جولة أفق

«فتح الإسلام» تخطف مخيم نهر البارد وتغدر بالجيش
إعداد: العقيد انطوان نجيم

على أثر حادث شارع المئتين والزاهرية في طرابلس مع قوى الأمن الداخلي، أقدم عناصر عصابة «فتح الاسلام» داخل مخيم نهر البارد على الاعتداء على مراكز الجيش المحيطة بالمخيم فغدروا بالقوى المتمركزة في الجهة الشرقية من المخيم، وقتلوا عدداً من عناصر الجيش، على رأسهم ضابط.
تطوّر الوضع سريعاً واتخذ شكلاً تجاوز موضوع الاحتواء والرصد لينتهي إلى معركة عسكرية مفتوحة بعد نصب كمائن للجيش اللبناني خارج منطقة طرابلس وعلى مداخلها، سقط فيها للجيش عناصر كانوا يتجوّلون عائدين إلى مراكزهم أو ذاهبين في مأذونياتهم.
وهكذا فتحت جبهة مخيم نهر البارد واشتعلت ضد فتح الاسلام بعد عملية تحييد كامل، وخروج شبه شامل للاجئين الفلسطينيين الآمنين إلى مخيم البداوي.
فمن هو هذا التنظيم؟ وكيف تغلغل في مخيم نهر البارد؟

 

مخيم نهر البارد
كان للصدفة دور بتأسيس مخيم نهر البارد. فقد حاول بعض لاجئي القرى الشمالية الفلسطينية الانتقال إلى سوريا من مخيم الترانزيت وبرج الشمالي عن طريق الساحل، إلا أن قرار الحكومة السورية آنذاك، بإقفال الحدود مع لبنان بحجة عدم استقبال المزيد من اللاجئين، فاجأهم وهم في الشمال فاضطروا إلى السكن في خيم تحوّلت مع الأيام إلى مخيّم. ثم قامت بانشائه لجنة الصليب الأحمر الدولي العام 1949 على بقعة أرض مساحتها 198129م2، وهي تخص مجموعة من 86 مالكاً كانوا يتقاضون مبلغ 3962 ليرة لبنانية كإيجار للأرض عبر مديرية شؤون اللاجئين الفلسطينيين (التي كانت في حينه تابعة لوزارة الداخلية اللبنانية) حتى العام 1975 حين توقف الدفع. وازدادت المساحة بفعل شراء المقتدرين من سكان المخيّم قطع صغيرة من الأراضي الملاصقة للمخيّم بهدف البناء والسكن إلى ما يزيد إلى 277380م2 أي بزيادة قدرها 40?. وقد انضمت إلى هذا المخيّم فئة أخرى من اللاجئين كانوا قد تجمّعوا في قرى البقاع والأخص في منطقة القرعون ونقلوا إلى المخيم بسبب برودة الطقس هناك. ويبلغ عدد سكان المخيم حالياً حوالى 30439 نسمة حسب احصاء الأونروا في 31 آذار من العام 2005.
معظم أهالي المخيم هم من بلدات صفورية وسعسع وعمقا والسموع والغابسية، والتي حملتها اسماء احياء داخل المخيم.
يعتبر هذا المخيم أكثر المخيمات الفلسطينية ازدحاماً بالسكان. وفيه شارع وحيد كان حتى وقت قريب طريقاً دولياً يصل بين مدينة طرابلس والحدود السورية. أما طرقات المخيم الداخلية فهي ممرات ضيّقة (زواريب) كثيراً ما يكون بعض أجزائها مسقوفاً فلا يصل إليه النور.
العام 1976، انشئ إلى الشمال من المخيم مخيم آخر اتبع به، سكانه من مهجّري مخيّمات بيروت بالدرجة الأولى.
