تحت الضوء

أربعون عاماً من الإلتزام الإنساني
إعداد: ريما سليم ضوميط

الصليب الأحمر الدولي في لبنان

منذ العام 1967، وعلى امتداد أربعين عاماً، إلتزمت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان القضايا الإنسانية ومعاناة المواطنين في زمني الحرب والسلم، فكانت البلسم لجراح المدنيين في أثناء النزاعات المسلّحة، والأمل لأهالي المفقودين والمخطوفين خلال عمليات تبادل الأسرى، وصوت الضمير الذي يوعّي المجتمع حول ضرورة إلتزام مبادئ القانون الدولي وتطبيقها في كل وقت وحين.
من العام 1967 حتى العام 2008، تاريخ حافل بالنشاط المثمر للجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان، نعرض في ما يلي أبرز محطاته مع إيجاز دور هذه اللجنة عبر لقاء مع رئيس البعثة السيد جوردي رايك.


نشأة وانتشار
أنشئت اللجنة الدولية للصليب الأحمر قبل نحو قرن ونصف من أجل الحفاظ على قدر من الإنسانية في خضم الحرب. واللجنة هي منظمة إنسانية محايدة، غير متحيّزة، ومستقلة، لديها تفويض دولي لحماية ضحايا النزاعات وإسعافهم، ومساعدة المواطنين الذين يتأثرون من جراء النزاعات الدولية المسلّحة في مختلف أنحاء العالم.
تنتشر بعثات اللجنة الدولية للصليب الأحمر في نحو ثمانين دولة من بينها لبنان، حيث يؤكد رئيس هذه البعثة السيد جوردي رايك أنها من أقدم المؤسسات الدولية التي عملت في لبنان بصورة متواصلة طوال أربعين عاماً. وقد اضطلعت خلال هذه الفترة بدور أساسي، بدءاً من مشاركتها الفعّالة في عملية تبادل الأسرى بين لبنان وإسرائيل بعد انتهاء حرب الأيام الستة العام 1967 وصولاً الى أعمال الإغاثة والحماية والتنمية الصحية لصالح السكان المتضررين من جراء النزاعات التي شهدها لبنان خلال السنوات الأخيرة.

 

البعثة في لبنان ودورها
عن حجم البعثة الدولية في لبنان ودورها، يوضح السيد رايك أنهما عرضة للتغيير وفقاً للظروف، مشيراً الى أن اللجنة قد حافظت على بعثة كبيرة ووجود دائم في لبنان خلال فترات النزاع المسلّح، لكن حجمها تقلّص بعد العام 2000، ليتضخم مجدداً إثر اندلاع الحرب بين لبنان وإسرائيل في صيف العام 2006، بعد أن تبيّن أن اللجنة لم تكن مستعدة تماماً لتغطية الحاجات الإنسانية المطلوبة في حرب كهذه، فكان أن بادرت بشكل سريع الى زيادة طاقمها حيث ارتفع عدد العاملين فيها خلال أسبوعين فقط من مندوب دولي واحد وعشرة موظفين محليين الى ثمانين مندوباً أجنبياً وثلاثمئة موظف محلي. ويقول رايك «تقرر بعد انتهاء حرب تموز الحفاظ على بعثة متوسطة الحجم لكي نضمن إستجابة سريعة لأي طارئ أو نزاع محتمل». ويضيف، أنه تمّ وضع خطة عمل لهذه الغاية، من ضمنها الإحتفاظ بمخزون من المساعدات الغذائية وغير الغذائية، بما فيها أدوات التنظيف والمستلزمات المنزلية، بالإضافة الى المواد الطبية والأدوية في مستودعات في كل من بيروت وصور. كذلك وضعت خطة عمل مدتها خمس سنوات تهدف الى تعزيز قدرات الصليب الأحمر اللبناني عن طريق دعمه مادياً بالمعدات الطبية اللازمة وتدريب عناصره بهدف تحسين أدائه للإستجابة لحالات الطوارئ.
ويؤكد رايك أن الخطة المذكورة رفعت مستوى الجهوزية في اللجنة الدولية حيث بات بإمكانها التدخل في أقل من 15 ساعة لتأمين الحاجات الإنسانية عند حدوث أي نزاع مسلّح، ويعطي المثل على ذلك: حرب مخيم نهر البارد، حيث نجحت اللجنة في تنظيم عملية طارئة للإستجابة الى حاجات حوالى ثلاثين ألف لاجئ فلسطيني داخل المخيم.
ويشدّد رايك في هذا الإطار على الدعم الكبير الذي قدّمه كل من الصليب الأحمر اللبناني والهلال الفلسطيني في تخفيف معاناة السكان في الحرب المذكورة.

