إقتصاد ومال

أسعار النفط والذهب تتأرجح
إعداد: تريز منصور

السياسة والاقتصاد يأخذان البرميل  إلى عتبة 75 دولارًا

أمّا  الأونصة فأحوالها «حتى الآن تمام»...


لأسعار النفط والذهب دور هام ومؤثّر في المجالات النقدية والاقتصادية والمالية. وقد اكتسبت أسعارهاتين السلعتين حساسية تجاه المتغيّرات السياسية والاجتماعية، فضلًا عن الأزمات الاقتصادية والمالية والسياسية التي تجتاح العالم.
لذلك تعتبر أسواق الذهب والنفط في كثير من الدول ذات تأثير بالغ على المتغيرات الاقتصادية الرئيسة مثل الاستهلاك والإدخار والإستثمار... وهذا هو واقع الحال اليوم، بعد أن شهدت الأسعار تقلّبات حادة مسجّلة إنخفاضات كبيرة، الخبراء المعنيون في العالم، يترقّبون ويحلّلون الأسباب والتداعيات.


أسعار النفط في الإقتصاد والسياسية
سرق هبوط أسعار النفط الأضواء من التراجع الكبير لأسعار الذهب. وقد كان للمملكة العربية السعودية اليد الطولى في التحرّكات الأخيرة لأسعار النفط التي ستواصل تراجعها لفترة إضافية مع امتناع منظمة أوبك عن اتخاذ أيّ قرار بخفض الإنتاج. ومن المتوقّع أن تصل هذه الأسعار في حدّها الأدنى إلى 75.84 دولارًا للبرميل مقارنة مع أكثر من 110 دولارات قبل أشهر.
وبالتالي تراجع السعر خلال خمسة أشهر فقط 25 في المئة ومن المتوقع أن يبقى في حدود الـ90 دولارًا للبرميل خلال المدى المنظور، وذلك بالاستناد إلى آليات العرض والطلب، حيث تغرق السوق بالنفط السياسي من الخليج وبالنفط الصخري الحديث من الولايات المتّحدة.
في خطوة مفاجئة، أقدمت المملكة العربية السعودية على خفض أسعار النفط الذي تبيعه للولايات المتحدة الأميركية، ما أدّى الى تقلّبات أقوى في الأسعار. وعلى الرغم من اعتقاد الكثيرين بأنّ المملكة قامت بهذه الخطوات لتحافظ على حصتها في الأسواق العالمية، فتبقى الدولة الأكبر إنتاجًا ومبيعًا للنفط في العالم، إلّا أنّ نتائج هذه السياسة تصبّ في اتجاهين، الأول إقتصادي عالمي والثاني سياسي.
في الإقتصاد، سوف يساهم تخفيض أسعار النفط في تعزيز نسبة النموّ الاقتصادي العالمي ولا سيما في الولايات المتحدة الأميركية وفي أوروبا واليابان، وكذلك تستفيد الصين كونها ثاني أكبر مستورد للنفط في العالم. أما على المستوى السياسي فتصبّ تخفيضات الأسعار في خانة الضغوط على روسيا، آخذة بجريرتها شريكتها فنزويلا، فالدولتان منتجتان للنفط، لكن بكلفة مرتفعة، ويؤدي ذلك الى إلحاق ضرر كبير بهما.
إنّ إنخفاض أسعار النفط يُنقذ الإقتصاد العالمي، على الرغم من ادّعاء البعض أنّ هذا الإنخفاض هو لعنة، لأنه سيؤثّر سلبًا على الدول المُصدّرة وسيزيد من عجز ميزانيتها. إلّا أنّ ما تناساه هذا البعض ووفق المحللين، هو أنّ الدول المُتطورة والتي تُشكل اقتصادياتها أكثر من ثلثي الإقتصاد العالمي، بحاجة إلى سعر نفط منخفض لكي تنمو إقتصاديًا.

