تحديات واجراءات

أمن كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم 2016
إعداد: د. أحمد علو
عميد متقاعد


90 ألف رجل على الأرض: تدريبات واجراءات غير مسبوقة


«أردنا تنظيم الـ«يورو 2016» لأنّ لدينا كل الإمكانات التنظيمية والأمنية لإنجاز هذا الحدث الجميل.. وسنبرهن ذلك».
 

الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند

«يمثل هذا الحدث الاحتفالي الكبير ذو الحجم الدولي خطرًا، نظرًا الى قدرات المجموعات الإرهابية... وأريد أن نتمكن من مواجهة هذا الخطر بكل الوسائل المتاحة لنا».

وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف

 

حبست بطولة كأس أمم أوروبا لكرة القدم (يورو 2016) أنفاس ملايين البشر في مختلف انحاء الكرة الأرضية. حبس الأنفاس لم تكن أسبابه رياضية كما يجري عادة في بطولات كرة القدم، فهاجس الأمن كان الحاضر الأكبر في الملاعب وخارجها... لكنّ فرنسا التي تحضّرت جيدًا لهذا التحدي، استطاعت الخروج منه منتصرة، وإن كان الإرهاب قد نجح في إراقة الدماء في نيس بعد أيام قليلة من انتهاء مباريات البطولة. فكيف استعدت الأجهزة المعنية لمواجهة خطر الإرهاب؟ ما هي الخطط والإجراءات التي اعتمدت؟ وما هو عدد الذين تولّوا تنفيذها؟


إحتفالية وسط هواجس أمنية
أقيمت البطولة على وقع ارتفاع وتيرة الأعمال الإرهابية والتهديد بالمزيد منها في أوروبا بشكل عام وفي فرنسا بشكل خاص. وترافق ذلك مع تنامي الشعور القومي والحساسيات في بعض الدول الأوروبية، وارتفاع أصوات تنادي بالخروج من الاتحاد الأوروبي وطرد اللاجئين الأجانب، على خلفية تردّي الحالة الاقتصادية، وظهور رهاب الإسلام (الإسلاموفوبيا).
وسط هذه الأجواء انطلقت البطولة التي اعتبر وزير الداخلية الفرنسية أنّ هناك ثلاثة انواع من المخاطر تهددها:
- الأعمال الإرهابية في الملاعب أو خارجه، أو في أي مكان من الأراضي الفرنسية.
- تصرفات المشجعين المحليين والأجانب داخل الملاعب حيال فرقهم، واحتمال الصدام بينهم وقيام الهوليغان Hooligan بأعمال شغب.
- مناطق المشجعين خارج الملاعب.

 

الأمن... الأمن...
أدت الأعتداءات الإرهابية التي ضربت فرنسا وخصوصًا باريس (ستاد دي فرانس) في 13 تشرين الثاني من العام 2015، إلى إعلان الرئيس الفرنسي حالة الطوارئ في البلاد والحرب على الإرهاب، وبالتالي اتخذت السلطات الفرنسية تدابير أمنية صارمة على مستوى الأراضي الفرنسية كلها. مع ذلك ظلّ أمن بطولة كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم هاجسًا للمنظمين، نظرًا إلى الخطر الذي يتهدد هذه الإحتفالية. وقد ترجم ذلك بزيادة التدابير الاحترازية المسبقة لحماية أمن المباريات والملاعب والجمهور والزوار، لاسيما وأن مباريات هذه البطولة توزعت في 10 مدن كبرى في فرنسا، مما استدعى حشد أكبر عدد ممكن من رجال الأمن والحماية والإسعاف وتأمين سرعة تحركهم.
قبل 100 يوم من بداية البطولة، تحدّث وزير الشباب والرياضة الفرنسي باتريك كانر، إلى تلفزيون «اوروبا 1» عن «التدابير المتخذة لإجراء هذه البطولة بسلام»، فقال: «..لا يوجد درجة صفر خطر، ولكن يجب أن نعمل ما يمكننا لنحافظ على درجة خطر صفر... لقد قامت الدولة بما يجب لملاقاة هذا الحدث ومواكبته، ويجب ألّا نترك ثغرة ولو صغيرة يمكن أن تهدد سلامة الحدث». وأضاف، بلغة الاعمال يؤمن هذا الحدث لفرنسا نحو 2 مليار يورو، ونموًا إضافيًا يقدر بنحو مليار يورو... والتدابير التي ستتخذ هي «أرفع مستوى من الأمن» «Top Niveau De «Sécurité.

