سياحة في الوطن

أكروم
إعداد: باسكال معوض
تصوير: المجند مروان طحطح

معبر الجيوش والقوافل
حديقة الضوء وأرض المواسم والمعمّرين


إحدى بوابـات لبـنان في أقصـى شماله الشرقي بمحاذاة الحدود اللبـنانية السورية: أكروم, قرية صغيرة في شمالي عكّار, والأصح القول أن هـذه القرية الموصوفة بالصغيرة أعطـت اسمها لمنطقة جبلية واسعة نبتت عليها غابات وقـرى, وتناثرت في أرجائها أطلال حضارات قديمة, من قلاع ومدافن ومعابد, بعضها مغرق في القدم, وبعضها أكثر حداثة تتوزّع بين فينيقية ورومانية ويونانية وبيزنطية وعربية.


الموقع والتسمية

تقع أكروم البلدة الى الشمال الشرقي من طرابلس؛ ويشتق اسمها من جذر عربي ربما “كرم” فتكون لفظة أكروم على وزن أفعول بمعنى زرع الكروم. لكن هذا ليس اجتهاداً وحيداً.
ربما كان أصل التسمية سريانياً من جذر “جرم” بمعنى قطع وسحق وكسر, وربما أيضاً كان الإسم مشتقاً من جذور إغريقية gruma وتعني البذار, أو Chroma وتعني اللون. ولعل في شواهد الطبيعة في أكروم ومنطقتها ما يرجح البذار وألوان الطبيعة.
ولئن كانت أكروم بتلك الأهمية التي تفصح عنها الآثار المتعددة الأصول في أنحائها, فهذا لأنها كانت معبراً إلزامياً للقوافل التجارية التي تحمل البضائع ومنها خشب الأرز, وأيضاً للغزاة والطامعين على حد سواء. والى ذلك فقد شهدت أرجاء منطقتها معارك طاحنة ومواجهات دامية تؤكدها وفرة المقابر والأبنية الجنائزية التي كشفت عنها التنقيبات وعوامل الطبيعة.
لكن أكروم شأنها شأن لبنان كانت تقوم عبر التاريخ من رمادها, وحافظت على هذه الميزة حتى عصورها الحديثة حيث يلاحظ أن معظم بيوت أكروم القديمة, إنما جرى بناؤها من حجارة مقابر أكروم التاريخية.

 

بروج وقلاع

ترتفع في أكروم الضيعة بروج قلعة صليبية تشرف على السهل الفسيح المترامي حتى بحيرة حمص. لكن هذه القلعة تعتبر حديثة بالمقارنة مع النصبين البابليين القائمين في “وادي السبع”. ويمثّل أحد النصبين ملكاً (شخصاً يعتمر تاجاً) وهو يمسك بعنق أسد يهاجمه, ويتهيأ لطعنه بخنجر. أما النصب الآخر فقد تلاشت معالمه نتيجة عوامل الطبيعة.
وغير بعـيد عن النصبـين البابليـين, يمكـن العثور على نصـب آخر نحت في شير صخري عُرف باسم “شير الصنم” يمثّل ملكاً منتصب القامة يحمـل الصولجـان في يسـراه, وأداة أخرى في يمـناه لم يـبق منـها بعد تقادم الزمن ما ينـبئ عـن طبيعتها.
ويلاحظ فوق تاج الملك وجود نجمة سباعية ونقش بشكل هلال, ترمز النجمة الى الإلهة “عشتار” بينما يرمز الهلال الى إله القمر واسمه “سين”.
وفي موقع آخر يعرف باسم “جبل الحصين” تقوم بنيتان متوازيتان إحداهما عبارة عن معبد روماني قديم يفصل صحنه عن قدسه قوس عظيم. ومن المحتمل أن يكون جرى تحويل هذا البناء الى كنيسة في مطلع عصر المسيحية الأولى.
أما البنية الثانية فقد أكلتها عوامل الدهر والطبيعة ولم يبق منها سوى بعض التيجان والأعمدة الكورنثية.

