قضايا دولية

أميركا أمام تحديات الأرض والفضاء
إعداد: كمال مساعد

إعادة تقويم الأهداف الفضائية بعد انفجار كولومبيا

 

دخلت كارثة انفجار المكوك الفضائي الأميركي “كولومبيا”, سجل الكوارث الكبرى في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية, وخصوصاً تاريخ برامج الاستكشافات العلمية للفضاء الخارجي. وتلك هي المرة الثانية التي تهتز فيها وكالة الطيران والفضاء الأميركية “ناسا”, بعدما كانت قد تمكنت في الأولى من إعادة تقويم الإندفاع الأميركي نحو الفضاء, إلا أنها الآن تواجه سيلاً من الإنتقادات بسبب مغامرات أميركا لاستكشافات العلم والتكنولوجيا من جهة, وعدم إستفادة الوكالة من أخطائها من جهة أخرى.

 

أسباب الكارثة

يعتقد الخبراء إن المكوك “كولومبيا” قد تعرض قبل انفجاره فوق سماء تكساس الى أصعب جزء من مرحلة العودة نحو الأرض, إذ استدار بسرعة 12500 ميل في الساعة, وازدادت درجة حرارته بسبب الإحتكاك بطبقات الهواء, فوصلت الى 3000 درجة. وعلى الرغم من الإخفاق في نظام التحكم الكومبيوتري بالتحليق, وتحطم الدرع الحراري للمكوك الذي يحميه من الحرارة الزائدة, إلا أن الخبراء يؤكدون أنهم لا يعرفون إلا القليل الذي يمكنهم من التأكد من سبب الكارثة الحقيقي.
فقد أشارت أولى التحليلات الى إحتمال حصول أضرار بالدرع الحراري للمكوك أثناء إقلاعه, وذلك لدى اصطدام قطعة من العازل الرغوي خرجت من خزان الوقود الرئيسي الخاص بالمكوك, واحتكاكها بالجناح الأيسر. ولم يكن المشرفون على التحليق قلقين من هذا الحدث في حينه. إلا أن المحققين ينظرون من زاوية جديدة الى عملية إقلاع “كولومبيا”, ويعتقدون ان العازل الرغوي قد أحدث أضراراً جسيمة بقطع الدرع الحراري للجناح الأيسر, الذي يحميه من الحرارة الشديدة عند دخول أجواء الأرض. وبينما يجري التدقيق في هذه المسألة, يدرس الخبراء احتمالات أخرى, منها ظهور عيوب بنيوية في المكوك أثناء التحليق, أو دخوله الأجواء بزاوية خاطئة, ما أدى الى تعرضه لحرارة قصوى تفوق قدرته على التحمل.
وقد حدث في البداية أن توقفت أجهزة الإستشعار الحراري, ثم أخفقت العجلة اليسرى ومن بعدها كل معدات الهبوط للجانب الأيسر من المكوك “كولومبيا”, وارتفعت حرارة المركبة التي يبلغ وزنها 116 طناً, الى 3 آلاف درجة. ويتكون المكوك من 5.2 مليون قطعة منها 230 ميلاً من الأسلاك, و1440 مفتاحاً لغلق الدوائر الكهربائية, وما يقرب من 1060 صماماً وتوصيلة فنية. وعلى الرغم من أن الإنفجار أدى الى إعادة النظر في عملية الإقلاع التي حصلت في السادس عشر من شهر كانون الثاني 2003, إلا أن “الناسا” سارعت وطلبت من خبرائها وخبراء شركة “لوكهيد مارتن”, التي صنعت خزان الوقود, التعرف على دور قطع من العازل الرغوي في إحداث الأضرار. واذا كان الضرر قد حدث فعلاً في الجناح الأيسر للمكوك, فإن المركبة تكون تحولت الى موقع معرّض بالفعل الى الخطر لدى دخولها أجواء الأرض. ويظل الجناح الأيسر موقع الإهتمام, لأن أجهزة الإستشعار الحراري عند حافته النهائية أخفقت في عملها قبل 7 دقائق من تفجّر المكوك, ثم أخفقت أجهزة استشعار أخرى بعد فترة قصيرة في الجناح ذاته وفي عربة مرتبطة به, وفي العجلة اليسرى للمكوك. وقد يكون السبب في ذلك سقوط قطع من الدرع الحراري في هذا الجناح.

