ضيف العدد

أرضنا المقدسة
إعداد: غازي قيس

أيتها الأرض...

تُرى لماذا يعشقك الإنسان؟
ألأنّ الخـزّاف العظـيم قد جبـلهُ من ترابـك المقـدّس؟
أم لأنـك أنـت التي علّمـته العـطاء بغـير حدود؟!
أم لأن جاذبيـتك التي لا تقاوم هي مصدر الجاذبية؟
أنـظري أيتها الأرض إلى كل المخلوقات:
إلى الطيور مهما علت في تحليقها، فإنها حتماً تعود إليك، وإلى الإنسان، مهما بعُدت به المسافات وأقصته هموم الحياة، يظل شميم ترابك، أحبّ إليه من كل طموح وهدف..
وانظري إلى الكواكب، كيف تتشظى لتعود إلى ترابك، وإلى الشمس التي تمزّق حجب الظلام لتكشف عن وجهك البهي...

 

أيتها الأرض!
لماذا يـنذر عشـاقك دماءهم وأرواحهم، في الذود عن كل حبّة تراب من ترابك المقدّس، لو لم تكوني لهم غاية الغايات وهدف الأهداف...
أنت المدى الأوسع للقلوب التائقة إلى الحب، حين تضيق سُبُل الحياة، وتصبح الغربة سجناً مقفلاً على الحرية وعشق الحياة...
جودي علينا أيتها الأرض، وامنحينا القدرة على الاتحاد بك...
مدمـنون نحـن على عشقك... أليـس كـل شـيء إلى تراب؟
بادلينا الإساءة بالحب، واغفري لنا خطايانا، كلما حاولنا أن نفتح جرحاً، في صدرك الرحب...
ألسنا أبناءك الذين يتقاتلون على حبّك، ويتقاتلون على مجدك؟
ضمّينا جميعاً إلى صدرك، الذي تكاثرت فيه جراحات المحبة، وعلّمينا ألاّ نعبد بعد الله إلاّك، يا من لا يضارع وجه الله جمالاً سوى وجهك...
أصحيح أن الحرائق التي أشعلناها في سهولك وأوديتك وجبالك، قد فاحت منها روائح البخور والمـسك والعنـبر يوم كنا نتـقاتل على حبّك؟!
أم أننا لم نكن قد بلغنا سن الرشد بعد؟...

 

أيتها الأرض!
سامحينا واغفري لنا ترهاتنا، فعُمرك التاريخ وجذورك الزمن، أما عمرنا فحفنة سنين، نمسي بعدها تراباً، يُضاف إلى ترابك المقدّس، الذي يطهّرنا مما اقترفت أيدينا..
لأجلك نصلّي، ولأجلك نحيا، ونموت، ونمسي تراباً يُنبتُ الورد الأحمر...
في أوديتك اختمار الصدى، وفي جبالك شموخ العز، والمجد والخلود، وفي سهولك افترار الحياة والمواسم والتجدّد...
في شواطئك سفر الوجدان، وفي ينابيعك ضجيج الحياة، وعلى الربى صخب الصمت المقدّس، عندما تنسحب شعاعات الشمس، عن أشجار اللوز وغابات الأرز الواجمة في وجه الزمان...
لك الخلود أيتها الأرض، فأنت الهيكل والمحراب، الذي نلجأ إليه لنتلو صلواتنا: يا رب! احفظ لنا هذه الأرض المقدّسة... احفظ لنا لبنان!