محميات

أرز تنورين محمي من التعديات والحشرات
إعداد: باسكال معوّض بو مارون

كل مواطن ناطور
نصف الغابة مشرّع للزوار وكل جنباتها للجمال...

عادت محمية أرز تنورين خضراء ريّانة رائعة باستلقائها على عدة تلال ضمن أربع قرى، وجبّارة لا يقوى عليها الزمن...
فالغابة التي كانت مهدّدة بسبب حشرة فتكت بأشجارها تخلّصت من الآفة، وشهدت نشاطاً ملفتاً جعلها مقصداً للزوار والسائحين.
تعتبر محمية أرز تنورين الطبيعية واحدة من أكبر غابات الأرز في لبنان وأكثفها حيث يشكّل شجر الأرز حوالى 80 بالمئة من مساحتها.
وتتميز الغابة بجغرافيتها وتضاريسها حيث تشكّل صفحة جبلية مذهلة مع شجرات أرز تبدو وكأنها تتحدّى قانون الجاذبية بنموها على منحدرات عمودية. كما تتيح الغابة فرصة إكتشاف أخاديد صخرية أو كهوف طبيعية وأزهار نادرة.

 

إنشاء المحمية والنشاطات التي تشهدها
يفيدنا المحامي نعمة حرب رئيس لجنة محمية غابة أرز تنورين أن قانون إنشاء المحمية صدر العام 1999 وتحديداً في 25 شباط منه. آنذاك شكّلت لإدارتها لجنة مؤلفة من بلديات تنورين وحدث الجبة وقنات، وكفور العربي وذلك بإشراف وزارة البيئة. ويمنع هذا القانون أي نشاط أو عمل يضرّ بالبيئة داخل الغابة من صيد أو رعي أو إشعال نار، أو تخييم أو قطع أشجار أو أعشاب (إلاّ لغايات علمية).

تتألف لجنة المحمية من 12 شخصاً وتضم خبراء بيئيين، وممثلين عن وزارة الداخلية والزراعة وعن جمعيات بيئية، إضافة الى إختصاصيين.

بدأت اللجنة عملها العام 2000 وقد تعاقبت مذاك 3 لجان آخرها اللجنة التي يرأسها حالياً المحامي حرب.
تشهد المحمية نشاطات سياحية، فما هي الإجراءات التي اتخذت للمواءمة بين السياحة في أرجائها وبين الحفاظ على بيئتها المحمية؟ عن هذا السؤال يجيب حرب بالقول:

لقد أنشأنا بيتاً للمحمية ينطلق منه الزوار بعد مشاهدة فيلم وثائقي يعرّفهم على نباتاتها وحيواناتها وطيورها، كما يلقي الضوء على النشاطات التي تشهدها.

أما التجوال داخل المحمية فيتم وفقاً لخريطة تبيّن ممرات محددة يسلكها الزائر مع إشارات للدروب وطولها ومعدل الوقت اللازم لسلوكها ووعورتها. وقد حدّدت أربعة مسارات توضح الخريطة المشاهدات التي يمكن رؤيتها في كل منها (نباتات، أشجار أو طيور...).

وقد جهّزت المحمية ببنى تحتية لاستيعاب أكبر عدد من السواح، مع مركز دائم ينظم نشاطات للزوار ودورات تدريب للسيدات على المونة والأشغال اليدوية القروية.

أعمال هذا المركز الناشط تستمر طوال العام، وتدخل في إطارها نشاطات صيفية وأخرى شتوية.

 

حماية الغابة
يؤمن حماية الغابة 3 موظفين دائمين، كما يقوم الفلاحون من البلدة والجوار خلال مواسم محددة بوظيفة نواطير لمنع التعديات والتبليغ عنها للمسؤولين، ويتم تدريب متطوعين ناشطين من المدارس والجامعات يتولون مواكبة الزوار داخل المحمية.
وعن أهمية الغابة وخصائصها يخبرنا المحامي حرب أنها أكبر غابة أرز متواصلة في لبنان من حيث عدد أشجارها الذي يبلغ حوالى 350 ألف شجرة بينها أشجار أرز معمّرة كثيرة.
وهي تحتوي إضافة الى أشجار الأرز (80 بالمئة منها) على السنديان والعـرعر الشوكي، وهي غنية جداً بالتنـوع البيـولوجي حيث سجّل حتى الآن حوالى 600 نوع من النبات (منها الفطر الموجود بكثرة وبتنـوع في الغابـة) و20 نوعاً من الثدييـات و80 نوعاً من الطيور و52 نوعاً من الفراشات.

