مواسم وخيرات

«غالي القمح غالي»
إعداد: الدكتور حسين حمود
أستاذ في الجامعة اللبنانية كلية الزراعة

هل من حلول لتطويــــــر انتاجـه في لبنـان؟

 

يعتبر القمح زراعة إستراتيجية تشكل العمود الفقري للأمن الغذائي. وقد تعرّض انتاجه في لبنان خلال الأعوام الأخيرة إلى ضربات موجعة بلغت ذروتها العام الماضي، بحيث انخفضت الإنتاجية بسبب الجفاف من معدل 600 كلغ للدونم الواحد إلى ما بين 100 و150 كلغ.
ما هو واقع زراعة القمح في لبنان والعالم، وهل من حلول لمشكلة تدني الإنتاج؟

 

نبتة القمح وطريقة زراعتها
القمح نبات حولي ينتمي إلى الفصيلة النجيليّة ويعطي حبوبًا مركّبة على شكل سنابل، وهو يشكّل الغذاء الرئيس للعدد الأكبر من شعوب العالم، يليه من حيث الأهميّة الأرزّ والذرة.
يزرع القمح في العدد الأكبر من دول العالم مرّة واحدة في السنة وفي بعضها الآخر مرّتين. وهناك بشكل عام نوعان من القمح هما الطري الذي يصلح لصنع الخبز، والقاسي الذي يصلح لصنع المعجّنات والمعكرونة.
من حيث المساحات المزروعة، يغطّي القمح أكبر مساحة على سطح الكرة الأرضيّة بين المحاصيل الزراعيّة الأخرى.

 

تحضير التربة وزرع البذور
لزراعة القمح ينصح بتحضير التربة وفق ما يلي: فلاحة أولى للتخلّص من بقايا المحصول السابق، تعقبها أخرى بعد شهر أو شهر ونصف وترمي إلى التخلّص من الأعشاب النامية وتهوئة التربة. وقبل الزراعة مباشرة لا بد من فلاحة ثالثة على أن تجرى بعد إضافة الدفعة الأولى من السماد كي يختلط بالتربة بشكل جيّد، ويصار بعد ذلك إلى تنعيم الأرض وتسويتها ثم زرعها.
يزرع القمح في كثير من دول العالم بالإعتماد على مياه الأمطار، وفي بلدان أخرى يزرع بالإعتماد على الري. تقوم زراعته على تبذير الحبوب في فترة من الخريف تسمح للنباتات الصغيرة بأن تنمو وتتمكّن من مقاومة برد الشتاء أي من تشرين الأول حتّى كانون الأول، أمّا القمح الربيعي ففترة نموّه تكون أقصر وبالتالي فإن نسبة تعرضه للمخاطر الناجمة عن تقلبات الطقس تكون أقل.
يستعمل المزارعون في عمليّة بذر القمح آلة يسحبها جرّار تسمّى البذّارة وهي تحفر خطوطًا في الأرض بعمق يكفي لزراعة الحبوب، وفي الوقت نفسه تسقط الحبوب واحدة تلو الأخرى وتغطّيها بالتربة، كما تقوم بعض البذّارات بإسقاط كميّة من السماد مع الحبّة. أمّا كميّة البذار فتختلف باختلاف طريقة الزراعة (مرويّة وغير مروية) وهي تراوح ما بين 20 و25 كلغ للدونم.

 

إنتاج القمح في العالم وفي لبنان
يبلغ إنتاج القمح في العالم سنويًا حوالى 735 مليون طن متري، وهذه الكمّية يمكن أن تملأ قطار بضائع يلفّ العالم مرّتين ونصف تقريبًا. ويتركّز إنتاج القمح في كل من الصين والهند والولايات المتّحدة الأميركيّة وروسيا، إذ تستحوذ هذه الدول على أكثر من ربع الإنتاج العالمي للقمح، تليها كل من فرنسا والمانيا وباكستان وكندا وأوستراليا وتركيا وأوكرانيا وإيران والأرجنتين وبريطانيا...
يقول المدير العام لوزارة الزراعة سمير الشامي إن لبنان ينتج ما بين 100 و140 ألف طن من القمح الصلب الذي يتمّ تصدير معظمه لأنّه لا يستخدم في إنتاج الطحين إنّما في إنتاج البرغل والمعكرونة، لذا فإنّنا نستورد القمح الطري الذي يستخدم لإنتاج الطحين و95% منه نستورده من روسيا ومحيطها.
يمثّل التغير المناخي والإنفجار السكّاني أهم مشكلتين تهدّدان الأمن الغذائي في العالم، لذا أوصت منظّمة الأغذية والزراعة (الفاو) بتكثيف الإنتاج الزراعي وحماية الموارد الطبيعيّة كسبيل للحل.
في ما خص لبنان شهدت السنوات الأخيرة ثلاثة أنواع من الجفاف هي: الجفاف المناخي الذي يتجلّى بارتفاع درجات الحرارة وبعجز في كميّة المتساقطات المائيّة مقارنة بالمعدّل العام، والجفاف الهيدرولوجي الذي يتجلّى من خلال جفاف الكثير من الينابيع وانخفاض مستوى المياه الجوفيّة، وأخيرًا الجفاف الزراعي الذي يأتي بفعل سوء توزيع المتساقطات المائيّة بين فصول السنة وانحصارها في فترة قصيرة من الزمن لا تتعدّى الثلاثة أشهر، ما يؤدّي إلى إنخفاض في مخزون التربة من المياه وذبول المزروعات وموتها.

