أعمال إسرائيل الانتقاميّة ضدّ لبنان («عقيدة الضاحِيَة» نموذجًا)

أعمال إسرائيل الانتقاميّة ضدّ لبنان («عقيدة الضاحِيَة» نموذجًا)
إعداد: د. طارق المجذوب
دكتوراه في القانون وبكالوريوس في الهندسة

مقدّمة

منذ «توقُّف الأعمال القتاليّة بشكل تام»[1] في الرابع عشر من شهر آب/ أغسطس 2006، عمدت دوائر التخطيط الاستراتيجي في إسرائيل[2] إلى دراسة التقصيرات أو الثُغر الميدانيّة والأمنيّة والعسكريّة التي برزت خلال حرب لبنان الثانية[3] (مثل استنفاد بنك الأهداف اللبناني وفشل الخطط العسكريّة القتاليّة وهشاشة الجبهة الداخلية الإسرائيلية)، وشرعت من ثمّ بوضع «عقيدة دفاعيّة جديدة»[4] ترسم نهج الجيش في حروبه المُقبلة[5].

 

وفي 3/ 10/ 2008 دعا قائد المنطقة العسكرية الشمالية آنذاك، اللواء غادي أيزنكوت، إلى تدمير أي قرية لبنانيّة يتمّ منها إطلاق النار على إسرائيل. «أنا أُسمّي ذلك عقيدة الضاحية[6] (أو استراتيجيا الضاحية أو نهج الضاحية). إنّ ما حدث في الضاحية الجنوبيّة لبيروت، خلال حرب لبنان الثانية في العام 2006، هو ما سيحدث أيضًا في أي قرية (لبنانيّة) يُطلق منها النار على إسرائيل. سنُفعِّل ضدّها قوّة غير مُتكافئة (أو مُتناسبة)، وسنُلحق بها ضررًا ودمارًا هائلين. إنّ الحديث، من جانبنا، يدور على قواعد عسكريّة، لا على قرى مدنيّة»[7]. وعند سؤاله عن وجود توصية لهيئة الأركان العامة والمؤسَّسة السياسيّة بإنزال أقصى عقوبة بأي قرية لبنانيّة تُطلق منها النيران على إسرائيل، أجاب: «هذه ليست توصية. إنها خطة، وقد أُقرَّت»[8]. و«إذا ما أُطلقت النيران من داخل القرى الشيعيّة في لبنان فإنّ أوامر القيادة هي إطلاق نيران تدميريّة للغاية... إنّ حزب الله يُدرك جيدًا أنّ قيامه بإطلاق النار من داخل القرى سيؤدّي إلى تدميرها تدميرًا تامًا. على (السيد حسن) نصر الله، قبل أن يُصدر الأوامر بإطلاق النار على إسرائيل، أن يُفكِّر ثلاثين مرّة في ما إذا كان يرغب في تدمير قاعدة تأييده الشعبيّة في تلك القرى. هذه ليست مسألة نظرية بالنسبة إليه. إنّ إمكان تعرُّض المدنيين لأضرار كبيرة هو الكابح الأساسي لـ(السيد حسن) نصر الله، وهو سبب الهدوء خلال العامين المُنصرمين»[9].

 

بهذه العبارات التي لا لَبْس فيها، إستخلص قائد المنطقة العسكرية الشمالية العبرة الرئيسة من حرب لبنان الثانية. وشغل غادي أيزنكوت منصب رئيس شعبة العمليات في هيئة الأركان العامة وخلالها تلك الحرب. وكان مُنهمكًا، منذ أن حلّ محلّ اللواء أودي آدم المُستقيل، من تصحيح الأخطاء الجسيمة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي، قبل الحرب وخلالها. وبحسب ما نُقل عنه، فقد أخفقت إسرائيل في أمرين: «عدم تقصير أمد الحرب من ناحية أولى؛ وإتاحة المجال، طوال 33 يومًا، لشنّ هجمات بالصواريخ على إسرائيل وإطلاق النار على نطاق غير مسبوق منذ حرب الاستقلال (العام 1948) من ناحية ثانية»[10]. أمّا النتيجة التي يصل إليها فهي أنه يجب أن يتمّ حسم الحرب المُقبلة سريعًا مع استخدام مُفرط للقوّة، من دون الإلتفات إلى ردّة فعل الرأي العام الدولي. فـ«لدينا القدرة على القيام بذلك. ولدينا قوّة كبيرة، مُقارنة بما كان سابقًا. وليس لديّ أي أعذار لعدم تحقيق الأهداف التي سأُكلَّف بإنجازها»[11].

 

والأسلوب الذي ستتَّبعه إسرائيل، إذًا، لمُجابهة تعاظم قوة المقاومة ومنع نشاطها هو الردّ العنيف غير المُتكافئ مع الأضرار التي يُحدثها رجال المُقاومة. وسيتجلّى هذا الردّ، في المستقبل، بحملات انتقاميّة تشنُّها إسرائيل، جوًا وبرًا، ضدّ أيّ قرية أو مدينة لبنانيّة تختارها السلطات الاسرائيليّة وتتَّهمها بأنها كانت مركزًا لتجمُّع المقاومين ومُنطلقًا لأعمالهم.

 

إنّ «عقيدة الضاحية» الصهيونيّة ترتبط ارتباطًا عضويًا بمسألة الأطماع الإسرائيلية الحاليّة والمُستقبليّة في لبنان. ولهذه العقيدة أبعاد وجوانب وانعكاسات مُتعدِّدة يصعب علينا، في بحث واحد، الإلمام بها جميعًا. سنكتفي بالتركيز، بشكل أساسي، على الجانب القانوني منها[12]. ولكنّنا سنُلقي، أولًا، نظرة سريعة على المراحل والتطورات التي مرّت بها «عقيدة الضاحية» الصهيونيّة وأخواتها («إستراتيجيا الضاحية» أو «نهج الضاحية») في الأقوال وبعض الأفعال الإسرائيليّة. ونستعرض، ثانيًا، ماهيّة الأعمال الإنتقامية وغيرها من التدابير الإكراهيّة وشروط مُمارسة الأعمال الإنتقاميّة في زمن السلم والحرب والاتجاه نحو تحريم التدابير الإنتقامية في العلاقات الدوليّة وتطبيقها على الحالة اللبنانية. ونقول كلمة موجزة، ثالثًا، في القانون الدولي العام وتدابير إسرائيل الانتقاميّة ضدّ لبنان. ونُحدِّد، رابعًا، كيفيّة إلزام إسرائيل احترام حقوق لبنان أو كيف يُمكن فرض قواعد القانون الدولي على إسرائيل. ونعرض، خامسًا، لخطة عمل لبنانية مُقترحة لمُواجهة أعمال إسرائيل الإنتقاميّة المُتوقَّعة[13].

 

أولًا: «عقيدة الضاحية» وأخواتها في الأقوال وبعض الأفعال الإسرائيليّة

إستعادت صحيفة هآرتس في 5/ 10/ 2008 مضمون ما قاله قائد المنطقة الشمالية وأوردته على الشكل التالي: عرض قائد المنطقة الشمالية اللواء غادي أيزنكوت أول أمس في مُقابلة مع صحيفة يديعوت أحرونوت ما يصفه بـ«نهج الضاحية»، فقال إنّ إسرائيل ستُوسِّع، في المُواجهة المُقبلة، القوّة التدميريّة التي استخدمتها قبل عامين ضدّ الضاحية، الحي الشيعي في بيروت: «سنستخدم قوّة غير مُتكافئة ضدّ كل قرية تُطلَق منها النار على إسرائيل، وسنُلحق بها ضررًا ودمارًا هائلين. إنّها، من وجهة نظرنا، قواعد عسكريّة». إنّ أيزنكوت يتحدَّث عن تدمير القرى الشيعيّة في الجنوب (...). وقال: «هذه ليست توصية، إنها خطة وقد أُقرَّت»[14].

 

ولا تُعتبر هذه التصريحات زلّة لسان هوجاء لضابط عسكري رفيع المستوى (اللواء غادي أيزنكوت)، وإنّما استراتيجيا جديدة مُقرَّة. وفي واقع الأمر، فإنّ إسرائيل لم تتبنّ «إستراتيجيا الضاحية» إزاء لبنان كله سابقًا، بسبب تمسُّكها بمُقاربة تُميِّز بين «لبنانيين أشرار» و «لبنانيين أخيار». غير أنّ لبنان أصبح في نظر إسرائيل، في الوقت الحالي، موقعًا إيرانيًا مُتقدِّمًا. ومن وجهة النظر الجديدة للإستراتيجيين الإسرائيليين فإنّ لبنان كله هو عدو لإسرائيل»[15]. ويُرجع الكاتب والمعلق السياسي، يارون لندن، «التغيير في الموقف الإسرائيلي (...) إلى إدراك القادة الإسرائيليين أنه يتعيَّن تحميل لبنان كله وزر ما يفعله قادته»[16].

 

وفسَّر الباحث في معهد أبحاث الأمن القومي بجامعة تل أبيب، العقيد في الإحتياط غبريئيل سيبوني، سبب التغيير الجوهري في مُقاربة قائد المنطقة الشمالية للتهديد الآتي من لبنان[17] في دراسة وضعها في شهر تشرين الأول/ أكتوبر [18]2008. وذهب الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي وكبير باحثي معهد أبحاث الأمن القومي بجامعة تل أبيب، اللواء في الإحتياط غيورا آيلاند، إلى أبعد من زميله في تحليله[19] عندما اعتبر أنّ إسرائيل فشلت في حرب لبنان الثانية وربما تفشل في الحرب الثالثة، لأنها تُحارب العدو الخطأ: حزب الله بدلًا من الدولة اللبنانيّة. ويقول في دراسته: «إنّ التحسُّن في قدرات حزب الله منذ تلك الحرب يُوازيه التحسُّن في قدرات الجيش الإسرائيلي. ولكن الأهم من ذلك: لا يُمكن التغلُّب على منظمة تخوض حرب عصابات، وتعمل في ظلّ رعاية دولة في مأمن من الردّ. وبالفعل فقد أعاد حزب الله بناء تحصيناته تحت القرى الشيعيّة في جنوب لبنان، ممّا سيُعيق قدرة الجيش الإسرائيلي على المناورة، كما أنّ الضربات المُركَّزة المُوجَّهة ضدّ مواقع إطلاق الصواريخ لن تنجح في خفض عدد الصواريخ التي ستتلقّاها إسرائيل إلى أقلّ من بضع عشرات من الصواريخ يوميًا»[20]. ويعتقد أنّ «حزب الله يعمل في ظروف مُثلى (...). فهناك في لبنان حكومة شرعية مدعومة من الغرب ولكنها، عمليًا، خاضعة كليًا لإرادة المنظمة الشيعية»[21]. ويقترح القيام بخطوة إستباقيّة من خلال «نقل رسالة إسرائيلية لا لَبْس فيها إلى الحكومة اللبنانية، منذ الآن، مضمونها هو أنّ الجيش اللبناني سيُدمَّر في الحرب المُقبلة، وستُدمَّر البنى التحتيّة المدنيّة، وسيتعرَّض السكان اللبنانيون للمُعاناة»[22].

 

ويخلص مُحلِّل الشؤون العسكريّة، عاموس هرئيل، في مقاله إلى التالي: «في حين يرى أيزنكوت وسيبوني ضرب الطائفة الشيعيّة أساسًا، يعتبر آيلاند البنى التحتيّة في لبنان هدفًا أساسيًا. إنّ الحل الذي يقترحه (آيلاند) يُذكِّر بما أراد رئيس الأركان السابق، دان حالوتس، تنفيذه خلال الحرب الأخيرة، غير أنّ معارضة الولايات المتحدة الحاسمة حالت دون ذلك»[23].

 

وفي وثيقة أعدَّتها المؤسّسة الأمنية في إسرائيل، والتي ضمَّنتها التحديات والتهديدات التي تواجه إسرائيل، تطرَّقت إلى سياسة الردّ العسكري التي يتعيَّن على إسرائيل اتِّباعها للتعامل مع حركة حماس أو حزب الله. وخلصت الوثيقة إلى أنه يتوجَّب على إسرائيل الإمتناع عن خوض حرب استنـزاف واللجوء إلى تكتيك الإحتواء في بادئ الأمر، وفي حال استمرّ التصعيد فعليها «دراسة الدخول في مواجهة واسعة كي تضرب العدو بشدَّة، وعليها إنهاء المواجهة خلال فترة قصيرة بنتائج واضحة قدر الإمكان»[24].

 

ويبدو أنّ مصطلح «عقيدة الضاحية» (أو «إستراتيجيا الضاحية» أو «نهج الضاحية») مُقدَّر له أن يتعمّق، مُستقبلًا، في الخطاب الأمني الإسرائيلي[25]. و«من الناحية العملية في إمكاننا القول إنّ جميع الفلسطينيين في غزّة هم خالد مشعل، وإنّ اللبنانيين كلهم هم (السيد) حسن نصر الله، وإنّ الإيرانيين كلهم هم محمود أحمدي نجاد. ومن المنطقي الإفتراض أننا لو اتبعنا «إستراتيجيا الضاحية» مُباشرة بعد الإنسحاب من لبنان لكُنّا وفَّرنا مُشكلات كثيرة على أنفسنا»[26].

 

تعتبر إسرائيل إذًا أنها تجنَّبت، خلال حرب لبنان الثانية، إلحاق الضرر بالبنية التحتيّة في لبنان. وستُحمِّل إسرائيل، مستقبلًا، الحكومة اللبنانيّة المسؤوليّة عن أي عمل يأتيه حزب الله ضدّ إسرائيل[27]. وهذا التوجّه يُمثِّل تغييرًا في السياسة الإسرائيلية التي كانت تفصل بين حزب الله والحكومة اللبنانية. ويعود ذلك إلى سببين: الأول هو أنّ حزب الله مُمثَّل في الحكومة اللبنانية، والثاني هو أن البيان الوزاري سمح للحزب بمواصلة نشاطه العسكري ضدّ إسرائيل[28].

 

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، إنّ «اندماج حزب الله في الدولة اللبنانيّة يجعل لبنان وبناه التحتيّة مُعرَّضة لضربات أشدّ في حال اندلاع مواجهة في المُستقبل»[29]. وأضاف أنّ «التماثل بين حزب الله ولبنان يضع البنى التحتيّة اللبنانية أمام مخاطر تعرُّضها لضربات أفدح ممّا جرى في السابق، في أي مواجهة مستقبليّة مع إسرائيل»[30].

 

نستنتج ممّا تقدَّم أنّ إسرائيل تدعو، في كل مرّة تقوم المقاومة بعملية ضدّها، إلى تدمير أي قرية لبنانيّة تُطلق منها النيران ومهاجمة البنى التحتيّة في لبنان، لأنّ تصعيدًا من هذا النوع لـ«عمليّات الردّ» (أي الأعمال الانتقامية)[31] يُجبر الحكومة اللبنانيّة على الخروج من عدم مُبالاتها فتُرسل قوّاتها الأمنيّة لقمع حزب الله وتتنكُّر، لاحقًا، لمقاومته. فالأيام الأولى من الأعمال الانتقاميّة الإسرائيلية ستكون ساحقة ماحقة للبنى التحتيّة في لبنان[32]، مثل تدمير معامل إنتاج الطاقة الكهربائيّة أو محطات تنقية المياه ومُعالجتها أو سنترالات الهاتف الثابت أو محطات الإرسال الخلويّة أو مستودعات الوقود (من نفط وغاز) في مناطق جغرافيّة مُعيَّنة بغية تأليب المُجتمع اللبناني بعضه على البعض الآخر، ومن ثمّ إثارة القلاقل ضمن بعض (أو بين) مُكوِّنات عائلاته الروحية.

