تقنيات التسلح

أسلحة الدمار الشامل الإسرائيلية

عامل بالغ الـخطورة في زعزعة الأمن والإستقرار في الشرق الأوسط

في أواخر الأربعينات من القرن الماضي أطلق الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة برنامجه النووي، ففي العام 1949، وقبل مضي عام واحد على إنشاء دولة إسرائيل، قام دافيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لهذه الدولة، بتشكيل مجلس علمي بإدارة أرنست دافيد برغمان للإشراف على أبحاث الطاقة النووية. وقد تبع المجلس مباشرة لمكتب رئيس الوزراء بهدف إبعاده عن الروتين الإداري، وإعطائه أقصى قدر ممكن من التسهيلات والإمكانيات. وفي الـعام نفسه تم إنشاء قسم الأبحاث للنظـائر المشعّة في مـعهد وايزمـان في رامابون، وكان يضم أربعة مختبرات تبحث في مجال الفيزياء النووية والتحليل الطيفي والإلكترونيات والرنين المغناطيسي. شارك كل من حاييم وايزمن أول رئيس دولة لإسرائيل ودافيد بن غوريون في إحضار عدد كبير من العلماء اليهود من الدول الغربية الى إسرائيل، للمساهمة في عملية إنماء وتطوير البحث العلمي في مجال الطاقة النووية. كما تم إرسال عدد كبير من الطلبة والدارسين الى مختلف الدول المتقدمة للتحصيل العلمي وإكمال الدراسات التي تخدم الهدف الإسرائيلي الكبير، وهو السلاح النووي.

 

 البرنامج النووي الإسرائيلي

في العام 1952 أنشأ برغمان لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية، وفي العام 1955 وقّعت إسرائيل اتفاق تعاون نووي مع فرنسا، وشاركت بفعالية في برنامج الأسلحة النووية الفرنسية. في العام 1957 بدأت إسرائيل بناء أول مفاعل نووي بمساعدة خبراء وشركات أميركية. أقيم المفاعل شمال مستوطنة ريشون ليشيون، وبلغت قوته 8 ميغاوات. وكان يعمل على وقود الأورانيوم ويستخدم في الأبحاث العلمية، وإنتاج النظائر المشعة. بعد أعوام قليلة1957 زوّدت الولايات المتحدة الأميركية إسرائيل بمفاعل صغير قوته 5 ميغاوات للأبحاث النووية، تم تركيبه في ناحال سوريك غربي مستوطنة حوفوت، بالإضافة الى كميات من الأورانيوم المخصّب، وأجهزة تحكّم ومراقبة، ومئات الكريتونز (وهي مفاتيح فائقة السرعة تستعمل في تطوير القنابل النووية) . وفي العام 1963 أنشئ مفاعل ديمونا النووي في صحراء النقب، بمساعدة تقنية من فرنسا وبتمويل من الولايات المتحدة الأميركية. الموقع تم اختياره بعناية، بين مصر والأردن والأراضي الفلسطينية الخاضعة للسلطة الوطنية في الضفة الغربية وقطاع غزة. أما المفاعل فكان بقوة 24 ميغاوات، يستخدم الأورانيوم كوقود وينتج النظائر المشعة التي تستعمل في صناعة القنابل النووية. بدأ مفاعل ديمونا مرحلة إنتاج الماء الثقيل والأورانيوم المخصّب في العام 1964، وبعدها بقليل بدأت مرحلة إعادة معالجة البلوتينيوم. وفي 2 تشرين الثاني 1966 نفّذت إسرائيل أول تجربة نووية في صحراء النقب. وفي العام 1979 أجرت تجربة ثانية بالإشتراك مع جنوب إفريقيا في المحيط الهندي. واجهت إسرائيل في البداية مشكلة تأمين مادة الأورانيوم لمفاعلها النووي، حيث كانت الكميات المتوفرة منها في صحراء النقب، غير كافية لتلبية حاجة البرنامج النووي الذي تطوّر بسرعة. ولذلك تعاونت سراً مع فرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة للحصول على الكميات المطلوبة من الأورانيوم، من خلال عمليات أمنية مشبوهة، جرى التعتيم عليها في هذه البلدان. وتمكنت إسرائيل من حل هذه المشكلة باتفاق تعاون مع جنوب إفريقيا، يقضي بأن تقدم إسرائيل التكنولوجيا والخبرة مقابل الحصول على مادة الأورانيوم، ومنذ العام 1971 أصبحت إسرائيل تنتج ما يكفي حاجتها من الأورانيوم كناتج ثانوي من الفوسفات. في العام 1966 أنشأت إسرائيل مفاعل (روبين) لإنتاج الطاقة الكهربائية وتحلية المياه، بطاقة مقدارها 200 مليون وات. طوّرت إسرائيل قدرة مفاعل ديمونا على مراحل عدة، حتى بلغت 150 ميغاوات عام 1985، وأنشأت في الفترة الممتدة ما بين 1981-1983 وحدات لإنتاج الليثيوم والدوتريوم والتريتيوم، وذلك بدعم مادي وتقني من الولايات المتحدة الأميركية. ولا تزال عملية نقل التكنولوجيا الأميركية الحديثة الى إسرائيل مستمرة حتى الآن وبدون أية قيود. وقد أصبحت إسرائيل تنتج حالياً من المواد المشعة ما يكفي لصناعة من 10 الى 12 قنبلة نووية سنوياً، وهي تسعى حالياً لإنشاء مفاعل نووي جديد.

