أميركا اللاتينية: نصف قارة في طور التبدل

أميركا اللاتينية: نصف قارة في طور التبدل
إعداد: العميد الركن سامي ريحانا
رئيس غرفة الأوضاع في القصر الجمهوري - دكتوراه دولة ودكتوراه حلقة ثالثة في التاريخ من جامعة السوربون بفرنسا - خريج كلية الحرب في بلجيكا ( 1981 - 1983 ).

أميركا اللاتينية، إسم أطلقه نابوليون الثالث على كل المناطق الممتدة جنوب الولايات المتحدة بهدف تغطية حملته على المكسيك. وهي تشكل نصف قارة واسعة تبلغ مساحتها ثلاث مرات مساحـة أوروبا. إنها بلاد المساحات الواسعة والإتنيات المتنوعة: من هنود بوليفيا إلى خلاسيـي البرازيل والأرجنتين والمكسيك المتحدرين من أصل أوروبي إلى قبائل الأمازون التي هي قيد الانقراض، يشكل الـ 470 مليون من اللاتين الأميركيين خليطاً إستثنائياً من السكان.

ومن السهول المروية في الشرق والشمال حيث تنتشر زراعة المخدرات ويتم تصنيعها، إلى وسط أميركا الوسطى حيث نال ثوار نيكاراغوا والسالفادور وهندوراس وغيرهم شهرة عالميـة، إلى الغابات الاستوائية حول مجرى نهر الأمازون والتي تشكل نصف محميات العالم من هذا النوع من الغابات.

ومن مواطن الحضارات القديمة، الإنكا في البيرو والمايا والأزتيك في المكسيك شمالاً إلى بلاد الدكتاتوريات الحديثة في الأرجنتين والبيرو وتشيلي وبوليفيا والباراغواي جنوبـاً؛ تنتشر دول غنية كفنزويلا والبرازيل وأخرى أقل غنى كالأرجنتين ونيكاراغوا وبوليفيا.

كل ذلك يدفعنا إلى دراسة نصف القارة هذا مع التركيز على الدول التي تشارك عالمنا الحالي في كتابة تاريخه المعاصر.

 

أولاً: معلومات عن أميركا اللاتينية

تاريخ نصف القارة الأميركية الجنوبي عريق ومتجذِّر وغامض. من حضارات الإنكا والأزتيك والمايا إلى الفاتحين الأوروبيين المتعطشين للذهب، إلى ثوار كاسترو وتشي غيفارا إلى مونتيزوما وإيفيتا بيرون وكارلوس كارديل ملك التانغو، إلى بيليه بطل كرة القدم، كلها أسماء تجعل من أميركا اللاتينية أرض الأساطير الغامضة والتي يرغب القراء بدرسها والإطلاع على أوضاعها.

ولا يمكن اعتبار أميركا اللاتينية كياناً متجانساً كأوروبا مثلاً حيث يتناسب الاقتصاد والتطور والحضارة بين دولها، أو كأميركا الشمالية حيث تسيطر قوة واحدة مهيمنة هي الولايات المتحدة، أو كأفريقيا التي يسود الفقر والتخلف كافة أجزائها. ففي قارة أميركا الوسطى والجنوبية، تتنوع المعطيات الاقتصادية والجيوستراتيجية والحضارية وحتى العرقية والإتنية.

لذلك فإن دراستها تختلف عن دراسة باقي القارات، إذ سنعمد إلى التعرّض لكل من دولها على حدة ومن مختلف الجوانب، خاصة لجهة تأثيرها في الأحداث الدولية والمشكلات التي تعتـرض مسيرتها، وذلك بعد أن نرسم صورة سريعة عن ديموغرافية نصف القارة وجغرافيتها وإمكاناتها وعلاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية.

 

أ- عموميات

في الغرب من هذا العالم الجنوبي وإلى جانب الجبار الأميركي الشمالي، بدأ يتكوَّن "عالم جديد". ومن الريوغراندي إلى أرض النار راحت التحولات تظهر. وهذا الغرب الأقصى اللاتينو-أميركـي المنسي من التاريخ المعاصر، راح يلعب دوراً في التوازنات الجيوبوليتيكية والاقتصادية.

فمن جهة، نجحت أميركا اللاتينية في تثبيت ديمقراطيتها بموافقة القادة العسكريين أحياناً والذين سئموا تحمل مسؤوليات قيادة بلدانهم عبر الإنقلابات وتسلم الحكم بالثورات. ومن جهة أخرى، راح نصف القارة يتراجـع عن سياسات الحماية والاقتصاد الموجه، ويتجه نحو الخصخصة بمعناها الواسع، ليعتمد اقتصاد السوق الحر، ولا سيما في تشيلي والأرجنتين([1]). أما البرازيل الواسعـة الأطراف، فإنها ستكون قريباً، مع الصين والهند وروسيا، أحد أكبر أقطاب تنمية الاقتصاد العالمي([2]).

ولم تعد أميركا اللاتينية الفناء الخلفي للولايات المتحدة، رغم أن هذا الجبار العالمي ما زال يمارس تأثيره، خاصة في المكسيك. فزمن جمهوريات الموز والجنرالات المدموغين بطابع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية قد ولّى حالياً على ما يبدو. والبرازيل، التي تحتل المركز الاقتصادي التاسع في العالم، مصممة، عبر السوق المشترك لنصف القارة الأميركية الجنوبي (MERCOSUR)، على لعب دور بارز في السوق الأميركي الضخم، من ألاسكا شمالاً إلى الأرجنتين جنوباً([3]).

من جهة أخرى، ما زالت دول أميركا اللاتينية تعتمد على عرقها الأوروبي لمد جسور مع القارة الأم والتعاون معها اقتصادياً ومالياً، رغم محاولات واشنطن إبقاء التعاون مع الجانب الشرقـي للمحيط الأطلسي يمر عبرها([4]). فأميركا اللاتينية في القرن الحادي والعشرين ليست أميركا تشي غيفارا والقائد ماركوس، إنما هي الثورة الصناعية والاقتصادية والتكنولوجية والتي ستدخل نصف القارة الجنوبي في العالم المعاصر.

ورغم هذا التطور، فإن مظاهر متعددة من الفقر ما زالت تحكم أرجاء العديد من دول أميركا اللاتينية حيث الأغنياء هم أكثر غنى، والفقراء أشد فقراً. كما أن مستوى التنمية يختلف حسب مناطق هذا العالم الجديد، فبعض الدول ما زال في تخلّف كبير عن اللحاق بركب الحضارة المعاصر. علاوة على ذلك، امتد تأثير الأزمة المالية والاقتصادية في الشرق الأقصى خلال نهاية عام 1997 ليشمل بورصات ساو باولو وبرازيليا وغيرها([5]).

هذه المعطيات، الإيجابية والسلبية، تدفعنا للإعتقاد أن صفحة من تاريخ أميركا اللاتينية هي قيد الطي حالياً، وأن هذه المنطقة ستساهم مستقبلاً في صنع التاريخ العالمي.

 

ب- معطيات جيوستراتيجية

عرفت أميركا اللاتينية حضارات عريقة منذ القدم، إذ تركزت حضارة الإنكا في البيرو وتشيلي وبوليفيا وشمال غرب الأرجنتين، والمايا في المكسيك وغواتيمالا، والأزتيك والأولميك في المكسيك. وفي التاريخ الوسيط، عرفت مناطق مختلفة من أميركا اللاتينية أنماطاً متعددة من الاستعمار الأوروبي بعد اكتشاف العالم الجديد. وتركزت المناطق الاستعمارية على الشكل التالي:

-المستعمرات الإسبانية في المكسيك وأميركا الوسطى وغرب القارة الجنوبية.

-المستعمرات البرتغالية في البرازيل.

-المستعمرات الفرنسية في غويانا الفرنسية.

-المستعمرات الهولندية في غويانا الهولندية أو سورينام.

فيما اعتُبرت جنوب الأرجنتين أرضاً خاصة بالهنود من سكان البلاد الأصليين([6]).

 

1- الديموغرافيا:

أعداد السكان لا تتناسب مع المساحات الواسعة، وقد تم تسجيل الأرقام الآتية:

-حوالى 100 نسمة في الكيلومتر المربع في كولومبيا وشمال فنزويلا وجزء من الساحل الشرقي للبرازيل.

-حوالى 50 نسمة في الكيلومتر المربع في أجزاء مختلفة من الساحل الشرقي للبرازيل والأرجنتين.

