في الميدان

أقرب الى الحدود... القوة المشتركة لضبط الحدود
إعداد: ندين البلعة

من على خط الحدود الشمالية مباشرةً، من منطقة العبّودية تحديداً وأمام عدد من الصحافيين، عقد العقيد الركن حميد اسكندر، رئيس لجنة مراقبة وضبط الحدود، مؤتمراً صحفياً لإطلاع الرأي العام - عبر الصحافة - على آخر مستجدات مشروع ضبط الحدود، وذلك يوم الأربعاء في 24 حزيران 2009.
 

أهمية ضبط الحدود

استهل العقيد الركن اسكندر شرحه، بالتعريف بالقوة المشتركة لضبط الحدود، التي تتألف من عناصر وضباط من الجيش والأمن العام، الأمن الداخلي والجمارك. وتعمل القوة على تنسيق مشروع ضبط الحدود وتخطيطه، وترتبط عملانياً بقيادة الجيش التي تقدّم الجهد الأكبر في هذا المجال.
ضبط الحدود وإدارتها هما حاجة سياسية بالدرجة الأولى، فهي أساسية لتأمين متطلبات سيادة الدولة وتطبيق القانون. وهي ايضاً حاجة أمنية ملحّة لحماية لبنان من مخاطر التسلّل والإرهاب، ودخول الأسلحة اليه. والى ذلك فهي حاجة إقتصادية، نظراً الى المداخيل التي يمكن أن تؤمّنها المعابر الحدودية.

 

بداية المشروع
قبل البدء بهذا المشروع، كانت أجهزة الدولة الأمنية المعنية بمراقبة الحدود وضبطها، تقوم بواجباتها كاملة لتطبيق هذه المهمة، إنما مع وجود بعض الشوائب والثغرات، منها ما هو جغرافي كبعد معبر العبّودية عن الحدود وبالتالي صعوبة ضبطها ومنع التهريب عبرها، بالإضافة الى نقص اللوجستيات والبنى التحتية اللازمة وغيرها.
بعد صدور قرار مجلس الأمن 1701 العام 2006، طالبت الفقرة 14 منه، الدولة اللبنانية، بضبط حدودها ومنع إدخال الأسلحة من دون موافقتها.
على الفور اتخذت الحكومة اللبنانية إجراءات سريعة، وقام الجيش بنشر أعداد كبيرة من الألوية والأفواج على الحدود البرية والبحرية كافة، لتأمين ضبط الحدود.
بالتزامن مع ذلك، تبرّع عدد من الدول المانحة، لمساعدة لبنان على تحسين عملية ضبط حدوده، نظراً الى الخبرات والتقنيات التي يتمتّع بها بعض الدول الغربية. نذكر من هذه الدول: ألمانيا، الدانمارك، الولايات المتحدة الأميركية، كندا، بريطانيا، والإتحاد الأوروبي.

 

إنشاء قوة مشتركة
في ما بعد، بدأ التعاون بين لجان لبنانية (لجنة السهر على الحدود برئاسة مدير عام قوى الأمن الداخلي، ولجنة الجيش) لوضع تصوّر ومخطّط يمكن أن يساهم في تحسين عمل المعابر الشرعية وتفعيلها.
أثمر هذا الجهد، إنشاء قوة مشتركة لمراقبة الحدود الشمالية وضبطها. تضمّ هذه القوة وحدات من الجيش - تشكّل عمودها الفقري من حيث العديد والتجهيزات والمراكز اللوجستية - ووحدات أخرى من الأمن العام والأمن الداخلي والجمارك.
بدأت قوة ضبط الحدود الشمالية عملها على الأرض، في بداية العام 2008، فكان لها دور أساسي في وضع تصوّر وتصميم لمكافحة الهجرة غير الشرعية والتهريب، بالتنسيق الكامل مع الأجهزة المعنية في هذه القوة.
وقد بُذل جهد أساسي في إطار معالجة المراكز الحدودية الرسمية: العريضة والعبّودية في الشمال، والقاع والمصنع في البقاع.
ثلاثة من هذه المعابر (العبّودية والمصنع والقاع) تبعد مسافة طويلة عن الحدود مباشرةً، ولا يمكن في هذه الحالة ضبط الحدود بالشكل المطلوب.

 

العبّودية
بعد هذه اللمحة، أوضح العقيد الركن حميد اسكندر للحضور، استحداث المركز الحدودي في العبّودية، مباشرةً على النهر الفاصل بين الحدود اللبنانية - السورية. إذ بدأت الأجهزة الأمنية بالإنتقال الى المراكز الجديدة لتنفيذ مهامها بالشكل المطلوب. كما أكّد أن النتائج المتوخاة من هذا الإستحداث ستكون إيجابية وسيكون لها مردود إقتصادي وأمني فعّال.
يمثّل هذا المشروع القاعدة الأساسية في ضبط الحدود، ألا وهي التعاون الوثيق بين الدول المتجاورة. وفي هذا الإطار، يوجد تنسيق حثيث بين الجانبين اللبناني والسوري لتسهيل هذه المهمة.