في خضم الأزمة الفلسطينية، أي في 28 آب 1969، اندلع قتال عنيف بين الجيش اللبناني وسكان مخيم اللاجئين الفلسطينيين في نهر البارد. وأدى ذلك الصدام إلى اغلاق مركزي الدرك والشعبة الثانية في المخيم وطرد عناصرهما، كما أدّى إلى فتح مكاتب للفصائل الفلسطينية المختلفة. وكان هذا الأمر بداية ثورة عارمة شملت المخيمات كافة والتي بدأت بالانتفاض على سلطة الدولة اللبنانية وطرد رموزها وممثليها في المخيمات الواحد تلو الآخر، وفي غضون فترة لم تتجاوز الشهرين كانت المخيمات قد اصبحت خارج السيطرة الأمنية للدولة اللبنانية.
خرج مخيم نهر البارد عن سلطة الدولة اللبنانية فقامت فيه سلطة الكفاح المسلح، وبات قاعدة يومية لتدريب النساء والشابات والشبان على السلاح. وأصبح المخيم كوحدة إجتماعية سياسية خارج طوع السلطة وإرادتها بل وقوانينها.
منذ العام 1982 وإثر الحرب الاسرائيلية على لبنان، انتقل لاجئون من مخيمات الجنوب ولا سيما من صور وبيروت بعد تعرّضها للقصف الاسرائيلي إلى الشمال، حيث استقر الكثير من الأسر التي اشترت أرضاً قرب مخيم نهر البارد بحيث شكّـل الحي الجديد توسعاً للمخيم الأصلي.
وبمحاذاة الجانب الشمالي من المخيم أقيم مجمع المهجريـن الذي يضم حوالى 110 أسر من اللاجئين «المهجّرين»، كما تم حديثـاً إسكان 18 عائـلة منهـا في المخيـم في بنـاء أنجزته الاونروا.
في المخيم سبع مدارس تابعة لـ «برنامج التعليم» في الأونروا، أربع للمرحلة الابتدائية هي: مجدو والمنارة للذكور، وبثير وسمخ للإناث، وثلاث للمرحلة المتوسطة هي: جبل طابور للذكور، وطوباس وعين كارم للإناث. ويبلغ عدد التلاميذ فيها حوالى 5387 تلميذاً.
أما أبرز المؤسسات الاجتماعية في المخيم فهي، أجيال، جمعية النجدة الاجتماعية، نبع وبيت أطفال الصمود.
ويتلقى أهالي المخيم الرعاية الصحية في عيادة الأونروا ومركز صفد الصحي التابع للهلال الاحمر الفلسطيني، ومركز ناجي العلي الصحي ومستوصف بيت المقدس.
استطاع أبناء مخيم نهر البارد التوفيق نسبياً بين التجارة وعملهم السياسي والتنظيمي فأنشأوا سوقاً تجارياً أضحى في فترة وجيزة من الزمن مقصداً للتجار والمستهلكين الشماليين والسوريين مستفيدين من الموقع الجغرافي الهام الذي يحتله مخيمهم كنقطة وصل تربط مدينة طرابلس بقضاء عكار والحدود الشمالية مع سوريا، فعملوا على استثمار كل طاقاتهم وقدراتهم المالية في تدعيم تجارتهم وتنشيط هذا السوق الذي احتل في حينه موقعاً متقدماً ومنافساً لبقية الاسواق. وكان هذا السوق يعتمد بشكل أساسي على عمليات التهريب التي كانت تتم عبر البحر من دون حسيب ولا رقيب حيث كان يتم نقل البضائع من والى المراكب، فبات التهريب سمة تلتصق بالمخيم. ولكن مع انتشار الجيش في الشمال حفاظاً على الأمن تراجعت عمليات التهريب البحري والبري بشكل ملحوظ