-حوالى 10 نسمات في المكسيك وبعض أجزاء شرق البرازيل والأوروغواي.

1- في مناطق البرازيل الداخلية.

-صفر في مناطق البرازيل الداخلية.

 

أهم المدن هي([7]):

-أكثر من 6 ملايين نسمة : مكسيكو - ساوباولو.

-بين 3 ملايين و6 ملايين نسمة : ريو دي جانيرو - بوغوتا (كولومبيا) - ليما وسنتياغو (تشيلي).

-من 2 إلى 3 ملايين نسمة: كوادالاهارا (المكسيك) - مونتيري (المكسيك) - بيونس  أيريس (الأرجنتين).

-من 1 إلى 2 مليون نسمة : غواتيمالا - سان سلفادور - هافانا (كوبا) -  بورت أو برنس (هاييتي) - سان دومينيك (الدومينيك) - كاراكاس (فنزويلا) - ماراكاييبو (فنزويلا). ([8])

 

2- الإقتصاد :

باطن أرض نصف القارة غني بالخيرات غير المستغلَّة، من البترول والغاز الطبيعي في المكسيك وفنزويلا والأرجنتين والبرازيل وغواتيمالا والإكوادور، إلى الفحم الحجري في المكسيك وكولومبيا والبرازيل، إلى مناجم الحديد في المكسيك وفنزويلا والبرازيل والبيرو وتشيلي والأرجنتين، إلى الرصاص والزنك في المكسيك والبيرو، الى القصدير في بوليفيا، إلى الفضة في المكسيك وغواتيمالا والبيرو وتشيلي، إلى الذهب في المكسيك وكولومبيا والبرازيل، إلى البوكسيت في جمايكا وسوينام والبرازيل، إلى نيترات البوتاسيوم في تشيلي([9]).

الزراعات التقليدية تنتشر في المكسيك والبرازيل خاصة، فيما تُعتبر زراعات مختلف أنواع الأرز من إنتاج تشيلي وسوينام وفنزويلا والمكسيك([10]).

تربية المواشي تُمارس بكثافة في البرازيل والأرجنتين والمكسيك والبيرو وفنزويلا وبوليفيا والأوروغواي. أما الغابـات الإستوائية الأبرز في العالم، فتمتد من البرازيل إلى بوليفيا والباراغواي والسلفادور وكولومبيا وفنزويلا وسوينام وتشيلي. وهي تُشكل نصف هذا النوع من المحميات في العالم.

 

ج- أنظمة الحكم

على الصعيد السياسي، ومنذ 1980، تحولت غالبية الأنظمة الدكتاتورية في أميركا اللاتينية نحو الديموقراطية، خاصة في البيرو والأرجنتين والهندوراس والبرازيل والأوروغواي والتشيلي والباراغواي. وفي عام 1990، تحول أحد أبرز الأنظمة الشيوعية في نيكاراغوا نحو الانتخابات الحرة وبإشراف دولي([11]).

وفي عام 1992، وُقِّع في السلفادور اتفاق وضع حداً للنزاع المسلح بين الحكم المنتخب والثوار([12]).

والأمر الملفت للنظر أن غالبية هذه التحولات نحو الديموقراطية حصلت سلمياً ودون مظاهر عنف، إذ انسحب العسكريون برضاهم في البيرو والأوروغواي والبرازيل. وفي تشيلي نظَّم القادة العسكريـون بأنفسهم استفتاءً شعبياً كانوا يعلمون بأنه لن يكون لمصلحتهم.

وكانت دول أخرى قد تحولت قبل 1980 نحو النظام الديموقراطي، كفنزويلا وكولومبيا والدومينيك والإكوادور وبوليفيا.

وهكذا أنهت هذه الدول ظاهرة أميركية لاتينية كانت شائعة منذ استقلالها في بداية القرن التاسع عشر. وترافق التحول نحو الديوقراطية مع اعتماد نظام اقتصاد السوق الحرة، مما ساهم في إنهاء سيطرة السياسة على الاقتصاد في الدول المعنية مع كل ما يستتبع ذلك من ازدهار اجتماعي ومالي. فالاقتصاد الموجَّه الذي كانت تمارسه السلطات العسكرية الحاكمة، كان يؤدي إلى السيطـرة على خيرات البلاد وسرقتها. كما أن اقتصاد الدولة كان دائماً في بلدان أميركا اللاتينية مصدر غنى للطبقات الحاكمة، من خلال الفساد والهدر واقتسام المغانم بينها وبين المتعهدين والتجار الكبار، ومن خلال ممارسة نظام الاحتكار في الداخل والحماية الإنتاجية بالنسبة للخارج. واعتمد الحكام في تبرير هذه السيطرة على ضرورة حماية البلاد من الاقتصاد الرأسمالي المتوحش([13]).

 

ثانياً: العلاقات مع الولايات المتحدة

ترتدي العلاقة بين الولايات المتحدة ودول أميركا اللاتينية أهمية كبيرة بالنسبة للجانبين وذلك لأسباب كثيرة. فالولايات المتحدة تعتبر أن أميركا الوسطى والجنوبية هما امتداد لها نحو الجنوب، وقد حاولت إدارة كلينتون بالفعل الحصول على تفويض من الكونغرس لتسريع المفاوضات التجارية مع دول أميركا اللاتينية ودول منطقة الكاريبي التي تشكل سوقاً استهلاكية ضخمة للمنتوجات الأميركية.

والتجارة تحظى بالأولوية المطلقة للعلاقات بين جهتي القارة. وضمن هذا الإطار، عُقدت قمة سنتياغو (تشيلي) لرؤساء دول نصف القارة الجنوبي بهدف التكامل الاقتصادي بينها([14]).

وضمن الإطار نفسه، يتحرك البيت الأبيض في مفاوضات التجارة الحرة للأميركتين (Free Trade Area of Americas - FTAA) مستنداً إلى عوامل أربعة([15]):

          أ- الضغط خلال قمة سنتياغو لإقامة المنطقة المذكورة. وهذا الأمر حيوي لنجاح القمة وخطوة مهمة على الطريق التجاري والاقتصادي بينهما.

          ب- بدء الولايات المتحدة مشاورات منتظمة مع بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي حول معايير العمل والبيئة، ولعب دور المراقب والوسيط بين حكومات هذه الدول في الميدانين المذكورين، وذلك بهدف تحديد نمط الاتفاقات الإقليمية التي يمكن إبرامها وإمكانية تطبيقها ومراقبتها.

          ج- الاهتمام التجاري بدول حوض الكاريبي، والتخطيط للمضي قدماً بترتيبات كاملة للتجارة الحرة مع أميركا الوسطى بناءً على طلب دولها. فالاهتمام بهاتين المنطقتين هو مبادرة حسنة على استمرار التزام واشنطن بالتجارة الحرة في نصف القارة الجنوبي.

          د- العمل مع المؤسسات العالمية والحكومات الأخرى لتطوير برنامج معونة دائم لوضعه موضع التنفيذ، في حين واجهت البرازيل وغيرها من الدول في أميركا اللاتينية أوضاعاً اقتصادية طارئة من جراء اضطرابات مالية كونية تنبع، على سبيل المثال، من جنوب شرق آسيا أو غيرها.

وكانت الولايات المتحدة قد سبق وقدمت مثل هذه المعونة منذ ثلاث سنوات للمكسيك مما شكل عاملاً حاسماً في إنهاضها من كبوتها الاقتصادية بسرعة. كما زار كلينتون بالفعل اعتباراً من 7 أيار 1997 غواتيمالا ونيكاراغوا وهندوراس والسلفادور وكوستاريكا وبيليز والدومينيكان، وعقد اجتماعات مع قادتـها الذين عبروا عن تصميمهم على عدم الاكتفاء بإعلان النوايا الطيبة في ما يتعلق بإقامة منطقة التبادل التجاري مع الولايات المتحدة.

والمثال الأبرز على التأثير الأميركي الشمالي يأتي من المكسيك التي تعتبر امتداداً للولايات المتحدة جنوباً، حسب ما جاء على لسان دينريو موراليس، أحد مدراء المؤسسات الاقتصادية في مدينة مونتيري المكسيكية إذ قال([16]):

"نحن هنا نولي اهتماماً بالقضايا القضائية للرئيس كلينتون أكثر من اهتمامنا بوضع الثوار في جنوب البلاد"

فمدينة مونتيري تعتبر نفسها الولاية 53 من الولايات المتحدة حيث المخازن التجارية والمال واستعمال الإنكليزية في التخاطب واعتمار قبعة تكساس بدلاً من "السمبريرو"، إلى طريقة أميركا في الحياة . . . إلخ([17]).