 

ثانيًا: ماهيّة الأعمال الانتقامية

في السنوات القليلة الماضية، وخصوصًا بعد حرب تموز/ يوليو 2006، واشتداد عضد المقاومة في لبنان، عديدًا وعدّة، أخذت فكرة الإنتقام من المقاومة، ومن الدولة اللبنانيّة المُتَّهمة بحماية المقاومين، تتكرَّر في بيانات المسؤولين الإسرائيليين وتصريحاتهم.

 

وبما أنّنا نخوض معركة، ولا نُغالي إنْ قُلنا بأنّها معركة المصير اللبناني ضدّ إسرائيل، فإنّ الواجب يُحتِّم علينا التعرُّف إلى أبعاد هذه المعركة، والوقوف على كلّ المُخطَّطات العسكريّة التي تُعدُّها لنا إسرائيل، ومنها المُخطَّط الانتقامي الذي تستخدمه لتحقيق بعض أغراضها.

 

وكلّ دراسة لـ«عمليات الردّ» (أي الأعمال الانتقامية أو أعمال الانتقام) الإسرائيلية تنطلق من عقيدتها العسكرية – الإستراتيجيّة[33]. فالصهيونيّة ترتبط بالعنف ارتباطًا وثيقًا، بل إنّ العنف يُشكِّل جزءًا لا يتجزّأ من تفكير الحركة الصهيونيّة وتصرّفات زعمائها[34].

 

والأعمال الانتقامية هي تصرّفات معروفة منذ القدم، وكانت تشمل حجز المُمتلكات أو الأشخاص كردّ على خطأ اقتُرف من قبل دولة بحق الدولة التي تلجأ إلى هذه الأعمال. ففي العصور القديمة كان يحقّ للدولة أن تُفوِّض أحد رعاياها الانتقام بنفسه، إذا اعتُدي عليه في دولة أخرى، أي أنها تُفوِّض إليه القيام بالأعمال الانتقامية الخاصّة، كأن يقوم بالحجز على مُمتلكات رعايا الدولة المُعتدية[35]. غير أنّ هذا النوع من الانتقام إختفى مع الزمن واقتصر الانتقام على الأعمال التي تُنفِّذها الدولة بواسطة أجهزتها الرسمية.

 

وقد دأبت إسرائيل، منذ قيامها، على انتهاج مُخطّط واضح ينسجم مع مُنطلقاتها العقائديّة. وهذا المُخطّط يقضي، وبحجة الدفاع عن النفس، بقيام الجيش الإسرائيلي، في فترات زمنيّة مُتقاربة وتحقيقًا لمآرب خاصّة[36]، بأعمال إنتقاميّة ضخمة[37] ضدّ لبنان. وتدّعي إسرائيل دومًا أنّ تدابيرها الانتقامية أعمال مشروعة تهدف إلى الردّ على أعمال أخرى «غير مشروعة» سمح لبنان بانطلاقها من أرضه (عمليات المقاومة أو قيام عناصر غير مُنضبطين بإطلاق صواريخ الكاتيوشا، مثلًا)[38].

 

والأعمال الانتقامية التي تقوم بها دولة ضدّ دولة أخرى ليست بالحدث الجديد في ميدان العلاقات الدولية. ومن الأعمال الانتقامية التي كانت شائعة ومعروفة قبل نشوء عصبة الأمم: حجز سفن الدولة المُعتدية الراسية في موانئ الدولة المُعتدى عليها، إضافة إلى إنزال علمها؛ والقبض على سفن الدولة ومُمتلكاتها في أعالي البحار (البحر العام أو البحر العالي)؛ والحصار السلمي Pacific blockade (كمُحاصرة القوات البحرية لدولة موانئ دولة أخرى في زمن السلم)[39].

 

«وشدّة اللجوء إلى الأعمال الانتقامية في القرن التاسع عشر جعل منها أداةً وحشيّةً، ولكنّها فعّالة أحيانًا، لتأمين احترام قوانين الحرب[40]. وهي تقوم على مبدأ التبادل، ولكنّها لا تُساعد على إنشاء قانون إنساني. بل إنّها، في المُمارسة، تُؤدِّي إلى تضخيم انتهاكات قانون الحرب. وكان للجنة الدولية للصليب الأحمر الفضل في تضييق مشروعيّة اللجوء إليها في اتفاقيات جنيف للعام 1929. فالإتفاقية الرابعة للعام 1907، وكذلك اتفاقيتا 1864 و1906، لا تُشير إلى الأعمال الانتقاميّة»[41].

 

وجد الباحثون، بعد الحرب العالمية الأولى، أنّ العالم ورث من القانون العرفي طريقةً كانت معروفةً ومُستعملةً منذ القدم، هي طريقة اللجوء إلى الأعمال الانتقاميّة.

 

ومع توقيع عهد عصبة الأمم العام [42]1919 إزداد عدد الفقهاء المُنتقدين الأعمال الانتقامية[43] في ضوء نصّ المادة 12 التي عَدَّت التدابير العسكريّة البريّة والبحريّة والجويّة أعمالًا إنتقاميّة غير مشروعة إذا لُجئ إليها قبل اتخاذ الإجراءات السلميّة المنصوص عليها في العهد[44]. ثمّ جاء ميثاق لوكارنو  وميثاق كيلوغ - بريان[45] ليدعما حجج أنصار رافضي الأعمال الانتقامية؛ بيد أنّ عددًا آخر من الفقهاء ظلّ يؤيِّد قبولها[46]. واعتبرت غالبيّة الفقهاء القانونيين أنّ الأعمال الانتقاميّة ليست سوى أعمال إكراهيّة يُحرِّمها القانون، مبدئيًا، ولكنّه يسمح بها، بصورة استثنائيّة، عندما تُمارسها دولة ردًّا على أعمالٍ ضارّةٍ غير مشروعةٍ تقوم بها دولة أخرى، وبغية إيقاف هذه الأعمال أو الحصول على تعويضات عن الأضرار التي سبَّبتها لها.

 

«ولكن القانون الإنساني حقّق، العام 1929، خطوة ملموسة إلى الأمام. فالمؤتمر الدبلوماسي الذي عالج مسائل الجرحى والمرضى والأسرى في زمن الحرب نصّ في المادة الثانية من مؤتمر جنيف للعام 1929، بشأن أسرى الحرب، على تحريم اتِّخاذ تدابير انتقاميّة ضدّ الأسرى. وطُبِّقت هذه القاعدة كذلك على مسألة الجرحى والمرضى الذين يقعون في الأسر. وبذلك استُبعدت الأعمال الانتقامية ضدّ أفراد القوى المُسلَّحة التي يأسرها العدو من قانون الحرب. وكان لهذا العمل نجاح كبير في مجال إنماء القانون الإنساني (...)»[47] وترك تأثيرًا عميقًا في التطوّر الذي حقَّقه ميثاق الأمم المتحدة العام 1945.

 

ففي ظلّ ميثاق الأمم المتحدة[48] لا يُمكن قبول الانتقام ولا عدّه مشروعًا، ولو على سبيل الاستثناء، وذلك في ضوء العديد من مواده، لا سيّما الفقرة الثالثة[49] والفقرة الرابعة من المادة الثانية[50]. ولا يجعل الميثاق سبيلًا لاستخدام القوة إلاّ في حالة الدفاع المشروع (المادة 51)[51]. «ولكن هذا الحق لا يثبت للدول إلاّ إذا كان هناك اعتداء واقع (أو وشيك الوقوع) غير مشروع لا يُمكن دفعه إلاّ باستعمال القوّة. فالدولة لا يحقّ لها، مثلًا، أن تُهاجم دولة أخرى بحجّة الدفاع عن نفسها لأنّ هذه الدولة بلغت في تسلُّحها حدًّا يُخشى معه مُهاجمتها لها (كالحرب الإستباقيّة أو الإجهاضيّة، مثلًا). إنّ الدولة الأولى تستطيع، في هذه الحالة، أن تحتاط وتتَّخذ الإجراءات اللازمة لردّ العدوان حين وقوعه»[52]. ويتمتَّع مجلس الأمن، بمُقتضى المادة 51 من الميثاق الأممي، في حالات الإعتداء على الدول، بصلاحيات واسعة لحفظ السلم والأمن الدوليين، إعمالًا لنظرية الأمن الجماعي، وفق أحكام الفصل السابع من الميثاق[53].

 

وظلّت الأعمال الانتقامية معترفًا بها في زمن الحرب[54] بوصفها تدابير تتخذ حيال الدولة المُعتدية في حدود معيّنة معترف بها. وقد تأكَّد هذا التوجه في محكمة نورمبرغ لمُقاضاة كبار مجرمي الحرب النازيين. وأكدتها لجنة القانون الدولي في تقريرها عن مشروع تقنين الجرائم التي تُهدِّد سلامة البشرية وأمنها. ومع أنّ الحرب ذاتها غير معترف بمشروعيّتها في نظام الأمم المتحدة إلاّ أنها حصلت وتحصل واقعيًا وتجري فيها أعمال انتقامية لم يتمكّن القانون الدولي الحديث إلاّ من تحريم المُقترف منها بحق الأفراد[55]. وهذا ما أكّدته اتفاقيات جنيف الأربع للعام [56]1949 المُكمَّلة بالبروتوكولين الإضافيين للعام 1977 [57]، تلك الاتفاقيات التي عَدَّت إساءة مُعاملة الأفراد، فضلًا عن الانتقام منهم، جرائم خطيرة يُحاسب عليها مُقترفوها[58] إضافة إلى مسؤولية دولهم[59].

 

وعلى الرغم من قيام الأمم المتحدة التي يُحرِّم ميثاقها اللجوء إلى أي عمل انتقامي، كما ذكرنا سابقًا، وشجب مجلس الأمن التدابير الانتقامية[60]، فإنّ هذه الأعمال لم تتوقَّف[61]، وهذا ما دفع بعض الفقهاء إلى التعمّق في دراسة هذه الظاهرة وتحليلها ومُحاولة وضع ضوابط لها[62].

 

فما هو، أولًا، تعريف الأعمال الانتقامية وغيرها من التدابير الإكراهية؟

 

1- تعريف الأعمال الانتقامية وغيرها من التدابير الإكراهية السلميّة وغير السلميّة

يُعرِّف الفقيه أوبنهايم[63] الأعمال الانتقامية (أو أعمال الإنتقام) Reprisal بأنها «أفعال غير مشروعة دوليًا ومُضرّة تتخذها دولة إزاء دولة أخرى، مسموحة إستثنائيًّا لإكراه الدولة الأخيرة على قبول التسوية المُناسبة للخلاف الناجم عن جريمة دولية»[64]. ويُقصد بالجريمة الدولية أيَّ مُخالفة للإلتزامات المفروضة طبقًا لمعاهدة ما أو أيِّ اعتداء على سلامة دولة أخرى، أو خرق لسيادة إقليم دولة أخرى، أو أي عمل غير مشروع دوليًا[65]. ويُضيف الفقيه أوبنهايم بأنه من الواجب أن يكون استخدام القوة مسبوقًا بطلب التعويض ولم يؤد هذا الطلب إلى نتيجة[66]، كما يجب أن تكون القوة المُستخدمة في الانتقام مُتناسبة والضرر المُحدث[67]. والأعمال الانتقامية يُمكن أن تأخذ أي شكل غير مشروع فيه اعتداء على مُمتلكات الدولة المُعتدية ومواطنيها[68]، على ألاّ يكون القصد من استخدام القوة بدء حرب.

 

والأعمال الإنتقاميّة لا تشمل كل عمل إكراهي تتَّخذه الدولة، ذلك لأنّ الدولة قد تضطرّ، في ظروف مُعيّنة، إلى استعمال سلاح الإكراه والعنف[69] من دون أن تُخالف بذلك القواعد العامة للقانون الدولي العام[70]. وإذا كان من السهل التمييز بين الأعمال الانتقامية السلميّة ووسائل الاكراه الأخرى التي لا تستلزم استعمال القوة (كالمقاصة والإحتجاز والمُعاملة بالمِثْل)[71]، فإنّ التمييز بين الأعمال الانتقاميّة المُسلَّحة، أو غير المُسلَّحة، وبين مُختلف وسائل الإكراه التي تعتمد على استعمال القوة (كالدفاع المشروع عن النفس والحرب)[72] يبدو عسيرًا بسبب التشابه المادي بينها.

 

ولا بدّ هنا من التفريق بين الانتقام و المُعاملة بالمِثْل Retorsion (أو الإقتصاص أو الردّ بالمِثْل[73])[74]. فالأخير هو الفعل المُستخدم من جانب دولة ما لإيذاء دولة أخرى، وذلك بأفعال مشروعة مُماثلة لتلك الأفعال الضارة – ولكن المشروعة – المُقترفة من قبل تلك الدولة[75]. وصفة المشروعية هنا هي التي تُميِّز المُعاملة بالمِثْل عن الانتقام. وبعبارة أخرى المُعاملة بالمِثْل والفعل المُسبِّب له من قبل الدولة الأولى البادئة هو عمل مشروع، أي غير مناف للقانون الدولي، في حين يكون الانتقام والفعل المُسبِّب له من قبل الدولة البادئة بالإيذاء هو، أساسًا، عملاً غير مشروع ومنافيًا للقانون الدولي. فقد تعمد دولة ما إلى رفع رسومها الجمركية على بعض السلع المُستوردة، من دون أن تخرق بذلك نصوص اتفاق أو التزام قانوني. ولكن رفع الرسوم قد يُنـزل الضرر بمصالح دولة أخرى تعتمد في تجارتها الخارجية على تلك السلع. وفي هذه الحالة، وعلى سبيل الردّ على التدبير الذي اتخذته الدولة الأخرى، تستطيع الدولة الثانية المُتضرِّرة أن ترفع بدورها، ومن دون أن تُخالف كذلك أي اتفاق أو قانون، رسومها الجمركية على سلع أخرى تُصدِّرها الدولة الأولى، فتُصيب بذلك مصالحها التجارية بالضرر. وفي هذا المثل نرى أنّ كلًا من الدولتين قد استعملت حقَّها في فرض رسوم جمركيّة جديدة، من دون مُخالفة القانون، ومن دون الرغبة في الإساءة إلى حقوق الغير. ومع أنّ استعمال الحق هنا قد أسفر عن إلحاق ضرر بالطرفين فإنّ هذا الضرر قد بقي ضمن نطاق يسمح به القانون. فنحن أمام تعامل بالمثل، لا إزاء عمل إنتقامي[76]. «وللإيجاز نقول إنّ الفروق الرئيسة بين العمل الانتقامي والمُعاملة بالمِثْل تتجلّى في الأمور الثلاثة الآتية:

   1- التدبير الانتقامي عمل غير مشروع بحد ذاته، أو عمل مُخالف للقانون، يُتَّخذ للردّ على عمل آخر مُخالف بدوره للقانون، في حين أنّ المُعاملة بالمِثْل عمل مشروع يسمح به القانون، يُتَّخذ للردّ على عمل آخر لا يتنافى كذلك مع القانون.

   2- التدبير الانتقامي يرمي دائمًا إلى إيقاع الضرر بالغير. وإذا كان ينتج، أحيانًا، عن المُعاملة بالمِثْل ضرر ما، فإنّ الغرض من اللجوء إليها ليس إنزال الضرر بل إشعار الخصم بسوء تصرّفاته وإمكان مُجابهته والردّ عليه.

