باختصار

أقلام الحرّية المسؤولة
إعداد: العميد الركن حسن أيوب
مدير التوجيه

من المستغرب إلى حدّ بعيد، ومن المستهجن والمرفوض، أن نقرأ من وقت إلى آخر، خبراً هنا، وتلميحاً هناك، وافتراضاً هنالك، حول اقتراب موعد حصول تصدّع الأوضاع في لبنان. وسبب الاستغراب والاستهجان والرفض، هو أنّ الكتبة والناعبين هم من عندنا من هنا، من هذا الوطن. إنّهم يطرحون الأمور هكذا من دون أيّ همّ أو تردّد أو إحراج، وكأنّ القضية لا تعنيهم، ولا تشكّل خطراً عليهم، أو على ذويهم وأصحابهم ومعارفهم، أو، كأنّ المركب الذي يقلّهم إلى النقطة الأبعد في الكرة الأرضيّة لن يعود بهم إلى هذه الديار الّتي يبشّرونها بالخراب، إلاّ إذا كانت عودتهم ستكون بالوسائل المحلّقة الطّائرة، حيث يطلّون على الخراب المفترض من فوق، كالغربان السود الّتي لا ينفع مع لونها الفاحم، ثلج الجبال، ولا براءة القلوب.
صحيح أنّ من سمات بلادنا حرّية التّعبير في حمى القانون والأعراف والعادات، لكنّ الشعور بالمسؤولية هو أيضاً من سمات هذه البلاد، ومن أساسات عاداتها وأعرافها، كما أنّ القانون لا يجيز التّرويج للدّمار في المساكن والأحياء، ولا يبرّر زرع الخوف والهلع في النفوس، سواء أكانت الشّائعات صحيحة وممكنة، أم وليدة التمنّي والخيال. لكن، ما بالنا لو جاء ما كتب وما قيل غير صحيح، فكذّبه الواقع وخاصمته الحقيقة، وها هي البلاد مستقرّة ثابتة صامدة، تتخطى الصّعاب وتواجه الأعاصير من أيّ جهة أتت أو أطلّت، وها هم أبناؤها يواصلون حياتهم الفردية والعائلية، وبالتالي بناء وطنهم، تؤخّرهم عقبات الاقتصاد حيناً، ويتجاوزونها حيناً آخر، لكنّهم في الحالتين يرفضون الفتن، ويتجنّبون بوعي وإخلاص أن يكونوا وقوداً في مواقد نارها.
جيش البلاد، بالمقابل، يزداد التصاقاً بمجتمعه، يسعد لسعادته ويطمئنه في قلقه، وهو ليس وحيداً في ذلك، فإلى جانبه قوى وإمكانات كبيرة، لا تتمثل وحسب في الأجهزة الأمنية الزميلة والرفيقة، إنّما في المواطنين أنفسهم، ففي أشخاص هؤلاء إمتداد لعديد المؤسسة العسكرية، وفي وعيهم الوطني سلاح يضاف إلى أسلحته على اختلافها، وفي تضامنهم المتواصل، ووقوفهم الدائم إلى جانبه، ثقة عزيزة برسالته الوطنية والإنسانية، وتأكيد نجاحه في ما يضطلع به من مهمات على امتداد مساحة الوطن، وفي الشؤون شتّى، الاجتماعي منها والبيئي والأمني والعسكري، في الداخل، وعند الحدود حيث العين ساهرة والإصبع جاهزة على الزناد في مواجهة عدو يتحيّن الفرص، ويتربّص المناسبات لممارسة عدوانه على وطن الحرف والسلام.
في الختام، نعود إلى أصحاب الأقلام الذين توكّأوا على عصا الحرّية فكتبوا ضدها، وشتموها ولعنوها، فنقول إنهم يخدمون العدو عن دراية أو تجاهل أو جهل. في كلّ ذلك يقتضي الانتباه والاستدراك، فليس من أذى يأتي على قياس أشخاص من دون غيرهم، ولقد جرّب الكثيرون ورأوا بأم العين، أنّ ما أصاب بلادنا في أحداثها المؤلمة السابقة لم يبقِ حياً في حي إلاّ آلمه، ورسمَ فوق بابه شارة الموت والخراب.