 

مظاهر الخلاف مع الولايات المتحدة

بالمقابل، تأخذ نيكاراغوا والسلفادور على الولايات المتحدة إسقاطها من منطقة اهتمامها بعد أن كانت، في خضم الحرب الباردة وإزاء تقدم الشيوعية في المنطقة، قد وظفت مئات الملايين من الدولارات في الثمانينات لإطاحة النظام السانديني في نيكاراغوا، ولمنع وصول جبهة مارا بوندو مارتي للتحرير الوطني في السلفادور إلى الحكم. ومع عودة السلام إلى نيكاراغوا عام 1990 وإلى السلفادور عام 1992، سقطت هذه المنطقة من اهتمامات الأميركيين رغم أن الحرب التي ساهم فيها النظام الأميركي كانت قد دمرت اقتصادها.

الهندوراس أيضاً، والتي كانت خلال الثمانينات أشبه بحاملة طائرات أميركية ومعسكر تدريب ضخم لثوار الكونترا النيكاراغويين المعارضين للنظام السانديني، تراجعت المساعدة الاقتصادية والغذائية التي كانت تقدمها لها الوكالة الوطنية للتنمية (ايد) من 190 مليون دولار عام 1990 إلى 118 مليون دولار عام 1991 و80 مليوناً عام 1992 و28 مليون عام 1996([18]). وهذا ما دفع برئيس نيكاراغوا ارنولد اليمان للقول بمرارة "إنهم يتذكروننا فقط في الحروب"([19]).

أما غواتيمالا، آخر بلد وضع حداً للحرب الأهلية الدائرة على أرضه في كانون الأول 1996، فقد شكا وزير خارجيتها من قانون الهجرة الأميركي الجديد الذي قد يسفر عن طرد قرابة 900 ألف شخص من أميركا الوسطى يقيمون في الولايات المتحدة بصورة غير مشروعة. هذا في وقت تحتاج بلدانهم إلى أكبر قدر ممكن من الدعم لمحو آثار الحرب التي ساهمت واشنطن في استعارها([20]).

لجميع هذه الأسباب، يبدو أن توقيع معاهدة للتجارة الحرة بين الأميركتين، ضرورة لدول أميركا الوسطى لدفع اقتصادها، الذي انهار بسبب سياسة واشنطن خلال الحرب الباردة لمحاربة الشيوعية وامتدادها إلى القارة التي تعتبرها منطقة نفوذ اقتصادي وسياسي وأمني لها. وهذا ما أكّده رئيس السلفادور ارماندو كالديروز بقوله:

"إذا كانوا لا يريدون أن يهاجر مواطنو أميركا الوسطى بحثاً عن ظروف معيشية أفضل في الولايات المتحدة، فعليهم أن يقدموا لنا الدعم لتنمية المنطقة"([21]).

ومن مظاهر معارضة الامتداد الأميركي الشمالي جنوباً، يمكننا ذكر محاولات الجبار البرازيلي الهادفة إلى إقامة منطقة تعاون جنوبية مستقلة عن الضغوط الشمالية. فقد حاولت واشنطن عام 1991 التوجه جنوباً من خلال إقامة رابطة تبادل حر شمال أميركية (Association de Libre Echange Nord Américaine - ALENA) تضمها مع المكسيك والبرازيل وكندا.

وردت البرازيل بإنشاء السوق المشتركة الجنوبية (MERCOSUR) التي تضمها مع الأرجنتين والأوروغواي والباراغواي، مستبعدة دول أميركا الشمالية([22]). فالبرازيل، كما يقولون في ريو دي جانيرو، لا تريد أن تصبح مكسيكاً ثانية.

وكان من المنتظر دمج الرابطة الشمالية مع السوق الجنوبية لإقامة رابطة تجار أميركا، (Association de Commerce des Amériques - ALCO) تضم جميع الدول الأميركية من ألاسكا شمالاً وحتى الأرجنتين جنوباً، إلا أن هذا المشروع فشل في اجتماع ميامي عام 1994.

وبانتظار هذا الدمج، قام سباق محموم بين المجموعتين لضم دول ميثاق (ANDIN) أي بوليفيا وكولومبيا والإكوادور والبيرو وفنزويلا ودول السوق الكاريبي المشترك([23]).

وحتى الآن يبدو أن العالم الجنوبي يربح في هذا الصراع. فتشيلي أصبحت شبه منضمة إلى المركوسير، كذلك بوليفيا، فيما تحاول الولايات المتحدة تجنب الصراع المباشر معه بعد رفض الكونغرس الموافقة للبيت الأبيض القيام بإجراءات برلمانية متسارعة بهذا الشأن.

ومن مظاهر الصراع المتبادل بين الأميركتين نذكر مسؤولية زراعة المخدرات وتصنيعها وتهريبها نحو الولايات المتحدة. فواشنطن ترى أن المسؤولية بشأنها تقع على عاتق بعض دول أميركا اللاتينية التي تغض النظر عن زراعة وتصنيع والاتجار بالمخدرات لأسباب اقتصادية ومالية، أو لأن أنظمتها لا تتمكن من ضبط اتحادات المخدرات الكبرى التي تمارس هذا النوع من العمل الممنوع والتي أضحت أقوى من الدول([24]).

لقد حلل مارك كليمان، الرئيس السابق لمكتب دراسات الغرفة الجنائية في وزارة العدل الأميركية، تطور سوق المخدرات بين أميركا اللاتينية والولايات المتحدة. ومما أكّده أن الولايات المتحدة تحمّل الدول المنتجة مسؤولية الضرر الواقع على المجتمع الأميركي بسبب المخدرات. كما أنها تحمّل المسؤولية نفسها للدول التي تمر هذه المواد الممنوعـة على أراضيها في طريقها إلى الولايات المتحدة. وتطالب هذه الدول بالتعاون مع المكاتب الأميركية المتخصصة في مكافحة المخدرات مع ما يفرض ذلك من الموافقة على طلبات استرداد المسؤولين عن التهريب نحو الشمال([25]).

وتعتبر واشنطن أن من حقها محاسبة دول أميركا اللاتينية التي لا تستجيب لشروط المكافحة، وحتى وصولاً إلى فرض عقوبات دبلوماسية وتجارية عليها. وضمن هذا الإطار، سحبـت واشنطن إجازة الدخول إلى أراضيها المعطاة للرئيس الكولومبي بسبب تلقيه أموالاً من بارونات المخدرات لصالح حملته الانتخابية عام 1994([26]).

أما الدول المنتجة للمخدرات، فإنها لا ترى من مسؤوليتها منع المواطنين الأميركيين من استعمال المخدرات، وأن مسؤوليـة المكافحة تعود إلى الدول التي يستهلك مواطنوها هذه المواد الممنوعة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية. وهذه الدول تفضّل عدم اتخاذ تدابير تعرّض أمنها القومي للخطر خدمة لأهداف واشنطن([27]).

وتكمن الصعوبة في التفتيش عن المخدرات في حمولة 10 ملايين شاحنة تعبر سنوياً من أميركا اللاتينية باتجاه الولايات المتحدة. والمصدر هو بوليفيا والبيرو وكولومبيا والبرازيل، فيما تلعب المنظمات الإرهابية في المكسيك دور الوسيط الذي يسهّل العمليات(27).

بالمقابل، تأخذ الدول الجنوبية على الولايات المتحدة ودول الشمال الصناعية دورها في بيع الأسلحة إلى مجتمعاتها المتخلفة، فيما دافع وزير خارجية روسيا بريماكوف، أثناء جولته في أميركا اللاتينية في أواخر تشرين الثاني 1997، عن حق بلاده، مثل أي دولة أخرى في العالم، في تصدير السلاح إلى دول أميركا اللاتينية([28]).

 

ثالثاً: دور أميركا اللاتينية على الصعيدين الإقليمي والدولي

لا تشكّل دول أميركا اللاتينية وحدة متجانسة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وحتى على صعيد العلاقات الدولية. فمنها الدول الغنية، ومنها الضخمة سكاناً وإمكانات وتأثيراً في الميدان الإقليمي والعالمي، ومنها الصغيرة التي تعتمد على السياحة والخدمات، ومنها الكبيرة التي تعتمد على مواردها الخاصة لتأمين ازدهارها وتقدمها.

