أسماء لامعة

أسعد دياب صوت ارتفع للحق
إعداد: تريز منصور

صاحب إبتسامة دائمة، دمث الأخلاق لم يرتفع صوته إلا للحق. أفنى عمره في خدمة الدولة اللبنانية قاضياً ووزيراً ورئيساً للجامعة اللبنانية وعضواً في المجلس الدستوري. أغنى المكتبة القانونية اللبنانية والعربية بأحكامه ومؤلفاته ومحاضراته.
الصديق الصادق المحبوب من كل أقربائه ومعارفه، الرجل المحترم في كل الأوساط، الإنسان في تعاطيه مع الصغار والكبار. كان واحداً من الرواد في حقول حقوق الإنسان، إنه الوزير والقاضي الدكتور أسعد دياب.

 

من شمسطار
في شمسطار البقاعية ولد أسعد دياب العام 1938 في عائلة مؤلفة من خمسة أولاد هو أصغرهم. والده حسين دياب (مزارع) ووالدته زينب شحيتلي (ربة منزل). أحب العلم فتلقى علومه الإبتدائية في المدرسة الرسمية في بلدته شمسطار، حتى أنهى مرحلة «البريڤيه»، ثم انتقل الى بيروت وتابع دراسته في ثانوية «البر والإحسان» في محلة الطريق الجديدة.
درس الحقوق في جامعة القديس يوسف التي نال منها إجازة العام 1962، وبعدها حاز دبلوماً في القانون الخاص، وآخر في القانون العام من كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية في الجامعة اللبنانية. وليتمكن من متابعة تحصيله العلمي، توظّف في البريد في بيروت، كما عمل مراقباً في إدارة الجمارك في المطار وكذلك في الزهراني.
العام 1964 تزوج من السيدة نجاة ناصر ورزقا ثلاثة أولاد، هشام (طبيب أسنان)، حسام (مستشار في وزارة الخارجية) وكريم (طبيب أطفال في ولاية أريزونا في الولايات المتحدة الأميركية).

 

«ريّس» على قوس المحكمة
تمتّعه بالشخصية الهادئة، وميله الى زرع الوفاق بين المتخاصمين، دفع بالدكتور أسعد دياب الى تحقيق حلم حياته العام 1964، حيث انتمى الى الجسم القضائي، وبقي في ظلاله تسعة وثلاثين عاماً، شاغلاً المراكز المهمة في أدق وأحرج فترة من عمر لبنان، وكان الصامت الأكبر والصابر على هموم اللبنانيين وأوجاعهم. حمل قضاياهم ومنحهم الحق. لم يتأفف يوماً أو يرفض ملفاً تحوّل الى محكمته أو أجّله، لم يقصّر يوماً في تأدية واجبه، على الرغم من القصف والإغتيالات والتهديدات التي تعرّض لها.
المراكز القضائية التي شغلها هي: عضوية محكمة التجارة في بيروت (بين العامين 1966 و1968)، وعضوية محكمة البداية الناظرة في الأمور المالية والعقارية (بين العامين 1968 و1970)، وقاض عقاري (بين العامين 1971 و1973)، ومستشار في محكمة الجنايات في لبنان الشمالي (العام 1973)، ورئيس محكمة بداية وقاضي تحقيق في طرابلس في آن معاً (بين العامين 1973 و1978)، ومدير معهد الدروس القضائية (بين العامين 1978 و1984)، وقاضي تحقيق عسكري في المحكمة العسكرية (بين العامين 1978 و1991)، ورئيس معهد الدروس القضائية (بين العامين 1984 و1992)، ورئيس محكمة المصارف الخاصة (بين العامين 1991 و1992)، وعضوية المجلس الدستوري (العام 2009).
كشف «الريّس» أسعد دياب على مذبحة صبرا وشاتيلا، وحقّق في قضايا وجرائم أخرى استحوذت اهتمام الرأي العام اللبناني.
حكم الدكتور أسعد دياب «باسم الشعب اللبناني» في غير محكمة وكبرت بوجوده فيها وعلى قوسها، وميّز نفسه عمن كان معه في المحكمة باستخدام قلم أسود اللون في كتابة قراراته وأحكامه، كي يدلّل على أنه صاغ الحكم بمفرده حتى ولو ناقشه مع زميليه في غرفة المذاكرة قبل إصداره رسمياً.
ولا بد من الإشارة الى أن القاضي أسعد دياب خرّج نحو 250 قاضياً من معهد الدروس القضائية، كما أنه كان منتسباً في الوقت ذاته الى كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية، حيث تابع دراساته العليا في الحقوق وحاز شهادة الدكتوراه في القانون المدني. وبعدها مارس مهنة التعليم في كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية في صيدا وكذلك في بيروت، بين 1978 و2002.

