مراهقون وأخطار

«مريم» و«الحوت الأزرق»
إعداد: ريما سليم ضوميط

أولاد يُستَدرجون إلى الموت


في مساء الأوّل من أيّار الماضي، كانت غادة تحادث ابنها ليث (16 عامًا) أمام باب غرفته حين غافلها و«طار» في ثوانٍ من شرفة منزلهما الكائن في الطابق الرابع في منطقة رأس النبع.
المراهق الذي رمى بنفسه في ما يشبه مشهدًا من فيلم هندي، على حدّ قول والدته، هو الضحيّة الأولى للعبة «الحوت الأزرق» في لبنان. وكان قد أظهر قبل تلك الحادثة عدّة علامات لم تفهمها والدته آنذاك، من بينها السّهر طوال الليل على الهاتف، ورسم أوشمة على جسده، بالإضافة إلى المشي على حافة الشرفة، وصولاً الى السؤال عما إذا كان الانتحار جريمة.

 

تحذير قوى الأمن
حادثة «ليث» ألقت الضوء مجدّدًا على خطورة التطبيقات التي تقتحم الهواتف الخلويّة والّلوحات الإلكترونيّة لأطفال لبنان ومراهقيه، مهدّدة حياتهم وأمنهم الشّخصي. في هذا الإطار، أشارت مديرية قوى الأمن الداخلي في بيانٍ أنّها تلقّت عددًا من الإفادات من قبل المواطنين حول أطفال تظهر عليهم علامات خمول ذهني ويحاولون الانتحار نتيجة استخدامهم لتطبيقَي «الحوت الأزرق» و«مريم». وحثّ البيان الأهل على توعية أبنائهم ومراقبتهم ومنعهم من تحميل هاتين اللعبتين والألعاب المماثلة، كي يتجنبوا دخولهم إلى هذا العالم الافتراضي الخطير.

 

الحوت الأزرق
لعبة الحوت الأزرق (Blue Whale)، للّذين لا يعرفونها، هي تطبيق إلكتروني يشجّع اللاعبين على الانتحار عبر استدراجهم إلى مجموعة تحدّيات، عليهم اجتيازها في خمسين مرحلة، آخرها الانتحار. ويقال أنّ مصطلح «الحوت الازرق» يأتي من ظاهرة حيتان الشاطئ التي تقوم بالانتحار طوعًا. تنطوي اللعبة على سلسلة من المهمّات التي يحدّدها المبرمجون ويحثّون اللاعبين على إكمالها، وهي تتنوع ما بين المباح والسيّء والخطر، ومن بينها:
- نحت عبارة  «F57» أو رسم حوت أزرق على يد الشخص أو ذراعه باستخدام أداة حادة، ثم إرسال صورة للمسؤول للتأكّد من أنّ الشخص قد دخل اللعبة.
- الاستيقاظ في الساعة الرابعة فجرًا، ومشاهدة مقطع فيديو يتضمن موسيقى غريبة تُدخل اللاعب في حالة من الكآبة.
- مشاهدة فيديوهات مخيفة كل يوم.
– عدم التحدث مع أي شخص طوال اليوم.
– الانتحار بالقفز من مبنى أو من خلال طعن النفس بالسكين.
أمّا في حال رغبة اللاعب في الانسحاب من اللعبة، فإنّه يُهدّد بالإفشاء عن المعلومات الخاصّة و«الأسرار» التى أفضى بها في أثناء اللعب. والمعروف أن هناك حوالى 150 مراهقًا حول العالم ومعظمهم في روسيا لاقوا حتفهم بسبب هذه الّلعبة.
 
رعب في هيئة طفلة
في إطارٍ مماثل، يندرج تطبيق مريم، وهو لعبة رعب مموّهة بوجه طفلة بريئة، أطلقها السعودي سلمان الحربي في المتجر الإلكتروني في تمّوز العام الماضي، ولاقت رواجًا كبيرًا في العالم العربي، لكنّها في الوقت نفسه أثارت الكثير من المخاوف. فقد طُرحت حولها تساؤلات كثيرة تشكّك في أهدافها والغاية منها، على الرّغم من تأكيد مُبرمجها أنّها لعبة رعب لا تهدف إلى الأذى وإنّما إلى التّسليـة فقـط.

 

تجسّس وجمع معلومات
تدور قصّة اللعبة حول طفلةٍ صغيرة تدعى مريم، تتوه عن منزلها، وتطلب مساعدة اللاعب كي يرشدها إلى طريق العودة. في أثناء الرحلة، تطرح مريم الكثير من الأسئلة المريبة التي يدور معظمها حول الحياة الشخصيّة للّاعب مثل اسمه وعنوان سكنه وحساباته الشخصيّة على وسائل التواصل الاجتماعي، كما تطرح أسئلة سياسيّة، ما جعل الكثير من الخبراء يطلقون صيحات تحذير من أن الّلعبة تهدف إلى التجسّس وجمع المعلومات التي يمكن استخدامها لاحقًا لأغراضٍ مشبوهة، لا سيّما وأنّها قادرة على الدخول إلى بيانات المستخدم وملفّاته وصوره.