   3- الدولة التي تُمارس التدبير الانتقامي لا توازن عادة بين الضرر الذي توقعه بالغير والضرر الذي أصابها من جرّاء عمل الغير. أمّا المُعاملة بالمِثْل فتكتفي باستعمال أساليب مُماثلة لتلك التي استخدمها الغير، أو تهدف إلى القيام بتدابير مُماثلة، من أجل إكراه الغير على الإقلاع عنها»[77].

 

«وقد تلجأ الدولة إلى العنف للدفاع المشروع عن نفسها في حال تعرُّضها لعدوان مُفاجئ. والمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة تُشير إلى هذه الحالة وتمنح الدول، فرادى أو مُجتمعة، هذا الحق الطبيعي في الدفاع عن نفسها. ولكن المادة 51 تُعتبر استثناء من القاعدة التي تُلزم الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة الامتناع عن استعمال القوة. ويستند هذا الاستثناء إلى المبادئ العامة للقانون الذي تسمح لأي دولة تتعرَّض لاعتداء مُسلَّح أن تُدافع عن نفسها من دون أن تنتظر انتهاء الإجراءات التي قد يتَّخذها مجلس الأمن لوقف العدوان»[78]. إنّ المادة 51 تعترف، ولا شكّ، بحق الدفاع المشروع عن النفس لكلّ دولة تتعرَّض لهجوم مسلَّح[79]، ولكنّها تُقيِّد استعمال هذا الحق ببعض الشروط لئلا يتحوّل بدوره إلى وسيلة للعدوان، أو يُصبح ذريعة لخرق نظام الأمن الدولي. فالهجوم الذي يُبرِّر استعمال حق الدفاع الذاتي هو الهجوم المُسلّح الراهن الذي يمسّ أرض الدولة ويكون على جانب من الخطورة يُهدِّد السلم والأمن الدوليين. وهذا الهجوم يجب أن يكون سابقًا لاتخاذ وسائل الدفاع المشروع، بمعنى أنه لا يجوز للدولة أن تُمارس ما يُسمّى حق الدفاع الوقائي درءًا لهجوم مُحتمل أو مُتوقَّع. ومع أنّ المادة 51 لم تذكر، صراحة، الجهة التي تقوم بالهجوم، فمن المُتَّفق عليه أنّ الهجوم المُسلَّح الذي يُبرِّر الدفاع المشروع هو الهجوم الذي تقوم به دولة مُعترف بها اعترافًا قانونيًا أو فعليًا. وحق الدفاع المشروع عن النفس ينتهي عند تدخّل مجلس الأمن[80].

 

«والحقيقة إنّ التمييز بين التدبيرين (الدفاع المشروع عن النفس والأعمال الانتقاميّة) لا يزال موضع خلاف وجدل بين رجال القانون. ولعلّ السبب في ذلك يرجع إلى أمرين: أوّلًا، وجود صفات ونقاط مُتقاربة بينهما، ممّا يجعل، أحيانًا، العثور على الخط الفاصل بينهما صعبًا. وثانيًا، إدعاء الدول، عند قيامها بأي تدبير إكراهي ضدّ خصومها، بأنّها تفعل ذلك دفاعًا عن نفسها وأرضها واستقلالها»[81].

 

وتعريف الأعمال الانتقاميّة لا يُثير خلافًا بين رجال القانون، فكلهم مُتَّفقون على وصفها بأنّها تدابير إكراه أو عُنف، مُخالفة مبدئيًا قواعد القانون الدولي العام، تلجأ إليها الدولة للردّ على أعمال، مُخالفة هي أيضًا القانون، قامت بها أو سمحت بقيامها دولة أخرى.

 

والأعمال الانتقامية «التي تقوم بها دولة ما تعرَّضت لأضرارٍ أو أخطارٍ من جرّاء أعمالٍ غير مشروعة ارتكبتها دولة أخرى، تهدف عادةً إلى إكراه هذه الدولة الأخيرة على عدم الاستمرار أو التمادي في ارتكابها، أو إلى إجبارها على التعويض عن الأضرار التي نجمت عن أعمالها»[82].

 

فعمل الإنتقام أو الأعمال الانتقامية، بحسب تعريف مجمع اللغة العربية في مصر، هو «عمل أو أعمال مُخالفة بطبيعتها للقانون الدولي، تقوم بها دولة للردّ على عمل أو أعمال ارتكبتها دولة أخرى في مواجهتها، بالمُخالفة لأحكام القانون الدولي أيضًا بهدف حملها على تعويضها عن الأضرار الناجمة عن ذلك العمل أو الأعمال، أو وضع نهاية لانتهاك أحكام القانون الدولي في مواجهتها على الأقل»[83]. «فالدولة المُنتقمة تسمح لنفسها، هنا، بمُخالفة القانون واللجوء إلى أعمال العنف والقوّة من أجل الردّ على أعمال أخرى، مخالفةٍ للقانون، قامت بها دولة أخرى. وبالإستناد إلى فكرة مُخالفة القانون من جانب الغير تُبرِّر الدولة المُنتقمة أعمالها الإكراهية المُنافية للقانون في الحالات العاديّة وتُسبغ عليها صفة المشروعية»[84].

 

«وقد اعترض البعض على هذا التعريف، ووجد أنه يتضمَّن تناقضًا فاضحًا لأنه يُحوِّل العمل المُناقض للقانون إلى عمل مشروع. غير أنّ غالبيّة رجال القانون ردَّت على هذا الاعتراض بقولها: إنّ الأعمال الانتقاميّة ليست سوى أعمال إكراهية يُحرِّمها القانون مبدئيًا، ولكنه يسمح بها، بصورة استثنائيّة، عندما تُمارسها دولة ما ردًا على أعمال ضارّة غير مشروعة تقوم بها دولة أخرى، وبغية إيقاف هذه الأعمال أو الحصول على تعويضات عن الأضرار التي سبَّبتها»[85].

 

ومن التعريف المذكور نستخلص العناصر الثلاثة الأساسيّة التي يتكوَّن منها مفهوم الأعمال الانتقاميّة، وهي: مُخالفة القانون، وإلحاق الضرر بالدولة المُنتقمة، وإرغام الدولة المُذنبة على العودة إلى الشرعية أو التعويض عن الضرر.

 

«والعنصر الأوّل يُبرز الصفة الأساسيّة المُميِّزة لفكرة الأعمال الانتقامية. فالدولة تُمارس هذه الأعمال وهي مُدركة أنها تُخالف مبدئيًا القوانين الدولية. إنّ هذه الأعمال تُشكِّل مُخالفة مقصودة مُتعمَّدة لقواعد تعترف الدولة بها وتُقرّ بإلزاميّتها في زمن الحرب أو السلم.

ففي زمن السلم، مثلًا، قد ترتكب الدولة أعمالًا انتقاميّة تتعارض كل المُعارضة مع العلاقات العادية التي تسود بين الدول، مثل: مُحاصرة مرفأ، أو احتلال رقعة أرض، أو ضرب بعض المدن بالقنابل.

وفي زمن الحرب، قد ترتكب الدولة كذلك أعمالًا تتنافى مع العلاقات التي تنصّ عليها قوانين الحرب وأعرافها، مثل: أسر الأطباء والمُمرِّضات، وأخذ الرهائن، والقبض على المدنيين، والقيام بتدمير بعض مواقع العدو بشكل مُخالف للقوانين والمواثيق المُتَّفق عليها.

إنّ اللجوء إلى التدابير الانتقامية الذي يستلزم مُخالفة القوانين الدولية بشكل إرادي مُتعمَّد يُضفي على هذه التدابير مفهومًا خاصًا مُميَّزًا. ولكن الأعمال الانتقامية - سواء أكانت مُبرَّرة أم غير مُبرَّرة، وسواء أرتكبت في زمن السلم أم الحرب – لا يُمكن أن تحظى بالقبول إلاّ إذا كان الخصم مسؤولًا، بصورة علنية وثابتة، عن الافعال التي استدعت الانتقام»[86].

 

وما هي، ثانيًا، الطبيعة القانونيّة للأعمال الانتقامية؟

 

2- الطبيعة القانونيّة للأعمال الانتقامية

إتَّفق رجال القانون على تعيين عناصر الأعمال الانتقاميّة، ولكنهم اختلفوا على تحديد طبيعتها القانونيّة، أي على وصف هذه الأعمال من الناحية القانونيّة وعلى تصنيفها في إحدى الفئات أو القواعد القانونية المعروفة التي يزخر بها عالم القانون[87].

إنّ تحليلها من زاوية موضوعيّة لا يسمح لنا بتمييزها عن بقيّة الأعمال الإكراهية التي يعرفها القانون الدولي العام. أمّا إذا نظرنا إليها من زاوية ذاتيّة، أي من زاوية الدولة التي تُمارسها، فإنّنا نجد أنها تُكوِّن مفهومًا قائمًا بذاته في القانون الدولي العام، وتُعبِّر عن نظام قانوني مُعيَّن تخضع له تصرّفات الدولة. والزاوية الأخيرة في التحليل أفضل من الطريقة الأولى التي لم تتمكَّن من اكتشاف الوضع القانوني للأعمال الانتقامية[88].

 

وما هي، ثالثًا، شروط مُمارسة الأعمال الإنتقاميّة؟

 

3- شروط مُمارسة الأعمال الإنتقاميّة

لقد أقرَّت الأعراف الدولية بحقّ الدولة في اتخاذ تدابير انتقامية متى تعرَّضت لأضرار ناجمة عن أعمال غير مشروعة قامت أو سمحت بها دولة أخرى، بشرط أن يكون الإنتقام مُتناسبًا مع الضرر المُحدث.

وينبغي للرغبة في الإنتقام ألاّ تُسيطر على التدبير الذي تتَّخذه الدولة في صورة تُخرجه عن المبادئ الإنسانيّة والحدود المعقولة، فيخسر الغاية التي برَّرته ويتحوَّل إلى عمل إجرامي بحدّ ذاته.

وتنقسم شروط مُمارسة الأعمال الإنتقاميّة إلى أساسيّة وشكليّة[89].

 

أ- الشروط الأساسيّة

والشروط الأساسيّة التي تُبرِّر الأعمال الإنتقاميّة أربعة[90]:

- أن يكون للعمل الإنتقامي مُبرِّر. وأعمال المُقاومة في الجنوب اللبناني التي تصفها إسرائيل بأنها أعمال إرهابية غير مشروعة لا تُبرِّر الأعمال الإنتقامية الإسرائيلية، فالقوانين والقرارات الدولية، وكذلك الفقه والإجتهاد، تعتبر المقاومة المُسلّحة للدفاع عن الوطن أو لتحريره حقًا طبيعيًا وعملًا مشروعًا[91].

- أن تتوافر في العمل الإنتقامي أربعة مطالب:

أ- مطلب التوازن أو التناسب الذي يقضي بأن يُوازن العمل الإنتقامي بين نتائجه والضرر المُحدث، أي أن يكون حجم الإنتقام بحجم الضرر[92]. ولكن إسرائيل تتجاهل هذا المطلب وتُخالفه، فمُقابل صاروخ كاتيوشا أو مقتل أو جرح مستعمر إسرائيلي تُدمِّر منطقة بكاملها وتغتال عائلات بأسرها وتنسف مرافق عامّة.

ب- ومطلب الإنسانيّة الذي يقضي بألاّ تتضمَّن الأعمال الإنتقاميّة أعمالًا غير إنسانيّة وغير أخلاقيّة. وإسرائيل تُخالف دومًا مبادئ الإنسانيّة.

ج- ومطلب الفعاليّة الذي يقضي بعدم السماح للدول باللجوء إلى عمل إنتقامي مُعيَّن عندما يكون بالإمكان إستعمال أسلوب آخر، أو عمل انتقامي آخر، يُعطي النتائج ذاتها، ويكون أقلّ خطورة. والمؤكَّد أنّ إسرائيل تُحاول دائمًا اللجوء إلى الأعمال الإنتقامية الأكثر خطورة وجسامة.

د- ومطلب الحدّ الزمني الذي يقضي بجعل الأعمال الإنتقاميّة عرضيّة أو موقّتة أو محدودة الزمن. فعلى الدولة المُنتقمة أن تضع حدًا لأعمالها فور حصولها على النتائج أو التنازلات التي تتوخّاها. والمُلاحظ أنّ إسرائيل تستمرّ في أعمالها الإنتقاميّة بحجّة أنّ المقاومة في الجنوب اللبناني على استعداد دائم لتكرار عمليات المقاومة.

- أن تُمارس الدولة وحدها إتخاذ التدابير الإنتقاميّة بواسطة هيئاتها العامة.

- عدم الإضرار، عند مُمارسة الأعمال الإنتقاميّة، بمصالح الدول الأخرى التي ليست طرفًا في النـزاع المُسبِّب للإنتقام. ولكن هذا الشرط أو المبدأ يتعرَّض، عند التطبيق، لسلسلة من الاستثناءات[93].

 

ب- الشروط الشكليّة

أمّا الشروط الشكليّة فمحصورة باثنين[94]: شرط الإخطار المُسبق، وهو الإنذار الذي تُوجِّهه الدولة المُتضرِّرة إلى الدولة المُسبِّبة للضرر أو المسؤولة عنه وتُطالبها فيه بالكفّ عن بعض الأعمال، أو باحترام القوانين والمواثيق الدولية، أو بالتعويض عن بعض الأضرار، فإذا رفضت أو استمرَّت في أعمالها عمدت الدولة المُتضرِّرة إلى الإنتقام. والشرط الثاني هو وجوب استنفاد جميع الوسائل السلميّة، ومنها اللجوء إلى التحكيم أو القضاء الدولي، أو الهيئات الدولية المُختصّة.

غير أنه لا يُمكن أن تختفي الأعمال الانتقاميّة من التعامل الدولي، على الرغم من تحريمها، ما دام بعض الدول لا يحترم قواعد القانون الدولي، لا سيّما عندما يشنّ الحروب ويُنكر على الشعوب حقّها الثابت في تقرير المصير.

ويُمكننا تلخيص الأغراض من لجوء إسرائيل دائمًا إلى الأعمال الإنتقامية ضدّ لبنان[95] برغبتها في الضغط عليه لإرغام الحكومة اللبنانيّة على التنكُّر للمقاومة تمهيدًا لإلغائها ومُلاحقة عناصرها أو أفرادها، والمُحافظة على معنويات المُستعمرين على أرض إسرائيل.

 

ثالثًا: القانون الدولي العام وتدابير إسرائيل الانتقاميّة ضدّ لبنان

إنّ هذا الموضوع لا يدخل في صلب بحثنا المُكرَّس أساسًا لدراسة الأعمال الانتقاميّة ضدّ لبنان، من وجهة النظر الاسرائيليّة. ومع ذلك فسنقول كلمة موجزة فيه نُحدِّد بها موقف الاجتهاد والقانون الدوليين منه[96].

إنّ الاجتهاد الدولي المُعاصر، بخلاف الفقه الدولي المُنقسم على نفسه، يؤيِّد اليوم بشكل شبه إجماعي مبدأ حماية رجال المقاومة[97]. وجميع الأحكام القضائيّة التي صدرت بعد الحرب العالميّة الثانية أكَّدت أنّ أعمال المقاومة لا يُمكن أن تُعدّ خرقًا للقانون الدولي أو جريمة من جرائم الحرب.

وكرَّس القانون الوضعي هذا الاتجاه فجاءت اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية الأشخاص المدنيين في زمن الحرب تُعلن أنه لا يُمكن مُعاقبة أي شخص تشمله الاتفاقية بجرم لم يرتكبه هو شخصيًا، كما تنصّ على حظر العقوبات الجماعية Collective punishment)) وجميع تدابير الارهاب والتهويل، وحظر الانتقام من الأفراد الخاضعين للحماية أو الانتقام من أموالهم[98].