 

 ترسانة إسرائيل النووية

 بناءً على المعلومات التي أدلى بها التقني النووي الإسرائيلي مردخاي فنونو عام 1986، وعلى التقارير الاستخباراتية المتوفرة حول الأسلحة النووية الإسرائيلية، فإن الحجم الإجمالي للترسانة النووية الإسرائيلية يقدّر اليوم بحوالى 500 رأس نووي من مختلف العيارات، والقسم الأكبر من هذه الرؤوس هو النوع الحراري المتطوّر جداً ومن العيار الصغير، وهي مصممة خصيصاً للاستخدام في منطقة الشرق الأوسط. ويمكن توزيعها على النحو التالي:

- ­ رؤوس كبيرة العيار لتدمير المدن.

- ­ رؤوس متوسطة العيار لتدمير الأهداف الحيوية والإستراتيجية.

- ­ رؤوس تكتيكية صغيرة العيار للاستخدام ضد القوات.

- ­ رؤوس نيترونية.

 

* وسائط الإلقاء:

- طائرات قاذفة من نوع F16     فالكون أميركية الصنع. ­

 - طائرات قاذفة من نوع  F-4 E    فانتوم أميركية الصنع.                

- ­ صاروخ "أريحا 1"، أرض ­ أرض، مداه 500 كلم، من صنع إسرائيلي (100صاروخ) .

­- صاروخ "أريحا 2"، أرض ­ أرض، مداه 1000كلم، من صنع إسرائيلي (أكثر من 50 صاروخ)

- ­ صاروخ "أريحا 3"، أرض ­ أرض، مداه 4800 كلم، من صنع إسرائيلي.

-  ­ صاروخ "شافيت"، أرض ­ أرض، مداه حتى 7500 كلم، من صنع إسرائيلي.

- ­ صاروخ "لانس"، أرض ­ أرض، مداه 110 كلم، أميركي الصنع.

- ­ صاروخ كروز ­ توماهوك يطلق من الغواصات، مداه حتى 2500 كلم، أميركي الصنع.

- ­ صاروخ هاربون يطلق من الغواصات، مداه 130 كلم، أميركي الصنع.

- ­ مدفعية من عيار 175 ملم و203 ملم.

 الى ذلك لدى إسرائيل 5 غواصات نوع "دولفن" ألمانية الصنع مجهزة بقواعد إطلاق صواريخ تحمل رؤوساً نووية.