هذا الواقع يوجّهنا نحو دراسة كل دولة بصورة منفردة، وذلك بعد أن رسمنا في القسم الأول منها صورة عامة عن وضع نصف القارة الأميركية الجنوبي والأوسط. ونبدأ بالجبار الأميركي الجنوبي، أي البرازيل.

 

أ- البرازيل

في شرق نصف القارة الجنوبي، تمتد بلاد البرازيل الغنية بالموارد على مساحة 8511996 كلم مربع مع عدد سكان بلغ عام 1996 حوالى 164.4 مليون نسمة، ومن المنتظر أن يبلغ هذا العدد ما مجموعه 179.5 مليون نسمة في عام 2000. وهي جمهورية فدرالية من 26 ولاية.

ويعتبر الاقتصاد البرازيلي متطوراً بالنسبة لباقي دول القارة الجنوبية. فالناتج الوطني الصافي يصل إلى 3150 مليار دولار مع نسبة تضخّم 22.7 بالمئة. ويبلغ احتياط العملات الأجنبية 37.2 مليار دولار مع دين خارجي 139 مليار دولار([29]).

إنها بلاد غنية بالمياه والسهول الخصبة والغابات الاستوائية. وتعتبر، على صعيد الزراعـة والمواد الأولية، من الدول الأساسية المصدرة للبن والكاكاو والصويا وعصير البرتقال والسكر، مع إنتاج الكاوتشوك والذرة الصفراء والأرز والفاصوليا والتبغ والحمضيات والقمح والقطن والبهارات والمطاط وزيوت النخيل.

كما تتميز بالانتاج البقري والخنزيري والمواشي من الخراف والماعز والأحصنة والبغال والحمير، مع كميات ضخمة من الطيور والأسماك التي تُستغل للصيد بطريقة حسنة.

وفي مجال الطاقة، تُعتبر البرازيل من البلدان المنتجة للنفط والغاز مع احتياط نفط يبلغ 389 مليون طن وغاز طبيعي باحتياط 125 مليار متر مكعب. كما تُنتج الفحم الحجري الذي يبلغ احتياطه 5100 مليون طن. وفي ميدان الكهرباء، تنتشر في البلاد معامل كهرمائية مع مفاعل نووي في انفرا يُنتج 626 ميغاواط مع تصميم لإقامة 24 مفاعل آخر حتى العام 2000 يُمكنها إنتاج 75 ألف ميغاواط. ويبلغ احتياط الأورانيوم 555100 طن ([30]).

وتستغل البرازيل شبكة مناجم ضخمة منتشرة في البلاد تُنتج جميع أنواع المعادن من الذهب والفضة والتانكستان والرصاص والكبريت والزنك والمانغنيز والقصدير والنيكل والنحاس والبوكسيت والملح الصخري والحديد والبوتاس والكلس.

صناعياً، تُعتبر البرازيل أقوى قاعدة صناعية في أميركا اللاتينية، مع تصنيع السيارات والطائرات ووسائل الاتصال والتعدين ومع الصناعات الغذائية والأحذية والأسلحة والمعدات الكهربائية، مع أحواض بحرية لإنتاج السفن الأحدث في العالم. منها 72 حوضاً عام و91 خاصاً و37 حوضاً أجنبياً. وفي مجال التسلح، تُصدر البرازيـل 95 بالمئة من إنتاجها إلى الخارج، كما أنتجت عام 1995 حوالى 000 600 1 سيارة. وفي ميدان الإنتاج البترولي، تتمتع البلاد بسمعة تقنية جيدة وبالرقم القياسي العالمي في عمق الاستخراج من قعر المحيطات.

تجارياً، يُسجل الميزان التجاري فائضاً لصالح البرازيل. ففي عام 1994 صدرت بـ43.5 مليار دولار خاصة من إنتاج الأغذية والأسماك والحبوب، مقابل استيراد بـ33.1 مليار دولار خاصة من المعدات الكهربائيـة ووسائل النقل بفائض 10.4 مليار دولار.

عالمياً، تحتل البرازيل المركز الأول في إنتاج البن وقصب السكر والحديد، والثاني في الإنتاج البقري والكاكاو، والثالث في الذرة الصفراء والقصدير، والرابع في الإنتاج الخنزيري والبوكسيت، والخامس في الأخشاب.

ستراتيجياً، تحاول البرازيل الوقوف بوجه المد الأميركي الشمالي في نصف القارة الجنوبية، مقيمة الأحلاف والمشاريع الجبارة وأبرزها حلف مركوسير الذي سبق الحديث عنه. ومن المنتظر أن تلعب دوراً مهماً على الصعيد الدولي خلال القرن الحادي والعشرين.

 

كتب جان جاك فوست في مجلة لو بوان تحت عنوان " كيف شاهدت البرازيل تتغير" ما يلي([31]):

"عام 1960، اكتشفت عالماً بيد العسكريين وفي خضم التغييرات السياسية والاقتصادية. كان ذلك عند إنشاء مدينة برازيليا. وكانت تسود البلاد أعمال الخروج عن القانون والإرهاب. وقد أعطي يومذاك رقم 3000 قتيل في عمليات حفظ الأمن. وفي عام 1982، كانت البرازيل ترزح تحت دين خارجي يتعدى 100 مليار دولار مما جعلها تطلب مساعدة صندوق النقد الدولي. إنما، كان العسكريون قد عمروا البلاد وأقاموا المنشآت السياحية والمسابح وفتحوا المصارف. كما أن البلاد كانت في أوج ازدهارها الاقتصادي. وقد عمد رابع حاكم عسكري إلى إعادة العسكريين إلى ثكناتهم والإفساح في المجال أمام رئيس جمهورية مدني منتخب من الكونغرس (جوزيه سارنيه). كما فُتحت أسواق البرازيل أمام التجارة العالمية وأُطلقت عملة جديدة ارتبطت بالدولار الأميركي ورُفعت نسبة الفائدة في المصارف. وهكذا حصلت العجيبة، وهكذا خرج البرازيليون بالملايين من الفقر وثبتت العملة واعتمد السكان التكنولوجيا الحديثة في البيوت والمعامل، علاوة على تعلقهم بالسامبا وشرب البيرة وإقامة الكرنفالات".

وحالياً، يمكن للزراعة والصناعة الوقوف بوجه المنافسة الأجنبية، كما زادت استثمارات البرازيل الخارجية وعمليات التخصصية. لقد أعادت عنفوانها في جميع الميادين وأعادت الثقة بنفسها على الصعيدين الإقليمي والدولي. وهي تستعد حالياً لتقوية دورها على صعيدين:

- الصعيد الإقليمي: بتوسيع معاهدة المركوسير (MERCOSUR) لتضم تشيلي وبوليفيا.

- الصعيد الدولي: بإجراء مباحثات لأجل توقيع اتفاقـات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وعندها ستتراكض صناعات السيارات، من رينو وكرايسلر وأودي، لاستثمار مليارات الدولارات في هذا البلد الصناعي المهم. وبالفعل، وبعد غياب طويل، عادت الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد عام 1997 بما يتجاوز الـ12 مليار دولار من الموازنات.

وبغية التخفيف من عبء الجهاز الإداري المترهل، تلجأ البرازيل إلى التخصصية في مجالات عديدة، وحتى في صناعات التعدين وسكك الحديد والأوتوسترادات والمرافئ والكهرباء([32]). وبهذه الطريقة، أبعدت البرازيل هذه القطاعات عن الروتين الإداري القاتل. ومشروع التخصصية هذا كان قد أطلقه الرئيس الحالي كردوزو (CARDOSO) منذ التسعينات، مما سمح له بخفض التضخم الكبير الذي كان يهدم البلاد والذي بلغت نسبته عام 1993 ما يقارب 2500 بالمئة.

 

صعوبات البرازيل

يبقى أمام البرازيل طريق طويل تجتازه لتتمكن من تنفيذ مخططاتها. يبقى أمامها إنهاء التفرقة الاجتماعية بين الطبقات إذ أن البنك الدولي يصنفها من الدول الأكثر تفرقة في العالم. عليها هدم الهوة التنمويـة بين شمالها الفقير وجنوبها الغني اللذين يعيشان في عالمين مختلفين. عليها استبدال بنيتها التحتية الهرمة في هذه البلاد الواسعة حيث غالبية المرافق أمست بحاجة إلى صيانة واستبدال.