 

لقد رأينا أنّ القانون الدولي المُعاصر، المُتجسِّد في العديد من الاتفاقيات والمواثيق والممارسة الدولية[99]، يحظر بشكل قاطع اللجوء إلى القوة أو التهديد بالقوة، ويمنع بالتالي القيام بالتدابير الانتقامية، وخصوصًا ضدّ الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

 

وبما أنّ إسرائيل قد صدَّقت على العديد من هذه الاتفاقيات فقد أصبح من الصعب، على الصعيد القانوني، تبرير التدابير الانتقامية التي تقوم بها ضدّ المواطنين والمُقيمين في لبنان.

 

واستنادًا إلى ذلك يُمكننا القول بإنّ الدولة المُحتلَّة[100] لا تستطيع اليوم، قانونًا واجتهادًا، الإدعاء بحق الانتقام من لبنان لمُجرَّد اتِّهامه بتسهيل تسلُّل المُقاومين عبر حدودها.

 

ولكن المسألة الهامة هنا هي أنّ إسرائيل تدّعي، عندما تقوم بتدابيرها الانتقامية ضدّ لبنان، أنّها تُمارس حقًا سمح به الميثاق الأممي (الدفاع المشروع عن النفس). ففي الرابع من أيلول/ سبتمبر 1969، وبعد الغارات الاسرائيليّة المُتكرِّرة على جنوب لبنان، قال ناطق بإسم وزارة الخارجيّة الاسرائيليّة في مؤتمر صحافي: «إمّا أن يكون لدى لبنان الوسائل لفرض احترام وقف إطلاق النار على الحدود، وعليه بالتالي أن يفعل ذلك. وإمّا أنه عاجز عن فرض احترام وقف إطلاق النار، فينبغي إذًا أن لا يحتجّ إذا استخدمت إسرائيل حقّها في الدفاع المشروع عن نفسها ضدّ الذين يُهاجمونها من الأراضي اللبنانية»[101]. وفي اليوم نفسه صرَّح مندوب إسرائيل في مجلس الأمن «بأنّ الحكومة الاسرائيلية مُضطرّة، في هذه الظروف، إلى اتِّخاذ تدابير الدفاع المشروع لحماية أرواح مواطنيها وأموالهم»[102]. وفي العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر 1969، إدَّعت إسرائيل أنّها تتعرَّض لهجمات من الأراضي اللبنانيّة، وأنّ استمرار مثل هذه الأعمال يتطلَّب «اتِّخاذ إجراءات مُناسبة للدفاع عن النفس»[103].

 

وفي ضوء الشروط التي تتضمَّنها المادة 51 من الميثاق الأممي، فإلى أي مدى تُشكِّل أعمال المُقاومين والمساعدات أو التسهيلات (إن وجدت) التي تُقدِّمها الدولة اللبنانيّة لهم، هجومًا مُسلَّحًا راهنًا يُبرِّر قيام إسرائيل بتدابير انتقاميّة تحت قناع الدفاع المشروع عن النفس؟

 

إنّ القانون الدولي العام، وكذلك الاجتهاد والفقه الدوليين، لا تعتبر الأعمال الصادرة عن منظمّات المقاومة أعمالًا صادرة عن دولة مُعترف بها دوليًا، ولا ترى في هذه الأعمال التي تحدث بشكل مُتقطِّع، وفي المساعدات التي تُقدِّمها الدولة اللبنانيّة إليها، عدوانًا أو هجومًا مُسلَّحًا يُبرِّر الدفاع المشروع عن النفس، اللهم إلاّ إذا كان الغرض من هذه الأعمال احتلال جزء من إقليم الدولة وتسوية الخلاف الناشب بين الأطراف المعنيّة بقوّة السلاح.

 

إنّ ادِّعاء إسرائيل بأنها تُمارس حق الدفاع المشروع عن النفس لمنع تسلُّل المقاومين، أو لمنع تجمُّعهم على حدودها، أو لإكراه الدولة اللبنانيّة على طردهم أو عدم السماح لهم بعبور حدودها، إنّ هذا الادعاء يعني أنّ إسرائيل تسمح لنفسها بمُمارسة الهجوم أو الاعتداء الوقائي لكي تتجنَّب احتمال قيام هجوم لاحق موهوم ضدّها. ولكن القوانين والمُمارسة الدولية تُحرِّم اليوم العمليّات الوقائيّة وتعتبرها بمنزلة عمليات عدوانيّة.

 

إنّ إسرائيل لم تحترم المعاهدات والمواثيق الدولية التي أبرمتها[104]، فعاملت رجال المقاومة والمدنيين في لبنان مُعاملة سيّئة. ولدى الرأي العام العالمي، الآن، مجموعة من الوثائق تكشف مدى استهتار إسرائيل بالقوانين والأعراف الدولية وتدمغها بارتكاب أفظع الجرائم[105].

 

وإذا كان انتهاك إسرائيل لحرمة القواعد الدولية ليس (أو لم يعد) بالأمر المُستهجن، فالأمر المُستهجن حقًا هو في سكوت الأمم المتحدة[106] وإحجامها عن اتخاذ أي إجراء قسري ضدّها بسبب تجاوزاتها القانونية المُتكرِّرة، وعدم امتثالها لأوامرها، واستمرارها في خرق اتفاقية الهدنة وقرارات وقف إطلاق النار ومُهاجمة لبنان[107].

 

رابعًا: فَرْض قواعد القانون الدولي العام على إسرائيل

«إنّ البحث في أساس الإلزام في القانون الدولي العام كان موضع دراسات واسعة ومُناقشات نظريّة كثيرة. وقد بذل بعض الفقهاء جهودًا حميدة لتشييد النظام القانوني الدولي على أُسس قويّة وتفسير إلزام الدول بقواعده. فلهذه القواعد قوة إلزامية تستمدُّها من أساس مُعيَّن. ولكن ما هو هذا الأساس؟»[108] ومن يَفْرِض قواعد القانون الدولي العام على الدول المُتساوية في الحقوق التي لا تخضع لسلطان أعلى من سلطانها؟ ومن يُسْبِغ على قواعده صفة الإلزاميّة؟ ومن أين تستمدّ قواعده صفتها الإلزاميّة؟

 

إنّ للفقهاء في تعيين هذا الأساس مذهبين رئيسين:

- مذهبًا يُرسي أساس القانون الدولي العام على إرادة الدول ورضاها (نظرية الإرادة المُنفردة أو نظرية التقييد الذاتي للإرادة، ونظرية الإرادات المُشتركة، ونظرية «العقد شريعة المُتعاقدين»)، ويُسمّى المذهب الوضعي أو الإرادي[109].

- ومذهبًا يُجرِّد هذا القانون من صفته القانونيّة ويجد له أساسًا خارج إرادة الدول، أي في عوامل خارجيّة ومُستقلَّة عن إرادة الدول (نظرية القوَّة، ونظرية المصلحة، ونظرية التوازن الدولي، ونظرية التضامن الإجتماعي أو المدرسة الإجتماعيّة أو مدرسة الحدث الاجتماعي أو المدرسة الفرنسيّة)، ويُسمّى المذهب الموضوعي[110].

ونحن نعتقد أنّ النظريات والمذاهب التي اهتمَّت بمسألة أساس الإلزام في القانون الدولي العام لا تكفي وحدها لتفسير المسألة المذكورة. إنّ الإعتماد على أحد المذهبين المذكورين في دراسة أساس الإلزام لا يكفي. إنّ كلاًّ منهما لا يُعالج إلاّ جانبًا واحدًا من جوانب المسألة المذكورة.

 

فنظريات المذهب الوضعي أو الإرادي تُشيد بإرادة الدول وتعتبر أنّ لا وجود للقاعدة القانونيّة الدوليّة خارج إرادة الدول. وتُعنى نظريات المذهب الموضوعي بالتركيز على أنّ هذه القاعدة تُفرض على الدول استنادًا إلى اعتبارات أسمى من إرادات الدول. وكانت هذه النظريات كلها موضعًا وهدفًا للنقد. ولعلّ عيبها الأساسي يكمن في أنها أرادت أن تبحث عن أساس الصفة الإلزاميّة للقواعد الدولية في نطاق كل نظريّة، بالإستقلال عن غيرها من النظريات.

 

والدراسة الكاملة الصحيحة لمسألة أساس الإلزام في القانون الدولي العام هي تلك التي تشمل مُختلف المذاهب أو النظريات (نظرية الإرادة المُنفردة أو نظرية التقييد الذاتي للإرادة، ونظرية الإرادات المُشتركة، ونظرية «العقد شريعة المُتعاقدين»، ونظرية القوَّة، ونظرية المصلحة، ونظرية التوازن الدولي، ونظرية التضامن الإجتماعي أو المدرسة الإجتماعيّة أو مدرسة الحدث الاجتماعي أو المدرسة الفرنسيّة) وتُحاول الوقوف على تفاعل هذه العوامل، والكشف عن عناصر القوّة والضعف فيها من خلال قياسها علميًا.

 

إنّ «علم» أساس الإلزام علم لم يترسَّخ بعد (القياس القانوني Jurimetrics)[111] على الرغم من قيام عدد من الدول المُتقدِّمة والمؤسسات الدولية بتطويره وفتح تخصُّصات له في جامعاتها. إنّه علم مُتميِّز عن غيره من العلوم الاجتماعيّة أو غير الاجتماعيّة، بمفهومها الواسع، ولكنه ليس مُستقلًا كل الاستقلال عن غيره. إنّ له صلات وثيقة بعدد كبير من فروع المعرفة، ولكن هذه الصلات لا تُلغي ميزاته الخاصة وتجعله جزءًا من غيره. واضطلعت تقنيّات القياس القانوني لأساس الإلزام في القانون الدولي العام ونَمْذَجَتها [112]Modeling  بدورٍ هام في توجيه العلاقات الدولية واستشراف مدى التزام الدول قواعد هذا القانون من خلال وضع سيناريو لكلّ مُتغيِّر من المُتغيِّرات في كل من المذهب الوضعي (أو الإرادي) والمذهب الموضوعي (بقاء المُتغيِّر على حاله، أو التغيُّر نحو الأحسن، أو التغيُّر نحو الأسوأ)، وقياس درجة تطابق كل سيناريو مع المؤشرات المتوافرة عن كل مُتغيِّر. وبمقدار ما تتوفَّر المعلومات الدقيقة بمقدار ما تكون القدرة على استشراف مدى التزام الدول قواعد القانون الدولي العام أقرب إلى الصحّة.

 

ومع ذلك فنحن مُضطرّون – إذا أردنا ألاّ نُجافي منطق الأمور، وأن نبقى في نطاق الواقع – إلى أن نُقيم وزنًا أيضًا لبعض الاعتبارت المادية (النفعيّة والمصلحيّة) التي تدفع الدول في كثير من الأحيان إلى مُراعاة القواعد الدوليّة واحترام العهود والمواثيق. إنّ هذه الإعتبارات تُصيب كبد الحقائق الواقعيّة الملموسة عندما تتحدَّث عن الأنانيّة والمصالح الذاتيّة المُسيطرة على تصرفات الدول، وعندما تَعْرض للمحاولات الكثيرة التي تقوم بها هذه الدول لتُسبغ على اعتداءاتها وانتهاكاتها لحرمة القانون صبغة قانونيّة تُضلِّل بها الشعوب والرأي العام العالمي. فالنظام الدولي، في هذا العصر، يجعل من الحق والقوّة شيئًا واحدًا، ويُقيم دعائم العلاقات الدوليّة على نظريّة القوّة. إنّها (أي نظريّة القوّة) تستند إلى نسبة مُعيَّنة من القوى، والقوّة، كما تُمارسها الدول الكبرى، لا تعرف الثبات والاستقامة والوضوح، بحيث أنه إذا اختلَّت هذه النسبة زال التزام القواعد الدولية. وتحترمها الدولة ما دامت تتَّفق مع مصالحها ومع نسبة القوى القائمة. ومن جهة ثانية، فإنّ فكرة القوّة تهتمّ بمصالح الدول الكبرى فقط من دون أن تُبالي بميول الدول الصغرى ورغباتها.

 

وبالتالي يؤسفنا القول إنّ رحلة البحث في أعمال إسرائيل الانتقاميّة ضدّ لبنان لم تبدأ بعد، لأسباب عدّة، منها:

- لأنّ وجود إسرائيل، خلافًا لقرار التقسيم 181 (II)، يُشكِّل احتلالًا. واغتصاب الصهاينة أرض لبنان، وتشريدهم أهله، ورفضهم تطبيق قرارات الأمم المتحدة، وإساءة مُعاملة السكان في الأراضي المُحتلة. إنّ هذا كله هو الذي كان السبب في ظهور حركات المقاومة في لبنان، وفي تزايد عدد المقاومين وإقبالهم على حمل السلاح وخوض المعارك ضدّ المُغتصبين، بحيث لم يعد بوسع أيّ حكومة لبنانية (أو أيّ قوة خارجية) السيطرة عليهم أو الوقوف في وجههم.

- لأنّ اتفاقيّة الهدنة التي وُقِّعت العام 1949 بين لبنان وإسرائيل لم تُنه حالة الحرب التي أُعلنت قبل عام. فالهدنة لا تُنهي حالة الحرب، بل تُوقف وحسب، وبشكل موقَّت، العمليات أو الإشتباكات المُسلَّحة. إنّ حالة الحرب تظلّ قائمة بعد عقد الهدنة إلى أن تُعقد معاهدات الصلح نهائيًا بين الأطراف المُتنازعة. وليس لدى إسرائيل أيّ نيّة في التقيّد بأحكام اتفاقيات الهدنة، فسجلات الأمم المتحدة تُثبت أنّ إسرائيل قد خرقت هذه الاتفاقيّة آلاف المرّات.

- لأنّ خطوط الهدنة، كخطوط وقف إطلاق النار، لا يُمكن أن تُصبح حدودًا دائمة لدولتين أو أكثر ما لم تُوافق هذه الدول، صراحة، على ذلك. وإسرائيل لم تقبل[113]، كما بيَّنا في بحث سابق[114]، بالحدود بعد لأنّها تُريد أن تكون طليقة اليد في المستقبل القريب أو البعيد.

- لأنّ إسرائيل إعتادت النكث بالعهد حتى أصبح ذلك من «شيمها الإبداعيَّة». فإسرائيل تشتهر بالبراعة في ابتكار الحِيَل واختراع الأحابيل واختلاق الذرائع التي تخدم مصلحتها وتدعم مواقفها «القانونيّة». وليس من المُستبعد أن تعمد إسرائيل إلى استخدام كل الوسائل المُتاحة والاستفادة من كل الظروف المُمكنة للتسرُّب، بالسرّ أو العلن، إلى مراكز القرار «القانوني» في العالم[115].

 

ويُضاف إلى كل ما سبق، تميُّز فترة ما بعد العام 1956، وخصوصًا آذار/ مارس 1982، بانتشار أعمال إسرائيل الانتقامية ضدّ لبنان وتكاثرها. وكان من المُنتظر أن تزداد الدراسات والأبحاث المُتعلِّقة بهذا الموضوع، إلاّ أنّ شيئًا من ذلك لم يحدث، فتساءل البعض عن الأسباب التي صرفت الباحثين عن الموضوع وجعلتهم يحوطونه بسياج من الكتمان لا مُبرِّر له[116].