 

تاريخ البترول في الاقتصاد
في ثلاثينيات القرن الماضي، كان البترول محور اهتمام الدول الكبرى نظرًا الى أهميته على الصعيد العسكري، خصوصًا خلال الحرب العالمية الأولى. وبُعيد الحرب العالمية الثانية، أخذ استعمال النفط بالتمدّد في جميع أنحاء العالم.
اليوم، وبعد كل المحاولات لتخفيف الإعتماد على هذه السلعة كمصدر للطاقة، يبقى البترول أوّل مصدر لها، بحيث أنّه يشكّل 35 في المئة من الطاقة العالمية.
لذلك تعتمد البنى التحتية بشكل أساسي على البترول، الذي تحتل تجارته الصدارة عالميًا من ناحيتي الحجم والقيمة.
ويرى بعض الخبراء أنّ الأضرار الناتجة عن ارتفاع سعر البترول هي أكثر بكثير من الأضرار الناتجة عن انخفاضه. فارتفاع 15 دولارًا أميركيًا في فترة قصيرة قد يقضي على عدة اقتصادات متطورة، لها وزنها الإقتصادي العالمي. في حين أنّ انخفاض 25 في المئة سيؤدي إلى عجز في موازنة الدول المنتجة للبترول بقيمة 10 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي.
إنّ الحديث عن خسائر وعجز في موازنات الدول المُنتجة للبترول هو صحيح، لكنّ تصوير هذا العجز بأنه سيقضي على اقتصادات الدول هو أمر مبالغ فيه، خصوصًا أنّ لجوء الدول إلى الإستدانة لم يعد خيارًا سهلًا مع ارتفاع الديون السيادية وعجز الدول المُتطورة عن سداد هذه الديون، ما يترك هامشًا واحدًا لتحفيز النمو عبر خفض كلفة البترول.

 

الذهب: «حتى الآن كل شيء تمام»
ما زال الذهب يمارس دوره في النظام النقدي الدولي باعتباره عملة عالمية، وملاذًا استثماريًا آمنًا يتمّ اللجوء إليه في فترات الأزمات، بالإضافة إلى أن دولًا كثيرة ما زالت تستخدم الذهب كجزء من احتياطاتها، كما يستخدمه الكثير من المستثمرين (أفرادًا ومؤسسات) كجزء مهم من محافظهم الاستثمارية.
ويشهد هذا المعدن منذ أكثر من عامين تراجعًا مستمرًا، غير أنه يبدو متجهًا صوب مسار صعودي وفق المراقبين في مجلس الذهب العالمي، الذي يُعتبر عرّاب المعدن الأصفر.
لدى المقارنة بالأوج الذي سجّله في آب 2011، عندما بلغ سعر الأونصة الواحدة 1827 دولارًا، يكون سعر الذهب اليوم قد هوى بنسبة تفوق 36 في المئة. مع ذلك يبدو جليًا تفاؤل مجلس الذهب العالمي، الذي يُشدّد في التقرير الأخير الذي أصدره عن أفق الاستثمار في الذهب خلال الفترة المقبلة، على أنّ ارتفاع وتيرة إصدار السندات المالية حاليًا معطوفًا على ضعف العوائد على سندات الدين إجمالًا، وعلى تراجع التذبذب في السوق إلى مستويات قياسية، يشكل عوامل تدعم الذهب وتُشكّل فرصة للمستثمرين لشرائه ومراكمته في محافظهم. ووفق تقرير المجلس، يتبيّن أنه خلال النصف الأول من العام الجاري تجاوز الطلب العالمي على الذهب حاجز ألفي طنّ؛ صحيح أنه دون المسجّل خلال الفترة نفسها من العام السابق، غير أنه يبقى عند مستوى عال بحسب خبراء المجلس.
يتركّز أكثر من 53 في المئة من الطلب على الذهب في مجال المجوهرات والزينة. وهنا يُسجّل تراجع بنسبة 30 في المئة، وربما يعود هذا الأمر إلى إعادة النظر في مكانة الذهب كعنصر زينة أساسي في العديد من المجتمعات، وخصوصًا أنّ المنتجات التكنولوجية أضحت بديلًا جذابًا للإهداء.
ويدخل الطلب على هذا المعدن أيضًا في مجال التكنولوجيا، بحيث يُستخدم في الصناعات الإلكترونية وفي طب الأسنان، وفي المجال الاستثماري سواء كان عبارة عن سبائك حقيقية يتمّ نقلها إلى الشاري أو عبر طلب الصناديق الاستثمارية التي يُحدّد السعي إلى الأرباح حركة البيع والشراء التي تسجّلها. ولا يمكن إغفال شهية المصارف المركزية على طلب المعدن الأصفر ومراكمته في خزناتها، باعتباره عامل ثقة استقرار نقدي ممتاز، يدعم العملة وفي الوقت نفسه يُمكن تسييله للحصول على العملات الصعبة.

