إضاءة

«فوت شم الهوا» واستمـتـع بالطـعــام والشـراب والعمل... من دون تدخين
إعداد: ريما سليم ضوميط

في الثالث من أيلول الماضي دخل قانون منع التدخين في كل الأماكن العامة المغلقة في لبنان، بما فيها المقاهي والمطاعم والملاهي، حيّز التنفيذ فارضًا غرامات كبيرة على المخالفين، ومحظّرًا جميع أشكال الترويج والدعاية وإعلانات التبغ التي تشجع صغار السن على التدخين.


مراقبة التطبيق
فرض القانون 174 وضع تحذيرات صحية على مساحة أربعين في المئة من الوجهين الأمامي والخلفي لعلب السجائر، كما فرض على كل من يتم ضبطه وهو يدخّن في مكان عام مغلق غرامة بقيمة 135 ألف ليرة لبنانية، فيما ألزم مالك المقهى أو المطعم دفع غرامة تبدأ بمليوني ليرة لبنانية في حال ثبت أنه يغضّ النظر عن المخالفين.  رافقت عملية تطبيق القانون حملة مدنية لدعم جهود الوزارات الرسمية، تحت شعار «حياة حرّة بلا تدخين»، يشارك فيها خمس عشرة جمعية تعمل على مكافحة التدخين في كل المناطق، بينما يعمل سبعون مراقبًا متدربًا، على مراقبة الأماكن العامة ورفع تقارير إلى الوزارات المعنية.

 

ردود فعل متباينة
أصحاب المطاعم والمقاهي احتجوا على القانون الذي اعتبروه مضرًا بمصالحهم، وطالبوا بتعديله ليستثني المطاعم التي تقدم الأراكيل، كما دعوا إلى التمهل بإصدار محاضر الضبط. في المقابل، إحتفلت جمعيات المجتمع المدني بتطبيق القانون، فواكبت اليوم الأول لتطبيقه من خلال نشاطات ثقافية، وبيئية مختلفة، من بينها أمسية غنائية في بيروت بعنوان «في شي برا في شي جوا»، رافقتها مسيرة ما بين منطقتي الحمراء ورأس بيروت، بهدف تشجيع زوّار المنطقة على الإستمتاع بأول ليلة خالية من التدخين في مقاهي المنطقة ومطاعمها ونواديها.
وما بين جهة معارضة وأخرى مهلّلة، اتخذت فئة ثالثة موقف اللامبالاة واكتفت بالتعليق على القانون معتبرة «أنه مثل كل القوانين اللبنانية الأخرى، يتم تطبيقها في البداية فقط، ثم سرعان ما يطالها النسيان!».

 

أسباب منع التدخين
إذا كان التدخين عملاً طوعيًا مرتبطًا بالحرية الفردية، فإن إرغام غير المدخنين على استنشاق الدخان السام هو تعدٍ على حريتهم الشخصية وسلامتهم الجسدية. لذا تصاغ قوانين حظر التدخين لحماية الأفراد من تأثيرات التدخين السلبي، والتي تشمل زيادة مخاطر الإصابة بأمراض: القلب، السرطان، انتفاخ الرئة، وسواها. ففي دراسةٍ نشرتها الوكالة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية، جاء أن الأفراد غير المدخنين معرّضون لمخاطر الإصابة بالسرطان بسبب المواد المسرطنة مثل المدخنين النشطين. إذ يحتوي دخان السجائر على 69 مادةً مسرطنةً، وخاصةً البنزوبيرين (benzopyrene) وهيدروكربونات أخرى عطرية متعددة النوى (polynuclear aromatic hydrocarbons)، بالإضافة إلى منتجات مفتتة مشعة مثل البولونيوم 210 (polonium 210). كما أظهرت أبحاث العديد من شركات التبغ وجود موادٍ مسرطنةٍ بوفرةٍ وبتركيزاتٍ عاليةٍ في التدخين السلبي.
كذلك، أثبتت التحاليل العلمية أن الأفراد غير المدخنين الذين يعيشون مع شركاء يدخنون في المنزل يقعون تحت وطأة خطر الإصابة بسرطان الرئة بنسبة 20 إلى 30 في المئة أكثر من الآخرين الذين يعيشون مع أفرادٍ لا يدخنون على الإطلاق، في حين يعاني الأفراد غير المدخنين والمعرضين لدخان السجائر في أماكن العمل خطر الإصابة بسرطان الرئة بنسبةٍ تراوح بين 16و19في المئة.
ومن الأسباب الإضافية لفرض قيودٍ على التدخين، تقليل مخاطر إشعال النيران في المناطق ذات مخاطر التفجير والقابلة للاشتعال، وتخفيض إستهلاك الطاقة من خلال تقليص الحاجة إلى التهوئة وتكييف الهواء.
وتنظر منظمة الصحة العالمية إلى سياسة حظر التدخين على أنها عنصر أساسي في تقليص معدلات التدخين والارتقاء بالصحة العامة. فعندما يتم تطبيقها بصورةٍ صحيحة وحازمة، تصبح وسيلة ناجحة في تغيير سلوك الأفراد والإبتعاد بهم عن الممارسات غير الصحية ودفعهم نحو حياةٍ صحّية في بيئة أقل تلوّثًا.