 

المشي ومراقبة الطيور والنجوم
رياضة المشي ومراقبة الطيور من الأنشطة الرئيسة داخل المحمية التي أعلنت منطقة هامة لمراقبة الطيور للعام 2006 وأنشئ فيها برجان لهذه الغاية.
ويستمتع الزائرون بالتعرّف على الكثير من النباتات والحيوانات والحشرات ومراقبتها وتصويرها.
وفي شهر آب الماضي تمكّن الزائرون خلال أيام محددة من مراقبة النجوم بواسطة تيليسكوبات ضخمة ركّزت في المحمية.
والى النشاط السنوي بمناسبة عيد تأسيس المحمية في 25 شباط الذي يشمل محاضرات وسهرة فنية وسهرة قروية يحضرها أهالي البلدة والجوار وكل أصدقاء المحمية، ثمة نشاطات أخرى متنوعة.

 

مشاريع

هل من مشاريع للمستقبل؟ يجيب حرب قائلاً:
في جعبتنا الكثير من المشاريع وأهمها المحافظة على الغابة وأشجارها وتنوّعها البيولوجي ضد أي تعديات بشرية أو حيوانية، وتطبيق قانون حماية الغابات بحذافيره.
كما نسعى الى تسويق الغابة عالمياً لتشجيع السياحة البيئية فيها والسياحة العلمية ايضاً والتي هي رائجة في أيامنا الحاضرة. وسيقام معرض دائم داخل المحمية ومتحف للحشرات مع مختبر للتحاليل العلمية وقاعة للتدريب على حماية الغابة.
ويضيف قائلاً: نحن بصدد تنفيذ خطة للتحريج حيث انضممنا الى مشروع يشمل 149 دولة تعهّدت بزرع 100 مليون شجرة، وقد اشتركنا به، فقدّمنا لهذه الغاية عشرة آلاف شجرة أرز من مشاتلنا الخاصة ومن فصيلة أرز تنورين عينها. هذه الأرزات وزّعناها على طلاب المدارس والجامعات مع حرصنا على زراعتها والاهتمام بها بالشكل المناسب.

 

حشرة تفتك بالأرز والسبب التغيير المناخي
منذ سنوات قليلة كانت محمية أرز تنورين عرضة لآفة فتكت بأرزاتها وجعلتها عرضة لليباس. لكن بفضل جهود المعنيين قضي على الآفة واستعادت الغابة نضارتها.
الدكتور نبيل نمر أمين سر لجنة المحمية والاختصاصي بحشرات الغابات، تحدث عن المشكلة وكيفية معالجتها، قال:
منذ أكثر من عشر سنوات لاحظ سكان بلدة تنورين انتشار اللون البني على أشجار الأرز خلال شهر تموز من كل عام، وتبين أن السبب هو إصابة حشرية شخّصها مركز الأبحاث الزراعية الفرنسية على أنها نوع جديد من الحشرات، سمّيت حشرة الأرز المنشارية (Chevin Cephalcia Tannourinensis) أو السيفالسيا.

 

لماذا انتشرت هذه الآفة وكيف تمّت مكافحتها؟
يجيب الدكتور نمر قائلاً: إن التغير المناخي الذي حصل في الآونة الأخيرة وعدم تساقط الثلوج أدى الى اضطراب في الدورة الحياتية لهذه الحشرة، ما جعلها تقتات بأوراق الأرز فتلتهمها بشراهة مسبّبة يباس الأغصان وبالتالي اللون البني الذي كان يلوّن الأرز في تلك الفترة.