 

إنتاج القمح اللبناني في ظل التغيّرات المناخيّة
 يراوح حجم الإنتاج اللبناني من القمح الصلب كما سبق وذكرنا ما بين 100 و140 ألف طن، بينما تصل حاجته إلى ما بين 450 و550 ألف طن سنويًا وفق ما صرح به وزير الزراعة الدكتور حسين الحاج حسن. ويتم تصدير معظم الإنتاج اللبناني من القمح الصلب لأنه لا يصلح لإنتاج الطحين، وبالتالي فإن لبنان لا ينتج غرامًا واحدًا من القمح الطري الذي يمثّل العمود الفقري للأمن الغذائي، فماذا نفعل في الظروف الطارئة؟
لقد أدّت موجة الجفاف والحرائق التي ضربت روسيا العام الماضي إلى تجميد هذه الدولة صادراتها من القمح الطري ما اضطرّ الحكومة اللبنانيّة إلى تجميد تصدير ما ينتجه لبنان من القمح الصلب، بانتظار جلاء صورة أوضاع القمح عالميًا، كما أن موجة الحر والجفاف التي ضربت لبنان تركت آثارًا كارثية على صعيد إنتاج القمح، فالدونم الواحد من الأرض لم ينتج في أفضل الأحوال العام الماضي أكثر من 100 أو 150 كلغ من القمح، بينما كان ينتج في السنوات السابقة بين 500 و600 كلغ. لذلك عمدت السلطات اللبنانية إلى تخزين ما لديها وتجميد تصديره إذ أنّه يسدّ ما بين 16 و20% من حاجة السوق المحليّة.
على الصعيد العالمي، يلاحظ تناقص متصاعد في إنتاج القمح، أما الأسباب المؤدية إلى هذا التناقص فهي كثيرة وأهمها انحسار المساحات المزروعة به بسبب ظهور «محاصيل نقدية» منافسة له وتعرّض زراعته للضغوطات البيئية وأهمها الجفاف. ففي منطقة البلقان إنخفضت إنتاجية القمح العامين الأخيرين من 8 طن/هكتار إلى حدود 4 طن/هكتار وفي فرنسا إلى حدود 4.8 طن/ هكتار، وهذا التناقص سيؤثر في حال إستمراره كثيرًا على الدول التي تعتمد في استهلاكها للقمح على الإستيراد وليس على الإنتاج المحلي.

 

واقع السوق العالمية للقمح
تحرّك سوق القمح العالمية مجموعة من الدول المصدّرة هي الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وأوكرانيا وفرنسا وكندا وأوستراليا والأرجنتين، ومجموعة من الدول المستوردة ومعظمها من دول العالم الثالث، وأهمها مصر والجزائر والمغرب والبرازيل. كما أن هناك عددًا من الدول الكبرى التي تستورد أنواعًا وتصدر أنواعًا أخرى. وقد ارتفعت أسعار القمح خلال العامين الماضيين بشكل كبير لعدة أسباب أهمها:
- إنخفاض محصول القمح في روسيا وأوكرانيا بسبب موجة الجفاف والحر.
- إنخفاض محصول القمح في كندا بنسبة 23%.
- إنخفاض المساحات المزروعة بالقمح في الولايات المتحدة الأميركية بنسبة 28%.
- إنخفاض محصول القمح في دول شمالي أفريقيا بنسبة 12%.
- نقص المخزون العالمي من القمح بنسبة 3% أي بنحو 187 مليون طن.
- إستخدام كميات كبيرة من القمح لإنتاج الإيتانول كبديل عن البنزين.
- زيادة نسبة القمح المخصص كعلف للحيوانات بسبب إرتفاع أسعار اللحوم والدواجن عالميًا.