 

تاريخ منع التدخين
صدر أول قانون لمنع التدخين في العالم العام 1575 على يد «المجلس الكنسي المكسيكي» الذي حظر استخدام التبغ أو التدخين ومنعه في أي كنيسةٍ في المكسيك أو المستعمرات الإسبانية في منطقة البحر الكاريبي. ثم أصدر البابا أوربان السابع قانونًا يحظر التدخين في الكنيسة العام 1590 ووجّه تهديدًا بإلقاء الحرم الكنسي على كل من يدخّن داخل أي كنيسة أو حتى على شرفتها، كذلك كانت للبابا أوربان الثامن خطوة في المجال نفسه العام 1624. بعدها (1633) منع السلطان العثماني مراد الرابع التدخين في امبراطوريته.
بعد ذلك بدأ المجتمع الأوروبي المدني بسن قوانين حظر التدخين، لا سيما في بافاريا، كورساشين، وبعض أجزاء النمسا في أواخر القرن السابع عشر، ومن ثم في برلين التي تبعتها مدن أوروبية أخرى، إلا أن قوانين الحظر تلك ألغيت خلال ثورات 1848. وكان مبنى الحكومة القديمة في ويلنغتو (في نيوزيلندا) أول مبنى حكومي في العالم تطَبّق فيه سياسة منع التدخين العام 1876. وكان ذلك بسبب المخاوف من نشوب حريق فيه إذ أنه كان ثاني أكبر مبنى خشبي في العالم.
في القرن العشرين، فرض أدولف هتلر أول حظرٍ للتدخين على صعيدٍ وطنيٍ، وطبّقه الحزب النازي في جامعات ألمانيا، ومكاتب البريد، والمستشفيات العسكرية، ومكاتب الحزب. وقام النازيون بحملاتٍ لمناهضة التدخين على نطاقٍ واسعٍ حتى انهيار النظام العام 1945.
في الولايات المتحدة، أقرت ولاية مينيسوتا «قانون مينيسوتا للهواء النقي» في الأماكن المغلقة العام 1975، ما جعلها أول ولاية تمنع التدخين في غالبية الأماكن العامة. وقد كانت المطاعم حينها مطالبة بوجود أقسامٍ لعدم التدخين فيها، إلا أن الحانات استثنيت من ذلك القانون. وبحلول الأول من تشرين الأول 2007، أقرّت مينيسوتا حظرًا للتدخين في كل المطاعم والحانات عبر أرجاء الولاية، في ما أطلقت عليه «قانون الحرية في التنفس».
والعام 1990، أصبحت مدينة سان لويز أوبيسبو في كاليفورنيا أول مدينةٍ في العالم تمنع التدخين في جميع الأماكن العامة المغلقة، وقد شجع النجاح الذي لاقاه الحظر، الولايات الأخرى لتحذو حذوها، بحيث يبلغ حاليًا عدد الولايات التي تطبق حظر التدخين في جميع الأماكن العامة المغلقة 27 ولاية.
في قطر بدأ تطبيق قانون مماثل العام 2002، كذلك منعت دولة الإمارات العربية التدخين في المراكز التجارية والحدائق العامة والمسابح. وفي نيوزيلندا صدر العام 2003 تشريع لتنفيذ حظر تدريجي للتدخين في المدارس، وملاعبها وفي أماكن العمل. والعام نفسه، طبقت كل من النروج وإيرلندا واستراليا والدانمارك حظرًا على التدخين في الأماكن العامة المغلقة. أما بريطانيا فقد أصدرت قانون الحظر العام 2007، كما رفعت سن السماح بشراء التبغ من 16 إلى 18 عامًا.
في الهند، كانت مدينة شانديغار أول مدينةٍ هنديةٍ تطبق منع التدخين العام 2007، ولم يطبق القانون في باقي أرجاء الدولة حتى منتصف العام 2009. وفي حين أعلنت نيبال حظرًا للتدخين في الأماكن العامة العام 2010، يطبق قرار منع التدخين في الأماكن العامة في معظم دول العالم حاليًا.

