هو وهي

«محبوبك جندي بالجيش؟»
إعداد: ريما سليم ضوميط

شاركيه مسؤوليات العائلة وإن كان غائبًا


خلال فصل الصيف، يزهر الحب وتكثر الزيجات والأفراح. من بين العرائس من اختارت الموظف ومنهنّ من اختارت صاحب المهنة الحرّة، وهناك فئة أخرى اختارت العسكري، ضابطًا كان أم رتيبًا أم جنديًا. للصبيّة التي تندرج ضمن هذه الفئة نقول: تمهّلي قبل قول كلمة نعم، تعرّفي إلى الحياة التي تنتظرك، ثم قوليها عن قناعةٍ بالفم الملآن!


«حياتك الأسرية لن تشبه حياة الآخرين، فالشريك لن يكون حاضرًا في الكثير من الأوقات الصعبة أو المناسبات السعيدة. قد تفتقدين وجوده المطمئن في أثناء نوبات الألم التي ترافق حملك، وقد تسهرين وحيدة إلى جانب طفلك في المستشفى في حال تعرضه لوعكة صحية. سوف تعتذران عن تلبية عدّة دعوات بداعي «ظروف الخدمة»، وسوف تضطرك الظروف نفسها إلى النهوض بمسؤوليات البيت والعائلة في أثناء غياب الشريك. أما الأسوأ من ذلك كلّه، أنّه قد يأتي يوم تضطرين فيه إلى الجلوس أمام شاشة التلفاز بانتظار خبر عاجل ينقل أخبار المعركة، فيما أنت تتفقدين، على عدد الثواني، هاتفك الخلوي آملة وصول رسالة موجزة تطمئنك عن حال حبيبك الغائب في ساحة المعركة!».


لماذا؟
«مرّة بعد مرة، ستوضحين لأطفالك لماذا «عمّو» فلان (والد أحد الأصدقاء) وغيره من الآباء موجودون دائمًا مع أبنائهم في جميع المناسبات، أما «بابا» فبالكاد يشارك في المناسبات المهمة. ستشرحين لهم أنّ «بابا» شخصٌ مميز، اختار رسالة مختلفة عنوانها التضحية، وأنّنا ملزمون بمساندته، لأنّه يفعل ذلك من أجلنا ومن أجل جميع الأهل والجيران والأصدقاء، كي نستمتع بالعيش الكريم في وطن يسوده الأمن والاستقرار».


بهذه العبارات تختصر السيدة جاكلين شبيب (زوجة عقيد في الجيش، وأم لأربعة أولاد) الحياة الأسرية لعائلات العسكريين، وتضيف موضحةً: «على زوجة العسكري أن تتحلى بالقوة والإرادة الصلبة والكثير من الصبر كي تقوم بالمسؤولية الملقاة على عاتقها في أثناء غياب زوجها. قد ترهقها المسؤولية في البداية، لكنّها ستعتاد الأمر شيئًا فشيئًا، وستجد في مقابل الغياب القسري، الكثير من الحنان والدفء العائلي حين يعود الزوج إلى البيت ليمارس دوره الطبيعي كأبٍ يسهر على راحة أبنائه، وكزوجٍ محبّ يقدّر تضحية زوجته ووقوفها إلى جانبه».


الضغوطات كثيرة فما العمل؟
في الإطار نفسه، يوضح الاختصاصي في علم النفس العيادي المؤهل أوّل عمار محمد، تأثير الحياة العسكرية على حياة الأسرة، فيؤكد أنّ أبرز عناصر الاختلاف التي تميز الزوج العسكري هي ولاؤه الذي يصبّ بالدرجة الأولى في المؤسسة التي نذر نفسه لها، فمصلحة الوطن تأتي فوق مصلحة العائلة، وقد يلهيه انشغاله في الخدمة عن متابعة الكثير من تفاصيل الأمور العائلية التي تعتبرها المرأة مهمة وأساسية. كذلك، فإنّ وجود العسكري في قطعة عسكرية بعيدة عن مكان سكنه أو غيابه في دورة تدريبية، قد يضطر الزوجة إلى أداء دور الأب والأم في أثناء بعده عن المنزل ما يزيد الأعباء الملقاة على عاتقها، بالإضافة إلى أنّ بعض النساء يشعرن بالفراغ من جرّاء الغياب المتواصل للزوج، ما يخلق في داخلهن حالة من القلق والتوتر. وهو يوضح أنّ العوامل المذكورة قد تسهم مع الضغوطات الاجتماعية والحياتية المتراكمة في نشوء خلافات عائلية بين العسكري وزوجته ما لم تتمتع الأخيرة بالنضج الكافي وحس المسؤولية، في مقابل تفهّم الزوج لمعاناتها في أثناء غيابه وتقديره للجهود التي تبذلها لخلق أجواء عائلية سليمة.