 

الى الوزارة
من معهد الدروس القضائية انتقل أسعد دياب الى الحكومة العام 1992، حيث عيّن وزيراً للمالية واستمر في منصبه لمدة ثمانية أشهر أي لغاية 31 تشرين الأول من العام نفسه.
أوصله اندفاعه الى التربية التي كان يعتبرها مدماكاً أساسياً للوحدة الوطنية، فترأس جامعة الفقراء (اللبنانية) العام 1993، التي حمل همومها وشجونها بصبر وأناة، وكانت بصماته واضحة عليها على مدى سبع سنوات، إن لناحية منع المظاهر الحزبية في حرم كلياتها وتوحيد الجامعة، أو لناحية فتح القنوات بين مختلف الكليات، حيث عيّن مدراء من كل الطوائف في الكليات المنتشرة على الأراضي اللبنانية كافة.
كانت طموحاته كبيرة ومشاريعه للجامعة أكبر ولكنه لم يحقّق منها سوى 10 في المئة، وكان أهمها توقيع إتفاقيات مع العديد من الجامعات العالمية لا سيما في فرنسا وكندا. كما كانت له اليد البيضاء في إنشاء مدينة رفيق الحريري الجامعية في منطقة الحدث، كما أنه سعى كثيراً الى تأمين قطعة أرض في زحلة لبناء مجمّع مماثل في عهد الرئيس الياس الهراوي. وكان يصرّ على أن يضع طلاب الهندسة الخرائط اللازمة للمشروع، وأن يشرف الأساتذة على تنفيذه، ولكن لم يحالفه الحظ في تحقيق هذا الحلم.
عيّن وزيراً للشؤون الإجتماعية في 26 تشرين الأول من العام 2000 حتى 26 تشرين الأول من العام 2004.
سعى الوزير والقاضي الدكتور أسعد دياب في وزارة الشؤون الإجتماعية الى تعزيز دور العمل الإجتماعي والمستوصفات الصحية، كما أنشأ مركزاً نموذجياً للشؤون الإجتماعية في بلدته شمسطار.
ويُخبر أصدقاؤه أنه عندما عُيّن وزيراً، بكى وقال: «لا أريد مفارقة هذه الجامعة التي أمضيت فيها ثماني سنوات من عمري، فالأمر كمن يُخرجني من جسمي».

 

المجلس الدستوري
بعد الوزارة، لم يتوقف طموح الدكتور أسعد دياب، ولا خفّ نشاطه، بل إنه أسس مكتباً للإستشارات القانونية، واستمر في التدريس في الجامعة الإسلامية، وكان عضواً في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة ومن مؤسسيها، ورئيساً للمجمع الثقافي العربي، وعضواً في الجمعية الإسلامية للتخصّص والتعليم العالي.
في أيار 2009 عيّن عضواً في المجلس الدستوري، وقد حضر بعض اجتماعاته، وكان آخرها يوم إصدار نتائج الطعون بالإنتخابات النيابية، ومن ثم زار برفقة أعضاء المجلس الرئيس العماد ميشال سليمان لتهنئته بالأعياد المجيدة، وفور انتهاء الزيارة توجّه مباشرة الى مستشفى الجامعة الأميركية، حيث فارق الحياة في 3 شباط 2010 في بيروت، بعد صراع مع مرض عضال دام نحو شهرين.
أسعد دياب إبن بلدة شمسطار، افتخرت به البلدة البقاعية الطيبة، كواحد من الأوائل الذين حملوا شهادة الدكتوراه في منطقة كان العلم فيها كالعملة النادرة. وافتخرت به أكثر قاضياً تقلّب في مناصب عدة.
أسعد دياب، الذي تراكمت ألقابه، وتكاثرت مسؤولياته، قاضياً ووزيراً ورئيساً للجامعة اللبنانية، كان كل همّه أن يكون أخاً دائماً للطيبين، ورفيقاً وفياً للصدوقين، مهما دارت رحى الأيام، وتقلّبت دواليب الأحوال. علّم طلابه، ووجّههم كي يحفظوا عن ظهر قلب، «أن لا يسعوا الى مناصب، وأن لا يتهرّبوا من واجب».
كرّمته الجامعة اللبنانية والجسم القضائي في احتفال أقيم في مدينة رفيق الحريري الجامعية في شهر نيسان الفائت، ثم أُعلن عن إطلاق إسمه على مكتبة كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية في مدينة رفيق الحريري الجامعية تكريماً لذكراه، وهو الذي أغنى هذه المكتبة بمؤلفاته ومحاضراته القانونية القيّمة.

 

الجوائز والأوسمة
نال الدكتور أسعد دياب العديد من الجوائز والأوسمة منها:
- وسام الأرز من رتبة كومندور من رئيس الجمهورية السابق العماد إميل لحود.
- وسام الإستحقاق المذهّب، قلّده إياه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان يوم مراسم الدفن.

 

مؤلفاته
توّج إرثه المهني بأربعة مؤلفات قانونية هي:
- «ضمان عيوب المبيع الخفيّة».
- «السجل العقاري والتحديد والتحرير».
- «التأمينات العينية».
- «العقود الخاصة».
بالإضافة الى مئات المقالات والمحاضرات في المواضيع القانونية شتى.