 

استطلاعات الرأي حول قوانين الحظر
وجد استطلاع غالوب العام 2007 أن نحو 54% من الأميركيين يفضلون الحظر الكلي داخل المطاعم، في حين اعتبر 34% أن الحظر يجب أن يطال جميع غرف الفنادق، وفضّل 29% أن يشمل الحانات والبارات.
وأظهر استطلاعٌ آخرٌ لغالوب، في أوروبا العام 2008، أن غالبية مواطني الإتحاد الأوروبي يدعمون الأماكن العامة الخالية من التدخين، ومنها مثلاً المكاتب، المطاعم والحانات. وأظهر أيضًا أن دعم القيود المفروضة على التدخين في أماكن العمل أعلى من دعم القيود المفروضة على التدخين في المطاعم. كما جاء فيه أن نسبة الدعم أعلى في الدول التي طبقت حظرًا صارمًا للتدخين. وتبين أن الإيطاليين هم الأكثر ميلاً إلى تقبّل القيود المفروضة على التدخين في الحانات، صالات البوب والنوادي، وينضم إليهم المواطنون في السويد وإيرلندا، حيث أن سبعين في المئة من الأشخاص الذين شملهم الإستفتاء أيدوا المنع التام للتدخين.

 

فوائد صحيّة لمنع التدخين
وثّقت العديد من الدراسات الفوائد الصحية والإقتصادية المرتبطة بحظر التدخين. فبعد عام ونصف من تطبيق مدينة بويبلو في كولورادو قانون حظر التدخين العام 2003، هبط معدل دخول المستشفيات على أثر الأزمات القلبية بنسبة 27%، في حين لم يظهر أي تغير على معدلات دخول المستشفيات بالنسبة للمدن المجاورة التي لم تطبق هذا القانون.
كما وجدت مجموعة من الباحثين في تورينو - إيطاليا، أن لحظر التدخين تأثيرًا على معدل هبوط الأزمات القلبية في المدينة، وأرجعت الدراسة غالبية حالات الهبوط تلك إلى تقلّص فرص التعرّض للتدخين السلبي. كما وجدت دراسات أخرى أن حظر التدخين الشامل في نيويورك وفّر العام 2004، نحو 56 مليون دولار أميركي من تكلفة الرعاية الصحية.
وقدَّرت دراسةٌ أُجريت في إنكلترا هبوطًا بنسبة 2.4% في معدلات دخول المستشفيات على أثر التعرّض لأزمات قلبية طارئة العام الذي أعقب فرض الحظر.
إضافة إلى ذلك، قد يساعد حظر التدخين في المطاعم في منع الشباب الصغار من أن يصبحوا مدخنين، وهذا ما أكدته دراسةٌ أُجريت في ماساتشوسيتس.
كذلك أكدت دراسة أجرتها إدارة الصحة التابعة لمدينة نيويورك العام 2004، أن معدلات تلوث الهواء تناقصت بنسبة تقارب الـ17% في الحانات والمطاعم بعد تطبيق الحظر.

 

المراجع:
- www.wikipedia.com.
- الوكالة الوطنية للإعلام.