 

آثار رومانية وعربية

تقوم على هضبة أكروم العالية حقول شاسعة من الآثار المختلـطة أبرزهـا ثلاثـة: هياكل رومانية ينتـمي أحدهـا الى الفـن المعماري الخاص بالأبنـية ذات الأعمـدة المزينـة والمنقوشة. ويمكن حتى الآن مشاهـدة الجدار الجنـوبي لإحـدى الغرف التي يعتقد أنهـا كانـت مخصـصة للصـلاة. وغير بعيد منه يقع هيكل آخر لم يبق منه سوى جدران ما يعتقد أنها الغرفة السرية فيه الى أطلال بوابته الرئيسية. وفي الناحية الثانية حيث ينتشر سهل “البقيعة” الذي كان مسرحاً لمواجهات طاحنة بين الصليبيين والمسلمين, يشير المؤرخ بول جاكو الى أن قصراً لأمراء طرابلس كان يقوم في هذا السهل, وكان يضم عرشاً للملك بنيت المقابر الى الجهة السفلى منه وتتوفر العديد من النواويس قرب هذا القصر, ما يدل على أهميته.
أما خربة هذا القصر فترتفع على قمة الجبل فوق أكروم الضيعة, وهي قبة صخرية كان الهاربون يلجأون إليها في قديم الزمان. وهي تبدو اليوم كمركز للمراقبة.
من الآثار المنتشرة في منطقة أكروم ما يعود الى الحقبة الرومانية. ومن جملتها حصون وقلاع وأسوار الى هياكل يشبه أحدها هيكل معبد جوبيتر في بعلبك. وثمة الكثير من الفخاريات ومعاصر الزيتون والمقابر المنحوتة في الصخور.
كذلك يمكن العثور على آثار عربية وإسلامية من أبرزها آثار مسجد قديم كان قائماً مكان المسجد الحالي إضافة الى مقابر إسلامية.
ومن آثار الصليبيين في أكروم, قلعة “برجيس” ولا تزال آثارها وبقايا المشانق ماثلة فيها حتى اليوم.

 

حديقة الضوء

الى الغنى الأثري اللافت لأكروم الضيعة والمنطقة, هناك الطبيعة أيضاً بعجائبها مما تنبته الأرض الخصبة من كل صنف ولون, بما في ذلك الغنى الملفت بالتنوع النباتي الكبير والذي قلّما تشهده منطقة في الشرق الأوسط.
وتعتبر أحراج أكروم فائقة الجمال, وكذلك مشاهدها الطبيعية الخلاّبة. وهي تتمتع بهواء عليل وصحي بحيث يقصدها المرضى للإستشفاء, بعيداً عن التلوّث البيئي والضوضاء.
أما الزراعة في أكروم فهي محدودة نسبياً, ومنها القمح وأشجار الفاكهة وأشجار الزيتون واللوز التي تثمر مواسم خير وبركة في كل عام, بوجود النبع الذي يسقي البلدة وأراضيها من مياهه الوفيرة.
وبفـضل هذه الخيرات الطبيعية تعتبر نسبة المعمرين في أكروم من أعلى النسب في العالـم (علي محمـد حسين 133 عامـاً). لذا فهي تستحـق لولائها ولحفاظها على ما حباه الله لها, أن تمنح أكثر مما لديها لأنها وحتى اليوم محرومـة من الكثـير إنمائياً وسياحياً.
أكروم بلدة وجبل وطبيعة وإنسان وخلود, كلها اجتمعت في منطقة غادرناها آسفين لأنها تختزن بعد الكثير من الحكايات والأسرار التي لم تُكتشف...

 

أكروم الجبل

إن القرى السبع التي يشملها جبل أكروم هي: أكروم, كفرتون, قنيا, البساتين, المونسه, السهله, مراح الخوخ, إضافة الى قرى صغيرة في خراج بلدة أكروم هي: حلواص, الجوزات, نصوب.

 

عائـلات أكـروم الضيـعة

دياب, بو علي, صلاح, الخطيب, الشيخ, سعد الدين وعبد القادر.