وقفة وفاء

أبناء الشهداء في قاعدة رياق ومدرسة القوات الجوية
إعداد: جان دارك أبي ياغي

أيام لا تنسى ومؤسسة المقدم العاقوري تعد بالمزيد

سهروا مع وائل كفوري واستكشفوا لبنان من الجو

لا يكاد نشاط يُنجَز حتى ينطلق التفكير بنشاط آخر. هكذا هي مؤسسة المقدم الشهيد صبحي العاقوري مذ تأسست العام 2008، واضعة نصب عينيها هدفًا واحدًا هو زرع الفرح في قلوب أولاد العسكريين الشهداء، وإبقاء البسمة مرتسمة على شفاههم لمحو حزن دخل أيامهم الجميلة من دون استئذان.
مرّة جديدة، لبّى حوالى 65 ولدًا من أبناء العسكريين الشهداء دعوة مؤسسة المقدم الشهيد صبحي العاقوري لقضاء ثلاثة أيام في أرجاء مدرسة القوات الجوية وقاعدة رياق الجوية.
من كل المناطق اللبنانية جاءوا، تجمعهم محبة لبعضهم البعض ولمؤسسة العاقوري التي تتيح لهم فرصة اللقاء مجددًا كي يتعرّفوا إلى مَعْلَم من معالم المؤسسة العسكرية، ويكتشفوا أغوار الحياة التي أحبّها آباؤهم حتى الإستشهاد.
في هذه المحطة، كانت الجولة في مدرسة القوات الجوية وقاعدة رياق الجوية وقد شرّعتا لهم الأبواب على مصراعيها. مجلة «الجيش» واكبت الأيام الثلاثة وعاشت مع الأولاد فرحتهم.

 

اليوم الأول: تحية للشهداء
عندما وصل المشاركون الذين راوحت أعمارهم بين 15 و20 سنة كان في استقبالهم قائد مدرسة القوات الجوية العقيد الركن الطيار دي غول سعد الذي رحّب بهم ترحيبًا حارًّا، ورافقهم لوضع إكليل من الزهر على نصب الشهداء في قاعدة رياق الجوية بحضور التلامذة الضباط الطيارين ورتباء مدرسة القوات الجوية ورئيسة مؤسسة العاقوري وأعضائها ومنشطيها. عاش الأولاد لحظات تأمل ولا سيما عندما عزفت ثلة من موسيقى الجيش نشيد الموتى إكبارًا وإجلالاً لأرواح الشهداء.
جال المشاركون على أقسام نادي ضباط  القوات الجوية الذي اعتُمِد مكانًا للمنامة حيث توافرت كل وسائل الراحة، بناءً على توجيهات قائد المدرسة، لإنجاح مهمة المدرّبين ولكي يشعر الزائرون برفاهية الإقامة ودفء البيت العائلي.
انتهى اليوم الأول بسهرة فنية في بهو النادي على طريقة الـ «كارا أوكي» أحياها «DJ» جورج بدوي، الذي حضر خصيصًا مع معدّاته الموسيقية فأضفى بتنوُّع الأغاني الوطنية والعربية والأجنبية أجواء مميَّزة على برنامج المخيم.

 