 

الإجراءات

ركّزت الاجراءات على الآتي:

• توسيع مروحة الأمن Sécurité accrue:
اتخاذ تدابير أمنية واسعة على صعيد الوطن والدولة وعلى كامل الأرض الفرنسية بالاستناد إلى قانون الطوارئ الذي يسمح باعتقال المشتبه بهم. ويشمل ذلك الملاعب، وأماكن التجمعات بشكل عام، وتجمعات المشجعين بشكل خاص، حيث يخضع الجميع للتفتيش (خصوصًا داخل الملاعب)، إضافة إلى وضع كاميرات مراقبة دائمة داخل الملاعب وخارجها.

 

• مناطق المشجعين Fan zones:
استحداث أماكن خاصة للمشجعين خارج الملاعب في المدن العشر التي تستضيف المباريات واحاطتها بسياج أمني (تقني وبشري)، ووضع شاشات عملاقة لمتابعة المباريات، وتوفير وسائل الراحة والترفيه للمشجعين، وتفتيش أي شخص يدخل إلى هذه الأماكن التي تراوح قدرة استيعابها ما بين 10 آلاف (نيس) و120 ألف شخص (باريس).

 

• التدرّب على مكافحة الأخطار المتوقعة أو المشابهة Simulations:
بوشر بهذه التدريبات قبل نحو سنتين، أي قبل وقوع الاعتداءات الإرهابية في نهاية العام 2015. وخضعت للمراجعة المستمرة لمواكبة كل المستجدات الطارئة أو المتوقعة. وفي مطلع شهر حزيران كانت الوحدات المولجة أمن المباريات قد أنجزت نحو 30 تدريبًا على مواجهة عمل إرهابي أو تفجير وسط الحشود.


عشرات الألوف من رجال الأمن على الأرض
قبل افتتاح مباريات البطولة بأربعة أيام، صرح مدير شرطة باريس السيد ميشيل كادو في مؤتمر صحفي بأن هناك نحو 10 آلاف رجل أمن في العاصمة باريس فضلًا عن تعزيزات إضافية تقدر بـ3000 رجل. هذا العدد ازداد بعد منتصف حزيران، عقب تخرج دورة جديدة من «حراس السلام» والتحاقها بعملها، مما يعني أن أكثر من 13 ألف رجل تولوا أمن باريس وحدها.
وقد حشدت السلطات الفرنسية لمواكبة هذا الحدث نحو 80 إلى 90 ألف رجل أمن تابعين لوزارة الداخلية انتشروا على مختلف الأراضي الفرنسية، هؤلاء توزعوا وفق الآتي:
- 45000 شرطي.
- 30000 دركي (قوى مستنفرة وجاهزة للتحرك لتأمين حماية ملايين المشجعين).
- 5000 رجل أمن مدني (رجال إطفاء وعاملون في نزع الألغام وفي فرق النجدة والإنقاذ).
- فرقة من القوات الخاصة عناصر النخبة، والفرقة الأجنبية التابعة لـ«عملية سانتينل»، وهي جاهزة للتدخل السريع وفق المعطيات التي تطرأ وعديدها نحو 10 آلاف رجل.
- عدة آلاف من رجال الشركات الأمنية الخاصة.
وعملية سانتينل Operation Sentinelle أو «عملية الترصّد»، هي المهمة التي أوكلت لقسم من القوات البحرية الفرنسية مع قوى أمنية أخرى بعد الإعتداء الإرهابي على مجلة «شارلي إبدو» وسوبرماركت «كوشير» في باريس في كانون الثاني 2015. ولكن بعد الاعتداءات الإرهابية في تشرين الثاني 2015 في باريس، زاد الرئيس الفرنسي عديد هذه القوات ليصل إلى نحو 10 آلاف مقاتل ينتشرون في أنحاء مختلفة من فرنسا، منهم نحو 6500 جندي في منطقة باريس وحدها. ومهمة هذه القوة تأمين المرافق الرئيسية في البلاد وحمايتها، وتسيير دوريات راجلة في الشوارع والمحطات الرئيسية للنقل من مطارات ومحطات القطارات والمترو، وحماية المدارس والكنائس والجوامع ودور العبادة المختلفة، وكذلك المتاحف والمعارض الفنية والمسارح ودور السينما، وغيرها من الأماكن السياحية الكبرى في العاصمة الفرنسية بشكل خاص، وبقية المدن المهمة بشكل عام.

 

• إقامة نقاط تفتيش وفرز:
أقيمت حول الملاعب والمناطق المخصصة للمشجعين نقاط لفرز الجمهور وتفتيشه والتأكد من كل شخص قبل دخوله إلى الملاعب أو إلى مناطق المشجعين. فأمام «منطقة برج إيفل للمشجعين» والتي تسمح باستيعاب نحو 100 ألف شخص، أقيمت 16 نقطة فرز توزعت على 6 مداخل لهذه المنطقة. وتوزيع داخل سياج هذه المنطقة ما بين 700 و900 عميل من الأمن الخاص بالإضافة إلى بعض المتطوعين لتسهيل السير والتحرك. كذلك تم تأمين سيارات الإسعاف والأطباء وألوية من الشرطة والصليب الأحمر لتكون جاهزة للتدخل عند حدوث أي طارئ.
أمّا السيارات فقد منع مرورها في محيط هذه المنطقة، أو ركنها في أي موقف قريب منها، سواء أكان فوق الأرض أو تحتها.