 

 استراتيجية إسرائيل النووية

 قال إسرائيل شهاك (أحد كبار الإستراتيجيين الإسرائيليين) : الرغبة في السلام، التي يفترض دائماً بأنها الهدف الإسرائيلي، هي ليست برأيي أساس السياسة الإسرائيلية، بل إن الرغبة في توسيع سيطرة إسرائيل ونفوذها هي الأساس. إسرائيل تحضّر لخوض حرب نووية إذا لزم الأمر، في سبيل تفادي أي تغيير ديموغرافي قد يحصل في أية دولة أو بعض دول الشرق الأوسط... ولا يكون لمصلتحها، وإسرائيل تحضّر نفسها علناً لتحقيق السيطرة على كامل منطقة الشرق الأوسط... من دون أن تتردد في استعمال أية وسيلة متاحة أمامها للوصول الى هذا الغرض، بما فيها استخدام الأسلحة النووية. أما شيمون بيريس (عرّاب الأسلحة النووية الإسرائيلية) فقد صرح قائلاً: "إن امتلاك نظام أسلحة نووية متفوّق يعني إمكانية تحقيق أغراض ملزمة، بما معناه إكراه الجانب الآخر على القبول بالمطالب السياسية الإسرائيلية". وفي معرض الدفاع عن السياسة الإسرائيلية، قال روبرت تاكر: "ما المانع لدى إسرائيل من اتباع سياسة الصقور، باستخدام الدرع النووي، فامتلاكها لتفوق نووي كاسح يسمح لها بأن تتصرف من دون النظر الى العواقب، حتى في ظل معارضة عالمية. فعلى سبيل المثال، غزو لبنان وتدمير بيروت عام 1988، الذي قاده آرييل شارون، وأدى الى قتل أكثر من 20 ألف شخص معظمهم من المدنيين.. لقد تمكنت إسرائيل من المضي بالحرب لعدة أشهر بفعل التهديد النووي". من جهته كتب فرانسيس بيران (المسؤول الأول عن البرنامج النووي الفرنسي) في العام 1956 قائلاً: "نحن نعتقد بأن القنبلة النووية الإسرائيلية تستهدف الأميركيين، ليس لإطلاعها عليهم، بل للقول لهم، إذا لم ترغبوا بمساعدتنا في وضع حرج فسنلزمكم بذلك، وإلا سنستعمل قنابلنا النووية". الخبير العسكري زائيف شيف كتب بدوره في صحيفة "هآرتس" قائلاً: "من يعتقد بأن إسرائيل ستوقّع يوماً على معاهدة الأمم المتحدة حول منع إنتشار الأسلحة النووية... فهو حالم حتماً". استناداً الى هذه الأقوال، والى سلوك القادة الصهاينة السياسيين والعسكريين والى المعلومات المتوافرة، يمكن تحديد الإستراتيجية النووية الإسرائيلية على النحو التالي:

- ­ اعتبار السلاح النووي من الركائز الأساسية التي تعتمد عليها سياسة إسرائيل في فرض وجودها على الوطن العربي، وتحقيق أهدافها التوسعية والتطلع الى إسرائيل الكبرى كدولة عظمى إقليمية مهيمنة على منطقة الشرق الأوسط بكاملها.

-­ لم يعد السلاح النووي الملاذ الأخير لإسرائيل للدفاع عن كيانها ووجودها، بل أصبح في صلب الإستراتيجية السياسية والعسكرية للدولة العبرية، وإحدى أهم وسائلها المتاحة.

- ­ تعتمد إسرائيل حالياً مبدأ الردع النووي باليقين، وذلك منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي، بعد أن كانت سابقاً في مرحلة الردع النووي بالشكّ.

- ­ استخدام السلاح النووي الإسرائيلي ضمن مفهوم الإكراه غير التقليدي، لإلزام الجانب الآخر بقبول المطالب السياسية الإسرائيلية.

