خواطر

أطلق نيرانك... لا ترحم
إعداد: العقيد الركن حسن جوني

إلى ذلك الخفير البطل، المتمركز على مرتفعات السلسلة الشرقية لجبال لبنان وفي ثغورها، أقول... وإلى كل ضميرٍ حيّ في هذا الوطن الغالي.

 

أيها البطل الصامد في وجه الوحش والتوحش الذي ما فتىء يحاول مرة بعد مرة اختراقَ حدود قرانا الهادئة وتدنيس ترابنا الطاهر وتلويث هوائنا النقي بما يمثّله من قذارة وتخلّف.
أيها البطل المتمسِّك بأسنان الصخور وبنتوءاتها، على حدَّتِها وقساوتِها، بيديكَ اللَّتين قبَّلتهما أمُّك ألف مرة ومرة حين كنت طفلًا حتى أصبحَت رجلًا كما أنت عليه اليوم، ونعمَ الرجال!
أيها البطل الممسك بسلاح الشرف والتضحية والوفاء وإصبعُكَ جاهزٌ أبدًا على الزناد وعيناكَ شاخصتان باتجاه الشرق بثبات، لا تطرفان لحظة، وأنت تراقب المدى والفراغ المخيف وتنصت بحذر إلى هدوئِهِ المقلق!
أيها البطل، هل تعلم أنك بوقفتِكَ الشامخة هذه وبصمودك الأُسطوري هذا، إنما تشكِّلُ درعًا واقيًا لكل الشعب اللبناني، بل للجمهورية اللبنانية بمفهومِها الدستوري، وببعديها التاريخي والجغرافي؟

 

هل تعلم أنك بوقفتك هذه إنما تسكن وجدان جميع اللبنانيين على اختلاف مذاهبهم وألوانهم؟ وأنهم إذا ما ناموا وغفت عيونهم وعيون اطفالهم في مضاجعها، فلأنهم يثقون بكَ وبيقظتِكَ وببندقيتكَ وبنيرانك؟ ولولا ثقتهم هذه لما تمكنوا من النوم لحظةً واحدة وفي مخيلتهم صورٌ عن وحشيةٍ يتعمَّدُ الإرهاب نشرَها ليبثَّ رعبه في النفوس. على الرغم من هذه الصور المرعبة وهذا القلق وهذا التحدي للمشاعر الإنسانية، إنهم ينامون ملء جفونِهم إلى جانب اطفالهم الذين يحلمون بمستقبلٍ جميلٍ في وطنٍ جميل. وهل تعلم أن هذا الحلم البريء يمر تحقيقه بتمسُّكِكَ أنت بهذه الصخور وبتصلُّبِكَ في الدفاع عنها وبثباتِكَ بوجه هؤلاء الاشرار؟
هل تعلم، أنك بوجودِك على حدود الوطن، حارسًا له مدافعًا عنه، تكبر جدًا في عين المواطن وأنت أصلًا فيها كبير؟ وأنك تكبر في أعين الامهات اللواتي يقلقنَ عليك كما تقلق أمُّكَ؟ وأن كلّ اسرةٍ لبنانية مجتمعةٍ حول مائدة العشاء أو حول التلفاز إنما تشعر بأن أحد افرادها ليس بينها، لأنه في مكان ما يحرس أمنها؟ هذه العائلات المتحلِّقة حول المدفأة تشعر بالبرودةِ التي تقتحمُ عظامَكَ وأنت الصامدُ الصابرُ لا تأبه ولا تهتز، وعند تناولها لذيذ الطعام، تشعر بطعم علبةِ التونا التي تتقاسمها أنت مع رفاقِكَ، على سُفرةٍ ميدانية يستضيفها جزء ٍمسطحٍ من صخرةٍ صلبة قديمةٍ قِدَمَ النضال في هذا الوطن ولأجلِهِ. صخرة «تتونّس» بوجودكم وتسرّ، ومعكم تتضامن.

 

أيها البطل... ورفاقك الأبطال... نعم إلى هذا الحد مهمتك مقدّسة! فأنت الآن القضية ومحورها وأول القصة وآخرها، وأنت ورفاقُكَ تكتبون فصلًا أساسيًا من تاريخ لبنان، فصل جديد لا يقل أهميةً عن فصل الاستقلال. أنت الآن لست على حدود عرسال أو رأس بعلبك أو أي جردٍ من جرود جبالنا وقرانا فحسب، بل على حدود الخريطة اللبنانية. وأمامك ممحاةٌ قذرة، قادمةٌ من حقدٍ وإجرام، مكونةٌ من ذراتٍ متراصة من الجهل والتخلف الخطريْن ومن طبقاتٍ متراكمة من شُذّاذ الآفاق، الذين لفظتهُم مجتمعاتُهم وطردتهم الحضارةُ.
هؤلاء يشكّلون تلك الممحاة التي تقترب من حدود خريطة الوطن لتمحوها وتمحو كل معالم الحضارة والإنسانية، التي تعاقبت على بنائها اجيالٌ متتالية من البشرية.
تلك الممحاة لن يتوقَّفَ شرُّها إلّا إذا أنت ثبتّ مكانَكَ أيها البطل، وأطلقتَ نيرانك باتجاهِها، وأفرغت ذخيرتَك بجسَدِها العفن، وفجرتَها أي تفجير... لتتناثر ذرات صغيرة وتندثر... وإلا فهي قادمة إلينا لتمحو كل شيء في هذا الوطن بدءًا من حدوده مرورًا بجبالِهِ ومدنِهِ وصولًا إلى بحرِه.
أيها البطل... لا لن تسمح لهذه الممحاة أن تعبرَ ولن تسمح لها أن تعودَ سالمةً لتمحو حضارة أخرى في مكان آخر!