قضايا ساخنة

آمر سرية الوقاية من اسلحة الدمار الشامل في الجيش اللبناني: المجموعات الإرهابية قادرة على تصنيع السلاح الكيميائي واستعماله
إعداد: تريز منصور

السلاح الكيميائي واحد من أسلحة الدمار الشامل المحظر استخدامها دوليًا، وهي بخلاف سواها من هذه الأسلحة يمكن أن تصنّع من مواد أولية تتوافر بسهولة، وفي الوقت نفسه هي قادرة على إحداث أضرار كبيرة.
«الجيش» التقت آمر «سريّة الوقاية من أسلحة الدمار الشامل» في فوج الهندسة النقيب محمد عبد الرزّاق، وأجرت معه هذا الحوار حول الأسلحة الكيميائية ومميزاتها ومخاطرها.

 

تعريف الأسلحة الكيميائية وكيفية صنعها

 

• ما هو تعريف الأسلحة الكيميائية؟
- إن العامل الكيميائي (Toxic Chemical Agent)، هو المادة السائلة أو الصلبة أو الغازية، والتي بسبب خواصها الكيميائية تحدث الموت أو الضرر أو التلف أو الإزعاج للإنسان وللحيوان وللنبات، كما يشمل ضررها المواد والمعدات الحربية من آليات وأسلحة. وقد يكون العامل الكيميائي مادة دخانية أو محرقة أو مشلّة للعقل والجسم.
وأول استخدام عسكري لهذه العوامل، كان على يد الألمان في الحرب العالمية الأولى العام 1915.

 

• كيف يتمّ تصنيعها وما هي المواد المركّبة منها؟
- يدخل عادة في تركيب الأسلحة الكيميائية المواد العضوية والفوسفورية والكبريت. وبعض المواد المستخدمة في هذه الأسلحة، مشتقة من المبيدات الزراعية.
كما أن المواد الكيميائية التي تدخل في الصناعات التقليدية (Tics & Tims)، قد تسبّب في بعض الأحيان، أضرارًا جسيمة تصيب الإنسان والبيئة المحيطة به، والتي لا تقلّ أهمية عن أضرار السلاح الكيميائي.

 

مميزاتها وأهداف استخدامها

 

• ما هي مميزات الأسلحة الكيميائية؟
- تؤثّر هذه الأسلحة عادة على جميع الكائنات الحيّة كالإنسان والحيوان والنبات، وقد يصل تأثيرها على الإنسان وهو موجود داخل المباني وحتى داخل الملاجىء المقفلة والمزوّدة بمصاف (Filters) لتنقية الهواء، على اعتبار أن لهذه المصافي مدة حياة (صلاحية) محدّدة لا تتعدّى الـ 24 ساعة. وطبعًا يتوقّف ذلك على نوع العامل الكيميائي، على اعتبار أنه مركّب من جزيئات مختلفة الحجم، وبالتالي فإن التأثير يرتبط بمدى قدرة الفلتر أو الكمامات على امتصاص هذه الجزيئات...
وفي ما خصّ مواصفات العوامل الكيميائية، أوضح أنه بالإجمال لا لون ولا طعم ولا رائحة لها، ولكن قد يكون لبعضها، وبنسبة ضئيلة، رائحة الحشائش وأخرى رائحة التراب التي تشير إلى استخدامها، كما أنّ لبعضها ألوانًا مثل الأصفر لغاز الخردل، والأخضر للكلور...

 

• ما هو الهدف من استخدام هذه الأسلحة؟
- تستخدم العوامل الكيمائية السامة للأغراض الآتي ذكرها:
- التأثير على قوى العدو البشرية، وذلك من خلال التلوّث المباشر الذي يصيب الأشخاص والأرض والأسلحة والمواد الغذائية وغير ذلك، إضافة إلى تلوّث الهواء بأبخرة العوامل.
- ضرب أهداف في عمق أرض العدو، ويكون استخدامها عندئذ للهجوم وللدفاع.
- إعاقة العدو ومنعه من إنشاء المواقع العسكرية الهامة.
   - عرقلة تقدّم العدو، ويكون استخدامها في هذه الحالة للدفاع.
   - التأثير النفسي وإضعاف الروح المعنوية في صفوف العدو.

