- En
- Fr
- عربي
وقفة مع اللغة
تعاني الشعوب العربية قصورًا متزايدًا في إتقان لغتها، وتجتمع تحت هذا العنوان عدة أسباب. وقد أسهم هذا القصور إسهامًا مباشرًا في شيوع أخطاءٍ لغويةٍ كثيرةٍ أصبحتْ تُرسَل إرسالَ المسلَّمات في مختلف أنواع الكتابات من مقالات ووثائق رسمية ونشرات إعلامية وغيرها. وإن المراسلات العسكرية واحدة من المجالات التي تتضمن بعض الأخطاء اللغوية الشائعة، ما يجعل الإشارة إليها أمرًا ضروريًا.
تتضمن هذه المقالة مجموعة من الأخطاء اللغوية التي ترِدُ أحيانًا في المراسلات العسكرية، وقد ذُكر الخطأُ أولًا ثم بيانُ الصواب مع توضيحٍ نَحَويّ مختصر.
1. ضباط وعسكريو الجيش:
قد يرِد في استعمال تراكيب لغوية شبيهة بهذه:
حضرَ الإجتماعَ ضباطُ وعسكريّو الجيش.
جرى تفتيشُ حقائبِ وخزائنِ التلامذةِ.
هاجمَ الجيشُ مراكزَ وتجمعاتِ ومخازنَ الإرهابيين.
إن الخطأ في هذا النوع من التراكيب اللغوية هو إضافة أكثر من مضاف إلى مضاف إليه واحد، فعلى سبيل المثال، عندما نقول: «حضر الإجتماع ضباط وعسكريو الجيش» نكون قد أضفنا كلمتَي «ضباط» و«عسكريو» إلى مضاف إليه واحد وهو كلمة «الجيش»، وهذا خطأ لأن كل مضاف يقابله مضاف إليه واحد فقط.
ويمكن تجنب هذا الخطأ عبر ذكر المضاف إليه أولًا، ثم ضمير (أو ضمائر) يعود إلى ذلك المضاف إليه، كما يلي:
حضرَ الإجتماعَ ضباطُ الجيشٍ وعسكريوهُ: «ضباط» مضاف، «الجيش» مضاف إليه، «عسكريو» مضاف، الهاء في «عسكريوه» ضمير مضاف إليه يعود إلى المضاف إليه الأول أي «الجيش».
جرى تفتيشُ حقائبِ التلامذةِ وخزائنِهِم: «حقائب» مضاف، «التلامذة» مضاف إليه، «خزائن» مضاف، الهاء في «خزائنهم» ضمير مضاف إليه يعود إلى المضاف إليه الأول أي «التلامذة».
هاجمَ الجيشُ مراكزَ الإرهابيين وتجمعاتِهِمْ ومخازنَهُم: «مراكز» مضاف، «الإرهابيين» مضاف إليه، «تجمعاتِ» مضاف، الهاء في «تجمعاتهم» ضمير مضاف إليه يعود إلى المضاف إليه الأول أي «الإرهابيين»، «مخازن» مضاف، الهاء في «مخازنهم» ضمير مضاف إليه يعود إلى المضاف إليه الأول أي «الإرهابيين».
2. حيثُ نُقِل إلى المستشفى:
«حيثُ» لفظة تدل على ظرف المكان حصرًا دون غيره، كما في قولنا: «ذهبتُ إلى المصرف حيثُ يعمل أخي»، أو «لا تسبحْ حيثُ المياهُ ملوثةٌ». إلا أن «حيثُ» تُستعمل خطًا على أنها حرف عطف يربط الجُمَل كما في الأمثلة الآتية:
تعثّر وسقط أرضًا حيثُ نُقل إلى المستشفى.
كانت الآلية تسير بسرعة كبيرة حيثُ اصطدمت بالحائط.
خالف الجندي التعليمات حيثُ فُرضتْ بحقه عقوبة تأديبية.