تجارب وأبحاث واعدة
توصّلت مصلحة الأبحاث العلمية الزراعيّة في تل العمارة إلى نتائج إيجابية في زراعة أصناف جديدة من القمح والشعير تتحمّل الجفاف وتحتاج إلى كميّة أقل من المياه، ويؤكد التقرير السنوي للمصلحة أنّه تم تقييم بعض الأصناف من القمح في ظروف مناخيّة مختلفة بهدف إختيار أفضل الأصناف الملائمة لمختلف المناطق اللبنانيّة، وقد تبيّن تفوّق صنفين من القمح الطري على الصنف المعتمد تنّور (2.5 طن/هكتار) هما: MR1009 وأكساد901، وتفوّق صنفين من القمح القاسي على الصنف المعتمد لحن 2 (3.5 طن/هكتار) هما: Azegar 2 وAscad 65.
وأواخر العام 2010 تمّ بالتعاون مع المركز العربي «إكساد» اعتماد صنفي «إكساد 65» و«إكساد 901» تحت إسمي «تل عماره 1» و«تل عمارة 2».
على الصعيد العربي، لا بد من التنويه بالنتائج التي توصّل إليها فريق علماء المركز القومي للبحوث في جمهورية مصر العربية والممثلة بإنتاج 6 أصناف من القمح تتحمّل الجفاف والملوحة، بحيث تعود مصر إلى سابق عهدها وتصل إلى إكتفاء ذاتي من القمح بإعتباره محصولاً إستراتيجيًا. ويقول الدكتور محمد ثروت رئيس وحدة إنتاج التراكيب الوراثية للحبوب، إن ذلك سيؤدي إلى زيادة المحصول السنوي من القمح بنسبة 30-40% ورفع الناتج المحلي للقمح إلى 80%.
المملكة العربية السعودية بدورها حققت العام الماضي إرتفاعًا ملحوظًا في إنتاج القمح بكمية 2.8 مليون طن مقارنة مع العام الأسبق( 2.4 مليون طن)، في الوقت الذي سجّلت فيه إنتاجية الطن الواحد إرتفاعًا ملحوظًا في مختلف مناطق البلاد بمتوسط 6.4 طن للهكتار الواحد. كما وحققت شركة هادكو الزراعية السعودية نتائج إيجابية في حصاد محصول القمح للموسم الزراعي الحالي بعد وصول الإنتاجية إلى 7.5 طن للهكتار.

 

الحلول الكفيلة بمواجهة التغيّرات المناخيّة وتحسين إنتاجيّة القمح
لمواجهة المشكلة في لبنان لا بد من عدة خطوات أبرزها:
- إعتماد أصناف من القمح مقاومة للجفاف تتلاءم مع التغيير المناخي الحاصل، بحيث تكون عالية الإنتاجية وذات قدرة على تحمّل الملوحة وتحتاج إلى كميّة أقل من المياه.
- إقامة البرك والسدود لتخزين المياه والإستفادة منها وقت الحاجة في ري محصول القمح.
- إقامة محطّات لتكرير المياه المبتذلة واستخدامها في ري القمح والمزروعات الأخرى.
- تكثيف الإنتاج الزراعي وحماية الموارد الطبيعية وزيادة المساحات المزروعة بالقمح.
- حل مشكلة الملكيات الصغيرة من الأراضي عبر تأسيس التعاونيات الزراعية وجمعها لتسهيل إستخدام المكننة الزراعية.
- إقامة المؤسّسات التي تعنى بالزراعة وتؤمن عدة خدمات كالتسويق والإرشاد والتسليف الزراعي.
- وضع سياسة زراعية ترمي إلى حماية الإنتاج الزراعي وتشجيع المزارعين على زيادة إنتاجهم وتطوير زراعة القمح من خلال إعتماد التكنولوجيا الحديثة، وتوسيع رقعة زراعته خصوصًا المروية منها.
- حث المزارعين على زراعة القمح من خلال شراء محصولهم بأسعار تشجيعية.
- تطبيق الأساليب التقنية العلمية في تحضير التربة وفلحها وتسميدها.
- تطبيق برامج الري التكميلي والمستمر حسب المنطقة ومعدّل الأمطار السنوي فيها.