 

لقد قيل في تفسير هذه الظاهرة إنّ الموضوع أُشبع درسًا وبحثًا وتحليلًا حتى لم تبق فيه زيادة لمُستزيد. ولكن يكفينا الإطلاع على عدد الأحكام[117] والقرارات الصادرة عن المؤسسات الدولية المُختلفة[118] حول الموضوع حتى نتأكَّد من خطل هذا الرأي.

 

وقيل أيضًا إنّ تضاؤل الكتابة عن الأعمال الانتقامية مرجعه إلى اختفاء هذه الظاهرة من العلاقات الدولية[119]. ولكن التحليل الصحيح للوقائع يُثبت لنا أنّ الاختفاء المزعوم قد تمّ إسمًا لا فعلًا، أي أنّ الأعمال قد اختفت من قاموس العلاقات الدولية من دون أن تتوارى عن المسرح الفعلي أو المادي لهذه العلاقات. كلّ ما حدث هو أنّ الدول التي تلجأ إلى الأعمال الانتقاميّة تُفضِّل اليوم، لتبرير هذه الأعمال، أن تُقلِّل، إلى أدنى حدّ مُمكن، من استعمال هذا التعبير[120]. فهي استنبطت عبارة «الأعمال الانتقاميّة الدفاعيّة»[121] لردم الهوة الفاصلة بين مفهوميْ الدفاع المشروع عن النفس والأعمال الانتقامية والتقريب بينهما من نحوٍ أول، وتجنَّبت الوقوع في محظور «الأعمال الانتقاميّة الهجوميّة»[122] التي يُحرِّم ميثاق الأمم المتحدة اللجوء إليها من نحوٍ ثانٍ. وهي تفعل ذلك لتتحاشى أمرين:

- أولًا، لئلا تجبه الرأي العام العالمي الذي تأثَّر، بفعل الإرهاب المزعوم أو المفروض، إزاء تصرُّفات الدول التي خرقت، تحت ستار الأعمال الانتقامية، حرمة مبادئ القانون الدولي الإنساني[123] والمواثيق الدولية.

- ثانيًا، لئلا تُتَّهم بخرق بعض نصوص ميثاق الأمم المتحدة التي تُحرِّم اللجوء إلى القوة أو التهديد بها.

 

ونحن نعتقد أنّ غموض مفهوم الأعمال الانتقامية في القانون الدولي العام من جهة، وصعوبة العثور على «الوصف القانوني لهذه الأعمال»[124] من جهة ثانية، هما العاملان اللذان دفعا الباحثين إلى عدم تكريس الجهود لدراستها.

وإنّ جميع الوقائع والدلائل تُشير إلى أنّ مجلس الأمن لن يتدخَّل – في وقت قريب على الأقل – ليُجبر إسرائيل على إيقاف تدابيرها الانتقامية، أو ليُنفِّذ بحقّها العقوبات التي يُهدِّدها بها أحيانًا. لن يفعل ذلك لأنّ الولايات المتحدة الأميركية التي تتمتَّع بحق النقض فيه لن تدعه يتَّخذ أي قرار تنفيذي ضدّ إسرائيل.

 

وجميع الوقائع والدلائل تُشير، كذلك، وخصوصًا بعد اشتداد عود المقاومة، إلى أنّ إسرائيل لن تكفّ – لا في وقت قريب ولا بعيد – عن أعمالها الانتقامية.

 

ومن هذا المُنطلق، يُصبح من البدهي أن يضع لبنان خارطة طريق أو خطة عمل سريعة لتجنُّب قيام إسرائيل، في بعض المناطق اللبنانيّة، بإلحاق أفدح الأضرار ببناه التحتيّة بغية تأليب فئات المُجتمع اللبناني بعضها على البعض الآخر، ومن ثمّ إثارة القلاقل ضمن بعض (أو بين) مُكوِّنات عائلاته الروحية، لا سيّما أنّ كلفة الترميم (أو إعادة البناء والإعمار) ستكون مُرهقة جدًا للخزينة العامّة وتترك المواطن اللبناني لسنوات بدون خدمات المرافق العامة، السيّئة الأداء أساسًا.

 

خامسًا: نحو خارطة طريق لبنانيّة مُقترحة لمُواجهة أعمال إسرائيل الإنتقاميّة

لا بدّ للبنان أنّ يتَّبع منهج المرحليّة الذي يعتمد، في إطار استراتيجيّته الدبلوماسيّة العامة، على تفاعل أربعة مبادئ:

- الواقعيّة التي تُعيِّن الحدّ الأقصى لما يُطالب به لبنان في كلّ ظرف.

- المرونة التي تقوم بتكييف الأشكال والوسائل.

- مبدأ عدم التراجع الذي يُعيِّن الحد الأدنى للمطالب اللبنانيّة في كلّ ظرف.

- التصاعد أو الانتقال، بعد استنفاد مكاسب ذلك الظرف، إلى مرحلة جديدة تُفصح فيها الدبلوماسيّة اللبنانيّة عن مطالب جديدة، يكون حدّها الأدنى ما كان في المرحلة السابقة حدًا أقصى ومطلبًا كاملًا مزعومًا.

 

وكل ما نستطيع أن نقدِّمه، في هذا القسم الأخير من بحثنا، إلى المُدافعين عن حقوق لبنان هو بعض الملاحظات المُتواضعة التي تتلخَّص بالنقاط التالية:

1- تصميم الردّ على أعمال إسرائيل الإنتقاميّة وإعداده قبل وقت طويل من القيام به أو تنفيذه. ولا بدّ أن يمرّ قرار الردّ بثلاث مراحل: مرحلة التخطيط[125] (وضع لائحة شاملة لكل المواقع الاستراتيجية - البنى التحتية المدنية والصناعية والقواعد العسكرية في إسرائيل - ، مثلًا، التي يؤدي ضربها إلى إنزال خسارة فادحة بالمصالح الإسرائيليّة وتوجيه تحذير رهيب إلى حكومة إسرائيل وشعبها)، ومرحلة التقرير (التي من المُفترض أن تكون من صلاحية مجلس مُصغَّر يضمّ عددًا محدودًا من الخبراء ويُناقش الأمر - دراسة الردّ وتقييمه من حيث الإمكانات والنتائج والمُضاعفات، والبحث عن الوسائل والأساليب القادرة على مُضاعفة تأثيره وفعاليته، مثلًا - في جلسات سريّة لا يتسرّب شيء مما يدور فيه إلى الإعلام)، ومرحلة التنفيذ (التي من المُستحسن أن تكون من اختصاص المقاومين وتقديرهم).

2- إتقان طرق الحرب النفسيّة والإلكترونيّة وأساليبها Cyber war للتأثير في نفسيّة الإسرائيليين وبعزيمتهم، ومن أجل إبقائهم في حالة قلق وخوف واضطراب. فقد شكَّلت مُعادلة «تل أبيب مُقابل بيروت» خلال حرب لبنان الثانية، مثلًا، قيدًا على إسرائيل وسيفًا مصلتًا على المسؤولين فيها. وعُدَّت المعادلة جزءًا من الحرب النفسيّة التي حاذرت إسرائيل الإنغماس فيها، فإذا ضربت بيروت ضُربت تل أبيب، والآن إذا ضربت إسرائيل الضاحية الجنوبيّة ضُربت تل أبيب.[126]

3- التمهيد لعمليات الردّ بسلسلة من الإحتجاجات والإدعاءات الكفيلة بتهييج الخواطر، أو بسلسلة من المعلومات الرقميّة في وصف الخسائر التي لحقت بلبنان. والهدف من اللجوء إلى ذلك إعداد الرأي العالمي نفسيًا لتقبُّل حملات الردّ اللبنانيّة ضدّ إسرائيل.

4- وجوب اختيار الظرف المُلائم والمكان المُناسب والتوقيت الصالح، للردّ على أعمال إسرائيل الإنتقاميّة بغية الضغط عليها أو الحصول على مكسب مُعيَّن (إستهداف الجبهة الداخلية الإسرائيلية وهزّ صدقيّة قيادتها، مثلًا)، وإلاّ حصدنا أسوأ النتائج. وإنّ اختيار الردّ لا يكفي وحده. هذا الاختيار يجب أن يكون مقرونًا باختيار آخر، وهو وقوع الردّ فوق أرضٍ مُعادية. وإذا تمّ ذلك كان الردّ سهل التبرير، أو كان أكثر قابليّة للتبرير، من وجهة نظر المنطق والعلاقات الدولية والقانون الدولي العام.

5- ضرورة تزويد مواقع التواصل الإجتماعي (كالفيسبوك Facebook والتويتر Twitter وغيرها من المواقع) معلومات فوريّة مُيسَّرة وشافية عن كل ردّ. والقيام بتزويد الصحافة المحلية والعربيّة والعالمية بيانًا فوريًا عن كل ردّ يشرح أسبابه ويُحدِّد دوافعه.

6- وجوب إستناد الردّ اللبناني إلى أسباب قانونية واضحة معقولة، من السهل فهمها وتقديرها وتبريرها. والتبرير يجب أن يُقدَّم فور الردّ وبلغة مألوفة إلى الرأي العام العربي والعالمي، وخصوصًا إلى الرأي العام المحلي في المنطقة الجغرافية التي كانت مسرحًا للردّ أو طرفًا فيها. والتبرير يجب أن يربط هذا الردّ بحق لبنان في الدفاع عن أرضه أو بحركات المقاومة، الغابرة والراهنة، في مُختلف الأوطان. وقد لجأت حركات مقاومة عديدة إلى هذا الأسلوب المُفيد أكثر من مرّة وعمدت، عقب بعض الحوادث، إلى إجراء مُقارنة مُوفَّقة بين كفاحها وبين الكفاح البطولي الذي مارسه أهل الولايات المتحدة الأميركية في عهد الإستعمار البريطاني لها.

7- إتخاذ كل الإحتياطات اللازمة لتجنُّب إيقاع الضرر بالأرواح والممتلكات الأجنبيّة البريئة. ووجوب التمييز، في كل ردّ نقوم به، بين الحكومات والشعوب، أو بين الرأي الرسمي والرأي الجماهيري، وخصوصًا رأي الفئات المحرومة أو المُستغلَّة. ولهذا ينبغي لنا تخطيط ردِّنا بدقّة وحكمة وحذر لئلاّ نُلحِق الأذى بهؤلاء الحلفاء والأنصار.

8- وجوب المُحافظة على طهريّة هذا العمل (أي الردّ) وقدسيّته، فلا يجوز مُطلقًا تحويل الردّ إلى عملية مُزايدة وتسابق بين اللبنانيين، أو إلى عملية إثارة دعائيّة لمصلحة بعض مُكوِّنات الشعب اللبناني. إنّ هذا الردّ يجب أن يتمّ بالاتفاق (أو على أقلّ تقدير، شبه الاتفاق) والتعاون (أو شبه التعاون) بين هذه المُكوِّنات، ضمن مُعادلة «الجيش والشعب والمقاومة». وهذا يعني أنّ عمليات الردّ يجب أن تُنفَّذ باعتبارها جزءًا من استراتيجيّة شاملة.

 

خاتمة

والخلاصة أنّ إسرائيل تقود معاركها ضدّنا بحقد وشراسة وتعمد في كلّ مُناسبة إلى اللجوء إلى أعمال إنتقاميّة رهيبة. وعلينا أن نُدرك قبل فوات الأوان أنّ الحركة الصهيونيّة هي حركة إلغاء الآخرين، وأنّ إعادة بناء «إسرائيل الكبرى» أو قيام «إسرائيل الوسطى» لا يُمكن أن يتمّ إلاّ بهدم كلّ ما هو موجود حاليًا، مسيحيًا كان أم إسلاميًا.

 

ويرى بعض المحلِّلين والمُتابعين لمسار أزمات الشرق الأوسط أنّ قرار القيام بالأعمال الانتقامية مُرتبط بالظروف والمُتغيِّرات الحاصلة في لبنان وسوريا والمنطقة العربيّة. ولن تتورَّع إسرائيل عن شنّ أعمالها الانتقامية الماحقة ضدّ بعض البنى التحتيّة اللبنانيّة إنْ اقتنعت أنّ الظروف الإقليمية والعربية والدولية مؤاتية، وأنّ النصر سيكون حليفها في حربها المحمومة للقضاء على المقاومة في لبنان.

 

ولمواجهة «عقيدة الضاحية» الصهيونيّة وأخواتها («إستراتيجيا الضاحية» أو «نهج الضاحية») لا بدّ للبنان من أنْ يُبلوِر نظريّة مُقابلة تفرض «توازن رعب جديد» أو تخلق «توازن ردع نسبي»[127] تستفيد إلى أقصى حدّ ممكن من المُعادلة الموعودة (ثلاثيّة «الجيش والشعب والمقاومة») والمكروهة إسرائيليًّا[128]، على أساس توزيع واضح للمهمات والأدوار، وتؤدّي إلى كبح جماح إسرائيل عن تطبيق العقيدة العسكرية القديمة المُتجدِّدة.

 


[1]-     هي العبارة المُستخدمة في البند 2 من قرار مجلس الأمن الرقم 1701 تاريخ 12/ 08/ 2006. ولا بدّ هنا من أن نُشير إلى أنّه تمّ، العام 1949، توقيع اتفاقية الهدنة بين إسرائيل ولبنان. وجميع الفقهاء يؤكِّدون أنّ الأثر الأساسي للهدنة يتجلّى في إيقافها، وبشكل موقَّت، العمليات الحربيّة من دون وضع حدّ لحالة الحرب التي تبقى قائمة مع جميع نتائجها القانونيّة إلى أن تُعقد معاهدات الصلح بين الأطراف المُتنازعة. راجع حول هذا الموضوع: كتاب د. محمد المجذوب، «الإعتراف بإسرائيل من خلال التسوية»، معهد الإنماء العربي، بيروت، 1978، ص 27-35.

 

[2]-     إعتبرنا إسرائيل، في هذا البحث، تجاوزًا، دولة من دول العالم التي انضمّت إلى عضويّة الأمم المتحدة في 11 أيّار/ مايو 1949، وصدَّقت، منذ ذلك التاريخ، على بعض المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدوليّة، وذلك على الرغم من إيماننا بأنْ ليس لإنشاء إسرائيل أي أساس أو سند قانوني، لا في صكّ الانتداب، الذي صدَّق عليه مجلس عصبة الأمم في 24/ 7/ 1922 ووُضِع موضع التنفيذ في 29/ 9/ 1923، ولا في قرار التقسيم 181 (II) تاريخ 29/ 11/ 1947.

 

[3]-     المقصود بحرب لبنان الثانية في المصطلح الإسرائيلي، حرب تموز/ يوليو 2006.

 

[4]-     المقصود بـ «العقيدة الدفاعيّة الجديدة» في المصطلح الإسرائيلي، هو عقيدة الجيش الهجوميّة الجديدة. فكما هو معلوم فإنّ التسمية الرسمية للجيش في إسرائيل هو جيش الدفاع الإسرائيلي (تْساحال)، على الرغم من كونه هجوميًا بامتياز. ومضمون هذه العقيدة الجديدة، وفق المعلِّق السياسي والعسكري الإسرائيلي، عوفر شيلح، هو أنّ تتصرَّف إسرائيل باعتبارها «دولة هوجاء» تواجه «أعداء يعتنقون إستراتيجيّة الإستنـزاف وإطلاق النار عن بعد». وبعبارة أخرى، على إسرائيل «أن تردّ (على مصادر إطلاق النار) بشنّ عمليّة عسكرية ضخمة ووحشيّة، بغضّ النظر عن عدد الضحايا» (صحيفة معاريف الإسرائيليّة في 28/ 12/ 2008).