 

مقتضيات العودة الى الأرض

عندما يقرر قائد المكوك وقت العودة الى الأرض, فإن طاقم السيطرة الأرضية (Earth Mission Control) يكون في حسبانه أن تتم العملية في مرحلتين: مرحلة دخول الغلاف الأرضي (Re-entry) ومرحلة الطيران خلال الغلاف الجوي في القاعدة الأرضية والهبوط (Landing) , ولكل من هاتين المرحلتين مقتضياتها ومخاطرها. ولتنفيذ رحلة عودة ناجحة, لا بد من تطبيق إجراءات عديدة بدقة متناهية؛ أول هذه الإجراءات اختيار الوضع الصحيح للمكوك داخل المدار ثم الخروج منه (Deorbit) عبر تشغيل مجموعة المحركات الجانبية والأمامية, فيدور المكوك حول محوره 180 درجة ويبدأ بتشغيل العجلات الصاروخية في مقدمة المكوك لخفض السرعة بمعدل 200 ميل/الساعة. وتسمى هذه المرحلة بالحرق العكسي (Retrofire), والجزء الأخير في هذه المرحلة يتم بدوران المكوك 360 درجة وتغيير وضعه ليستقبل منطقة الغلاف الكثيف بالجزء الأسفل منه وبزاوية مَيل تراوح بين 28 و30 درجة.
وعندما يصبح المكوك في النصف الآخر من الكرة الأرضية بالنسبة الى قاعدة الهبوط (في قاعدة إدوارد الجوية), يعطي مركز السيطرة الأرضية أوامره في الهبوط التي تلزم طاقم المكوك القيام بالإجراءات الآتية:
1­- إقفال بوابة قاعة الشحن, وتكون وضعية طيران المكوك في هذه المرحلة عادة مقلوبة والحركة رأسية باتجاه المقدمة, فيقوم قائد المكوك بتشغيل المحركات الدافعة الخلفية لجعله يتقدم باتجاه الذيل.
2­- عندما تحقق حركة اندفاع المكوك باتجاه الذيل, تشغل محركات الدفع المساندة الخلفية لإبطاء حركته المدارية, فينزلق ببطنه الى الغلاف الجوي, ويستغرق ذلك 25 دقيقة لكي يصل المكوك الى مشارف الغلاف الجوي العليا.
3­- خلال هذه الفترة يشغّل الرواد محركات الذنب, بحيث يبقى الجزء الأسفل من المكوك مواجهاً الغلاف الجوي (والزاوية هنا حوالى 40 درجة), ويتحول اتجاه الحركة الى مقدمة المكوك.
4­- يتم تحويل الوقود المتبقي الى الجزء الخلفي من المكوك كإجراء احتياطي, حيث أن مقدمة المكوك ستتوهج بسبب الإرتفاع الهائل في درجات الحرارة التي تصيبها وبطن المكوك بالدرجة الأولى, وذلك بسبب سرعته الهائلة التي تصبح في هذه المرحلة حوالى 17 ألف ميل/ الساعة (28 ألف كلم/ الساعة), وأيضاً بسبب الحرارة المتولدة بنتيجة الاحتكاك بمكونات الغلاف الجوي والتي تصل الى 3 آلاف درجة مئوية.
5­- يتحمل جسم المكوك هذه الحرارة العالية من خلال الدرع السيراميكي الذي يغطي بطن المكوك ومقدمته التي تتكون من طبقات من الكاربون المضغوط وقطع من الصفائح العازلة للحرارة, في أعلى المقدمة وحول مداخل مقصورة الشحن وأعلى الجناح والجزء العلوي الخلفي من المكوك. وتعمل هذه المواد على امتصاص الكم الهائل من الحرارة من دون ان ترتفع حرارتها, في الوقت الذي تعمل صواريخ الدفع في مؤخرة الصاروخ على ابقاء زاوية الولوج بحدود 40 درجة.
خلال هذه المرحلة يحاط جسم المكوك بطبقة من الشوارد (الايونات) المشحونة تعوق الإتصالات اللاسلكية مع الأرض وتقطعها, ويستمر هذا الإنقطاع الذي يعرف بمرحلة الإعتام الأيوني  (Ionization Blackout) لمدة 12 دقيقة تقريباً, يبقى خلالها الرواد وحيدين ومن دون أي إتصال مع طاقم السيطرة الأرضية.
عند تحقق عملية دخول سليمة, يبدأ المكوك بالإنزلاق بهدوء في جو الأرض ويسترجع الإتصال اللاسلكي, وتبدأ مكونات الغلاف الجوي في التأثير على المكوك أيرودينامياً, فتحوّله الى طائرة إعتيادية. وخلال هذه المرحلة تكون قيادة المكوك آلية تماماً وبواسطة الكومبيوتر الذي يأمر المكوك بالقيام بمناورات لولبية (S-shaped Manouvers) لتخفيف سرعة هبوطه, قبل أن يأخذ مساره في مراحل الهبوط الأخيرة.