 

من هو شاكر العبسي؟
هو فلسطيني أردني ولد العام 1955 في مخيم عين السلطان القريب من مدينة اريحا في فلسطين، والذي استقر فيه اهله بعد تهجيرهم من قرية الدوايمة إثر مجزرة رهيبة ارتكبتها العصابات الصهيونية.
انهى دراسته الثانوية  واتجه الى دراسة الطب في تونس العام 1973 على نفقة حركة «فتح».
ترك دراسة الطب بعد عام واحد ليعود الى عمّان مختاراً درب العمل العسكري، وبُعث الى ليبيا حيث تخرّج من الكلية العسكرية العام 1976 طياراً حربياً برتبة ملازم.
ثم تابع عدة دورات في قيادة الطائرة المقاتلة السوفياتية «ميغ» بطرازيها 21 و22 في كل من المانيا الشرقية ويوغوسلافيا والمجر وروسيا.
في الثمانينيات قاتل العبسي الى جانب نورييغا في نيكاراغوا، والى جانب ليبيا في حربها ضد تشاد وكان حينها قائد سرب.
بعد عام على خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت في أيلول 1982، انشق عن حركة «فتح» تحت قيادة أبي خالد العملة وأبي موسى وجرى تأسيس تنظيم جديد عُرف بـ«فتح - الانتفاضة».
وفي ايلول 2002 اتهم في سوريا بتهريب السلاح، ولكن من دون الاعلان عن وجهة الاسلحة، وتمت في ذلك الحين محاكمته محاكمة ميدانية ويقول العبسي «ان التهمة كانت محاولة تنفيذ عملية في الجولان»، وحكم فعلاً بتهمة حيازة السلاح ونقله الى الفلسطينيين، وبقي في السجن حتى شباط 2005. وفي هذه الاثناء، العام 2003 تحديداً، حاكمته محكمة أمن الدولة الاردنية غيابياًَ في قضية اغتيال الدبلوماسي الاميركي لورنس فولي امام منزله في عمان في 28 تشرين الاول 2002.
خرج من السجون السورية قبل احتلال العراق العام 2003 بمدة قصيرة.
خلال العام 2006، انتقل الى مخيم البداوي في الشمال. وفي 23 تشرين الثاني 2006 حاولت اللجنة الامنية في المخيم دهم إحدى الشقق اثر شكاوى سكان المخيم عن عمليات نقل اسلحة وذخائر ومتفجرات. وتمت العملية بعد أربع ساعات باعتقال أربعة اشخاص سُلموا الى السلطات اللبنانية. وبعد التحقيقات اعترف اثنان من المعتقلين ان المجموعة كُلفت تنفيذ عمليات إرهابية ضد قوات الطوارئ الدولية، وبحوزتها لائحة تضم أسماء 36 شخصية كلفت اغتيالها.
عشية 14 شباط, اتهمت مجموعة من «فتح الاسلام» بتفجير حافلتي ركاب في عين علق. وفي 13 آذار 2007 قالت السلطات اللبنانية انها  اوقفت ستة اشخاص ينتمون الى تنظيم فتح الاسلام اعترفوا بتورطهم في تفجيري عين علق. وهكذا انكشفت فتح الاسلام ونواياها! فما هو تنظيم فتح الاسلام؟


فتح الاسلام
ظهرت تسمية فتح الاسلام للمرة الأولى في ايلول 2006 حين اعلن شاكر العبسي الملقب بـ«أبو حسين» انشقاقه والمجموعة التي يرأس عن حركة فتح الانتفاضة واقدامه على احتلال مراكزها في مخيم البداوي. وبعدها انتقل الى مخيم البارد، فأقام في داخله حياً مستقلاً وكياناً مستقلاً وأخذ يعمل لكسب المزيد من الانصار ثم احتل مواقع له على حدود المخيم وخارج نطاقه، كما سعى للانتشار خارج المخيم فتملك شققاً في شوارع مهمة في طرابلس حشد فيها الرجال والسلاح.
وبعدما استولى التنظيم على مواقع فتح الانتفاضة كافة في مخيم نهر البارد، شرع العناصر الاسلاميون الذين كانوا ينضوون تحت «فتح الانتفاضة» في الانتقال من مخيمات بيروت والبداوي الى مخيم نهر البارد ليلتحقوا بفتح الاسلام. كما التحق به بعض العناصر اللبنانيين  من منطقة التعمير قرب مخيم عين الحلوة في الجنوب مثل المدعو «ابو هريرة» شهاب قدّور وهو لبناني كان منتظماً مع تنظيم «جند الشام» في عين الحلوة، كما التحق بعض الخليجيين وبعض اللبنانيين من بعض مناطق الشمال ذوي الفكر السلفي القريب من فكر تنظيم القاعدة.
عمدوا في المخيم الى توطيد القربى من خلال عقد قرانهم على فتيات في المخيم، وذلك بعدما استأجروا شققاً سكنية بمواصفات جيدة وفي مقابل مبالغ مرتفعة أوحت بأنهم ميسورون ما شجع الارتباط بهم.
ولما شدد الجيش اللبناني اجراءاته على مداخل المخيم قبل اربعة اشهر من بداية المعركة، انكشفت اكثر فأكثر تصرفات مسلحي فتح الاسلام التي باتت عدائية الطابع.
ولكن لما وقعت الواقعة ومدّ تنظيم فتح الاسلام يد الغدر الى الجيش ضباطاً وأفراداً، تكشّفت الحقيقة بأن هذا التنظيم المزعوم لا يمت الى الاسلام بصلة لا من قريب ولا من بعيد وان الاسلام منه براء، لا سيما انه اتخذ من اللاجئين الفلسطينيين الآمنين دروعاً بشرية يقتل من ورائهم من أقسم يمين الشرف والتضحية والوفاء.