 

• كيف تستخدم هذه الأسلحة؟
- يتمّ استخدامها وفق سلّم متنوّع مؤلف من قنابل يدوية وألغام ضد الأفراد، هواويين، قذائف مدفعية، وراجمات صواريخ بالستية، إضافة إلى الرشّ بواسطة الطائرات.
  يبقى تأثير العوامل السامة كالـ VX مثلاً لمدة طويلة قد تقارب السنة تقريبًا، بحيث أن سرعة تبخّرها بطيئة جدًا (نحو 10.5 ملغ بالمتر المكعب على درجة 25 مئوية). في المقابل ثمّة عوامل تتبخر بسرعة هائلة، مثل غاز السارين، (يتبخّر بسرعة 22 الف ملغ/ بالمتر المكعّب وعلى درجة حرارة 25 مئوية)، وهي تعرف بذات الأثر غير الباقي.
وأكد النقيب عبد الرزّاق، أن ميزة العوامل ذات الأثر الباقي تعطيها أهمية تكتية واستراتيجية على حدّ سواء، في منع العدو من استخدام بقع محدّدة، أو حرمانه من المرور عبر ممرّات إلزامية، من خلال رشّها بهذه العوامل، تمامًا كما حصل في الحرب بين الإتحاد السوفياتي وأفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي.

 

• ما هي الدلائل التي تشير إلى استخدامها؟
- ثمّة دلائل تشير إلى استخدام العوامل الكيمائية أبرزها الآتي:
- ظهور غيمة أو سحابة على شكل دخان أو ضباب في مكان الانفجار وهي تسير مع إتجاه الريح من جهة العدو.
- ظهور غيمة مظلمة تتلاشى بسرعة إلى جانب الطائرات بحالة الهجوم الجوي.
- وجود قطرات أو بقع فوق التربة أو الحفر المكوّنة من تأثير الألغام أو قنابل الطائرات.
- ذبول المزروعات أو تغيّر لونها.
- الرموز والكلمات المثبّتة على الذخيرة.
- تأثّر الحيوانات في المنطقة.
- ظهور عوارض المرض على الأشخاص (من رشح أو ضعف الرؤية).
يضاف إلى ذلك أن صوت القنابل الكيماوية (المنفجرة حقيقة) يكون خافتًا.
وتستكمل هذه الدلائل من خلال عمل الخبراء(كسرية أسلحة الوقاية من أسلحة الدمار الشامل في الجيش) عبر الاستطلاع، واستخدام وسائل الكشف المتوافرة، ومن ثم أخذ عيّنات من مكان الحدث، وإرسالها إلى المختبرات المتخصصة، لتأكيد استعمال أحد عوامل أو أسلحة الدمار الشامل أو وجود أثر له.

 

كيفية الوقاية من الأسلحة الكيميائية

 