عليها خفض إيجار اليد العاملة التي تُعتبر مرتفعة بسبب الضريبة. فالعامل البرازيلي يتقاضى أجراً أعلى من أجر عمّال الشرق الأقصى والملاكات يتقاضون أكثر مما يتقاضى أمثالهم الأوروبيون.

عليها تقوية ماليتها العامة وتغطية دينها العام وخاصة الخارجي منه الذي يصل إلى حدود 139 مليار دولار. وعليها تحسين الوضع الأمني. فعلى سبيل المثال وفي شهر تشرين الأول 1997، سجّل في ساو باولو وحدها ما مجموعه 630 جريمة قتل.

عليها تحسين أوضاع الطبقتين الوسطى والدنيا وإنهاء حركة الذين لا يملكون أرضاً "sans-terre"([33]) التي ينادي المنتمون إليها بإعادة توزيع الثروة الزراعية. فالطبقة الوسطى تجد صعوبة في الحفاظ على مستوى معيشتها بسبب ارتفاع الأسعار الذي يطالها أكثر من غيرها، كالإيجارات والطبابة وبدلات الهاتف والغاز والنقل والمدارس وغيرها.

عليها رفع مستوى التعليم والصحة ونسبة النمو وتخفيض نسبة البطالة وإدخال تحسينات على الأساليب الزراعية وخلق وظائف جديدة وتحسين الأداء الأمني وتأمين المسكن اللائق والمأكل المتنوع والمياه والكهرباء وما شابه للطبقات الدنيا، لأن هذه الأمور الحياتية أصبحت من مستلزمات العصر الحالي.

 

ب- الأرجنتين

تمتد الأرجنتين على مساحة 2766889 كلم مربع (دون جزر الفولكلاند وجورجيا الجنوبية)، وبلغ عدد سكانها 34.9 مليون نسمة في عام 1996، وهي جمهورية فدرالية تعتمد دستور 1853 المعدل عام 1997. اللغة الرسمية هي الإسبانية حيث يُقال في الأرجنتين إن سكان المكسيك يتحدرون من الأزتيك، وسكان البيرو من الإنكا، أما سكان الأرجنتين فمن "البواخر"، بمعنى أنهم متحدرون من المهاجرين الأوروبيين. ويحتشد في العاصمة بوينس ايرس حوالى 11.6 مليون نسمة([34]).

اقتصادياً، كانت الأرجنتين تاريخياً القوة الاقتصادية الخامسة في العالم ومموّن أوروبا بالحبوب وخاصة القمح([35]). حالياً يبلغ الناتج الوطني الصافي 8100 دولار لكل مواطن، مع معدل نمو 3 بالمئة ونسبة بطالة تصل إلى 18.5 بالمئة. الحد الأدنى للأجور هو 200 دولار فيما يبلغ ثمن كيلوغرام الخبز دولاراً واحداً. نسبة التضخم عام 1995 بلغت 1.6 بالمئة. الدين الخارجي يبلغ 70 مليار دولار فيما احتياطي الذهب والعملات الأجنبية يصل إلى 17 مليار دولار([36]).

إن خطة "دولار واحد يساوي بيزوس واحد"، التي وضعها وزير الاقتصاد دومينغو كافاللو في آذار 1991، ما زالت سارية المفعول مساهمة في وقف النزف وفي ضبط الاقتصاد في البلاد(38).

زراعياً، تملك البلاد 689 276 مليون هكتار من الأراضي منها 000 26 مليون هكتار صالح للزراعة و9750 مليون مزروعة بصورة دائمة و 300 142 مليون مخصصة للري و 050 60 مليون أحراش و 3020 مليون هكتار مياه.

ابرز المحاصيل هو القمح (9.2 مليون طن) وقصب السكر والذرة الصفراء والصويا والفاصوليا والنبيذ والحبوب والليمون والقطن والأرُز والشاي والتنباك. ومن المواشي، تملك البلاد ملايين الرؤوس من الأبقار (50 مليون) والخراف (20 مليون) والماعز والخنازير مع ثروة من الطيور والأسماك.

وفي مجال الطاقة، تُنتج الأرجنتين 292 ألف طن من الفحم الحجري و32.7 مليون طن من البترول مع احتياط يبلغ 302 مليون طن. كما تُنتج الغاز الطبيعي الذي يبلغ احتياطه 750 مليار متر مكعب. المناجم الأرجنتينية يُستخرج منها الأورانيوم والحديد والقصدير والرصاص. ومن الصناعات الغذائية، تصنع البلاد اللحوم والزيوت والسكريات، كما تتميز بصناعـات النسيج من الصوف والقطن، مع حجم أعمال يتجاوز 10 مليارات دولار سنوياً.

تجارياً، تصدّر البلاد سنوياً بما يقارب 12.2 مليار دولار من انتاج الطعام والمواشي والزيوت والبترول، فيما تستورد بما يوازي 18.4 مليار دولار خاصة من المعدات والآلات الزراعية. الأسطول التجاري البحري غير كاف والميزان التجاري يُسجل عجزاً سنوياً بحوالى 4.3 مليار دولار.

 

سياحياً، يزور البلاد ما يقارب 3 ملايين زائر.

عالمياً، تتبوأ الأرجنتين في الإنتاج العالمي المركز السادس في الإنتاج البقري والذرة الصفراء، والعاشر في الشاي والثالث عشر في قصب السكر والرابع عشر في الإنتاج الفحمي والزنك والخامس عشر في القمح والحبوب والثامن عشر في الغاز والعشرين في البترول([37]).

حضارياً، امتازت البلاد بأشهر لاعبي كرة القدم كمارادونا. وإليها ينتمي أكبر مثال لرقص وغناء التانغو، كارلوس غرديل (Carlos Gardel) والذي نال شهرة في تاريخ الأرجنتين فاقت أهمية ايفيتا بارون([38]).

سياسياً، وخلال العقدين الأخيرين، تمكنت الأرجنتين من تحقيق مظاهر أساسية للديموقراطية بعد أن كانت قد رضخت لأنظمة ديكتاتورية. فمنذ 10 كانون الأول 1983، انتُخب راوول الفونسي رئيساً للجمهورية فسلَّم الحكم عام 1989 إلى خليفته المنتخب انتخاباً كارلوس منعم بصورة ديموقراطية. واعتمد منعم الليبرالية حتى في الإقتصاد الحر([39]).

وساهمت قوانين الطاعة التي صدرت عام 1986 في الحد من مسؤوليات الضباط الضالعين في النظام الديكتاتوري السابق، والذين كانوا لا يزالون يتمتعون بالقوة والنفوذ رغم هزيمة الجيش الأرجنتيني في حرب جزر الفولكلند ضد بريطانيا. كما طويت هذه الصفحة الدموية بقوانين عفو عام 1990 وأمعنت الدولة في الإقتطاعات من موازنات الجيش وفي الحد من قوة العسكر على التحرك داخلياً للإستيلاء على السلطة.. وتتابع البلاد حالياً مسيرتها الديموقراطية بعد أن فقد الحزب البيروني، في مطلع تشرين الأول 1997، الأكثرية المطلقة في البرلمان اثر انتخابات فرعية([40]). ويبدو أنه ما يزال أمام الأرجنتين تجربة مستقبلية في الديموقراطية عند اجراء الإنتخابات الرئاسية عام 1999.

لقد احتفلت المعارضة الأرجنتينية في 27 تشرين الأول 1997 بما وصفته "نهاية حقبة منعم"، نتيجة الفوز الذي حققته في الإنتخابات البرلمانية المذكورة. واعتُبرت نتيجة هذه الإنتخابات الهزيمة السياسية الأكبر لمنعم منذ توليه الحكم ونوعاً من العقاب للإدارة البيرونية التي حملت البلاد أعباءً اجتماعية ثقيلة في إطار برنامجها الإقتصادي([41]).

وهكذا يبدو أن الحديث عن استقرار اقتصادي في البلاد لم يعد كافياً لإقناع الشعب. فقد أكّد أحد مرشحي المعارضة أن "لا موجب لمناقشة ما هو غير ممكن للمناقشة أي ديموقراطية الأرجنتيـن والإستقرار الإقتصادي فيها. فالبلاد يحب أن تكون لجميع أبنائها وليس لأقلية منهم يتمتعون بالإمتيازات"([42]).