اليوم الثاني: محاضرات وزيارات
في اليوم الثاني، استيقظ الشبان والشابات باكرًا ومارسوا الرياضة الصباحية مع تلامذة مدرسة القوات الجوية، استمعوا بعدها إلى محاضرة ألقاها الملازم الأول الطيار محمود عبود- مدرّب طيران- حول الرحلة الجوية المقرر تنفيذها. ثم إنتقلوا لمشاهدة كيفية تنفيذ كشوفات ما قبل الإقلاع والطيران، تعرّفوا بعدها بإيجاز إلى القوات الجوية ومهماتها بشكل عام إضافة إلى مراحل تأسيس مدرسة القوات الجوية وهيكليتها، قدّمه قائد المدرسة  العقيد الركن الطيار دي غول سعد، مشددًا على المهمات المنوطة بها.
ثم انتقل الجميع إلى زيارة مختبرات تعليم اللغات (فرنسي، إنكليزي وإيطالي) حيث امتحنوا لغتهم الأجنبية وتابعوا لبعض الوقت الدروس التي تعطى في الصف، لينتقلوا بعدها إلى متحف الطيران الذي يحتوي على نماذج الطائرات التي كانت مستخدمة أو ما تزال من قبل المدرسة والقوات الجوية اللبنانية. وهنا، تركت للأولاد مساحة واسعة من حرية التصرّف كالصعود إلى متن الطائرات لإلتقاط الصور التذكارية وطرح الأسئلة الإستفسارية وغيرها...
في جناح التدريب الفني التابع للمدرسة، كان بانتظار الزائرين الملازم الأول إيلي كعدي الذي شرح لهم ماهية هذا القسم المسؤول عن صيانة الطوافات والطائرات قبل التحليق وبعده حفاظًا على سلامة الطائرة والطيارين معًا. وأشار إلى أن لكل نوع من أنواع الطائرات صيانة خاصة به ترتكز على عاملي الوقت وساعات الطيران ومنشأ التصنيع. ويقدّر عديد الجناح الفني بحوالى 100 عنصر فني موزَّعين وفق الإختصاصات.
في فترة ما بعد الظهر، قُسِّم المشاركون إلى 4 مجموعات تألفت كل واحدة من 15 شخصًا يرافقهم مدرّب ومساعد مدرِّب لممارسة ألعاب فكرية مفيدة ومسلية.

 

مفاجأة السهرة: الفنان وائل كفوري
مفاجأة الليلة الثانية لم تكن متوقعة، إذ غمر الجميع الفرح بحضور الفنان وائل كفوري الذي لبّى من دون تردد دعوة قائد المدرسة العقيد الركن سعد، إيمانًا منه بالدور الجَلل الذي قدّمه ويقدّمه ضباط المؤسسة العسكرية ورتباؤها وأفرادها إلى درجة الاستشهاد دفاعًا عن أرض الوطن وذودًا عن كرامة شعبه، كما قال في مستهل اللقاء. وقد أعادته السهرة التي أحياها في بهو نادي الضباط إلى الأيام الجميلة التي أمضاها في رحاب المؤسسة العسكرية يوم كان مجندًا في خدمة العلم، فوضع صوته وفنّه في خدمة الجيش والوطن وقدّم أجمل الأغاني الوطنية التي ما زال يتردد صداها في كل مناسبة.
رافق وائل كفوري في إحياء السهرة «DJ» جورج بدوي الذي أبدع في تنسيق الأغاني القديمة والجديدة، فرقص الأولاد على إيقاعها حتى ساعات الصباح الأولى. ولم يغادر الفنان وائل كفوري المكان قبل التقاط الصور التذكارية مع كل أبناء الشهداء، وشارك البعض فرحة عيد ميلاده وقطع معهم قالب من الحلوى. وفي ختام السهرة، قدّم العقيد سعد درع المدرسة لوائل كفوري ولجورج بدوي عربون شكر على حضورهما.

 

اليوم الثالث: رحلة جوية في الطوافة
في صباح اليوم الثالث، كان اللقاء الأول مع قائد قاعدة رياق الجوية العقيد الركن الطيار أحمد الهادي الذي رحّب بالأولاد ترحيبًا حارًّا «في قاعدة نسور الجو وهي القاعدة الأم للقوات الجوية التي تأسست في خلال الحرب العالمية الأولى منطقة رياق، وأصبحت في عهدة الجيش اللبناني منذ العام 1949». وأضاف: «مهما قدّمنا من تضحيات تجاهكم، لا نقدر أن نكافئ آباءكم الأبطال الذين سقطوا شهداء فداءً عن هذا الوطن، ولولاهم لخسرناه. واعلموا أننا كلنا مشروع شهداء عندما ارتضينا أن ننضوي تحت شعار «شرف، تضحية، وفاء». وفي الختام، تمنّى للجميع إقامة مريحة في ربوع القاعدة.
بدورها، شكرت رئيسة المؤسسة السيدة ليا العاقوري قائد القاعدة على الحفاوة التي أحاط بها أولاد العسكريين الشهداء خلال الأيام الثلاثة التي أمضوها في ثكنتهم، وقدّمت له درع المؤسسة عربون تقدير وشكر.