 

نشاطات تمليها الحاجات
في موازاة دورها الإنساني في أثناء الحروب والنزاعات المسلّحة تتولى اللجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان نشاطات مختلفة تمليها الحاجات الإنسانية، من بينها المساهمة في عمليات إعادة تأهيل البنى التحتية في مرحلة ما بعد الحروب. في هذا الإطار يقول رايك أنه تمّ إستثمار أكثر من خمسة ملايين دولار في الجنوب اللبناني لإصلاح جميع البنى التحتية للمياه التي دمّرت خلال حرب تموز 2006، مشيراً الى أن المشروع يعود بالفائدة لحوالى مليون نسمة.
كذلك تولت اللجنة إعادة تأهيل شبكة المياه الرئيسة في مخيم نهر البارد، كما أرسلت مجموعات من المهندسين والخبراء الى مناطق في البقاع والشمال لإنجاز مشاريع مائية من شأنها مساعدة المدنيين وتزويدهم مياه الشفة.
ويشير رايك الى التنسيق المستمر بين اللجنة الدولية والمؤسسات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية بهدف توزيع عادل للمساعدات الإنسانية، وتقسيم الأدوار على المساهمين في أعمال الإنماء بما يضمن نجاح العمل الإنساني.  
ويضيف رئيس اللجنة الدولية «نتعاون ايضاً وبشكل مستمر مع الجيش اللبناني الذي تربطنا به علاقة جيدة، فالتواصل بين الطرفين مستمر لمناقشة عدة أمور تتعلق بحماية المواطنين والحفاظ على مبادئ القانون الدولي الإنساني الذي يعرف ايضاً بقانون الحرب».
ويذكر في هذا الإطار، أنه من أبرز مهام اللجنة الدولية تعريف المدنيين والعسكريين بالقانون المذكور، ونشر مبادئه الإنسانية بهدف الحد من الإنتهاكات وقت النزاع. ولتحقيق هذه الغاية فإنها تقوم بحملات توعية في الجامعات والمدارس وأيضاً في الوحدات والقطع العسكرية المنتشرة في مختلف المناطق اللبنانية.
وفي سؤال عن الإجراءات التي تتخذها اللجنة في حال خرق مبادئ القانون الدولي الإنساني (الأمر الذي قامت به إسرائيل خلال حرب تموز)، يؤكد رايك أنها في حالة كهذه تعالج الموضوع مع الجهة المخالفة والأطراف المتقاتلة من دون الظهور أمام الإعلام لأن هدفها الأساسي إحترام القانون وحماية المدنيين.

 

الوسيط المحايد
الى جانب النشاطات المذكورة، تضطلع اللجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان بدور فريد يتمثل بكونها الوسيط المحايد بين طرفين  متنازعين. حول هذا الموضوع يقول رايك «نحن لا ندخل في المفاوضات وإنما نضطلع بدور الوساطة بناءً على طلب من الطرفين». ويعطي المثل على ذلك دور اللجنة في عمليات تبادل الأسرى وآخرها عودة الأسير المحرر سمير القنطار ورفاقه من السجون الإسرائيلية.
من أولويات اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً  حماية حقوق المواطنين والحفاظ على سلامتهم، ومن هنا بدأ تطبيق برنامج زيارات السجون وأماكن الإحتجاز إعتباراً من آذار 2007 عقب التوقيع على بروتوكول مع السلطات اللبنانية يسمح بموجبه لمندوبي اللجنة بتقييم ظروف السجن ومعاملة السجناء في مختلف السجون اللبنانية. وتهدف هذه الزيارات الى تحسين الظروف الحياتية والمعنوية والنفسية للسجناء.
في الإطار نفسه، تسعى اللجنة الى حماية المواطنين عبر حثّ المجتمع الدولي على العمل بسرعة لحل مشكلة القنابل العنقودية، وبحسب رايك، فقد دعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الى تبنّي إتفاقية جديدة لحظر إستعمال القنابل العنقودية وتطويرها وتخزينها أو نقلها. وقد وافقت 110 دول على مسودّة هذه الإتفاقية في أيار 2008 خلال المؤتمر الديبلوماسي الذي عقد في إيرلندا. ومن المعلوم أن لبنان من ضمن الدول الأكثر تلوثاً بالقنابل العنقودية.
وفي سؤال عن مدى تجاوب المدنيين مع فريق اللجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان يجيب رايك أن «ما يسهّل عملنا هو أن الصليب الأحمر اللبناني معروف جداً في لبنان وهو يتمتع بسمعة جيدة بين المواطنين. ويضيف «من جهة أخرى، نحن موجودون منذ أربعين سنة في هذا البلد، يربطنا بأهله تاريخ نضال مشترك لخدمة الإنسانية، وذكريات أليمة عن الحروب التي مرّت به».
ويختم قائلاً: «بالرغم من شعورنا بالسعادة لخدمة الشعب اللبناني، فإننا نأمل أن لا يطول وجودنا بينكم لأن مغادرتنا تعني نهاية الحروب وبدء مرحلة الاستقرار في لبنان».


