إقتصاد مال

أزمة الديون اليونانية حلّ مؤقّت لكن ماذا بعد؟
إعداد: تريز منصور

بدأت أزمة الديون اليونانية في تشرين الأول من العام 2010، ولكن هذه المشكلة تفاقمت اليوم، مع تصاعد المواجهة بين «ترويكا كبار دائني اليونان» (المفوضة الأوروبية، صندوق النقد الدولي والبنك الدولي)، وبين الحكومة اليونانية الجديدة برئاسة ألكسيس تسيبراس الذي تمّ انتخابه في كانون الثاني 2015. والأخير هو زعيم حزب اليسار الراديكالي «سيريزا»، الذي خاض حملته الانتخابية تحت شعار «وقف سياسة التقشّف». وقد بدأت المواجهة إثر رفض تسيبراس تسلّم الدفعة الأخيرة من حزمة الإنقاذ النقدي التي كان يفترض أن تتسلّمها اليونان وقيمتها 7.2 مليار يورو، كما رفض تمديد العمل ببرنامج الإنقاذ (الداعي للتقشّف القاسي) بعد نهاية شهر شباط 2015، علمًا أن الترويكا كانت قد منحت اليونان حزمتي إنقاذ نقدي، الأولى في العام 2011، والثانية في العام 2012.
ولقد أعلن تسيبراس أن الحكومة السابقة زيّفت الحسابات القومية، وأن حكومته تعاني عجزًا في الميزانية بنسبة 13.6 في المئة، وأن ديونها تبلغ 174 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.


الجذور
تعود جذور المشكلة إلى سنوات سابقة حيث كان الأداء الاقتصادي لليونان سيئًا قبل انضمامها إلى منطقة اليورو، وكانت تعاني دائمًا مشكلة المحافظة على معدّلات النمو الاقتصادي والرفاهية لمواطنيها، بالإضافة إلى مشكلة السيطرة على النفقات العامة وزيادة الديون. وانضمامها إلى المجموعة الأوروبية في العام 1981، شجّعها على المزيد من الاقتراض، وبالتالي أصبحت قيمة الديون عالية جدًا، وبات من الصعب عليها تسديدها. ومع تفاقم الأزمة اليوم، بات خروج اليونان من منطقة اليورو محتملًا وهذا الأمر الذي يراه البعض مستبعدًا تمامًا، يقول البعض الآخر إنه وارد، في حال رفضت اليونان مزيدًا من التقشّف.
قمة الاتحاد الأوروبي التي عقدت في بروكسل في 12 تموز الماضي لبحث الأزمة اليونانية لم تخرج بحل جذري. والأجواء القاتمة جعلت من الرئيس الأميركي باراك أوباما يتدخل شخصيًا منعًا لدخول طرف آخر (كالصين وروسيا) على خطّ الأزمة اليونانية. وقد اتصل بزعيمي اليونان وألمانيا، وكانت رسالته واضحة: «أي حلّ، بأيّ ثمن، لكن مع بقاء اليونان في منطقة اليورو».
وبعد نحو الشهر من المفاوضات الصعبة (في 15 آب 2015)، اتفق وزراء مالية دول منطقة اليورو على منح اليونان حزمة إنقاذ مالي ثالثة بعد ساعات من دعم أثينا لخطة المساعدات، بحسب ما أعلنت المفوضية الأوربية ومجموعة اليورو. وقال رئيس المفوضية جان كلود يونكر إن الاتفاق أرسل رسالة واضحة وبصوت عالٍ مفادها أن اليونان «ستظلّ ضمن الاتحاد الأوروبي».
وتشمل خطة الإنقاذ المالي الثالثة، مزيدًا من التقشّف، أي زيادة في الضرائب وتخفيض الإنفاق العام مقابل الحصول على حزمة تقدّر بنحو 86 مليار يورو (95 مليار دولار )، وتمتد لخمس سنوات.
لكن ما هو المنحى الذي ستؤول إليه أزمة الديون اليونانية مستقبلاً؟ مجلة «الجيش» التقت الدكتور عبدالله نجار (أستاذ محاضر في كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال – الجامعة اللبنانية - الفرع الثاني) وكان لها معه حوار حول الموضوع.

