العوافي يا وطن

أربعة مشاهد ونموذج
إعداد: د. إلهام نصر تابت

في المشهد الأول، يحشد المؤتمر الطبي الذي دعا إليه الجيش جميع المعنيين، ليس لوضع الإصبع في مكمن الجرح، فالجرح بليغ ظاهر للعيان والنزف شديد شديد، وإنما هي دعوة لاستنفار الطاقات كلها من أجل ابتكار حلول، وتأكيد بأنّ الحلول ممكنة وإرساء ركائز نظام رعاية صحية للبنانيين ليس ضرورة فقط وإنما هو أيضًا أمر مجزٍ وفق ما قال أحد الضباط في المؤتمر.

يثبت الجيش من خلال هذا المؤتمر عدة أمور أساسية، فهو أولًا يؤكد أنّه الوحيد القادر على توفير مساحة تلاقٍ وأمان للجميع تحت جناحيه. لذلك استطاع حشد المعنيين بالهمّ الصحي بكل قطاعاتهم وفئاتهم، بكل توافقاتهم وتبايناتهم، داعيًا إياهم إلى توحيد جهودهم وطاقاتهم لتوفير الأمان الصحي للبنانيين، أمان بات خارج الطبابة العسكرية مفقودًا لدى الأكثرية الساحقة مع كل ما يستتبعه ذلك من تداعيات خطيرة على المجتمع واستقراره. 

الأمان الصحي هو من أبسط حقوق المواطن، وحين تمر الدول بأزماتٍ يتقدم هذا الحق على حقوق أخرى ويصبح في طليعة الأولويات، لكنّ المأساة في بلدنا أنّ هموم المواطن هي في آخر درجات سلم الأولويات، هذا إذا وُجدت أصلًا على هذا السلم.

ويؤكد هذا المؤتمر ثانيًا، أنّ الجيش لا يرضى الوقوف موقف المتفرج على هموم شعبه مكتفيًا بأداء مهماته، فهو رغم الوجع الذي يخترق عظام عسكرييه ويُثقل كاهل قيادته، يواصل السعي للقيام بمبادراتٍ تخفف الأثقال عن كاهل المواطن المسحوق المتروك لمصيره.

وهو يؤكد ثالثًا، أنّ الإدارة المستندة إلى العلم والمعرفة والرغبة في العطاء، تستطيع مجابهة الصعوبات وسلوك درب النجاح وتحقيق الأهداف، وتجربة الجيش في الطبابة خير دليل على ذلك. إنّها تجربة أعلن المشاركون في المؤتمر أنّهم يرفعون لها القبعة، داعين إلى اعتمادها أنموذجًا ومثالًا. 

في المشهد الثاني، الجيش يتابع معركته ضد المخدرات مقدّمًا دماء خيرة شبابه ثمنًا لالتزامه حماية الأمن الاجتماعي لأهله، والتزامه المناقبية التي تدفع بالعسكريين إلى المخاطرة بحياتهم بدل تعريض أبرياء لخطر الإصابة. ففي حين كان المؤتمر منعقدًا في بيروت كانت قوة من الجيش تداهم أحد أوكار عصابات المخدرات في حور تعلا، فتتعرض لإطلاق نار كثيف ويستشهد ثلاثة من عديدها. 

في المشهد الثالث فريقان من الجيش يعودان من تركيا وسوريا بعد مشاركتهما في أعمال البحث والإنقاذ إثر الزلزال. مهمة مكللة بالخطر وليس بالصعوبات والأهوال فقط، انبروا لها يدفعهم حسهم الإنساني وشرفهم العسكري.

أما المشهد الأخير فكان وقفة عنفوان مسرحها خراج بلدة عيتا الشعب الجنوبية الحدودية. هناك وقف ضابط لبناني في وجه قوة من جيش الاحتلال الإسرائيلي، فانتزع وتدًا حاول العدو زرعه خلف الخط الأزرق وأجبره على التراجع. 

هذا هو جيشنا، هؤلاء هم ضباطنا وعسكريينا، يتسلحون بالعنفوان والعلم والمناقبية وشرف العطاء، يجتهدون لابتكار الحلول، يبذلون العرق والدم. يواجهون نماذج التخاذل والفساد والأنانية، ويقدمون نموذجهم المغاير مصرين على أنّه في النهاية لا يصح إلا الصحيح. 

 

العوافي يا جيشنا، العوافي يا وطن