 

تقرير مجلس الذهب العالمي
تصدّرت تقرير مجلس الذهب العالمي عن واقع أسعار الذهب عبارة: «حتّى الآن، كلّ شيء تمام»! وهو يوضح أن الأسعار سجّلت ارتفاعًا وإن طفيفًا وأنّ الذهب غلب التوقعات المأساوية التي أطلقها المحللون بداية 2014.
وتوقّع التقرير ارتفاع سعر الذهب على المدى الطويل على الرغم من الانخفاضات الحالية بسبب عدم وجود أي مؤشر لصعود معدل الفائدة الأوروبية أو الأمريكية على المدى المنظور.
واعتبر التقرير أن الذهب ما زال مرتفعًا بنسبة 3.3 في المئة منذ بداية العام الحالي حتى شهر تشرين الأول الفائت مخالفًا آراء المحلّلين الذين توقّعوا أن ينزل بشكل حاد وقوي تحت مستوى 1200 دولار أمريكي للأونصة هذا العام.
وأضاف أن الذهب مستمر في اجتذاب اهتمام المستثمرين والصناديق السيادية حول العالم وما زال ينظر إليه كأداة تحوط ضد تقلّبات أسواق الأسهم والسندات، مستفيدًا من ارتفاع الناتج المحلي الاجمالي لبعض الدول الصناعية والنامية لاسيما في منطقة شرق اسيا.
وأوضح أن التوقعات بحلول «كارثة» في أسعار الذهب لن تكون صائبة لعدة أسباب أهمها، استمرار نزول الفائدة الأميركية والأوروبية لمستويات تقترب من الصفر ما يؤدي إلى تساؤل لدى المستثمرين عن مصير الاقتصاد العالمي اذا ارتفعت اسعار الفائدة وهو ما يجعلهم يحتاطون بالذهب على الرغم من كل تلك التقلّبات التي أصابته.
وفسّر التقرير عدم نزول الذهب إلى مستويات متدنّية تحت مستوى 1200 دولار للأونصة، بأن التوقعات التي كانت تشير إلى ذلك لم تأخذ بالحسبان أن سعر المعدن الأصفر قد احتوى ومنذ نهاية 2013 التأثير الناتج عن أي توقف في عملية «التيسير الكمي» الذي تقوم به الولايات المتحدة الأميركية.
ورأى التقرير أن المحللين الأكثر تشاؤمًا حول أسعار الذهب كانوا متأثّرين بشدة بالارتفاع الحاد لأسواق الأسهم العالمية في بداية العام الحالي، لكن فاتهم أن صعود الأسهم لن يستمر طويلًا «وبالفعل نشهد الآن هبوط أسعار الأسهم في بورصات أوروبا وآسيا».
وبيّن تقرير مجلس الذهب العالمي أنه ثمّة أربعة مفاهيم رئيسية يجب أن يركز عليها المستثمرون حاليًا، وهي التي تدعوهم إلى إعادة النظر في الذهب كأداة مهمة في محافظهم الاستثمارية:
• المفهوم الأول، يتمثل في أن نمو الاقتصاد العالمي لا يشكل أي تهديد لأسعار الذهب بل بالعكس من ذلك، فإن مثل هذا النمو يعتبر عاملًا مؤيدًا لارتفاع أسعار المعدن الأصفر على المدى الطويل.
• المفهوم الثاني الواجب معرفته، هو أن أي صعود لأسعار الفائدة عالميًا، لا يعني بالضرورة نزول أسعار الذهب لأنه يتأثر بعوامل أخرى في هذه الحالة أهمها زيادة الطلب من الصناديق السيادية والبنوك المركزية، إضافة الى زيادة الطلب الصناعي والتجاري عليه.
• المفهوم الثالث، ومحوره أن تكاليف الإستثمار بالذهب هي الأقل لدى مقارنتها بنظيراتها من أدوات التحوّط الأخرى، ذلك أن المعدن الأصفر يمتاز عن غيره بسرعة التسييل عند وجود أية مخاطر اقتصادية عالمية.
• المفهوم الرابع، إن القيود على انتاج المناجم سوف تؤثر على تدوير الذهب في الأسواق وبالتالي فهي تخدم الحفاظ على توازن السوق في المدى الطويل.
وكل تلك المفاهيم تؤكد أهمية الاستثمار في الذهب كملاذ آمن ضد أخطار الإقتصاد العالمي.
يذكر أن الذهب استقر عند 1194.8 دولارًا للأونصة لغاية كتابة هذا المقال (19 تشرين الثاني 2014).