-­ اعتماد مبدأ التهديد باستخدام السلاح النووي للضغط على الولايات المتحدة الأميركية لتأمين المصالح الإسرائيلية، السياسية، الأمنية والعسكرية وحتى الإقتصادية.

- ­ لن تُوقّع إسرائيل على معاهدة منع إنتشار الأسلحة النووية، وفي الوقت نفسه تعمل مع أصدقائها على نزع أسلحة الدمار الشامل من كافة دول المنطقة، وعلى منع أي منها من امتلاك السلاح النووي.

إن تركيز الجهود الدولية على نزع أسلحة الدمار الشامل من جميع دول منطقة الشرق الأوسط باستثناء إسرائيل يأتي خدمة لمصالح الكيان الصهيوني ودعماً لسياسته العدوانية والتوسعية الكيان الصهيوني القائم في فلسطين المحتلة يشكل عائقاً بارزاً أمام المساعي الدولية للحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل.

 

الأسلحة الكيميائية والبيولوجية

مما لك شك فيه أن إسرائيل تمتلك حالياً ترسانة كبيرة من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية مع أنظمة إسقاطها الحديثة والمتطوّرة.

 

●الأسلحة الكيميائية:

 في مجال السلاح الكيميائي، حققت إسرائيل درجة عالية من التقدم التكنولوجي مستفيدة من الخبرات الأميركية. ولديها مصنع لإنتاج الغازات الحربية على أنواعها في شرقي مدينة الناصرة في المنطقة الشمالية من فلسطين المحتلة، بالإضافة الى العديد من المصانع الكيميائية التي تنتج المبيدات الحشرية والأدوية، وبإمكانها تصنيع الغازات السامة ذات الإستخدام العسكري.

 وتفيد المعلومات أن اسرائيل تنتج الأسلحة الكيميائية التالية: ­

- غازات الأعصاب من نوع زارين- ­ VX. ­

- غاز الخردل النيتروجيني، من العوامل الباعثة للبثور.

- ­ الغازات الخانقة من نوع فوسجين.

- غازات شل القدرة وذات التأثير النفسي من نوع BZ.

 

●الأسلحة البيولوجية:

بالنسبة للأسلحة البيولوجية، فلدى إسرائيل العديد من مراكز الأبحاث البكتريولوجية ويشارك علماؤها في هذه الأبحاث على النطاق العالمي. ومن المؤكد أن جميع العناصر الجرثومية وسمومها تُنتج في معهد "نيس تيزيونا البيولوجي" الإسرائيلي. في العام 1998 نشرت صحيفة "الساندي تايمز" تقريراً يفيد بأن إسرائيل باشرت في تطوير القنبلة العرقية، باستثمار التقدم في علم الجينات لتوليد جرثومة أو فيروس معدّل جينياً يهاجم الأشخاص الذين يحملون جينات مميزة. يتضح تماماً من خلال حجم الترسانة الإسرائيلية من أسحلة الدمار الشامل، ومن خلال استراتيجية إسرائيل النووية، وعدم توقيعها على أي من المعاهدات الدولية والإقليمية المتعلقة بحظر هذه الأسلحة، بأن هذا الكيان الصهيوني القائم في فلسطين المحتلة يشكل عائقاً بارزاً أمام المساعي الدولية للحد من إنتشار أسلحة الدمار الشامل، وعاملاً بالغ الخطورة في زعزعة الأمن والإستقرار في الشرق الأوسط والعالم بأسره، وتهديداً مباشراً للأمن القومي العربي.

وكذلك الأمـر فإن تركيز الجهود الدولية ولا سيـما الولايات المتحدة الأميركية في هذه الفـترة، على نـزع أسلحة الدمار الشامل من جميع دول منطقة الشرق الأوسط باستثناء إسرائيل، يأتي خدمة لمصالح الكيان الصهيوني ودعماً لسياسته العدوانية والتوسعية، وفرض هيمنته على المنطقة.