مناورات

«مخالب النسر» تُطبق على الإرهابيين في جرود العاقورة
إعداد: روجينا خليل الشختورة

صحيح أنّ الوضع السياسي متأزّم والوضع الاقتصادي صعب، لكنّ الوضع الأمني تحت السيطرة رغم كلّ التشنجات. فبعد «فجر الجرود» ها نحن أمام عملية «مخالب النسر».
تمركزت خلية إرهابية في جرود العاقورة تحضيرًا للقيام بعملياتٍ إرهابية في الداخل اللبناني، فعاد أبطال الجيش إلى ميدان المعركة. إنّه سيناريو مفترض لتمرينٍ مشترك بالذخيرة الحية، رأت قيادة الجيش أن يُنفَّذ بعد سنتين من معركة «فجر الجرود» التي أثبت الجيش خلالها كفاءة عالية وشجاعة نادرة، وأسفرت عن دحر الإرهاب وطرده من أرضنا.

 

لم يكن هواء جرود العاقورة حيث جرت المناورة، ليسمح بالتعرّق تحت أشعة آب اللاهبة، لكنّ دويّ القنابل والرصاص وأصوات الآليات والطائرات، كانت كفيلة بانسياب عرق الرهبة على أجساد الحاضرين، خصوصًا المدنيين منهم، فأجواء مناورة «مخالب النسر» التي نفّذها الفوج المجوقل مع عدد من القوى أحالنا إلى أجواء المعارك في الجرود العالية.


المناورة الأكبر في الجيش اللبناني
قائد الفوج العقيد الركن مارون أبو هلون يؤكّد انطباع الحاضرين بأنّ وقائع المناورة التي شهدها مجمّع العاقورة العسكري تشبه إلى حدٍّ كبير وقائع «فجر الجرود»، فطبيعة الأرض هي نفسها، لكن هناك بعض الفروقات طبعًا. فالمناورة قامت على فرضية وجود ٦٠ إرهابيًا ينبغي الإطباق عليهم، أما في «فجر الجرود» فكان العدد أكبر بكثيرٍ. الأهم أنّ هذه المناورة تُعتبر الأكبر في الجيش اللبناني نظرًا إلى حجم القوى المشاركة فيها.
 

الإعجاب والثقة والدعم
أداء الوحدات المشاركة في المناورة حدا بالسفيرة الأميركية في لبنان Elizabeth Richard إلى القول: «نحن فخورون جدًّا لرؤية ما يحدث هنا. نؤمن بحزمٍ بهذا الجيش، وأتمنى أن يؤمن كلّ لبناني بجيشه».
توقّفت السفيرة الأميركية بإعجابٍ أمام مستوى الحرفية التي أثبتها الجيش في تنفيذ عمليات صعبة ومعقّدة، وفي استخدامه أسلحة ومعدات ذات تكنولوجيا متقدّمة بكلّ أمان. وهذا ما استدعى إعلانها إستمرار الدعم الذي تقدّمه بلادها للجيش اللبناني، وقولها: «في منتصف آب الفائت، تابعنا دعمنا من خلال إرسالنا ١٥٠ آلية هامفي مدرعة عسكرية إضافية إلى الجيش اللبناني، وبعد ثلاثة أيام قمنا بتسليمه مدافع رشاشة وبنادق قنص وأسلحة من العيار الثقيل قيمتها نحو ٦٠ مليون دولار».
جرعة الدعم الأميركية الجديدة للجيش اللبناني التي أعلنتها ريتشارد من جرود العاقورة، كانت تجديدًا لإعلان الثقة بهذا الجيش، وقد تخلّل هذا الإعلان تذكير بأنّ الولايات المتّحدة الأميركية قدّمت للبنان مساعدات منذ العام ٢٠٠٦ بلغت قيمتها مليارًا وسبعمئة مليون دولار.

 

جرى خلال المناورة استخدام مجموعة متنوّعة من المعدات العسكرية، من ضمنها دبابات نوع M60، ناقلات جند الـBradley ومركبات الهامفي المدرعة وطوافات الـGazelle وطائرات الـSuper Tucano والـPuma والـHuey والـA-29 والمدفعية الثقيلة.

 

التنفيذ
على الشاشة الكبيرة في غرفة العمليات، شاهد الحاضرون تحركات العدو التي نقلتها الصور الاستعلامية المباشرة عبر أجهزة الاتصال مظهرةً حجم قواه وأسلحته. كانت الصور حصيلة المهمة التي نفّذتها قوى الاستطلاع وأحيلت إلى خلية التحليل وغرفة العمليات، فتمّ استثمارها لتوجيه القوى إلى القضاء على الإرهابيين.
تولّى الفوج المجوقل مهاجمة المجموعة الإرهابية وعمل بالتنسيق مع لواء المشاة السادس وفوج المدرعات الأول اللذَين كُلِّفا بعزل بقعة العمليات وتعزيز الحواجز. أمّا القوات الجوية، فأمّنت الدعم الجوي للفوج المجوقل الذي تلقى أيضًا دعمًا مدفعيًا من فوج المدفعية الأول، واستفاد من قدرات الفوج المضاد للدروع. وكانت الطبابة العسكرية جاهزة لتنفيذ عملية إخلاءٍ طبي جوي، بمشاركة عناصر من المديرية العامة للدفاع المدني والصليب الأحمر اللبناني.
استغرقت العملية خمسين دقيقة كانت كافية للإطباق على الأهداف الخمسة التي تمّ تحديدها، وتحويلها إلى كتلة من حديدٍ ونار، بينما اقتصرت خسائر الجيش على جريحٍ واحدٍ تمّ إخلاؤه.
 