وبالفعل كانت مرحلة الحكم العسكري الديكتاتوري (1976-1983) قد حفلت بالعديد من الجرائم ضد حقوق الإنسان، من الخطف والقتل والتعذيب والسجن والإستيلاء على أملاك الناس. وضمن هذا الإطار، كشفت سويسرا في أول شباط 1998 عن أسماء عسكرييـن أرجنتينيين يملكون حسابات ضخمة في مصارفها منذ أيام الحكم العسكري. هؤلاء العسكريون، لم يقتصر دورهم على تعذيب الموقوفين وقتلهم، بل تعدى ذلك لتجريد الضحايا من أموالهم وأملاكهم. فقد عمدوا إلى إنشاء مكتب عقاري لإعادة بيع هذه الأملاك لمصلحتهم الخاصة. وكانوا يبيعون معلومات عن الموقوفين لأهلهم. كما استفادوا من قوانين العفو التي صدرت بين 1986 و 1987 للتخلص من العقاب([43]).

من جهة أخرى، نقلت الصحافة العالمية أخبار الفساد والخلل في عمل الشرطة والقضاء وسوء توزيع الثروة الوطنية والفقر وتراجع الإقتصاد. كما ركزت على ارتباط أعضاء من البوليس في جرائم عدة لم يتم كشف ملابساتها، منها قتل مراسل إحدى الصحف الذي كان يحقق في عمليات تهريب مخدرات التي ترتبط بها أسماء قادة البوليس في العاصمة([44])، كما كان يُحقق في علاقات رجل الأعمال الفريدو يابران، الرجل الأكثر غموضاً وسريـة في البلاد ونسيب الرئيس منعم، ببعض أركان الحكم في البلاد. وبسبب هذا التحقيق أقدم يابران على الإنتحار في 16 آذار 1998 لاتهامه بأنه رئيس عصابة المافيا المسيطرة على الحكم([45]).

ويترافق مع الفساد وتراجع الإقتصاد، أعمال التهريب والخوف من كشفها لأن من يكشفها قد يدفع حياته ثمن ذلك، نظراً لسيطرة الإدارة والبوليس على القضاء سيطرة تامة. فعلى سبيل المثال، وخلال سبع سنوات، اعتُبر بوليس مندوزا مسؤولاً عن عشر جرائم قتل وعشرين حالة تعذيب. وخلال خمس سنوات، وُجهت تهم إلى 47 ألف شرطي لأسباب الخطف والسرقة والقتل والتعذيب في بيونس أيريس([46]).

 

ج- المكسيك: في ظل الولايات المتحدة

تُعتبر المكسيك الإمتداد الجنوبي لنصف القارة الأميركية الشمالي وظل الولايات المتحدة جنوباً وجارها المقلق. إنها بلد الثوار من أتباع زاباتا الشهير، والجماعات شبه العسكرية والسلطات المحلية الفاسدة والهنود الذين يتصارعون رغم محاولات الرئيس زيديللو (ZEDILLO) لاعتماد الحوار معهم.

وتمتد البلاد على مساحة 1958201 كلم مربع مع جبال ترتفع حتى 5569 متراً عن سطح البحر حيث يعيـش حوالى 95 مليون نسمة قد يتزايدون حتى 113 مليوناً مع العام 2000. إنهم خليط من السكان حنطيو اللون 90 بالمئة كاثوليك و 5 بالمئة من البروتستانت. اللغة الرسمية هي الإسبانية.

اقتصادياً، بلغ الناتج الوطني الصافي عام 1995 حوالى 4070 دولار للشخص، مع نسبة بطالة 6.4 بالمئة وتضخم 51.96 بالمئة. معدل النمو 6.9 بالمئة والدين الخارجي بلغ عام 1995 معدل 65.7 مليار دولار، فيما الدين الداخلي يلامس حدود الـ36 مليار دولار أي 25 بالمئة من الناتـج الداخلي الصافي. الأملاك المكسيكية في الولايات المتحدة تتراوح بين 65 و 120 مليون دولار مع احتياط بالعملات الأجنبية حوالى 15596 مليار دولار. الحد الأدنـى للأجور هو 21.45 بيزوس مكسيكي مع أن ثمن كلغ اللحم يبلغ 22 إلى 30 بيزوس([47]).

الأراضي الزراعية تمتد على مساحة 30.8 مليون هكتار، منها 3.7 مليون هكتار مزروعة و 74.5 مليون هكتار غابات و 4.9 مليون مياه. وتُمارس زراعات قصب السكر بإنتاج 42 مليون طن، والذرة الصفراء والقمح والحمضيات والموز والليمون والبن والكاكاو والقطن والأرُز والشوفان والأراشيد وزيت جوز الهند والأفوكا والعنب. ومن المواشي يرعى في مراعيها 30.7 مليون رأس بقر و 16.8 مليون رأس خنزير و 11 مليون من الماعز مع أعداد من الأحصنة والأغنام والأسماك وغيرها.

ويُمارس المكسيكيون زراعات محظرة، أهمها الماريجوانا التي تُزرع في 21190 هكتار وتُنتج 50 بالمئة من استهلاك الولايات المتحدة. كما أن80 بالمئة من كوكايين أميركا الجنوبية يمر عبر المكسيك باتجاه الولايات المتحدة، مما يؤمن لها مدخولاً يتراوح بين 26 و 28 مليار دولار سنويـاً حيث يعمل في هذا المضمار نحو 350 ألف شخص.

وفي ميدان الطاقة، تُنتج البلاد حوالى 133.7 مليون طن من البترول، مما يؤمن لها مدخولاً يوازي 10 مليارات دولار مع احتياط يبلغ 35000 مليون طن. الغاز الطبيعي بلغ انتاجه السنوي 26 مليار متر مكعب مع احتياط 2010 مليار متر مكعب. وتُنتج من الفحم الحجري 5483500 طن سنوياً. كما تستخرج من الحديد 5400 مليون طن، ومن الكبريت 9.5 ملايين طن ومن الزنك 400 مليون طن، مع كميات كبيرة من النحاس والفلور والفضة والذهب والرصاص والانتيموان والزئبق ورصاص الأقلام والفوسفات والمنغنيز.

وفي المجال الصناعي، تعتبر تصفية النفط من أهم الصناعات إضافة إلى أعمال الارتيزانا ومعامل التجميع التي يعمل فيها حوالى 500 ألف عامل. تجارياً، تُصدر البلاد ما يقارب 27 مليار دولار من المحروقات والزيوت (منها 7.9 مليار دولار للبترول)، وما يعادل 8.6 مليار دولار من معدات النقل. وتستورد بما يعادل 47.8 مليار دولار، خاصة من آليات النقل والأواني المنزلية والأطعمة والمواد الكيميائية.الميزان التجاري سجل تراجعاً بنسبة 18.4 مليار دولار عام 1994، وتقدماً بما يعادل 7.3 مليار دولار عام 1995. سياحياً، يزور البلاد 6350000 سائح سنوياً.

وتحتل المكسيك المركز الأول عالمياً في استخراج الفضة، والرابع في الذرة الصفراء والخامس في البن وقصب السكر والسادس في النفط والزنك والسابع في الإنتاج البقري واحتياط النفط والتاسع في الإنتـاج الخنزيري والعاشر في الغاز والنحاس والحادي عشر في الكاكاو والثاني عشر في الحديد والرابع عشر في الحبوب والتاسع عشر في صيد الأسماك.

 

تاريخياً، عرفت  المكسيك أقدم الحضارات الأميركية منذ 1500 عام ق.م مع الأولميك  ([48]) (OLMEQUES )( 1500ق.م - 400 ق.م)، وهي الحضارة الأولى المعروفة في أميركا الوسطى والتي تركت تأثيرهـا على حضارتي المايا والأزتيك. وقد اشتهرت بمنحوتاتها الحجرية من الرؤوس الضخمة(16 منها بين مترين و3.35 متراً)، مع منحوتات أخرى ضخمة جداً تمثل رؤوس انسانية على شكل الإجاص([49]).

إلا أن الحضارة الأبرز في أميركا الوسطى هي حضارة المايا (300 ق.م - 1500م)، وذلك نظراً لاتساع المساحة التي خضعت لتأثيرها، أي جنوب المكسيك وغواتيمالا وبيليز وغرب هندوراس والسلفادور، ونظراً لدرجة ثقافتها المتطورة واستعمالها الكتابة الهيروغليفية المتأثرة بالأولميك، وبمعارفها في ميدان الرياضيات وعلم الفلك. لقد ترك المايا هياكل من أبدع ما خلقته الحضارات القديمة في العالم، وانتهت حضارتهم مع الغزو الاسباني عام 1541.

