أخذ العبرة

أخذ العبرة
إعداد: العميد علي قانصو
مدير التوجيه

يتخطّى وسع القضايا والأزمات وسع المساحة طولًا وعرضًا في هذه المنطقة. المنطقة ليست صغيرة بالتأكيد، لكنّ مشكلاتها الكثيرة تدفع الباحث، للوهلة الأولى، إلى افتراض أنّه أمام عالم واسع، فيه ما هو مكتشف جغرافيًا، وفيه ما هو مجهول بعيد مظلم، وينتظر المستكشفين بين جميع الأنحاء والأرجاء، من أجل تحديد معالمه وضمّه إلى العالم الجديد. الدول هي الأخرى عديدة، وقد تكوّنت مع الزمن من مجموعات بشرية غير بعيدة عن التنوّع والاختلاف. علاقة تلك الدول بالحدود التي تفصل في ما بينها تتوزّع ما بين القبول والرفض، فكم من مرةٍ تمّ تخطي تلك الحدود، والمضي في عمق دولة أخرى، إلى أن يسوّى الأمر ويعود كلّ طرف إلى حدود أرضه. هذا ما يذكّرنا دائمًا بأخطار العدو الاسرائيلي والإرهاب اللذين يسعيان بكلّ قوة لتعميم نار الفتن والفوضى في مختلف أرجاء المنطقة، تمهيدًا لضرب سيادة أوطانها، وبالتالي تقسيمها وشرذمتها إلى دويلات متناحرة، مع ما يرافق ذلك من خسائر لا تعوّض في الأرواح والأرزاق، ومن ضياعٍ لتاريخ الشعوب وإنجازاتها فضلًا عن فقدان أمنها واستقرارها وازدهارها.

    أمّا وطننا، هذا البلد الصغير، فلا يمكن له أن يكون بعيدًا عما يجري بشكل تام، نظرًا إلى موقعه المتوسط، ولكونه صلة الوصل بين الجميع على صعد كثيرة، من الاقتصادي إلى الثقافي إلى السياسي، لكن أن يكون بعيدًا شيء، وأن يستورد الأزمات فور نشوئها شيء آخر، وهذا ما تنبّهت إليه المؤسّسة العسكرية منذ البداية، فحرصت من خلال إجراءاتها الميدانية المكثّفة على ضبط الحدود، مع علمها بأننا لا يمكن أن نتحوّل فجأة إلى وطن منغلق على نفسه، ولا يمكننا أن نخلط ما بين القادم الإرهابي المجرم، والقادم العامل المنتج، أو الزائر لأسباب اجتماعية وسياحية، وإن تكن حالات النزوح الكثيف، قد غيّرت كثيرًا في معايير الاستقبال، واستدعت المزيد من المراقبة والضبط والمتابعة.

   وما تتوجّه به القيادة إلى أبنائها هو الاستعداد الدائم لمواجهة خطر الارهاب الداهم، وترسيخ إيمانهم برسالة وطنهم ودورهم الأساسي في إنقاذ لبنان، وتمسّكهم في أي حالٍ من الأحوال بوحدتهم التي تشكّل الدعامة الأولى للوحدة الوطنية المطلوبة، وهي بالتالي التعويض المفترض عما تعانيه وحداتنا من نقص في العتاد والسلاح، كما أن ما تتوجّه به القيادة إلى مواطنيها هو أخذ العبرة مما يجري خارج حدودنا، خصوصًا بالنسبة لأولئك الذين نسوا أو تناسوا ما شهدناه نحن، نحن قبل غيرنا، من مآسٍ وأضرار، حين عصفت بلادنا المشكلات الداخلية المؤلمة، وحين امتدت إليها الأيدي الغريبة على الرغم من الإرادات الوطنية المخلصة.