 

[5]-     راجع حول هذا الموضوع: كتاب العميد المتقاعد نزار عبد القادر، «الإستراتيجيّة الإسرائيليّة لتدمير لبنان: المواجهة المصيريّة»، من دون دار نشر، 2011؛ وراجع حول موضوع تطوّر نظرية الأمن الإسرائيلي خلال العامين 2000 و2009، الموقع الإلكتروني التالي:

http:/ / www.moqatel.com/ openshare/ Behoth/ Askria6/ AmanIsrael/ sec26.doc_cvt.htm

      (تصفُّح بتاريخ 3/ 01/ 2012). وكان زعيم التيار الإصلاحي في الحركة الصهونية، زئيف جابوتنسكي، أول من بلور النظريّة الأمنيّة الإسرائيليّة من خلال مبدأ «الجدار الحديدي» الإسرائيلي. وسيُشيَّد «الجدار الحديدي» تدريجًا، بواسطة ما وصفه يغئال آلون بـ«الردع المُتراكم» الذي سيتدحرج إلى حسم لا نظير له في النظريات الأمنيّة للدول الأخرى. فمن شأن الحسم في كل جولة عسكريّة بين إسرائيل والدول العربية المُجاورة أن يتحوَّل في تراكمه إلى ردع يُشكِّل جدارًا حديديًّا يستحيل على العرب تجاوزه أو اختراقه. وعندها فقط سوف يُسلِّم العرب بحق إسرائيل في الوجود على «إيريتز يسرائيل».

 

[6]-     راجع تفصيل ذلك في ملف أعدّته مجلة الدراسات الفلسطينية: «غادي أيزنكوت وآخرون، نهج الضاحية: عقيدة التدمير الإسرائيلية»، مجلّد 20، عدد 77 (شتاء 2009)، ص 90-108. ويتضمَّن هذا الملف حوارات ومقالات وآراء لإسرائيليّين، بعضهم من صنّاع القرار والبعض الآخر من المُقرّبين إليهم. وتُشكِّل المواقف والأفكار المُعلنة، قبيل شنّ عملية «الرصاص المسبوك» العسكريّة ضدّ قطاع غزة في 27/ 12/ 2008، الرؤية الأمنية الشاملة لإسرائيل، لا سيّما رؤيتها حول فلسطين ولبنان.

 

[7]-     راجع المقابلة التي أجراها المعلِّق العسكري، أليكس فيشمان، والمُراسلة السياسيّة، أريئيلا رينغل – هوفمان، مع اللواء غادي أيزنكوت، صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيليّة في 3/ 10/ 2008.

 

[8]-     المرجع ذاته.

 

[9]-     المرجع ذاته.

 

[10]-   المرجع ذاته.

 

[11]-   المرجع ذاته.

 

[12]-  راجع حول موضوع الأعمال الانتقامية في القانون الدولي العام والمُمارسسة الدولية: كتاب د. محمد المجذوب، «أعمال إسرائيل الإنتقامية ضدّ الدول العربيّة»، منظمة التحرير الفلسطينيّة - مركز الأبحاث، بيروت، 1970، ص 21-96؛ والفصل الأخير من كتاب العميد المتقاعد نزار عبد القادر، المرجع السابق.

 

[13]-   «إنّ اندلاع مواجهة خلال فترة قريبة هو سيناريو مُحتمل. وهذا يُمكن أن يكون إثر عمل انتقامي لاغتيال القيادي في حزب الله (الحاج) عماد مغنية، أو كعملية وقائيّة إسرائيليّة ضدّ ما يُسمّى بـ «خط أحمر» - إدخال صواريخ حديثة مُضادّة للطائرات إلى لبنان»، راجع ما كتبه محلِّل الشؤون العسكرية، عاموس هرئيل، حول «خطة الجيش الإسرائيلي: تدمير مناطق و«قوة غير مُتكافئة» ردًا على الصواريخ» في صحيفة هآرتس الإسرائيليّة في 5/ 10/ 2008. وكذلك ما كتبه قاسم قصير، في 22/ 07/ 2011، حول «خمس سنوات على حرب تموز 2006: المقاومة الإسلامية والجيش الإسرائيلي يستعدّان للحرب المُقبلة»، على الموقع الإلكتروني التالي:

(تصفُّح بتاريخ 3/ 01/ 2012)    http:/ / www.altwafoq.net/ index.php?/ article/ 205051/

        وما كتبته جنان جمعاوي في صحيفة السفير في 20 آب/ أغسطس 2011 عن «تقرير لـ«بروكينغز» (الأميركية) حول استعداد إسرائيل و«حزب الله» للحرب المُقبلة: الميدان من «الهرمل» إلى «ديمونا»... والتوغل في المستوطنات مُحتمل»، المُكوّن من 35 صفحة والذي أعدّه بلال صعب ونيكولاس بلانفورد.

 

[14]-   راجع ما كتبه محلِّل الشؤون العسكرية، عاموس هرئيل، حول «خطة الجيش الإسرائيلي: تدمير مناطق وقوة غير مُتكافئة ردًا على الصواريخ»، المرجع السابق.

 

[15]-   راجع ما كتبه الكاتب والمُعلِّق السياسي، يارون لندن، حول «إستراتيجيا الضاحية: مُصطلح جديد في الخطاب الأمني الإسرائيلي»، في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيليّة في 6/ 10/ 2008.

 

[16]-   المرجع ذاته.

 

[17]-   راجع ما كتبه مُحلِّل الشؤون العسكريّة، عاموس هرئيل، حول «خطة الجيش الإسرائيلي: تدمير مناطق و«قوة غير مُتكافئة ردًا على الصواريخ»، المرجع السابق.

 

[18]-   راجع ما كتبه حول «مفهوم الردّ الإسرائيلي في ضوء حرب لبنان الثانية: ضربة غير مُتكافئة»، في مباط عال، العدد 74¡ 1/ 10/ 2008. وكذلك ما كتبه الباحث في معهد أبحاث الأمن القومي، زكي شالوم، حول «مدى قابلية تطبيق سياسة الردّ الجديدة للجيش الإسرائيلي إزاء حزب الله»، في مباط عال، العدد 76،  23/ 10/ 2008.

 

[19]-   راجع دراسته حول «حرب لبنان الثالثة: الهدف - لبنان»، في عدكان استراتيجي، المجلد 11، العدد 2، تشرين الأول/ أكتوبر 2008. وكذلك ما كتبه الرئيس السابق لدائرة البحث في شعبة الإستخبارات العسكرية، العميد في الإحتياط يوسي كوبر فاسر، حول «حرب لبنان الثالثة: الهدف–حزب الله»، في عدكان استراتيجي، المجلد 11، العدد 2، تشرين الأول/ أكتوبر 2008.

 

[20]-   راجع ما كتبه مُحلِّل الشؤون العسكرية، عاموس هرئيل، حول «خطة الجيش الإسرائيلي: تدمير مناطق و«قوة غير مُتكافئة» ردًا على الصواريخ»، المرجع ذاته.

 

[21]-   المرجع ذاته.

 

[22]-   المرجع ذاته.

 

[23]-   المرجع ذاته.

 

[24]-   راجع ما كتبته صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيليّة حول «إيهود باراك: قوة حزب الله زادت ثلاثة أضعاف منذ الحرب» في 25/ 11/ 2008.

 

[25]-   راجع ما كتبه الكاتب والمُعلِّق السياسي، يارون لندن، حول ««إستراتيجيا الضاحية»: مُصطلح جديد في الخطاب الأمني الإسرائيلي»، المرجع السابق.

 

[26]-   المرجع ذاته.

 

[27]-   راجع النصّ الحرفي لزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، لقيادة الجبهة الداخلية التابعة لجيش الدفاع، موقع رئاسة الحكومة الإسرائيلية على الإنترنت، 19/ 8/ 2008. راجع الموقع الإلكتروني التالي:

     http:/ / www.pmo.gov.il/ PMOEng/ Archive/ Current+Events/ 2008/ 08/ eventoref190808.htm

 

[28]-   راجع ما كتبته صحيفة هآرتس الإسرائيليّة حول «إسرائيل: لبنان مسؤول عن أعمال حزب الله» في 8/ 8/ 2008.

 

[29]-   راجع ما كتبته صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيليّة حول «إيهود باراك: قوة حزب الله زادت ثلاثة أضعاف منذ الحرب» في 25/ 11/ 2008.

 

[30]-   المرجع ذاته.

 

[31]-   راجع الدراسة المُفصَّلة للدكتور محمد المجذوب حول «أعمال إسرائيل الإنتقامية ضدّ الدول العربيّة»، المرجع السابق.

 

[32]-   «في الصدام المُقبل مع حزب الله لن نُحمِّل أنفسنا عناء اصطياد عشرات آلاف منصّات إطلاق الصواريخ، ولن نسفك دماء جنودنا (...)، وإنّما سنُدمِّر لبنان عن بكرة أبيه، ولن نرتدع من احتجاجات العالم. سنقضي على القرى الشيعيّة الـ 160 التي أصبحت قاعدة للجيش الشيعي، ولن نرعوي عن المسّ بالبنى التحتيّة للدولة اللبنانيّة، التي بات حزب الله هو الحاكم الفعلي لها». راجع ما نقله الكاتب والمعلِّق السياسي، يارون لندن، عن قائد المنطقة الشمالية، غادي أيزنكوت، في مقاله حول « «إستراتيجيا الضاحية»: مُصطلح جديد في الخطاب الأمني الإسرائيلي»، المرجع السابق.

 

[33]-   شهد بعض الدول العربية أعمالًا عسكريّة وصفتها إسرائيل وبعض الدول المؤيِّدة لها بالانتقامية لتسويغ إعتداءاتها عليها. ونذكر، على سبيل المثال، أشغال إسرائيل وأعمالها قرب بحيرة طبريا التي دانها مجلس الأمن في 29/ 03/ 1955؛ وهجوم إسرائيل على مطار بيروت الدولي في 28/ 12/ 1968 وتدميرها عددًا من الطائرات لشركة طيران الشرق الأوسط "MEA" ردًا على عملية فدائيّة ضدّ طائرة لشركة العال "El AL" في مطار أثينا قبل يومين. وقد أُدينت إسرائيل على هذا الهجوم بقرار مجلس الأمن الرقم 262 للعام 1968.

 

[34]-   راجع حول موضوع إلتزام الصهيونية بالعنف في فكرها وسياسة إسرائيل: كتاب د. محمد المجذوب، «أعمال إسرائيل الإنتقامية ضدّ الدول العربيّة»، المرجع السابق، ص 119-131.

 

[35]-   حول موضوع الأعمال الانتقامية الخاصة، راجع المرجع ذاته، ص 30-32.

 

[36]-   حول موضوع أغراض إسرائيل من أعمالها الانتقامية، راجع المرجع ذاته، ص 133-152.

 

[37]-   حول موضوع تصميم الأعمال الانتقامية وإعدادها في إسرائيل، راجع المرجع ذاته، ص 153-172.

 

[38]-   راجع دراسة الدكتور محمد المجذوب حول «شرعية المقاومة اللبنانية في ظلّ الإحتلال الإسرائيلي» في كتاب «حروب إسرائيل ضدّ لبنان» (نصوص ودراسات)» الصادر عن مجلس النواب اللبناني العام 1997، ص 17-49.

 

[39]-   راجع حول موضوع الأعمال الانتقامية في زمن السلم: كتاب د. محمد المجذوب، «ÃÚãÇá ÅÓÑÇÆíá ÇáÅäÊÞÇãíÉ ÖÏø ÇáÏæá ÇáÚÑÈíøÉ»، المرجع السابق، ص 71-77.

 

[40]-   حول موضوع قواعد الحرب، راجع: د. محمد المجذوب، «ÇáÞÇäæä ÇáÏæáí ÇáÚÇã»، الطبعة السادسة، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2007، ص 843-864.

 

[41]-   د. محمد المجذوب ود. طارق المجذوب، «القانون الدولي الإنساني»، منشورات الحلبي الحقوقيّة، بيروت، 2009، ص 87-100، لا سيّما ص 77-78.

 

[42]-   حول موضوع عصبة الأمم، راجع، مثلًا، د. محمد المجذوب، «التنظيم الدولي: النظرية والمنظمات العالمية والإقليمية والمُتخصِّصة»، الطبعة الثامنة، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2006، ص 149-180.

 

[43]-   من هؤلاء الفقهاء: شارل دو فيشر، وبولتيس، وإكسيولي، ودو لوتير، وسَلْ وسواهم.

 

[44]-   «ومع أنّ العصبة كانت تميل إلى تحقيق مجمتع دولي منظَّم لم تجرؤ على حظر اللجوء إلى الحرب. فالمادة 12 من الميثاق لم تُحرِّم على الأعضاء خوض الحرب، ولكنّها اكتفت بتحديد إجراءاتها ومنع اللجوء إليها قبل انقضاء ثلاثة أشهر على محاولات حلّ النـزاع سلميًا. فحظر الحرب لم يكن، إذن، جزءًا أصيلًا من الميثاق. وهذا الحظر لم يتحقَّق إلاّ في نصٍّ خاص جرى توقيعه خارج الميثاق، وكانت الولايات المتحدة الأميركية من المُوقِّعين عليه، وهو ميثاق باريس أو ميثاق بريان – كلّوج، المُبرم في 27/ 08/ 1928». راجع د. محمد المجذوب، «التنظيم الدولي: النظرية والمنظمات العالمية والإقليمية والمُتخصِّصة»، المرجع السابق، ص 151.

 

[45]-   راجع حول هذا الموضوع كتاب د. محمد المجذوب، «أعمال إسرائيل الإنتقامية ضدّ الدول العربيّة»، المرجع السابق، ص 90-92.

 

[46]-   نذكر، على سبيل المثال، بوفندورف وإيرزْبيرغر وسواهما.

 

[47]-   د. محمد المجذوب ود. طارق المجذوب، «ÇáÞÇäæä ÇáÏæáí ÇáÅäÓÇäí»، المرجع السابق، ص 87-100، لا سيّما ص 78.

 

[48]-   راجع حول موضوع موقف هيئة الأمم من التدابير الانتقامية: كتاب د. محمد المجذوب، «ÃÚãÇá ÅÓÑÇÆíá ÇáÅäÊÞÇãíÉ ÖÏø ÇáÏæá ÇáÚÑÈíøÉ»، المرجع السابق، ص 92-96.

 

[49]-   تنصّ الفقرة الثالثة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة على التالي: «يفضّ جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر».

 

[50]-   تنصّ الفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة على التالي: «يمتنع أعضاء الهيئة جميعًا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضدّ سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة، أو على أي وجه آخر لا يتَّفق ومقاصد الأمم المتحدة».

 

[51]-   حول موضوع حق الدفاع المشروع عن النفس، راجع: د. محمد المجذوب، «القانون الدولي العام»، المرجع السابق، ص 287؛ وكتابه، «التنظيم الدولي: النظرية والمنظمات العالمية والإقليمية والمُتخصِّصة»، المرجع السابق، ص 198-201. وكذلك ما كتبه حول هذا الموضوع:

A. Cassese, in J. –P. Cot et A. Pellet, “La Charte des Nations Unies”, 2ème éd., Economica, 1991, pp. 771-795.

 

[52]-   د. محمد المجذوب، «القانون الدولي العام»، المرجع السابق، ص 287.

 

[53]-   حول موضوع الفصل السابع، راجع: د. محمد المجذوب، «القانون الدولي العام»، المرجع السابق، ص 287؛ وكتابه: التنظيم الدولي: «النظرية والمنظمات العالمية والإقليمية والمُتخصِّصة»، المرجع السابق، ص 233-238.