وبعد دراسة معمّقة لهذه الحشرة ودورة حياتها وطريقة توالدها ونظامها الغذائي، أجرينا العام 1999 إحصاء لمعرفة عدد اليرقات ففوجئنا بوصول أعدادها في التربة الى 626 يرقة في المتر المربع، مما استوجب إعداد خطة للمكافحة بالتعاون مع الجهات المختصة. واستطعنا من خلال أبحاث أساسية تحديد خطة لإبادة هذه الحشرة، قضت الخطة برش الغابة بدواء (دايفلو بنزيورون غير السام للإنسان والحيوان، والذي يتفكك بسرعة بعد استخدامه) ينتمي الى مجموعة المركبات التي تمنع إنسلاخ الحشرات.

خلال العامين 1999 و2000 تولّت الأمر طوافتان فرنسيتان، ومن ثم تابع المهمة الجيش اللبناني إذ قامت طوافاته برش هذا المركّب في السنوات الثلاث اللاحقة. ومنذ ذلك الوقت تمّت السيطرة على هذه الإصابة.
وعن متابعة مراقبة هذه الحشرة يقول نمر: لقد أنشأنا نظام متابعة للحشرات بواسطة 3 طرق، الأولى قوامها مصائد صفراء لاصقة لعدّ الحشرات الكاملة النمو، وهي طريقة دقيقة وسهلة بحيث يعتبر التقاط 30 حشرة في المصيدة مؤشراً للمباشرة بإجراء المكافحة.

أما الطريقة الثانية فهي المصائد الفيرمونية أو الجاذب الجنسي لدى إناث السيفالسيا، والهدف من استخدام هذه المصائد هو أولاً مقارنة فعاليتها مع فعالية المصائد الصفراء، وثانياً لتحديد وقت استخدام المكافحة عندما تشتد الإصابة.
أما الطريقة الثالثة فتقضي بإحصاء نسبة تساقط أوراق الأرز ابتداءً من أوائل تموز وحتى نهاية آب لمقارنة هذه النسبة مع عدد الحشرات على المصائد. ولهذه الغاية يتم اختيار 100 شجرة عشوائياً في الغابة لدراستها.
وختم الدكتور نمر بالقول إن المنظمات والجمعيات العالمية تهتم بدراسة هذه الحشرة وتدرس إمكان وجودها في غابات أخرى في أنحاء العالم، وسوف تستضيف المحمية عدداً كبيراً من العلماء المتخصصين بالأرز وبالأشجار الإبرية لدراسة الحشرة الجديدة بشكل معمّق، وأي كائنات أو نباتات يمكن اكتشافها في المحمية. هذه الأبحاث ستُنشر تباعاً في مجلات علمية متخصصة.

 

نصفها مفتوح للزوار
تبلغ مساحة محمية غابة أرز تنورين الطبيعية 150 هكتاراً، أما مساحة الغابة بأكملها فهي 600 هكتاراً، حوالى 300 منها مفتوحة للزوار. ويراوح ارتفاعها عن سطح البحر بين 1400 و1850 متراً.

 

مساعدات دولية
تمّ استدراج عدة مشاريع لتطوير المحمية منها مشروع بتمويل من مؤسسة دعم المحميات الطبيعية يشمل عدة مجالات منها دراسة التنوع البيئي وتطوير السياحة البيئية العلمية في المحمية وإنشاء بنى تحتية لاستقبال أكبر عدد ممكن من الزوار.
وثمة مشروع آخر تموله مؤسسة فرنسية (AFD) تستفيد منه الى محمية تنورين محميات إهدن وبنتاعل والشوف وصور وكفرزبد، ويهدف الى إنمائها من النواحي كافة.
الى ذلك يشار الى أن مكافحة الحشرة التي فتكت بأرز تنورين تمّت بالتعاون مع الفاو.

 

الغابة تنعش محيطها
تسويق المحمية سياحياً وبيئياً أدى الى إنعاش المنطقة المحيطة بها. فالزوار الذين يقصدونها يمكن أن يسكنوا مدة زيارتهم في بيوت للضيافة داخل القرية، كما يستفيدون من المطاعم والمقاهي والدكاكين والبسطات الصغيرة فيشجعون بذلك على تنمية القرى. ويستفيد الزائر في الوقت عينه في أثناء مروره بعدة قرى جبلية مجاورة من مشاهدة أماكن سياحية كالكنائس القديمة وقرميد البيوت الأحمر ومنتجع اللقلوق وبالوع تنورين الشهير.