في الجُمل السابقة لم تُستعمل «حيثُ» على أنها ظرف مكان، إنما استُعملت على أنها حرف عطف، أي أداة للربط بين جملتين، وهذا خطأ، والصواب أن يحل محلها حرف عطف أو ما شابه:
تعثّر وسقط أرضًا فنُقل إلى المستشفى.
كانت الآلية تسير بسرعة كبيرة فاصطدمَتْ بالحائط.
خالف الجندي التعليمات وقد فُرضتْ بحقه عقوبة تأديبية.
3. مما أدى إلى:
عندما ترِد «ما» قبل الفعل فإنها غالبًا إما حرف نفي كما في قولنا: «ما كانت الحسناء ترفع سترها»، أو اسم موصول بمعنى «الذي» كما في قولنا: «علمتُ ما حدث» أي علمت الذي حدث. وإن الخطأ الشائع يقع كثيرًا في الحالة الثانية أي عندما تكون «ما» اسمًا موصولًا، كما في الجمل الآتية:
أسقط الجندي سلاحه مما أدى إلى كسره.
وقع حادث سير مما سبب زحمة سير خانقة.
إندلعت اشتباكات عنيفة بين المسلحين مما جعل المنطقة غير آمنة.
تتألف «مما» من لفظتين هما «من» و«ما»، واستعمالها في الأمثلة السابقة خطأ لأنها تتضمن حرف جر «من» لا وظيفة له، ويصح استعمال «مما» إذا كان لحرف الجر «من» ارتباطٌ بما سبقه فلا يستقيم المعنى بحذفه، كما في قولنا: «نجا الوطن مما يخطط له الأعداء» أي «نجا الوطن من ما (الذي) يخطط له الأعداء»، وقولنا: «عجبتُ مما رأيتُه» أي «عجبتُ من ما (الذي) رأيتُه».
وبالنسبة إلى الأمثلة المذكورة، فالصواب فيها استعمال «ما» كما يلي:
أسقط الجندي سلاحه ما أدى إلى كسره. والمعنى: أسقط الجندي سلاحه وذلك ما (الذي) أدى إلى كسره.
وقع حادث سير ما سبب زحمة سير خانقة. والمعنى: وقع حادث سير وذلك ما (الذي) سبب زحمة سير خانقة.
إندلعت اشتباكات عنيفة بين المسلحين ما جعل المنطقة غير آمنة. والمعنى: إندلعت اشتباكات عنيفة بين المسلحين وذلك ما (الذي) جعل المنطقة غير آمنة.
4. تلامذة الضباط:
يُستعمل تعبير «تلامذة الضباط» في بعض الأحيان للدلالة على جمع «التلميذ الضابط»، وهذا خطأ، والصواب «التلامذة الضباط». السبب في ذلك هو أنه في قولنا «هذا تلميذٌ ضابطٌ» يكون «تلميذٌ» اسمًا و«ضابطٌ» نعتًا له أي صفة، فلا بد إذًا أن يتبع النعت «ضابط» المنعوت «تلميذ» في جميع أحواله من تعريف أو تنكير أو إفراد أو جمع، كما يلي:
هذا تلميذٌ ضابطٌ: هذا التلميذُ الضابطُ.
هؤلاء تلامذةٌ ضباطٌ.
هؤلاء التلامذةُ الضباطُ.
5. على حِدى:
يُقال على سبيل المثال: «يجتمع تلامذة كل سنة على حِدى» وذلك خطأ، والصواب: «يجتمع تلامذة كل سنة على حِدةٍ». فكلمة «حِدى» أو «حِدا» هي المصدر من فعل «حَدا يحدو» أي قادَ القافلة، ويُقال لِمَن يسوق قافلة الجِمال «حادي العيس». يتبين إذًا أن «الحِدى» و»الحِدا» و«الحَدْي» كلّها بمعنى السَّوق والقيادة، فلا وجه لقولنا: «كل سنة على حِدى» أو «وقفتُ على حِدى».