 

جولة على أقسام قاعدة رياق الجوية
في جناحي التدريب الجوي والفني في القاعدة تعرّف أبناء الشهداء إلى  الطائرات التي يتم التدريب عليها والإختصاصات المطلوبة ومستوى الدراسة التي تراوح ما بــين البروفيــه المهنيـة (BP) والإجازة الفنية (LT).
المحطة التالية كانت في قسم مشاغل الطوافات حيث تتم صيانتها على مختلف المستويات، ومركز صيانة المحركات وهياكل الطائرات وأقسام الراديو والميكانيك والإلكترونيك.

 

في السرب الثامن
الجولة ما قبل الأخيرة في نشاطات اليوم الثالث للمشاركين في المخيم كانت في السرب الثامن حيث التقاهم قائد الجناح الجوي والمعاون العملاني العقيد الطيار روجيه حلو، واستمعوا من الملازم نديم ذبيان إلى المهمات العملانية والتدريبية التي يقوم بها السرب الذي يضم طوافات «غازيل» الفرنسية الصنع وهي من الطوافات المقاتلة المضادة  للدروع.

 

للمرة الأولى منذ العام 1990
في الباحة الخارجية للطائرات حيث المدرج، كان التجمّع بانتظار الحدث السعيد. إنّها المرّة الأولى منذ العام 1990 التي يُسمح فيها لأشخاص مدنيين القيام برحلة جوية على متن الطوافة، وقد أَوْلى قائد الجيش العماد جان قهوجي هذا الشرف أولاد العسكريين الشهداء خلال إقامتهم في قاعدة رياق الجوية، بفضل المساعي التي قام بها قائد المدرسة العقيد الركن الطيار دي غول سعد خلال زيارة قائد الجيش للقاعدة.
قبل الصعود إلى الطوافة «بوما 915»، أعطى قائدها الرائد الطيار ميشال الصيفي توجيهاته الأساسية إلى الدفعات الخمس من أولاد الشهداء وذلك حفاظًا على سلامتهم. واستمرت كل طلعة من الطلعات الخمس حوالى ثلاثين دقيقة حلَّقت خلالها الطوافة بركابها ضمن حلقة المطار لتسمح لركابها باستكشاف لبنان من الجو. هؤلاء عادوا من الحلم إلى الواقع بانطباعات وذكريات لن تمحوها الأيام.
رافق الركاب في رحلاتهم مساعد الطيار الرائد الطيار حسان بركات والرقيب الفني عماد أبو عمشة الذي اهتم بتثبيت أحزمة الأمان.

 

المغادرة: تمنيات بالعودة
في ختام الجولة، شكرت رئيسة مؤسسة المقدم الشهيد صبحي العاقوري قائد مدرسة القوات الجوية العقيد الطيار دي غول سعد على مواكبته نشاطات المخيم خطوة خطوة، وقدّمت له درعًا تذكاريًا باسم المؤسسة وباسم أولاد العسكريين الشهداء عربون تقدير ووفاء لاهتمامه البالغ بإقامتهم. كما شكرت كل من ساهم في إنجاح هذا العمل خصوصًا أعضاء المؤسسة والمنشطين فيها.
بدوره أعرب قائد المدرسة عن سروره بوجود أولاد العسكريين الشهداء في رحاب القوات الجوية في رياق ودعاهم إلى زيارتها في أي وقت يختارونه، وقدّم لرئيسة مؤسسة العاقوري درع المدرسة للذكرى.
وعند المغادرة، تمنّى الأولاد لو يعودون مرّة ثانية إلى المكان الذي ترك في نفوسهم أثرًا بالغًا، فوعدتهم المؤسسة خيرًا.

 

تصوير:
المؤهل عبد الوهاب جانبين
الرقيب الأول غاوي غاوي
(مدرسة القوات الجوية)