أما الازتيك  (1325 - 1521) فهي حضارة مقاتلة قامت ببناء الأهرام الشهيرة، وسيطرت على باقي أميركا الوسطى بالقوة العسكرية.

سياسياً، تعيش المكسيك حالياً في ظلال جارتها الشمالية، أي الولايات المتحدة التي تركت تأثيرها المباشر خاصة على شمال البلاد الذي يعيش على الطريقة الأميركية ويُركز اقتصاده على التعامل معها حتى في تهريب المخدرات. فمدن شمال المكسيك تشبه مدن جنوب الولايات المتحدة. من لوحات الإعلان المضيئة إلى المخازن التجارية الكبرى المبردة إلى عصابات الشبان الذين يرتدون الجينز والثياب الجلدية، إلى سانتاكلوز عيد الميلاد واعتماد اللغة الإنكليزية في التخاطب بدلاً من الإسبانية، وحتى اعتمار قبعة التاكساس بدل السامبريرو([50]).

إقتصادياً، يتركز الإقتصاد والمال في شمال المكسيك، من المصارف الكبرى إلى التجارة المزدهرة ومراكز التصدير التي يوجه 85 بالمئة من مواردها نحو الولايات المتحدة. لقد اجتازت المكسيك أزمة مالية في أواخر عام 1994 وبداية عام 1995 ساهمت الولايات المتحدة في إخراجها منها بمساعدة صندوق النقد الدولي. وهكذا وصلت نسبة النمو عام 1998 إلى 7 بالمئة.

وبالمقابل، سرّعت المكسيك عملية التحول نحو الديموقراطية مع نهاية عام 1997 وللمرة الأولى منذ 68 سنة، فتمكنت المعارضة من السيطرة على البرلمان.

إنما، ورغم هذا التطور، ما زالت الأجور في حدها الأدنى، كما بقيت المشكلات الإجتماعية دون حلول والثوار ما زالوا على أسلحتهم.

صناعياً، تحسن الوضع في شمال المكسيك بعد اتفاقية التبادل التجاري الحر بين المكسيك والولايات المتحدة وكندا، فأتيحت في تشرين الأول 1997 وحده 24 ألف فرصة عمل جديدة وفتحت 2000 شركة جديدة أبوابـها، وأصبحت أزمة البيزوس لعام 1994 - 1995 في عالم النسيان([51]). إلا أن هذا التحسن الصناعي عمل على تخريب البيئة. ففي مدينة مونتيري مثلاً، التي وُصفت بأنها هونغ كونغ المكسيك، لا يمكن للإنسان أحياناً رؤية الجبال القريبة بسبب سحب الغبار المتصاعد من 4000 شاحنة تعبر يومياً نحو الشمال.

 

وصفت إحدى الفتيات العاملات الوضع في مونتيري بقولها:

"نحن لا نرغب بالهجرة إلى الولايات المتحدة كوننا نتمتع هنا بمستوى المعيشة نفسه، إنما مقابل إيجارات أدنى لمنازل أفخم"([52]).

لقد أمست المدينة مركزاً تجارياً وصناعياً ناجحاً بفضل الجار الشمالي، من الطرق إلى قساطل الغاز التي تربطها بالتكساس. كل ذلك جعل مسؤولي المدينة يصنفونها من العالم الأول، فيما تُعتبر المكسيك من بلدان العالم الثالث الجنوبي. أما الولايات المتحدة فتعتبرها إحدى المدن الأميركية التي اتجهت 200كلم جنوباً.

داخلياً، تشكو البلاد من التفريط بحقوق الإنسان من خلال التمييز في المعاملة بين البيض والهنود من سكان البلاد الأصليين الذين دُفعـوا في أول كانون الثاني 1994 إلى ثورة أنصار زاباتا الذين يطالبون بشبه حكم ذاتي للمناطق الجنوبية حيث يكثر الهنود من سكان البلاد الأصليين والتي خلّفت خلال  أسبوعين 193 قتيلاً. وعاد انصار زاباتا ورفضوا الهدنة في 12 حزيران والتي كانت قد أعلنت منذ ثلاثة أشهر. وفي 9 آذار 1995، أصدر البرلمان قانوناً للحوار مع الثوار لقاء العفو عن رؤسائهم بقيادة القائد المعاون ماركوس. وهكذا تحولت حركة انصـار زاباتا منذ أول 1996 إلى حركة سياسية لقاء الإعتراف بشبه استقلال نسبي لمناطق الثوار اعتباراً من 8 أيلول 1997([53]).

إنما، ورغم التحول، سجلت مذبحة رهيبة ضد أنصار زاباتا في أكتيل (ACTEAL) في 22 كانون الأول 1997 ذهب ضحيتها 45 من الهنود. وارتكبت المجزرة إحدى العصابات شبه العسكرية القريبة من الحزب الحاكم. واتهم القائد المعاون ماركوس الرئيس زيديللو بالمجزرة مؤكداً أنه، فيما يدعـو للحوار، يتابع المجازر ضد الثوار([54]). أما الرئيس كلينتون فقد طلب إجراء تحقيق في موضوع المجزرة، متهماً الحكم المكسيكي بارتكاب مخالفات ضد حقوق الإنسان الهندي وبمحاولات إبادة سكان البلاد الأصليين، كما طلب وزير خارجية فرنسا أن تكشف المكسيك النقاب عن نشاطات المنظمات شبه العسكرية التابعة لأركان الحكم والتي تقوم بالتصفيات ضد الهنود([55]).

ومن المعروف أن المكسيك تملك سجلاً خاصاً من حالات الجرائم غير المكشوف النقاب عنها والتي تصب في مصلحة الحكم وتتفذها العصابات المذكورة. ففي تقرير للمدعي العام في منطقة شياباس، جاء أن من أسباب عدم الإستقرار في المنطقة وجود العصابات شبه العسكرية الموالية للحكم. وجاء في التقرير([56]).

"منذ أن استقرت هذه المنظمات في المنطقة تكاثرت أعمال السرقة والتهديد والخطف والقتل".

وهذا الوضع غير المستقر من المرجح أن يستمر حتى الإنتخابات الرئاسية عام 2000، التي قد تنتصر فيها المعارضة وأنصار زاباتا المدعومون من الهنود الأصليين. وبانتظار ذلك، سيبقى جنوب المكسيك عرضة للحروب ولأعمـال الثأر المتبادل وستبقى البلاد يتجاذبها اتجاهان:

          - اتجاه الديمقراطية والحرية والإنتخابات.

          - اتجاه نحو الأزمات والحركات المعارضة المسلحة ونحو تفتت الحكم المركزي وتقوية اتحادات المخدرات.

          وتشكو المكسيك أيضاً من تجذر تجارة المخدرات فيها وقوتها ومن أعمال تبييض الأموال التي تمارسها بعض المصارف في البلاد والتي تحاول الولايـات المتحدة وضع حد لها، لأن تبييض الأموال يتم فيها بمعدل 80 مليار دولار سنوياً لمصلحة تجار المخدرات، توجه بغالبيتها عبر المكسيك في حمولات شاحنات النقل العام. ويعمد عملاء أميركيون إلى ملاحقة اعمال تبييض الأموال هذه إلى داخل أراضي المكسيك رغم احتجاج حكومتها. وقد اعترف فعلاً كارلوس غوميز رئيس جمعية المصارف المكسيكية بتورط بعض مصارف بلاده في أعمال التبييض هذه([57]).

ولمحاربة هذه الآفة، بدأت الولايات المتحدة بالمساعدة في تنظيم أعمال المحاسبة في المصارف المكسيكية، وحتى في تزويدها بأجهزة الكومبيوتر وبإقامة دورات تدريبية لموظفيها.

وأهم عملية في تاريخ الصراع ضد تجار المخدرات والمصارف التي تمارس تبييض الأموال، هي التي نفذتها وكالة الاستخبارات المركزية بعد أن حضّـرت لها مدة 3 سنوات. ففي 16 أيار 1998، أوقفت السلطات الأميركية في كازينو كازابلانكا في نيفادا 26 مصرفياً مكسيكياً مرتبطين باتحاد كالي للمخدرات الكولومبي واتحاد خواريز في المكسيك، بعد أن أوقعتهم في فخ نصبه رجالها. فالمصرفيـون الذين يمثلون 12 إلى  19 من أهم المصارف المكسيكية كانوا قد دعوا لتبييض أموال ضخمة من خلال خسارتها في أعمال القمار في الكازينو المذكور. لكن ما كانوا يجهلونه هو أن الدعوة وجهت إليهم من قبل الاستخبارات وعناصر جمارك الولايات المتحدة الذين ادعوا أنهم موظفون في الكازينو([58]).