 

[54]-   راجع حول موضوع الأعمال الانتقامية في زمن الحرب: كتاب د. محمد المجذوب، «أعمال إسرائيل الإنتقامية ضدّ الدول العربيّة»، المرجع السابق، ص 77-82.

 

[55]-   حول موضوع الفئات المشمولة بحماية القانون الدولي الإنساني، راجع: د. محمد المجذوب ود. طارق المجذوب، «القانون الدولي الإنساني»، المرجع السابق، ص 87-100، لا سيّما ص 92-93.

 

[56]-   راجع حول اتفاقيات جنيف الأربع للعام 1949: كتاب د. محمد المجذوب ود. طارق المجذوب، «القانون الدولي الإنساني»، المرجع السابق، ص 80-81. وكذلك التعليق على المادة 46 من اتفاقية جنيف الأولى، والتعليق على المادة 47 من اتفاقية جنيف الثانية، والتعليق على المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة، على المواقع الإلكترونية التالية:

http:/ / www.icrc.org/ dih.nsf/ WebPrint/ 365-570056-COM?OpenDocument

http:/ / www.icrc.org/ dih.nsf/ WebPrint/ 370-580055-COM?OpenDocument

http:/ / www.icrc.org/ dih.nsf/ WebPrint/ 380-600038-COM?OpenDocument

      (تصفُّح بتاريخ 4/ 01/ 2012).

 

[57]-   تمّ تحصين بناء القانون الدولي الإنساني بالبروتوكولين الإضافيين لاتفاقيات جنيف، الصادرين العام 1977. ويُعالج الأول النـزاعات المُسلَّحة الدوليّة، والثاني النـزاعات المُسلَّحة الداخليّة. لمزيد من المعلومات حول الموضوع، راجع ما كتبه: د. محمد المجذوب ود. طارق المجذوب، «القانون الدولي الإنساني»، المرجع السابق، ص 87-100، لا سيّما ص 84-86. وكذلك ما كُتب حول هذا الموضوع على الموقعين الإلكترونيين الآتيين:

http:/ / www.icrc.org/ fre/ resources/ documents/ misc/ 5fzfq5.htm

http:/ / www.icrc.org/ fre/ resources/ documents/ misc/ 5fzgt4.htm

        (تصفُّح بتاريخ 4/ 01/ 2012).

 

[58]-   حول موضوع القانون الدولي الإنساني والعدالة الجنائيّة، راجع: د. محمد المجذوب ود. طارق المجذوب، «ÇáÞÇäæä ÇáÏæáí ÇáÅäÓÇäí»، المرجع السابق، ص 113-118.

 

[59]-   حول موضوع مسؤولية الدولة، راجع: د. محمد المجذوب، «ÇáÞÇäæä ÇáÏæáí ÇáÚÇã»، المرجع السابق، ص 317-337، لا سيّما ص 318-321 و325.

 

[60]-   راجع حول موضوع مجلس الأمن والأعمال الانتقامية الإسرائيلية: كتاب د. محمد المجذوب، أعمال إسرائيل الإنتقامية ضدّ الدول العربيّة، المرجع السابق، ص 173-186.

 

[61]-   راجع، مثلًا، بحث:

Sophie Albert, “Les représailles armées et l’ingérence démocratique des Etats-Unis en Irak”, Actualité et Droit International, 15/ 01/ 1999

      على الموقع الإلكتروني التالي: http:/ / www.ridi.org/ adi/ 199901a3.html (تصفُّح بتاريخ 3/ 01/ 2012).

      وكذلك بحث:

Thierry Garcia, “Recours à la force et droit international”, Perspectives Internationales et Européennes, 21/ 07/ 2005

      على الموقع الإلكتروني التالي: http:/ / revel.unice.fr/ pie/ index.html?id=46&format=print (تصفُّح بتاريخ 3/ 01/ 2012).

 

[62]-   لمزيد من المعلومات حول موضوع الأعمال الانتقامية، راجع:

- Louis Le Fur, "Des représailles en temps de guerre: représailles et réparations", Sirey, Paris, 1919.

- J. –C Venezia, La notion de représailles en droit international public, Revue Générale de Droit International Public, 1960, pp. 465-498.

- Frits Kalshoven, Belligerent reprisals, A. W. Sijthoff, Leyde, 1971.

- Nicolas Greenwood Onuf, "Reprisals: rituals, rules, rationales", Center of International Studies, no. 42, Research monograph (Woodrow Wilson School of Public and International Affairs), Princeton University, 1974.

- Wen-Chang Liao, "Essai sur les représailles armées en droit international contemporain", Université de Paris 2, 1989.

- Andrew D. Mitchell, "Does one illegality merit another?" The law of belligerent reprisals in international law, Military Law Review, Vol. 170, 2001, pp. 155-177.

- Norman F.J. Allen III, "Reprisal under international law: A defense to criminal conduct?", Strategy research project, U.S. Army War College, Carlisle Barraks, 2009.

- Michael A. Newton, "Reconsidering reprisals", Duke Journal of Comparative & International law, Vol. 20, 2010, pp. 361-388.

[63]-   لمزيد من المعلومات حول موضوع الأعمال الانتقامية Reprisals ، راجع:

L. Oppenheim, "International law", Vol. II (Disputes, war and neutrality), Seventh edition edited by H. Lauterpacht, (Longmans, Green and Co), 1952, pp. 135-144.

 

[64]-   هذا ثبت بالجملة الإنكليزيّة:

     “Reprisals are such injurious and otherwise internationally illegal acts of one State against another as are exceptionally permitted for the purpose of compelling the latter to consent to a satisfactory settlement of a difference created by its own international delinquency.” (para. 33, p. 136).

 

[65]-   المرجع ذاته، الفقرة 34، ص 136-137.

 

[66]-   المرجع ذاته الفقرة 41، ص 142.

 

[67]-   المرجع ذاته الفقرة 39، ص 141.

 

[68]-   المرجع ذاته، الفقرة 37، ص 139.

 

[69]-   لمزيد من المعلومات حول موضوع إستعمال أو التهديد باستعمال القوة، راجع:

     Ian Brownlie, "Principles of public international law", 7th ed., Oxford University Press, New York, 2008, pp. 729-747.

 

[70]-   حول بعض حالات التدابير الاكراهية التي لا تُخالف القانون الدولي العام، راجع كتاب: د. محمد المجذوب، «ÃÚãÇá ÅÓÑÇÆíá ÇáÅäÊÞÇãíÉ ÖÏø ÇáÏæá ÇáÚÑÈíøÉ»، المرجع السابق، ص 28-30.

 

[71]-   حول موضوع الأعمال الانتقامية السلمية والتدابير الاكراهية السلمية، راجع المرجع ذاته، ص 33-38.

 

[72]-   حول موضوع الأعمال الانتقامية المسلحة والتدابير الاكراهية غير السلمية، راجع المرجع ذاته، ص 38-51.

 

[73]-   الردّ بالمِثْل Retorsion هو «استخدام لحقّ مُقرَّر بموجب القانون الدولي من جانب دولة في مواجهة دولة أخرى بهدف حملها على التوقف عن استخدام حقّ مُقرَّر لها في مواجهة الدولة الأولى». مجمع اللغة العربية، معجم القانون، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميريّة، القاهرة، 1999، ص 633.

 

[74]-     راجع:  L. Oppenheim, "International law", Vol. II (Disputes, war and neutrality), Seventh edition edited .by H. Lauterpacht, (Longmans, Green and Co), 1952, para 33, p. 136

 

[75]-   لمزيد من المعلومات حول موضوع المعاملة بالمِثْل الإقتصاص أو الردّ بالمِثْل Retorsions ، راجع:

     L. Oppenheim, "International law", Vol. II (Disputes, war and neutrality), Seventh edition edited by H. Lauterpacht, (Longmans, Green and Co), 1952, pp. 134-135.

 

[76]-   راجع حول موضوع الفروق الرئيسة بين العمل الانتقامي والمُعاملة بالمِثْل: كتاب: د. محمد المجذوب، «ÃÚãÇá ÅÓÑÇÆíá ÇáÅäÊÞÇãíÉ ÖÏø ÇáÏæá ÇáÚÑÈíøÉ»، المرجع السابق، ص 36-37.

 

[77]-   المرجع ذاته، ص 40.

 

[78]-   المرجع ذاته، ص 36-37.

 

[79]-   يستعمل ميثاق الأمم المتحدة، في نصِّه العربي، عبارة «إذا اعتدت قوّة مُسلَّحة»، في حين أنّ النص الفرنسي يستعمل عبارة «عدوان مُسلَّح»، والنص الإنكليزي عبارة «هجوم مُسلَّح». وفي رأينا إنّ كلمة «هجوم» أوضح من لفظة «عدوان».

 

[80]-   راجع حول موضوع نقاط الالتقاء والاختلاف بين الدفاع المشروع عن النفس والأعمال الانتقامية: كتاب: د. محمد المجذوب، «أعمال إسرائيل الإنتقامية ضدّ الدول العربيّة»، المرجع السابق، ص 39-41.

 

[81]-   المرجع ذاته، ص 40.

 

[82]-   د. محمد المجذوب ود. طارق المجذوب، «القانون الدولي الإنساني»، المرجع السابق، ص 87-100، لا سيّما ص 77.

 

[83]-   مجمع اللغة العربية، معجم القانون، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميريّة، القاهرة، 1999، ص 599. وراجع تعريف الأعمال الانتقامية في كلّ من المؤلفات والأبحاث التالية:

- Paul Fauchille, "Traité de droit international public", T. I, Paris, 1926, p. 690.

- Marcel Sibert, "Traité de droit international public", T. II, Paris, 1951, p. 560.

- Yves De La Brière, "Evolution de la doctrine et de la pratique en matière de représailles", in Recueil des cours de l’Académie de droit international de La Haye (RCADI), 1928, II, p. 241.

[84]-   د. محمد المجذوب ود. طارق المجذوب، «ÇáÞÇäæä ÇáÏæáí ÇáÅäÓÇäí»، المرجع السابق، ص 87-100، لا سيّما ص 77.

 

[85]-   د. محمد المجذوب، «ÃÚãÇá ÅÓÑÇÆíá ÇáÅäÊÞÇãíÉ ÖÏø ÇáÏæá ÇáÚÑÈíøÉ»، المرجع السابق، ص 24-25.

 

[86]-   المرجع ذاته، ص 25-26.

 

[87]-   لمزيد من المعلومات حول تحديد الطبيعة القانونية للأعمال الانتقامية، راجع بحث:

     J. –C Venezia, "La notion de représailles en droit international public", Revue Générale de Droit International Public, 1960, pp. 465-498.

 

[88]-   راجع في هذا الصدد كتاب: د. محمد المجذوب، «أعمال إسرائيل الإنتقامية ضدّ الدول العربيّة»، المرجع السابق، ص 26-28.

 

[89]-   المرجع ذاته، ص 53-70.

 

[90]-   راجع حول هذا الموضوع، المرجع ذاته، ص 54-67.

 

[91]-   راجع دراسة الدكتور محمد المجذوب حول «شرعية المقاومة اللبنانية في ظلّ الإحتلال الإسرائيلي»، المرجع السابق، ص 17-49.

 

[92]-   إستقرّ الإجتهاد على ذلك منذ أن أصدرت محكمة التحكيم الألمانيّة – البرتغاليّة، في 31/ 07/ 1928، قرارها في قضية Naulilaa . لقد طالب القرار التحكيمي باعتبار الأعمال الانتقامية أعمالًا غير مشروعة إذا لم تتناسب مع العمل الذي كان سببًا في اتخاذها. وأشار القرار كذلك إلى نظرية التعسف في استعمال الحق حيث يُشكِّل التفاوت بين الهدف والوسائل المُستعملة مظهرًا من مظاهرها. راجع حول هذا الموضوع:

     Malcolm N. Shaw, "International law", 6th ed., Cambridge University Press, Cambridge, 2008, p. 1129.

 

[93]-   راجع حول موضوع بعض الأمثلة عن الاستثناءات: كتاب: د. محمد المجذوب، «ÃÚãÇá ÅÓÑÇÆíá ÇáÅäÊÞÇãíÉ ÖÏø ÇáÏæá ÇáÚÑÈíøÉ»، المرجع السابق، ص 66-67.

 

[94]-   راجع حول هذا الموضوع، المرجع ذاته، ص 67-70.

 

[95]-   لمزيد من المعلومات حول الجوانب القانونيّة لحرب تموز/ يوليو 2006 بعيون غربيّة، راجع:

     Charles De Bock, "Israël, été 2006: “Légitime défense disproportionnée” ou “représailles”? Analyse d’un glissement de langage", Revue québécoise de droit international, Volume 20, No 2, 2007, pp. 41-74.

      على الموقع الإلكتروني التالي:  http:/ / www.sqdi.org/ images/ volumes/ 202_Bock.pdf

 

[96]-   سنتطرَّق إليه ونشرحه في بحث لاحق.

 

[97]-   راجع دراسة الدكتور محمد المجذوب حول «شرعية المقاومة اللبنانية في ظلّ الإحتلال الإسرائيلي»، المرجع السابق، ص 17-49.

 

[98]-   راجع حول موقف إسرائيل من اتفاقية جنيف الرابعة، كتاب: Eyal Benvenisti, "The international law of occupation",

Princeton University Press, Princeton and Oxford, 2004, pp. 109-123.

 

[99]-   نذكر، على سبيل المثال، مبدأ أو شرط دو مارتنس De Martens. والشرط يتعلَّق بقوانين الحرب البريّة وأعرافها. ولدى إعداد اتفاقيات جنيف للعام 1949، أُدرج الشرط في موادها، كما أُدرج بعد ذلك في إحدى مواد البروتوكول الأوّل الإضافي للعام 1977. والشرط ينصّ على أن يظلّ المدنيّون والمقاتلون، في الحالات التي لا ينصّ عليها أي اتفاق أو بروتوكول، تحت حماية مبادئ القانون الدولي وسلطان، ومبادئ الإنسانية، وما يُمليه الضمير العالمي. راجع كتاب: د. محمد المجذوب ود. طارق المجذوب، «ÇáÞÇäæä ÇáÏæáí ÇáÅäÓÇäí»، المرجع السابق، ص 97.

 

[100]- راجع حول موضوع الأبعاد القانونيّة لاحتلال إسرائيل للأراضي العربية، الفصول 5 و7 و8 من كتاب:

     Eyal Benvenisti, op. cit., pp. 107-148, 191-208, 209-216.

 

[101]- صحيفة النهار في 5/ 09/ 1969.

 

[102]- صحيفة لوجور Le Jour في 6/ 09/ 1969.

 

[103]- صحيفة النهار في 12/ 10/ 1969.

 

[104]- إنّ انتماء إسرائيل إلى هيئة الأمم المتحدة يُحتِّم عليها – عند اتِّهامها لبنان بخرق القوانين والاتفاقات الدولية – رفع الأمر إلى الهيئات المُختصَّة في هذه المنظمة.

 

[105]- راجع، مثلًا، تقرير غولدستون لعام 2009 المُكوَّن من 575 صفحة:

     Report of the United Nations fact finding mission on the Gaza conflict, September 15, 2009

على الموقع الإلكتروني التالي:

     http:/ / image.guardian.co.uk/ sys-files/ Guardian/ documents/ 2009/ 09/ 15/ UNFFMGCReport.pdf

(تصفُّح بتاريخ 10/ 01/ 2012).