عمليات في لبنان
لم تقف اللجنة الدولية كمجرد شاهد وسط الأحداث الكبرى التي طبعت تاريخ لبنان الحديث، وإنما تدخّلت كأحد أبرز اللاعبين الإنسانيين، إذ أن عملية التبادل الأولى التي أجرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان تعود الى العام 1967، بعد انتهاء حرب الأيام الستة، حيث تمّ تبادل 33 مدنياً لبنانياً مقابل أسير حرب وأربعة مدنيين إسرائيليين.
وعبر السنوات توالت العمليات الإنسانية التي قامت بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان، نذكر من بينها إخلاء 400 جريح من مخيم تل الزعتر العام 1976، وإنشاء مستشفى ميداني في الضاحية الجنوبية لبيروت لمعالجة جرحى الحرب العام 1977، إضافة الى نقل الآلاف من المحاصرين من دير القمر العام 1983، وإعادة الروابط العائلية بين العائلات التي فرّقت شملها الحرب عبر تبادل حوالى 115 ألف رسالة من رسائل الصليب الأحمر وذلك خلال العام 1984 وحده. أما خلال الفترة الممتدة بين العامين 1982 و2000، فقد قامت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتسجيل أسماء الآلاف من الأسرى في معتقلي الخيام وأنصار، فضلاً عن زيارتهم وتقديم المساعدة لهم. كما نفّذت عمليات إغاثة كبرى لصالح السكان النازحين أو المحاصرين خلال الأعوام 1975، 1976و1982، 1993 و2006.
إضافة الى ذلك قامت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتقديم الدعم الفني والمادي لمركزي تأهيل الأطراف الإصطناعية لضحايا الحرب في صيدا وطرابلس وبيت شباب وبتذكير الأطراف المتحاربين بالإلتزامات الملقاة على عاتقهم بموجب القانون الدولي الإنساني، ولا سيما لجهة حماية السكان المدنيين وشارتي الصليب الأحمر والهلال الأحمر.


اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومهامها
اللجنة الدولية للصليب الأحمر منظمة إنسانية مقرها الرئيس في سويسرا، وهي العضو المؤسس للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر (1863) التي تتكوّن من اللجنة الدولية للصليب الأحمر والجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر والإتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر.
تتولى اللجنة الدولية للصليب الأحمر عدة مهام من أبرزها:
• السعي الى التأكد من أن الأعمال العدائية لا تطول المدنيين الذين لا يشاركون فيها، وأنهم محميون.
• زيارة أسرى الحرب والمحتجزين لأسباب أمنية.
• نقل الرسائل بين أفراد الأسر، ولمّ شمل الأسر التي فرّقتها النزاعات المسلّحة.
• المساعدة في البحث عن الأشخاص المفقودين.
• تقديم خدمات الرعاية الصحية الأساسية أو تسهيل الحصول عليها.
• توفير الغذاء ومياه الشرب النقية والصرف الصحي والمأوى حيثما تكون الحاجة اليها ماسة.
• التشجيع على احترام القانون الدولي الإنساني.
• مراقبة الإمتثال للقانون الدولي الإنساني والمساهمة في تطويره.
• المساعدة على تقليل أثر الألغام وبقايا الحرب القابلة للإنفجار على السكان.
• دعم جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر الوطنية لجعلها قادرة على الاستجابة لمعالجة المشاكل الناتجة عن النزاعات المسلّحة وغيرها من حالات العنف.