 

تقنياً
من الناحية التقنية، حقّقت معدات متطوّرة في مجال ضبط الحدود.
حقّق الأمن العام مختبراً مركزياً هو حالياً في مطار بيروت الدولي لكشف الوثائق المزوّرة وضبطها وتعميمها محلياً على المعابر الحدودية كافة ودولياً ايضاً. كما تمّ تحقيق آلات لقراءة جوازات ووثائق السفر المزوّدة رقائق إلكترونية (ships) والتي تحتوي على معايير بيومترية (Biométrique) أي بصمة الإبهام والعين. وهذه خطوة نوعية في مجال استعمال الآلات المتطورة في مجال كشف الوثائق المزوّرة.  
كذلك بالنسبة الى الجمارك العامة، فقد تمّ تحقيق آلات Scanner ضخمة تسمح بتفتيش شاحنة بكاملها وقراءة محتواها، نظراً الى أهمية مكافحة الإرهاب ومنع عمليات التهريب ضمن الشاحنات والحامل          ات الكبيرة. هذا بالإضافة الى نظام متطوّر يسمح بمكننة البيانات والمعاملات الجمركية كافة وتأليلها في جميع المعابر الحدودية.
إذاً جُهّزت هذه المراكز الجديدة حسب المواصفات الـدوليــة، وتعـمــل بمبدأ «التـوقـف الواحـد» (One Stop Control)، وبالتالي تعمل القوى الأمنية لمعالجة المشاكل والحالات الإستثنائية مباشرةً بالتنسيق بين الجانبين، ما يؤمّن اختصاراً في الوقت وتفعيلاً لتنفيذ المهمة.

 

تنفيذ المهام
في 20/12/2008، اتخذ مجلس الوزراء قراراً بالإنتقال الى تنفيذ المرحلة الأولى من مراقبة الحدود الشرقية وضبطها، والتي يبلغ طولها حوالى 220 كلم. تبدأ هذه المرحلة من منطقة وادي فيسان الى جنوب بلدة عرسال على طول حوالى 70 كلم.
بدأ التخطيط لهذه المهمة، والتحضير لها بشكل فعّال، بالتنسيق مع جميع المعنيين من دول مانحة، إدارات، وزارات وأجهزة معنية. ومن المتوقع أن يبدأ تنفيذ هذه المرحلة في بداية العام 2010 وينتهي التنفيذ والتقييم في بداية تموز 2010. والمتوقع إنهاء المهمة بمراحلها الثلاث على طول الحدود الشرقية، في منتصف العام 2010.
 

 

معالجة شاملة
الى جانب شرحه ضرورة ضبط الحدود والقوة المشتركة المخصّصة لهذه العملية، أكّد العقيد الركن اسكندر أنه لا يمكن الإكتفاء بهذا المشروع لضبط الحدود، بل يجب معالجة المشكلة من جذورها. فأشار الى الواقع الإقتصادي والإجتماعي السائد على طول الحدود اللبنانية، إذ يرتفع معدل البطالة، ومعظم السكان يعتمدون على الزراعة وبعض التجارة والصيد، بالإضافة الى انخراط بعضهم في الأجهزة الأمنية.
إذاً لا توجد منشآت سياحية أو مصانع كبيرة تؤمّن فرص العمل لهؤلاء. بالتالي اضطر سكان هذه المناطق الى التهريب لكسب العيش نظراً الى تفاوت الأسعار بين لبنان وسوريا.
من هنا الإلحاح للعمل على تحسين هذا الواقع على طول المناطق الحدودية. وقد أبدى بعض الدول المانحة استعداداً للمساعدة في هذا المجال مع مساعدة فرق إحصاءات تعمل لتحديد أهم الحاجات اللازمة في هذا الإطار.
 

البقيعة
بعد هذا الشرح المطوّل عن أهمية مراقبة الحدود وضبطها، وعن المعابر المستحدثة، انتقل الجميع برفقة اللجنة الى معبر البقيعة في منطقة وادي خالد.
تمّ افتتاح هذا المعبر أمام المشاة في 26 أيار 2009، وسيتم افتتاحه في بداية شهر تموز أمام السيارات السياحية. وهو أقيم وفقاً للمواصفات الدولية، وله دور أساسي في المساعدة على تسهيل الحياة اليومية للمواطنين. فعلى طول الحدود توجد مناطق متداخلة سكانياً وعقارياً، كمنطقة وادي خالد، حيث يوجد لبنانيون يملكون أراضي في الجانب الآخر من الحدود والعكس. هذا بالإضافة الى التداخل الإجتماعي الكثيف من تزاوج ومصاهرات.
وبالتـالي كان لا بد من إنشاء معبر جديد في هذه المنطقة، يأخذ في عين الإعتبار واقعها الإقتصادي والإجتماعي والإنساني ويسهّل حركة المواطنين اللبنانيـين والسوريين، للعبور من دون تكبّد عناء طول الطريق للقدوم الى العريضة أو العبّودية.

 

معبرا القاع والمصنع

هناك خطة مستقبلية لنقل معبرَي القاع والمصنع - اللذين يبعدان حوالى 13 كلم عن الحدود - الى الحدود مباشرة على أمل أن يتم ذلك قبل تموز 2010.