 

[106]- أُتيح لمجلس الأمن، أكثر من مرّة، أن يُصدر قرارات تُعارض وتُدين الأعمال الانتقاميّة التي قامت بها إسرائيل، حتى أصبح الحقوقيون يوردون غالبًا هذه الاعتراضات كإثبات للإدانة العالمية للإنتقامات في القانون المُعاصر. راجع حول موضوع مجلس الأمن والأعمال الانتقامية الإسرائيلية: كتاب د. محمد المجذوب، «أعمال إسرائيل الإنتقامية ضدّ الدول العربيّة»، المرجع السابق، ص 173-186.

 

[107]- حول موضوع العقوبات ضدّ الدول الأعضاء المُخالفين لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، راجع، مثلًا، د. محمد المجذوب، التنظيم الدولي: النظرية والمنظمات العالمية والإقليمية والمُتخصِّصة، المرجع السابق، ص 228-238، لا سيّما ص 228-229 (الطرد أو الفصل من الأمم المتحدة) وص 229-232 (الحرمان من حقوق العضوية) وص 233-238 (العقوبات القسريّة).

 

[108]- د. محمد المجذوب، «القانون الدولي العام»، المرجع السابق، ص 111.

 

[109]- المرجع ذاته، ص 112-117.

 

[110]- المرجع ذاته، ص 117-121.

 

[111]- راجع التعريف لهذا العلم في قاموس Black’s Law Dictionary:

     “The use of scientific or empirical methods, including measurement, in the study of legal matters” (Black’s Law Dictionary, Ninth edition, 2009, p. 927)

 

[112]- النَمْذَجَة هي البناء النظري الذي يُحاكي بُنْيَة وآلية التفاعل في ميدان من ميادين فروع المعرفة، وعلاقات مُكوِّناته بعضها بالبعض الآخر. حول موضوع الدراسات المستقبلية في العلاقات الدولية، راجع: د. وليد عبد الحي، «مدخل إلى الدراسات المستقبلية في العلوم السياسية»، المركز العلمي للدراسات السياسية، عمّان، 2002، ص 166-194.

 

[113]- راجع ما كتبه:

     David Eshel, «The Israel-Lebanon border enigma», in IBRU Boundary and Security Bulletin Winter 2000-2001, p. 72.

      فهو يعتبر أنّ:

     (…) to date this border (i.e., the Israel-Lebanon border) is neither properly defined along its full length nor fully accepted by the nations either side of it.

 

[114]- راجع بحثنا: «نحو قراءة جديدة لرحلة البحث عن الحدود الجنوبيّة للبنان (مُلاحظات قانونيّة أوليّة)»، في مجلة الدفاع الوطني اللبناني، العدد الثامن والسبعون، تشرين الأول/ أكتوبر 2011، ص 5-58.

 

[115]- راجع، مثلًا، دراسة جوناثان كوك: «ماذا يعني تراجع غولدستون عن تقريره؟ ضغوط إسرائيليّة جعلته منبوذًا بين أهله»، في النسخة العربية لمجلة Le Monde Diplomatique الفرنسيّة على الموقع الإلكتروني التالي:

     http:/ / www.mondiploar.com/ article3480.html?PHPSESSID=64e6a9c27053ee926f719b00bfce36de

      (تصفُّح بتاريخ 3/ 01/ 2012). لقد شكَّل تقرير غولدستون إدانة لإسرائيل لأنه اتهمها بارتكاب جرائم حرب خلال عمليتها العسكريّة ضدّ غزة خلال في العامين 2008 و2009. وقد أبدى اهتمامًا أيضًا بـ «عقيدة الضاحية» لأنها تتضمَّن إلحاق أضرار فادحة وغير مُتناسبة بالبنى التحتيّة وتُعرِّض المدنيين للخطر. إلاّ أنّ غولدستون تراجع، بشكل غير مُتوقَّع، عن بعض توصيات تقريره وخلاصاته في مقال إعتذاري نُشر في صحيفة أميركية مرموقة في 1/ 04/ 2011:

«Reconsidering the Goldstone Report on Israel and war crimes», Washington Post, April 1, 2011.

      وقام ثلاثة ممّن شاركوا في كتابة التقرير بنشر ردّ على مقاله في صحيفة بريطانيّة في 14/ 04/ 2011:

Goldstone Report: «Statement issued by members of the UN mission on Gaza war», The Guardian, April 14, 2011.

      وتلَّقفت إسرائيل مقال غولدستون الإعتذاري بحبور لأنّه أظهرها بمظهر الضحية وجمّل أعمالها الانتقاميّة وحصَّنها مُستقبلًا ضدّ كل تهويل بتحقيق أممي، كما مهَّد لأعمال انتقاميّة إسرائيليّة جديدة قد تكون أسوأ من سابقاتها.

 

[116]- راجع، مثلًا، بحث:

     J. – C Venezia, «La notion de représailles en droit international public», Revue Générale de Droit International Public, 1960, p. 466.

 

[117]- نذكر، على سبيل المثال، الأحكام التالية:

     Corfu Channel case, Judgment of April 9th,1949, I.C.J. Reports 1949, p. 35; Military and paramilitary activities in and against Nicaragua (Nicaragua v. United States of America), Merits, Judgment, I.C.J. Reports 1986, p. 127, para. 249; Legality of the threat or use of nuclear weapons, Advisory opinion, I.C.J. Reports 1996, p. 246, para. 46.

 

[118]- نذكر، على سبيل المثال، القرارات التالية:

     S/ RES/ 111 (19/ 01/ 1956); S/ RES/ 171 (9/ 04/ 1962); S/ RES/ 188 (9/ 04/ 1964); S/ RES/ 316 (26/ 06/ 1972); S/ RES/ 332 (21/ 04/ 1973); S/ RES/ 573 (4/ 10/ 1985); A/ RES. 41/ 38 (20/ 11/ 1986).

 

[119]- راجع حول موضوع الاتجاه نحو تحريم التدابير الانتقامية في العلاقات الدولية: كتاب: د. محمد المجذوب، «ÃÚãÇá ÅÓÑÇÆíá ÇáÅäÊÞÇãíÉ ÖÏø ÇáÏæá ÇáÚÑÈíøÉ»، المرجع السابق، ص 83-96.

 

[120]- يتذبذب موقف الولايات المتحدة الأميركية من موضوع الأعمال الانتقامية والدفاع المشروع عن النفس، فالإدارة الأميركية تستخدم عبارة «الأعمال الانتقاميّة» أمام مجلس الشيوخ وعبارة «الدفاع المشروع عن النفس» أمام أجهزة ومؤسسات الأمم المتحدة. لمزيد من المعلومات حول الموضوع، راجع بحث:

Julia W. Willis, Contempory practice of the United States, American Journal of International Law, Vol. 73, 1979, pp. 491-492.

      وقد جعلت الإدارة الأميركية من مسألة الإرهاب حجّة للجوئها إلى الأعمال الانتقامية، راجع الكتاب الموجه من المندوب الدائم للولايات المتحدة الأميركية إلى رئيس مجلس الأمن بتاريخ 20/ 08/ 1998 (Doc. S/ 1998/ 780)، وتصريحه بعد الغارات على بنغازي وطرابلس الغرب في العام 1986 (S/ PV 2674, pp. 13-15). وكذلك ما صرّح به مندوب إسرائيل في مجلس الأمن بعد الغارة على تونس في 1/ 10/ 1985 (S/ PV 2611, p. 22).

 

[121]- راجع:

Yoram Dinstein, War, aggression and self-defense, Cambridge: Grotius Publications Limited, 1988, p. 202.

 

[122]- رفضت لجنة القانوني الدولي التابعة للأمم المتحدة التمييز بين «الأعمال الانتقاميّة الدفاعيّة» و«الأعمال الانتقاميّة الهجويّة»، واعتبرتهما أعمالًا انتقاميّة، راجع:

     «Yearbook of the International Law Commission», 1995, Volume II, Part Two, p. 67, para. 3.

 

[123]- حول موضوع أهمّ المبادئ التي يقوم عليها القانون الدولي الإنساني، راجع كتاب: د. محمد المجذوب ود. طارق المجذوب، «القانون الدولي الإنساني»، المرجع السابق، ص 36-39. وحول المبادئ الخاصة بالفئات المحميّة، راجع المرجع ذاته، ص 96-99.

 

[124]- سبَّب تدخُّل الولايات المتحدة الأميركيّة وحلفاؤها في العراق في آذار/ مارس 2003، على عكس التدخُّل في أفغانستان، أزمة في مجلس الأمن فانقسمت الآراء حوله. وراح البعض يُحاول تصويب المسار من خلال اللجوء إلى مفهوم حق الحرب Jus ad bellum (أي الحق الذي كان يُقرِّره القانون الدولي التقليدي لكلّ دولة في شنّ الحرب على غيرها من الدول).

 

[125]- لمزيد من المعلومات حول التخطيط بشكل عام، راجع كتابنا: الإدارة العامة «ÇáÚãáíøÉ ÇáÅÏÇÑíøÉ æÇáæÙíÝÉ ÇáÚÇãÉ æÇáÅÕáÇÍ ÇáÅÏÇÑí»، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2005، ص 167-240.

 

[126]-  راجع خطاب الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، في 14/ 08/ 2009 «ÇáÐßÑì ÇáËÇáËÉ áÇäÊÕÇÑ ÇáãÞÇæãÉ Úáì ÇáÚÏæ Ýí ÍÑÈ áÈäÇä ÇáËÇäíÉ».

 

[127]- لمزيد من المعلومات حول غزّة، راجع ما كتبه يريف موهر: «إنهارت نظرية الضاحية وإسرائيل تدفع الثمن» في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية في 2/ 11/ 2011. وكذلك ما كتبته د. ليلى نقولا الرحباني، في 27/ 07/ 2011، بعنوان: «الحرب ضرورة إسرائيلية ولكنها لن تحصل» على الموقع الإلكتروني التالي:

http:/ / www.athabat.net/ news/ index.php/ lobnaniat/ lobnaniat/ hadath-al2osbo3

        (تصفُّح بتاريخ 3/ 01/ 2012). ونُشير إلى أنّ المقاومة رفعت شعار «توازن الردع» أو الأهداف المُتقابلة المُتكافئة، أي عاصمة مُقابل عاصمة، ومدينة مُقابل مدينة، ومطار مُقابل مطار، ومصنع مُقابل مصنع. (راجع خطاب الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، في 16/ 02/ 2010).

 

[128]- إعتبر الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي وكبير باحثي معهد أبحاث الأمن القومي بجامعة تل أبيب، اللواء في الإحتياط غيورا آيلاند، أنّه لو نشبت حرب لبنان الثالثة فمن المُرتقب أو المُحتمل ألاّ تكون نتائجها أفضل من سابقتها لسببين (الأوّل عادي، والثاني أساسي): لأنّ ميزان القوى لم يتغيَّر بشكل ملحوظ من نحوٍ أول، ولأنّه من غير المُمكن الإنتصار على حزب كفيء، جيّد التجهيز، متى توافرت له ثلاثة عناصر من القوة من نحوٍ ثانٍ. وأرجع قوة الحزب إلى تضافر ثلاثة عوامل: أولًا، نشاط الحزب إنطلاقًا من دولة (لبنان، مثلًا) ضد دولة أخرى (إسرائيل، مثلًا)؛ وثانيًا، توفير دولة (لبنان، مثلًا) الدعم له أو الرعاية الكاملة؛ وثالثًا، أن يكون جيش الدولة (لبنان، مثلًا) وبناها التحتية بمنأى عن الأعمال الانتقامية لدولة أخرى (إسرائيل، مثلًا). راجع في هذا الصدد دراسته المهمَّة حول «ÍÑÈ áÈäÇä ÇáËÇáËÉ: ÇáåÏÝ - áÈäÇä»، المرجع السابق.

 

The Israeli retaliation acts against Lebanon (the Dahyeh doctrineas an example)

 

Since the complete suspension of combat operations on the 14th of August 2006, the strategic planning departments of Israel endeavored to study the negligence and the military, security and field gaps which emerged during the second war against Lebanon (such as the depletion of Lebanese targets, the failure of military combat plans and the fragility of the Israeli internal scene). Afterwards, these departments set out to establish “a new defensive doctrine” which draws the approach of the Army in future wars.
On 3/10/2008, the Northern military region Commander at that time Major General Ghadi Izincot called to demolish any Lebanese village targeting Israel. “I call it the Dahyeh doctrine or the Dahyeh strategy or the Dahyeh method” he added.
“What happened in the southern suburb of Beirut during the second Lebanese war in 2006 will also be the fate of any Lebanese village targeting Israel”. “We will be using a disproportional power against the said village and we shall inflict serious damage”.
The Zionist “Dahyeh doctrine” is strongly correlated to the issue of current and future Israeli avidities in Lebanon. This doctrine has numerous dimensions and repercussions which we find it difficult to understand in one study. We will primarily highlight the legal side of the issue. However, we will take a quick glance over the stages and developments of the Dahyeh doctrine. Moreover, we will discuss the nature of the acts of retaliation and the other, the conditions of performing the acts of retaliation and the acts of retaliation in time of peace and war as well as the inclination to prohibit these acts in international relations and applying them in the Lebanese case.
Furthermore, we will briefly tackle the general international law and the retaliatory measures taken by Israel against Lebanon.
We will also determine the ways aimed at forcing Israel to respect Lebanese rights or imposing the regulations of the international law in the case of Israel. Finally we will tackle a Lebanese work plan proposed to face any potential retaliatory Israeli acts.

Les actes de vengeance israéliens contre le Liban (“la doctrine de Dahyié” en tant qu’exemple)

 

Depuis “l’arrêt total des actes de combat” le 14 août 2006, les départements de planification stratégique en Israël se concentrèrent sur l’étude des carences et des lacunes sur le terrain, sécuritaires et militaires qui ont surgi lors de la deuxième guerre du Liban (avoir visé tous les buts libanais, l’échec au niveau des plans militaires de combat et la scène interne israélienne fragile), et ont commencé à élaborer “une nouvelle doctrine de défense” dictant le dogme de l’armée lors de ces prochaines guerres.
Le 3/10/2008, le commandant de la région militaire du Nord à cette époque, le général de division Ghadi Ezincot avait appelé à détruire tout village libanais à partir duquel le feu serait tiré contre Israël, en disant “Je nomme cela la doctrine de Dahyié (ou la stratégie de Dahyié ou la doctrine de Dahyié).
Ce qui a eu lieu à la banlieue Sud de Beyrouth lors de la deuxième guerre du Liban en 2006, pourra avoir lieu aussi dans n’importe quel village (Libanais) à partir duquel Israël sera visé. Nous allons faire activer contre ce village une force qui ne lui sera pas compatible et nous allons causer la destruction et les dégâts.
 La “doctrine de Dahyié” sioniste est étroitement liée aux avidités israéliennes actuelles et futures envers le Liban. Cette doctrine a des extensions et des répercussions difficiles à être élaborées dans une seule recherche. Nous allons nous contenter de mettre l’accent, d’une manière principale, sur le côté juridique. Or nous allons évoquer brièvement d’abord les phases et les développements de la “doctrine de Dahyié” sioniste, de la “stratégie de Dahyié” et du “dogme de Dahyié”. Nous allons évoquer deuxièmement, la nature des actes de vengeance et les conditions pour exercer de tels actes, lors de la paix et de la guerre, tout en nous dirigeant vers la prohibition des mesures de vengeance au niveau des relations internationales et les appliquer sur le cas libanais. Troisièmement, nous allons parler brièvement de la loi internationale publique et les mesures de vengeance prises par Israël contre le Liban. Nous allons définir, quatrièmement, comment obliger Israël à respecter les droits du Liban ou comment serait possible d’imposer les règles de la loi internationale sur Israël. Cinquièmement, nous allons exposer le plan de travail libanais proposé pour faire face aux actes de vengeance israéliens attendus.