رحلة في الإنسان

أذكياء خلف الأقنعة
إعداد: غريس فرح

ما الذي يدفعهم إلى التنكر

 

من الطبيعي أن يعتقد البعض، وخصوصًا ذوو الذكاء المحدود، بدور القدر في ما يتعلق بنجاحهم أو فشلهم. لكن عندما يخشى الأذكياء الظهور كونهم لا يؤمنون بقدراتهم، بل يعتبرون أنفسهم غشاشين يعمون بصيرة من حولهم لتحصيل نجاحهم، فإن في الأمر مشكلة...
من هم هؤلاء، ولماذا يختبئون وراء أقنعة يخافون نزعها، وكيف يفسّر علم النفس تصرّفاتهم؟


كيف تمّ اكتشاف هذه الظاهرة؟
من خلال دراسة أجراها باحثون نفسانيون أميركيون، تمت تجارب بالغة الدقة على مجموعات من الفئة المشار إليها من الناس، وأدت نتائجها إلى التعرف على بعض خصائصهم العاطفية، وتحديدًا تلك المتعلقة بظاهرة انتحال الشخصية المخادعة.
منذ أعوام، لاحظت أستاذة علم النفس في جامعة مينيسوتا الأميركية أن بعض طلابها المتفوقين يشعرون بعدم الرضى عن أدائهم، ويعتقدون أن نجاحهم كان مجرد صدفة قادتهم إلى الظهور بمظهر الأذكياء. والأهم أنهم كانوا يشعرون بالضعف والمهانة ويخافون اللحظة التي قد تقودهم إلى الكشف عن وجودهم أمام رفاقهم.
هذه الظاهرة التي أطلق عليها آنذاك «ظاهرة انتحال الشخصية المخادعة»، أثارت اهتمام الإختصاصيين النفسيين. ومع ذلك، تمّ التمهل في تشخيصها وإدخالها في إطار الأمراض النفسية إلى حين استكمال الدراسات.

 

المزيد من الإيضاحات
المعروف أن الدراسات في أي مجال كان تبقى مفتوحة أمام البحث والتمحيض من اجل مواكبة المستجدات، وهو ما يحصل بالنسبة إلى الحالة التي نحن بصددها. فالدراسات التي تمّ استكمالها لاحقّا أكدت أن الأشخاص المعنيين بها يبذلون جهودًا ملحوظة في عملهم، لكنهم يشككون في الإطراء الموجه إليهم، ولا يعطون نجاحهم التفاتة تذكر. مع ذلك فهم يلعبون دور الشخصية المخادعة بإتقان، لاعتقادهم بأنهم يذرون الرماد في العيون من أجل الحفاظ على صورتهم البراقة. واللافت في الموضوع أنهم يركّزون على نقاط ضعفهم، ويربطون انجازاتهم باعتبارات خارجية، كالحظ والصدفة، وضروب الإحتيال.

 

علاقة الإعتبارات الخارجية بالصحة النفسية
من البدهي القول إن الأشخاص غير العاطفيين أو الأقوياء، ينسبون إنجازاتهم إلى قوتهم وذكائهم، بينما نرى أن الضعفاء والمكتئبين يلومون أنفسهم عندما يفشلون ولا يعطون أهمية تذكر لنجاحاتهم. وهنا يطرح السؤل الآتي: هل تدخل ظاهرة إنتحال الشخصية المخادعة في عداد الأمراض النفسية، وما هي العوارض التي تبرر اعتبارها مرضًا يستوجب العلاج؟
من خلال دراسة أجرها بعض المحللين النفسيين في جامعة إيلينوي الأميركية، ونشرتها مجلة العلوم الأميركية، تبيّن وجود علاقة وثيقة بين مشاعر منتحلي الشخصية المخادعة وبين المشاعر السلبية التي تميّز المصابين ببعض الأمراض الإكتئابية ومنها، الخجل والخوف والشعور بالنقص والمهانة. والمعروف أن الخجل والخوف يميزان بعض الاضطرابات النفسية الخطيرة، كاضطراب مرض العصاب، وتلك المصاحبة للاكتئاب معًا وانفصام الشخصية.
وهنا يشير المحللون إلى ظاهرة انتحال الشخصية المخادعة على أنها حالة نفسية غير سوية تنتاب بعض الأذكياء وتشعرهم بعدم أهليتهم، وبكونهم يعيشون في عالم من الأوهام التي سرعان ما تتبدد. مع ذلك، فهم لا يصنّفونها مرضًا يستوجب العلاج بالأدوية، بل بالدعم النفسي الذي يؤمن التوعية الضرورية من أجل تحضير أصحابها لاستيعاب حالتهم والعمل على تسويتها من تلقاء أنفسهم.

 

توصيات للتخلص من هذه الظاهرة
من أجل كسر حلقة التفكير المشوش المرتبط بالحالة الآنفة الذكر، يضع المحللون النفسيون عددًا من التوصيات نورد أهمها:
- على منتحلي الشخصية المخادعة أن يتعلموا كيف ينسبون انجازاتهم الى قدراتهم الخاصة، كما عليهم أن يتدربوا تدريجًا على الإقتناع بأن نجاحهم هو حصيلة مثابرتهم على العمل الجدّي.
- في حال فشلهم في العمل، أو في حال لم يأت أداؤهم بحسب توقعاتهم، ينصحهم الإختصاصيون بتدارك الوضع بطريقة إيجابية، والعمل بالتالي على تجنّب الوقوع في الخطأ من أجل ضمان النجاح في المرّة المقبلة.
- من الأفضل أن يتدرب المعنيون بهذه الحالة على رفع معنوياتهم بشكل تدريجي، الأمر الذي يزيدهم ثقة بالنفس ويخفض من مستوى خوفهم وخجلهم، بالإضافة إلى شعورهم بالإكتئاب والحزن.
- إن التركيز على الجوانب الكامنة في الشخصية يؤمن إكتشاف الذات، وبالتالي مكامن القوة غير المرئية في اللاوعي، وهو ما يمنح المعنيين بالدراسة الإرادة والعزم. وينصح هؤلاء بالتركيز على إحياء العلاقات الإيجابية مع الغير، الأمر الذي يرفع معنوياتهم ويحسن أداءهم ومستوى تفكيرهم الإيجابي.
في حال استمرارهم في وضعية التخبط في الأوهام، ينصحون باستشارة أحد الإختصاصيين النفسيين، والخضوع لجلسات العلاج النفسي.