أما كلمة «حِدةٌ»، وهي الصواب هنا، فمشتقة من «واحد»، ومعناها الوحدة والتفرّد، فنقول «يجتمع تلامذة كل سنة على حِدَةٍ» أي وحدهم منفصلين عن الباقيين. وكذلك قولنا «وقفتُ على حِدةٍ» أي وحيدًا.
6. الغرف، القاعات، الملاعب، والتجهيزات في الكلية:
من الأساليب المستعملة في اللغات الأجنبية تتابُع الأسماء من غير حرف عطف بينها كما في الجملتين التاليتين:
…the rooms, the halls, the playgrounds, and the equipments of the faculty.
…les chambres, les salles, les cours, et les équipements de la faculté.
هذا في اللغات الأجنبية، لكنّ الأسلوب نفسه لا يصلح في العربية، مثل قولنا:
يجري العمل على تحديث الغرف، القاعات، الملاعب، والتجهيزات في الكلية.
والسبب هو أنه لا يجوز عطف الأسماء من غير حرف عطف بينها، فالصواب أن نقول:
يجري العمل على تحديث الغرف والقاعات والملاعب والتجهيزات في الكلية. يجدر بالإشارة أنه يجوز عطف الصفات من غير حرف عطف، وذلك ما يسمى عطف النسق، فالجمل التالية كلها صحيحة:
إنه رجل شجاعٌ مخلصٌ شريفٌ كريمٌ.
إنه رجل شجاعٌ مخلصٌ شريفٌ وكريمٌ.
إنه رجل شجاعٌ ومخلصٌ وشريفٌ وكريمٌ.
7. كافة العسكريين:
لفظة «كافّة» اسم فاعل مشتق من فعل كفّ الذي يدل احد معانيه على الشمول، فأحد معاني كَفَّهُ هو شمِلَهُ، والتاء للمبالغة.
ويشترط في «كافـة» أن تأتي بعد الإسم حـتى تفيد الشمول، أمـا إذا أتت قبل الإسـم فتـصبــح بمعنى الكــفّ أو المنـع، لذا مـن الخطأ أن نقول: «إنّ كافة العسكريين مكلّفون الدفاع عن الوطـن»، والصــواب «إن العسكريين كـافةً مكلفون الدفاع عن الوطن»، فيصبح المعنـى عندهـا أن العسكريين جميعًـا مكلّفـون الدفـاع عن الوطن.
ونسوق هنا مثالًا عن ورود «كافة» قبل الإسم بمعنى الكفّ أو المنع:
الجيش كافةٌ للوطن عن الفتنة: أي مانع للوطن في وجه الفتنة.
ولا بد من الإشارة إلى أن لفظة «جميع» أكثر مرونة في معنى الشمول، فهي تصح قبل الإسم كما تصح بعده بشرط أن تكون حال أي «جميعًا» كما في الجملتين الآتيتين:
إن جميع العسكريين مكلفون (أو مكلّفٌ) الدفاع عن الوطن.
إن العسكريين جميعًا مكلفون الدفاع عن الوطن.
ملاحظة: من المستحسن استعمال «كافة» بعد الاسم العاقل (أي الأشخاص والإنسان) ويفضّل عدم استعمالها بعد الاسم غير العاقل (الأشياء والحيوانات). فيقال كما ورد أعلاه: إن العسكريين كافةً (دائمًا منصوبة على اعتبار أنّ اعرابها هو حال والتقدير مجتمعين).
وعليه نستعمل مع الأشياء والحيوانات كلمة: «جميع»، فنقول: إن جميع الصناديق مقفلة أو أنّ الصناديق كلّها أو جميعها مقفلة (وهذا أفضل على اعتبار أن التوكيد يأتي بعد المؤكّد: إن جميع الكلاب تنبح أو أن الكلاب كلّها تنبح).