- من شأن مجموعة غافي الاقليمية صحابة الدول الأعضاء، ولكن آلية لائحة الدول غير المتعاونة قد توقفت نوعاً ما، باعتبار أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، قد توليا حالياً مهمة اجراء الدراسات الشاملة والوافية، حول مدى تعاون الدول، واصدار التقارير. في المقابل، هذا لا يمنع امكانية توقف دولة كبرى مثلاً من التعاون مع دولة أخرى، تشك بنشاط عملياتها في مجال غسل الأموال وتمويل الارهاب.
وأخيراً أكد السيد بعاصيري «أن هدف المجموعة هو في التفاعل والحضور الفعّال على المسرح الدولي، وهمّنا الأكبر لبنانياً كيفية الاستمرار بالمعايير الدولية».

تصوير: شربل طوبيا