 

• الكاميرات والمجسات الحسية والبصرية:
وضعت منظومة كاملة من الكاميرات والمجسات الحسية والبصرية، لمراقبة كل شخص يدخل إلى مناطق التجمع وكشف أي حركة مريبة.
 

• خليّة تحليل المخاطر:
تمّ انشاء خلية تعمل طوال اليوم وعلى مدار الأسبوع بالتنسيق مع جميع فروع الأمن الداخلي والخارجي، وتطلع لحظة بلحظة على مجريات الأحداث في أدق التفاصيل، وبخاصة في مراكز المباريات. مهمة هذه الخلية تقييم الأخطار وتقدير التهديدات في موقع الحدث.

 

من صراع الأقدام إلى حوار الأفكار
سعت فرنسا منذ بدأت التحضير لهذه البطولة لتجعل منها حدثًا فرنسيًا وعالميًا ناجحًا بمقاييس مختلفة، وذلك لعدة اعتبارات، منها:
- الرياضية: ففرنسا كانت تريد أن تستعيد مجدها الغابر في كرة القدم، وتستعيد مكانتها «الكروية» في أوروبا والعالم.
- الاقتصادية: كانت البطولة فرصة لضخّ الحياة في اقتصاد فرنسا المتعثر منذ فترة، إذ أنها تخلق آلاف فرص العمل وتنعش الاقتصاد.
- السياسية: وهي تتعلق بسياسة الانفتاح على أوروبا والعالم التي يمارسها الحزب الإشتراكي الحاكم، وتشكل رسالة إلى الأحزاب اليمينية الفرنسية الأخرى المتنامية التي تنادي بالانغلاق والتقوقع، أو تعاني رهاب الأجانب Xenophobia.
- الأمنية: بعد موجة الاعتداءات الإرهابية التي ضربتها في الصميم، وإعلان رئيسها الحرب على الإرهاب، ارادت فرنسا أن تقول للعالم إنها ما زالت دولة عظمى وقادرة على التصدي للإرهاب فوق أرضها، وفي الخارج، وقادرة على إقامة بطولة كأس كرة القدم الأوروبية بنجاح، وقادرة أيضًا حتى على إحراز كأس هذه البطولة (خسرت في اللحظة الأخيرة أمام البرتغال 1- 0).
لقد نجحت فرنسا في إنجاز هذه البطولة وتحويلها من مجرد حدث رياضي إلى احتفالية جميلة، حاولت فيها أن ترفع مستوى اللقاء الرياضي البحت بين الأندية الأوروبية إلى مستوى حضاري تتحاور فيه شعوب هذه الدول وتتفاعل رياضيًا واقتصاديًا وثقافيًا. وقد جعلت من فريقها الرياضي الوطني نموذجًا حضاريًا لاختلاط الاعراق والإتنيات والألوان، فكان هذا الفريق ممثلًا للتنوع الانساني العالمي، وليس تعبيرًا عرقيًا أو قوميًا لإبراز تفوّق عرقي أو انغلاق شوفيني معين. وقد برهن هذا الفريق خلال المباريات أنه فريق مدرب، متماسك وقادر، ويستحق فعلًا أن يحرز كأس الأمم الأوروبية، على الرغم من تعثر حظه، وهبوب رياح الفريق البرتغالي عكس ما اشتهت سفن الفرنسيين، وفريقهم.

 

المراجع:

- www.theguardian.com/World/Paris
- https://fr.wikipedia.org/wiki/Opération_Sentinelle
- www.europe1.fr/Accueil/société
- www.lemonde.fr/euro-2016/.../2016/.../assurer-la-securite-de-l-euro
- fr.euronews.com/Sport
- www.economist.com/blogs/gametheory/2016/06/football-hooliganism
- www.usatoday.com/story/sports/.../euro-2016-hooliganism.../85794100/

 

هامش:
الهوليغن، عصابات من المتحمسين لبلدانهم تقوم بأعمال الشغب وإثارة الصخب سواء بالغناء أو بالضجيج أو الشتائم، وقد ترتكب أفعال عنف دموية ضد مشجعي الفرق المنافسة أو الحكام، أو حتى ضد رجال الأمن، أو قد تلجأ إلى التعدي بالتكسير أو إشعال الحرائق في بعض الأملاك والمرافق العامة والخاصة.