 

حجم الدَين وواقع الأزمة
• ما هو حجم الدين الحقيقي لليونان، وكيف تصف واقع الأزمة اليوم؟
- يبلغ حجم الدين العام اليوناني نحو 342 مليار يورو أي ما يعادل 380 مليار دولار أميركي. يضاف إليها ديون البنوك والشركات التي تصل إلى نحو 160 مليار يورو أي ما يعادل 175 مليار دولار تقريبًا. فيكون دين اليونان الإجمالي حوالى 500 مليار يورو، أي ما يعادل 550 مليار دولار أميركي. أما أهم الجهات الدائنة فتتمثل بـ«الترويكا» المؤلفة من: المفوضية الأوروبية، (130 مليار يورو)، صندوق النقد الدولي (20 مليار يورو) والبنك الدولي 53 مليار يورو.
وأضاف: «في اجتماع رئيس الوزراء اليوناني، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، تمّ الاتفاق على أن تتقدم اليونان باقتراحات جديدة لحّل الأزمة، وعلى إقفال البنوك خوفًا من السحوبات الطائلة التي سوف تخلق أزمة كبيرة للبلاد، وتمديد الإقفال إذا قضت الحاجة. فمنذ فوز حزب «سيريزا» الممثل لليسار الراديكالي في الانتخابات البرلمانية (كانون الثاني 2015) ووصول زعيمه إلى رئاسة الحكومة الجديدة، ارتفعت الفوائد على الديون وعلى سندات الخزينة العائدة لليونان، من 14.6 في المئة لتصل إلى نحو 18 في المئة».
ونتيجة الاستفتاء الشعبي العام الذي جرى في حزيران الماضي، أيّدت نسبة 61 في المئة من الأصوات دعوة تسيبراس إلى وقف سياسة التقشّف، والتي كان يعتمدها الحزب السابق، وأظهرت هذه النتائج بالتالي موقف الشعب اليوناني الرافض للتقشف. ولكن هذه المعادلة قد تغيّرت اليوم، لا سيّما بعد أن اتخذت القضية منحىً سياسيًا، فحزب تسيبراس انقسم إلى قسمين، القسم الأول مؤّيّد لرئيس الحكومة في قراراته التي يتخذّها والتي قد تكون مغايرة للوعود التي قطعها في أثناء حملته الإنتخابية، أما القسم الثاني فما زال ضد التقشّف.
ولا بدّ من الإشارة إلى أن إقرار حزمة الإنقاذ الثالثة اليوم، جاء مقابل ثمن سياسي باهظ دفعه سيبراس، ممّا قد يؤدي إلى إجراء انتخابات مبكرة.

 

أسباب الأزمة!
• ما هو واقع الاقتصاد اليوناني الذي أدّى إلى هذه الأزمة ؟
- تقع اليونان على أطراف القارة الأوروبية، وتتمركز قوّتها الاقتصادية في القطاع السياحي، وفي النقل البحري. ويعتبر حجم اقتصادها صغيرًا نظرًا إلى غياب المؤسسات التجارية والصناعية العملاقة. وقد بدأت مشكلتها المالية بالتفاقم، إثر حدوث الأزمة المالية العالمية (2008)، وذلك بسبب الركود الاقتصادي. نسبة البطالة فيها تبلغ نحو 27 في المئة، وتطال نحو 50 في المئة من الفئات العمرية الشابة. وهذا الأمر يعتبر مؤشرًا في غاية الخطورة اقتصاديًا. ففي حين يضطر البعض إلى العمل في الدول الأوروبية، ويهاجر البعض الآخر إلى أميركا وأوستراليا، ترتفع نسبة أعمال العنف، وتتسع شريحة الفقراء التي تشكل نحو 40 في المئة، معظمهم من الشباب.
في ما يتعلق بالناتج المحلي (BNP) اليوناني فهو حوالى 242 مليار يورو أي ما يعادل 265 مليار دولار تقريبًا من معدّل الدين العام. وقد انخفض هذا الناتج بنسبة 26 في المئة تقريبًا منذ العام 2010 ولغاية العام 2014. أما نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي فقد ارتفعت من 100 في المئة (2008) لتصل إلى 174 في المئة في النصف الأول من العام 2015، علمًا أن مؤشر الدين العام الأوروبي يجب أن لا يتعدّى الـ 60 في المئة من الناتج المحلي.
وأضاف د. عبدالله موضحًا: أدت السياسة التقشّفية المعتمدة في اليونان منذ العام 2010، إلى تقلّص حجم المساعدات الاجتماعية، والتقديمات المخصّصة للمتقاعدين ولضمان الشيخوخة. وعندما تسلّمت الحكومة الجديدة سدّة المسؤولية قامت بعدة خطوات على هذا الصعيد أبرزها:
- اتخاذ إجراءات لمصلحة فقراء الحال، الذين يرفضون بالمطلق سياسة التقشّف.
- إعادة الكهرباء إلى مئات المنازل قطعت عنها، بسبب التخلّف عن دفع الفواتير أو غيرها من الأسباب.
- تحديد الحدّ الأدنى للأجور.
- إعادة الوظائف إلى عدد كبير من المصروفين منها.
- إلغاء شروط الخصخصة.
- منع بيع المرافىء البحرية.
لكن لا بدّ من الإشارة هنا إلى أنه تمّ هروب نسبة كبيرة من رؤوس الأموال الضخمة من اليونان، إثر تسلّم الرئيس الحالي سدّة المسؤولية.