التنسيق والكفاءة
نجاح المهمة ومحدودية الخسائر كانا بدرجةٍ أولى نتيجة التنسيق الدقيق بين مختلف القوى المشاركة، والكفاءة في استخدام التقنيات المتاحة. فقذائف الـCopperhead التي أطلقتها المدفعية، كما القنابل الجوية التي عالجت بها الـSuper Tucano الأهداف تميّزت بالدقة الفائقة، ما أثار إعجاب الحاضرين وتصفيقهم.
كما تميّزت ناقلات الجند المدرّعة نوع Bradley بالدقة في إصابة الأهداف، وهي موجودة فقط بحوزة الفوج المجوقل. أمّا الإصابات التي حقّقتها فكانت ١٠٠٪ «ما بتخرم» يقول العقيد أبو هلون.
كذلك، تميّزت جميع العمليات من المراقبة إلى الهجوم والبحث والإنقاذ بفعاليةٍ قصوى. وهذا ما أشار إليه بيان السفارة الأميركية حول المناورة إذ أشاد بالحرفية والتطوّر المتميّزين في تنفيذ «عملية صعبة مع الكثير من المكونات المتحركة»، ونوّه بالتواصل الاستثنائي بين جميع العناصر.
كذلك، أشار البيان إلى أنّ طيارين وجنودًا لبنانيين مدربين يتولّون صيانة وتشغيل المعدات العسكرية المقدمة إلى الجيش اللبناني من خلال المساعدات الأميركية، ما يدلّ على قدرة هذا الجيش على إنشاء قوى مدرّبة وجاهزة للعمليات، وهذا الأمر يشكّل الهدف الأساس لبرنامج «التنقل المحمي» Protected Mobility Program القائم بين الولايات المتحدة ولبنان.

 

في ناس بيستحقوا نقاتل كرمالن
اعتبر قائد الفوج المجوقل السابق العميد الركن جان نهرا أنّه إذا كان التعليم العسكري يشكل قاعدة البناء، فإنّ التدريب هو الذي يعطي هذا البناء العسكري مادة العمل من خلال تحويل المعرفة النظرية إلى إتقان عملي. وأضاف: في السلم نتحضّر للقتال، هذا لا يعني أنّنا نحبّ الحرب، لكنّنا نقاتل لأن «في ناس بيستحقوا نقاتل كرمالن».

 

يعطيكن ألف عافية
قائد الجيش العماد جوزاف عون الواثق من قدرات رجاله ومن كفاءتهم في التعامل مع التقنيات الحديثة، هنّأهم بحرارةٍ ونقل إليهم تهاني قائد الحرس الوطني القبرصي الذي حضر المناورة وأُعجب خصوصًا بالتنسيق الدقيق بين القوى. لكنّ العماد عون أكّد: «كلّ ما زِدنا العرق، كلّ ما وفّرنا دم، ورفعنا نسبة الاحتراف».
كلمة العماد عون إلى المشاركين لم تقف عند حدود التهنئة بما أظهروه من حرفية وتنسيق، واعتباره أنّ مستوى التدريب الذي أظهرته المناورة يثبت جاهزية الجيش الدائمة لمواجهة كلّ التحديات التي قد يواجهها. فقد أعاد التشديد على أهمية التنسيق بين مختلف القوى المشاركة في تنفيذ أي مهمة، لافتًا إلى أنّ هذا التنسيق لا يتحقّق بسهولةٍ، ويلزمه الكثير من التدريب.
«يعطيكن ألف عافية» قال القائد لكنّه لم يعفِ الرجال من مسؤولية المتابعة المستمرة، «ما تفكروا وصلنا لمرحلة خلص ما بقا في تدريب، العمل العسكري ما بيوقف».
وقبل أن يودّعهم أعاد التذكير بضرورة العمل المتواصل، فالأمور تتغيّر ومن لا يتغيّر لمواكبتها يسبقه الزمن.
التنسيق والتناغم بين الوحدات المشاركة تجلّى في أفضل صورة وأبرزَ فعالية قصوى للأسلحة المتطوّرة. فبعد سنتين على فجر الانتصار ودحر الإرهاب، حلّق نسر حماية وصون الوطن ليؤكّد أنّ الوضع الأمني الثابت المتماسك هو نتيجة الإرادة القوية.
حضر المناورة قائد الجيش العماد جوزاف عون وقائد الحرس الوطني القبرصي Lt. Ilias Leontaris الذي يقوم بزيارةٍ رسمية إلى لبنان، والسفيرة الأميركية في لبنان Elizabeth Richard، وعدد من الملحقين العسكريين وضباط من الجيش ومدعوّون مدنيون.

 

تصوير: ميشال الإسطا