• ما هي وسائل الوقاية من مفاعيل العوامل الكيميائية؟
- معظم الأسلحة الكيميائية هي على شكل غاز وإيروسول (Ero Soul - جزيئات دقيقة)، وبالتالي هي قادرة على اختراق الجسم عبر أجهزة التنفّس كالأنف والفمّ، كما أنها تؤئر على العينين. وبالتالي فإن القناع الواقي يعتبر الوسيلة الأنسب لحماية الناس والمقاتلين من مفاعيل هذه العوامل أو الأسلحة.
أما بالنسبة الى العوامل ذات الشكل السائل والأثر الباقي، فتعتبر البزّة الواقية (Over garment) الوسيلة الأساسية التي تعتمدها الجيوش، على اعتبار أن السوائل تتسرّب عبر مسامات الجلد البشري. هذه البزّة مصنّعة من أقمشة خاصة واقية تحتوي على مادة الكربون التي تمتصّ الجزيئات الكيميائية. ويمكن للمرء حماية نفسه بارتداء الألبسة العازلة (كجاكيت النايلون والقفازات والقمصان ذات الأكمام الطويلة مثلًا).
ويضيف النقيب عبد الرزّاق، أنه من إجراءات الحماية أيضًا:
- اللجوء إلى أقرب ملجأ أو غرفة محكمة الإغلاق.
- إغلاق فتحات التهوئة والمكيّفات.
- إحكام إغلاق النوافذ بأوراق النايلون اللاصقة أو بالأقمشة المبللة بالمياه ووضعها تحت الأبواب. ولكن لا يمكن المكوث في غرفة كهذه لمدة تزيد عن ساعة، لأن مشكلة أخرى ستظهر وهي النقص في الأوكسيجين وزيادة في ثاني أوكسيد الكربون، وبالتالي ستعمّ المكان حالات تسمّم جماعية، ولا سيّما إذا تجاوز عدد روّاد الغرفة الأربعة أشخاص.

 

«سريّة الوقاية من أسلحة الدمار الشامل»

 

• هل لدى الجيش اللبناني القدرة على مكافحة الأسلحة الكيميائية ونزعها؟
- نظرًا الى الخطر المتأتّي من العوامل والأسلحة الكيميائية، إرتأت قيادة الجيش إستحداث «سريّة الوقاية من أسلحة الدمار الشامل». وهذه السرية (تتبع فوج الهندسة) التي أسّست في 31/1/2009، تضمّ بالإضافة إلى آمرها 25 عنصرًا، وهي متخصّصة وقد تابعت دورات في ألمانيا وروسيا.
جُهّزت هذه السرية بتجهيزات أوّلية (من الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية)، وهي تحظى باهتمام مميّز من قائد الجيش العماد جان قهوجي، الذي يضع قضية تجهيزها بأحدث المعدات في مقدمة أولويات الخطة الخمسية لتسليح الجيش التي أقرت بداية هذا الصيف.
والسرية اليوم في مرحلة التطوير والتحديث في ما يتعلق بقيادتها وعديدها. وقد أقيمت في فوج الهندسة عدة دورات تدريبية، حول السلاح الكيميائي تابعها عسكريون من مختلف الوحدات في الجيش اللبناني.
كما يخضع عناصر السرية إلى دورات تدريب ضمن برنامج التدريب الشامل(CTP)، بالتعاون مع فريق أميركي.
وبالتالي فإن السرية بقدراتها المتواضعة قادرة على إقامة محطات تطهير الأشخاص والآليات من مفاعيل أسلحة الدمار الشامل إذا دعت الحاجة. كما أنها تقوم بدور على المستوى الوطني على اعتبار أنها السرية الوحيدة التي تمتلك معدّات خاصة بالكشف على أماكن استخدام الأسلحة أو تحضيرها من قبل الإرهابيين. وقد نفّذت عدة مهمات في مجال الإشتباه بمواد كيميائية مخبأة وأخذ العيّنات منها.
وفي الختام أكد النقيب عبد الرزّاق أن الوقاية من عوامل أسلحة الدمار الشامل (CBRN)، تحظى باهتمام دولي، على اعتبار أنها قد تؤدي إلى تغيير مسارات الحروب العالمية والسياسات الاستراتيجية للدول المتقاتلة، كما في حال استخدام العوامل الخاصة بالنباتات والثروات الحرجية مثلاً، نظرًا الى تأثيرها المباشر على اقتصاديات الدول.   
وأضاف: علينا في لبنان عدم إغفال حقيقة إمكان تصنيع العوامل الكيميائية واســتخدامها من قبل مجموعــات إرهابيـة، قد تتســلّل إلى الداخل اللبنانــي، إضــافة إلى الخطــر المتــأتّي من الترســانة والمفاعــلات النوويــة القديمــة عــند العــدو الإســرائيلي.