 

خوف في بلدان أخرى
• كيف تقرأ الأجواء اليونانية والأوروبية على حدٍّ سواء، بعد أن رفض الشعب اليوناني سياسة التقشّف في الاستقصاء العام الذي جرى في شهر حزيران الفائت؟

- يعمّ الخوف اليوم في معظم الدول الأوروبية كالبرتغال، إسبانيا، إيطاليا، إيرلندا وأيضًا فرنسا، لا سيّما بعد التجربة اليونانية لناحية رفض الشعب لسياسة التقشّف. والخوف يكمن في احتمال نشوء حركات احتجاجية تصل إلى حدّ الثورة، الأمر الذي من شأنه فتح ملف إعادة النظر (أو التغيير) في عدة بنود مالية معتمدة في الإتحاد الأوروبي.


 

• هل القرار بالخروج من الإتحاد الأوروبي صائب ماليًا، وكيف السبيل إلى تعويم المصارف وخزينة الدولة والتخلّص من الديون؟ 
- يواجه الاتحاد الأوروبي اليوم مأزق حلّ أزمة الديون اليونانية، على اعتبار أنه إما القبول بإعلان إفلاس اليونان والخروج من منطقة اليورو، فتتكبّد بذلك المؤسسات الدائنة الخسارة الكبرى، وإما دعمها مجددًا وإبقاؤها في المنطقة، لكن الأزمة ستعود بعد سنتين وربما أقلّ من ذلك.
لقد بدأت معالجة أزمة الديون اليونانية تأخذ منحىً سياسيًا، بدلاً من المنحى المالي والاقتصادي، وبينما تجري المفاوضات بين الحكومة اليونانية وإدارة الاتحاد الأوروبي، يبدو واضحًا الإصرار الدولي على حلّ الأزمة من قبل عدة أطراف أهمها الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين.
ويمكن القول، إنه مهما كانت نتيجة المفاوضات الصعبة والمعقّدة، فإنها سوف تكون بمثابة حلّ مؤقت، على اعتبار أن أزمة الديون اليونانية مستعصية، وتكبر سنويًا ككرة الثلج. وبالتالي فإن احتمالات تجدّد الأزمة واردة، بما في ذلك إمكان العودة إلى البحث في خروج اليونان من منطقة اليورو.

 

ماذا إذا تركت اليونان منطقة اليورو؟
• ما هي الإنعكاسات التي سيحدثها خروج اليونان من منطقة اليورو إذا حصل ذلك؟

- بالنسبة إلى اليونان، إن خروجها من منطقة اليورو، سوف يستتبع الآتي:
- إعلان الإفلاس.
- العودة إلى العملة الأساسية «دراخما» (Drachma) وتخفيض قيمتها ليتمّ بعد ذلك تخفيض قيمة الدين، وجدولة المبالغ المتفق عليها مع الدائنين بالعملة الوطنية.
- تحديد المبلغ الذي سوف تدفعه اليونان للدائنين، تلافيًا لعدم حجز أملاكها في الخارج.
- إعادة الإعانات، ودعم الأجور وتعويضات المتقاعدين، ومساعدة الصناعيين والمزارعين بقروض ميسّرة.
- إستعادة اليونان استقلاليتها المالية، اسوة ببعض الدول الأوروبية غير المنتمية لمنطقة اليورو.
- اللجوء إلى الصين وروسيا وأيضًا أميركا للإقتراض بالعملة الأجنبية إذا تعّذر هذا الأمر من الترويكا (troika).
- تخفيض قيمة العملة الوطنية «دراخما» (Drachma).

أما بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي والدائنين فإن أبرز نتائج خروج اليونان من منطقة اليورو هي:
- خسارة الدائنين قسمًا من المبالغ المتوجّبة على اليونان.
- احتمال قيام بعض الدول المنتمية إلى الاتحاد الأوروبي، ذات المشاكل المالية، بالخطوة نفسها وعودتها إلى العملات الوطنية الأساسية (البرتغال إيرلندا وإيطاليا وغيرها...).
- حدوث بلبلة في الأسواق المالية وعملة اليورو.

أخيرًا، يعتبر الدكتور نجار أنه من الأفضل لليونان العودة إلى الاستقلالية المالية، بشرط اتخاذ الاجراءات الضرورية اللازمة لإزالة جميع المخالفات والأخطاء التي ارتكبت في السنوات الماضية، والتي أدّت إلى الأزمة المالية والاقتصادية المستعصية. فخروج اليونان من منطقة اليورو حسب رأيه، يشكل الخطوة الأولى في حلّ أزمتها المالية المستعصية والمعقدة، واستعادة استقلاليتها المالية، ومع إعلان إفلاسها، تكون الخطوة الثانية والثابتة لبناء هيكليتها المالية، والانطلاق مجدّدًا على أسس مالية واقتصادية سليمة وصحيحة.