 

تحفيز على العنف
في طريق العودة إلى البيت، تطلب مريم من اللاعب إطفاء الأنوار ورفع صوت الجهاز الإلكتروني فيما يبثّ مبرمج اللعبة موسيقى مخيفة يتخلّلها في بعض الأحيان أصوات أشباحٍ وعويل أو قهقهات. ولدى وصولها إلى المنزل، تطلب مريم من اللاعب دخول إحدى الغرف والبحث عن والدها وسط مؤثّراتٍ سمعيّة بصريّة مخيفة، وأجواءٍ مليئة بالغموض والترقّب. يؤكّد الخبراء أنّ هذه الأجواء المشحونة بالرعب والتحدّي والضغط النفسي تحفّز الأطفال والمراهقين على العنف وتدفعهم إلى إيذاء أنفسهم أو الآخرين، خصوصًا وأنّ مريم تشجّعهم في إحدى مراحل اللعبة على استخدام المسدّس والسكّين بحجّة محاربة الوحوش في الطريق. وفي مرحلةٍ أخرى، تحرّضهم على الانتحار، مهدّدةً إياهم بإيذاء ذويهم ما لم تتم الاستجابة لطلبها.

 

وجهان لعملة واحدة
تخبر مريم اللاعبين أنّها «ليست الحوت الأزرق»، إلّا أن الخبـراء يؤكّدون أن التطبيقين وجهان لعملةٍ واحدة. فكلاهمـا يندرجـان في إطار الألعـاب الإلكترونيّـة الهادفـة إلـى تدمير الأطفال والمراهقين عن طريق العنف والابتزاز، وعبر ما تسبّبه من ضغط نفسي يؤثّر سلبًا على ذهن الطفل ويجعله في بعض الأحيان غير قادر على التمييز بين الواقع والخيال الذي يعيشه من خلال اللعبة، إضافة إلى ما تخلقه من روح العدائيّة والتحدّي الأرعن اللذين يؤدّيان في عدّة أحيان إلى الانتحار خصوصًا في صفوف المراهقين. ويؤكّد الاختصاصيّون أنّ هذا النوع من الألعاب هو نتاج خيال مريض يجنح نحو العنف والإجرام، ويجب حجبه نهائيًا عن الهواتف الخلويّة واللوحات الإلكترونيّة.

 

دور الأهل في حماية أطفالهم
إنّ ما تتيحه الشبكة العالميّة من استخدام غير آمن للتطبيقات المجانيّة، يفرض على الأهل التيقّظ الدائم لحماية أطفالهم من مخاطرها. في هذا الإطار، تقدّم السيّدة مايا عزّ الدّين، مدرّبة العلاقات الأسريّة والتربية الإيجابيّة، بعض النصائح التي تساعد الأهل في إبعاد أطفالهم عن مخاطر الألعاب الإلكترونيّة بما في ذلك خطر إدمانها، وما يخلّفه من آثارٍ سلبيّة على دماغ الطّفل.

 

• دور الأهل كمربّين:
- إبدأوا بأنفسكم! لا تقوموا بتحميل تطبيقات الألعاب الإلكترونية على الخلوي الخاص بكم أو على الأقل حاولوا الحدّ منها، وعدم استخدامها في حضور أولادكم.
- لا تسمحوا لأبنائكم باقتناء هاتف خلوي خاص بهم قبل سن الثانية عشر.
- شجّعوا النشاطات وادعموا الهوايات التي يميل إليها أبناؤكم.
- ليكن في المنزل لوح رقمي واحد يتقاسمه أعضاء العائلة كلّهم، بدلاً من أن يكون لكل شخص لوحٌ خاصٌ به.
- راقبوا التغيّرات التي قد تطرأ على تصرفات أبنائكم، واستعدّوا لمناقشتها.
- ثقّفوا أنفسكم بما يخص وسائل التواصل والتطبيقات ثم ناقشوها بتفاصيلها مع أبنائكم.
- حدّدوا، بالاشتراك مع أطفالكم، روتينًا عامًّا في المنزل، يتضمّن الأوقات المسموح بها للألعاب الإلكترونية، واتّفقوا على إشارة تستخدمونها لتنبيههم أنّ الوقت المتّفق عليه سينفذ.
- اختاروا بالاتفاق مع أولادكم يومًا في الأسبوع يكون screen free day لا تُستخدم خلاله الألعاب الإلكترونية للتسلية.
- حدّدوا يومًا في الأسبوع للاستمتاع بنشاطٍ عائلي: مشاهدة فيلم، لعب الورق...