عندما يصبح المكوك على مسافة 140 ميلاً (225 كيلومتراً) من القاعدة وبارتفاع 150 ألف قدماً (46 ميلاً), يدير قائده نظام الملاحة الجوية العملياتي TANS)) ليلتقط ذبذبة القاعدة الخاصة بالتقرّب الآلي من المربع, ويستلم القيادة من الكومبيوتر عندما يصبح المكوك على بعد 25 ميلاً (40 كلم) من القاعدة فقط. وعند هذا البعد يبدأ قائد المكوك بالدوران دورتين كاملتين نصف قطر, كل منهما نحو 5 أميال ونصف, لتقليل الإرتفاع وتوجيه المكوك مع خط النزول في المدرج بعد تقربه المتسارع. وعلى ارتفاع 2000 قدم فقط, يرخي قائد الرحلة عجلات الهبوط ويستقبل الأرض بزاوية هبوط تقل عن 20 درجة. وفور ملامسة العجلات الأرض, يطلق قائد المكوك فرامل الذنب الهوائية والبراشوت الكابح ليتحقق الوقوف النهائي في أقل من ثلثي الدرجة (أقل من 3 كيلومترات).

 

“بروغرس” الروسية الى الفضاء!

أمام سلسلة الأحداث التي عصفت بالمكوك “كولومبيا”, كانت المفارقة أن روسيا أطلقت مركبة الشحن “بروغرس” الى الفضاء الخارجي, معلنة أن وكالة الطاقة الروسية مستعدة لإنتاج الكمية الكافية من مركبات “سويوز” و”بروغرس” من أجل ضمان تنفيذ برنامج المحطة الفضائية الدولية في حال توفرت الأموال المطلوبة لذلك. ومركبة بروغرس مركبة شحن محمّلة بالوقود والأغذية لنقلها الى الطاقم الأميركي ­ الروسي الموجود على متن المحطة الفضائية الدولية, وحمولة هذه المركبة خمسة أطنان مقابل مئة طن يمكن أن ينقلها المكوك الأميركي. لذا تقول مصادر في البرنامج الفضائي الروسي إنه يتوجب تصنيع ست مركبات “بروغرس” واثنتين أو ثلاث مركبات “سويوز” المخصصة لنقل الأفراد, لكي يتم الوفاء بمستلزمات المحطة الفضائية الدولية وعدم الإضطرار الى توقيفها عن العمل خلال السنة أو السنتين المقبلتين.
وتشير بعض هذه التقارير الى الصعوبات التي تواجهها وكالة ناسا بعد اقتطاع قسم كبير من ميزانيتها, الأمر الذي بات يهدد سلامة برنامج المركبات المكوكية. ويؤكد ريتشارد بلومبرغ الذي كان رئيساً لإحدى اللجان أنه “لم يقلق كما يقلق الآن على سلامة برنامج المكوك الفضائي” الذي صار كهلاً خصوصاً من الجانب التكنولوجي, والسبب عدم وجود الإعتمادات الضرورية لتطوير مركبة فضائية جديدة تحل مكان البرنامج الحالي. وليس سراً أن الإدارة الأميركية خفضت العام الماضي موازنة المكوك والناسا بنحو بليون دولار, حين زادت موازنة الفضاء العسكرية بنحو 600 مليون دولار.
ويعتقد الخبراء في العاصمة الأميركية أن الرئيس بوش يواجه حالياً اختباراً وتحدياً جديدين, وأن المطلوب منه إعادة تعزيز الطاقة العاطفية للشعب الأميركي وثقته بنفسه في هذا المنعطف الحاسم حول دور الولايات المتحدة في العالم. ويعترف هؤلاء بصعوبة المهمة, خصوصاً وأن قسماً من الرأي العام لا يشكك بالتكنولوجيا وحسب بل لديه الآن شكوك حول سلامة الإقتصاد الأميركي. وقد بدأ المسؤولون في واشنطن بدراسة الماضي وخصوصاً الماضي القريب, وكيف واجه الرئيس السابق رونالد ريغن كارثة مماثلة بانفجار المكوك تشالنجر, وكيف لعب دوراً كبيراً في تهدئة روع الأميركيين وتلطيف الأجواء العاطفية في وقت كانت الولايات المتحدة لا تزال في حربها الباردة مع الإتحاد السوفياتي (سابقاً).

 

المراجع

­ خدمة لوس أنجلس تايمز 3 /2 /2003.
­ خدمة واشنطن بوست 3 /2 /2003.
­ موسكو وكالة ساب الروسية 3 /2 /2003.
­ وكالة رويترز 2 /2 /2003.
­ صحيفة معاريف الإسرائيلية 2 /2 /2003.
­ المستقبل 4 /2 /2003.
­ وكالة فرانس برس 3 /2 /2003.
­ واشنطن بوست 2 /2 /2003.