بالإضافة إلى ذلك، ينصح المؤهل أول محمد الزوجين، باتخاذ التدابير التي تساعدهما على التواصل الدائم وإبقاء الودّ والترابط بينهما في أثناء غياب الزوج، مشيرًا إلى أنّ وجود وسائل الاتصالات المتعدّدة والحديثة التي تتيح الاتصال بالصوت والصورة، قد سهّلت عملية التواصل بصورةٍ دائمة وبشكلٍ يومي ممّا يتيح للثنائي مناقشة أمور الأسرة والمنزل واتخاذ القرارات المناسبة بعد التشاور معًا، في المشكلات المطروحة. فمن خلال التواصل المستمر، يمكن للزوجة أن ترسم لزوجها صورة واضحة عن الحياة اليومية للعائلة، كي يشعرا باستمرار الشراكة الحقيقية بينهما. ويضيف من جهة أخرى، أنّه على الزوجة الاستفادة من الدعم المعنوي الذي يقدمه الأهل والأصدقاء ما يخفف من وطأة الضغوطات الملقاة على عاتقها.


المهمة ليست سهلة
يؤكّد الاختصاصي في علم النفس أنّ مهمة الزوجة لن تكون سهلة على صعيد تربية الأولاد. فغياب الأب العسكري في ظل الأحوال العامة التي يعيشها المجتمع، وما يعصف بالأسرة من مشاكل اجتماعية واقتصادية، يقضي بتكاتف جهود الزوجين، ويفرض بالتالي اتخاذ تدابير معينة تحول دون التأثير السلبي لغياب الأب على الحياة الأسرية والتنشئة السويّة للأولاد أو على نموهم العاطفي وتطوّر شخصياتهم.


ويضيف: للأب دورٌ مهم في حياة الأسرة لا يمكن تجاهله أو إسناده إلى الأم وخصوصًا في مرحلتَي الطفولة الأولى والمراهقة. فالوالد هو مصدر الأمان والطمأنينة لأنّه رمز القوّة داخل أسرته. منه يستمد الأولاد الثقة بالنفس وتقدير الذات، لا سيما في مرحلة المراهقة حيث يعتبر وجوده أساسيًا لما يقدمه من دعم نفسي، يسهم في تنمية شخصيتهم ويساعدهم في بناء علاقات اجتماعية سويّة، وفي تحقيق استقلاليتهم عن أهلهم بصورةٍ تدريجية. وبناء عليه، فإنّ غياب الأب لأيامٍ بداعي الخدمة، أو لأسابيع أو أشهر بداعي دورة تدريبية أو دراسية في الخارج، يجب أن يُعوَّض بمختلف الطرق لسد الفراغ الذي يولده الغياب.


التواصل الدائم
وينصح المؤهل أوّل عمار محمد الأب باعتماد التواصل الدائم مع أفراد أسرته بالصوت والصورة، ما يسمح له بمتابعة تفاصيلهم المهمة، وإبداء رأيه ومشورته في بعض الأمور، بالإضافة إلى إعطاء موافقته ورفضه لأمورٍ أخرى. وفي أثناء مأذونيته، يمكن للأب أن يعوض غيابه بأساليب مختلفة، من بينها اصطحاب أفراد أسرته في نزهات خارج المنزل أو في زيارات عائلية، ومرافقة أولاده في نشاطاتهم الرياضية أو الثقافية خارج المدرسة كي يتعرّف إلى هواياتهم وقدراتهم، وبذلك يتمكن من تعزيز ثقتهم بأنفسهم وتقديرهم لذواتهم. وإذا كان الأب ممن يجلسون إلى جانب صغارهم قبل النوم لقراءة قصة أو الاستماع إلى أخبارهم البريئة، فإنّ ذلك يسهم في تعزيز شعور الطفل بالأمان والاستقرار في كنف والد محب.


صلة الوصل
أما بالنسبة إلى الزوجة، فهي صلة الوصل بين الأب وأولاده في أثناء غيابه، ولذلك ينصحها الاختصاصي في علم النفس باتّخاذ بعض الخطوات التي تسهّل مهمتها التربوية في أثناء غياب الزوج:
• لا تنسبي جميع القرارات الخاصّة بالمنزل وبالأطفال لنفسك، بل أخبري الأولاد أنّها اتّخذت بعد مشاورات ما بينك وبين الأب.
• أطلعي زوجك على معظم تفاصيل العائلة، ولا تخفي مشاكل الأبناء لأيّ سببٍ كان، كي يشعروا بحضور والدهم على الرغم من غيابه الجسدي، فلا يتمادون في أي تصرّف غير مقبول.
• عند وجود الأب في المنزل، اتركي له أمر اتخاذ القرارات الخاصة بالأولاد ومناقشتهم في الأمور المتعلّقة بهم.
• إسعي لإبقاء التواصل الدائم بين الأبناء والأب في أثناء غيابه، وهو أمر سهل في ظل وسائل الاتصال الحديثة.
في الختام، يؤكد المؤهل أول محمد أنّه على العسكري وزوجته الاقتناع بأنّ نجاح زواجهما يقضي بالتضحية المتبادلة، وباحترام الزوجة لخصوصية رسالة زوجها وما تحمله من اختلاف عن الوظائف والمهن الأخرى، في حين يُطلَب من الزوج تقدير الجهود والتضحيات التي تقدمها الزوجة في إطار مساندته والوقوف إلى جانبه لإنجاح زواجهما ولتنشئة عائلة صالحة.