وأدت العملية التي دعيت "كازابلانكا"، والتي بقيت أجهزة استخبارات المكسيك وكولومبيا في جهل تام بها، إلى وضع اليد على 2 طن من الكوكايين و4 طن من الماريجوانا و35 مليون دولار نقداً و 122 مليون طن مودعة في حسابات في الولايات المتحدة وغيرها. كما أوقف 112 شخصاً مرتبطاً باتحادي كالي وخواريز للمخدرات.

فحسب إحصاءات الوكالة الأميركية لمكافحة المخدرات أن 70 بالمئة منها يصل إلى الولايات المتحدة عبر المكسيك حيث تعمل 5 اتحادات لتجار المخدرات مرتبطة جميعها بأعمال العنف. فعلى سبيل المثال، اغتيل في 21 أيلول 1997 أحد قادة رجال الأمن الأميركيين لأنه صرّح بقرب وصول التحقيق حول أعمال تبييض أموال لصالح اتحاد تيجوانا إلى نتيجة ايجابية. وخلال عشرة أشهر من السنة نفسها قتل العديد من الموظفين المكلفين بمكافحة المخدرات في شمال المكسيك([59]).

وبالمقابل، أوقفت سلطات باناما في 11 أيلول 1997 "امبراطور" تهريب المخدرات المدعو مانويل رودريغز لوبيز، الرجل الوسيط بين اتحادي كالي وتيجوانا والمتهم بتهريب حوالى 80 طن كوكايين على متن بواخره إلى الولايات المتحدة خلال السنوات الثلاثة الأخيرة([60]).

ومن المؤكد أن الصراع بين سلطات الولايات المتحدة والمكسيك من جهة واتحادات المخدرات والمصارف المتورطة بتبييض أموالها، سيتابع في المدى المنظور دون التوصل إلى ضبط سيل المخدرات الجارف عبر المكسيك إلى الولايات المتحدة.

 

د- كولومبيا والمخدرات

الحديث عن المخدرات يدفعنا للتطرق إلى أوضاع البلد الأكثر تورطاً في هذه التجارة، وهو كولومبيا حيث توجه المواطنون منذ الأول من حزيران 1998 لانتخاب رئيس البلاد وسط اجراءات أمنية مشددة، بسبب سيطرة المنظمات اليسارية المتمردة والثوار وأعمال العنف. وقد وُضع أفراد قوات الأمن البالغ عددهم 250 ألفاً في حال التأهب لحماية المرشحين الثلاثة عشرة.

وبالمقابل، تحركت التنظيمات العسكرية المعارضة، وأبرزها "القوات المسلحة الثورية الكولومبية" وهي شيوعية، و"جيش التحرير الوطني" اليساري، واصفة الانتخابات بـ"المسرحية الهزلية"([61]). وكثفت هذه التنظيمات عملياتها محتجزة 8 من العاملين في مراكز الاقتراع في شمال غرب كولومبيا، وذلك بعد إحراق عشرات السيارات التي تحدّت منع التجول الذي فرضه هذان التنظيمان. كما قتل 7 جنود برصاص الثوار الذين وجهوا تهديدات إلى المرشحين للرئاسة، مما دفع بالبوليس إلى  فصل مجموعات لحمايتهم حتى الدورة الثانية في 21 حزيران([62]).

والمرشح الأبرز هو مرشح المعارضة أندرياس باسترانا ANDREAS PASTRANA الذي تلقى 30 تهديداً بالقتل اعتبرها البوليس جدية. وقد خصصت جماعة مهربي المخدرات مبلغ 10 ملايين دولار لاغتياله لأنه وعد، في حال فوزه، بإصدار قانون يسمح باسترداد بارونات المخدرات من الولايات المتحدة لمحاكمتهم. ومن المعـلوم أنه، في حال سن قانون كهذا، فإن رئيسي اتحادي مخدرات ميديلين وكالي المطلوبين حالياً في كولومبيا، سيسلمان في حال توقيفهما إلى السلطات الأميركية. وكان قد سبق خلال انتخابات 1990 أن عمد بابلو اسكوبار رئيس اتحاد ميديلين إلى اغتيال 3 مرشحين للرئاسة يعارضون تجارة المخدرات.

المرشح الثاني البارز هو هوراسيو سيربا المدعوم من تجار المخدرات، وهو وزير سابق للداخلية لم تعمد الحكومة خلال عهده إلى التعرض لعمليات العنف وأعمال الثوار والتعذيب. وقد تلقى 25 تهديداً بالقتل من المنظمات التي تعارض اتحادات المخدرات. أما المرشح الثالث فهو الجنرال هارولد بيدويا الذي تعـرض مركزه في 12 أيار 1998 لانفجار عبوة ناسفة أودت بحياة مساعده وعدد من حراسه ([63]).

أما الفائز فكان مرشح المعارضة اندرياس باسترانا وذلك خلال الدورة الثانية التي جرت في 21 حزيران 1998، واضعاً حداً لـ12 عاماً من حكم الحزب الليبرالي ومن شكوى الركود الإقتصادي، وذلك بدعم من ثوار الجنوب المعادين لتجار المخدرات والذين كان قد انتدب أحد معاونيه للتفاوض معهم([64]). وكلن باسترانا قد اتهم الرئيس السابق سامبيير بتمويل حملته الإنتخابية عام 1990 بأموال مهربي المخدرات في كارتل كالي مما أثار يومذاك أكبر أزمة سياسية في البلاد.

ووعد الرئيس الجديد بتسوية الصعوبات الإقتصادية والإجتماعية ومشكلات العنف والفساد، وأنه سيحاول إجراء حوار مع الثوار بنيّة وضـع حد للعنف، كما وعد بملاحقة زعماء المخدرات وتطبيع علاقات كولومبيا مع العالم([65]).

وكولومبيا، حيث يسود العنف ويدور صراع بدون رحمة بين السلطات الحكومية المدعومة من الولايات المتحدة والمنظمات شبه العسكرية المدعومة من اتحادات تجار المخدرات، تمتد على مساحة 1141748 كلمتراً مربعاً ويبلغ عدد سكانها 35652000 نسمة. العاصمة هي بوغوتا ويقطنها 6714305 نسمة فيما عاصمتا المخدرات، كالي وميديلين تعدان 1783516 نسمة و 1698777 نسمة.

اقتصادياً، يبلغ الناتج الوطني الصافي 1500 دولار للشخص مع نسبة نمو 6 بالمئة، فيما البطالة 13.5 بالمئة والتضخم 22.6 بالمئة والدين الخارجي 25 مليار دولار([66]). الأراضي الزراعية تبلغ 4050 ألف هكتار وتنتج قصب السكر (29 مليون طن) والأرُز والبطاطا والبن والذرة الصفراء والصويا والقطن والشوفان والقمح والموز والفواكه والخضار والكاكاو والتبغ.

أما في ميدان المخدرات، فتنتج كولومبيا 80 بالمئة من الكوكايين الذي يُستهلك في الولايات المتحدة([67]). ويزرع الكوكايين في مساحة 40 ألف هكتار، كما تصنّع كولومبيا إنتاج البيرو وبوليفيا والإكوادور. أما الماريجوانا فتزرع في مساحة 70 ألف هكتار وتعتبر كولومبيا المنتج الأول لها في العالم.

ويعمل في ميدان المخدرات بين 600ألف و 1700000 عامل. أهم الاتحادات هي كالي وميديلين وبيريرا، وقد عرضت دفع ديون كولومبيـا الخارجية، والبالغة 25 مليار دولار، مقابل حرية التصرف. يعمل في خدمة هذه الإتحادات بين 3 آلاف و10 آلاف قاتل محترف وتسيطر على 70 بالمئة من السوق العالمية للمخدرات وخاصة الكوكايين مع مدخول 300 مليار دولار سنوياً.

تجارياً، تصدّر البلاد بـ7671 مليون دولار من البترول والبن والفحم الذهب خاصة، وتستورد بـ8969 مليون دولار وتحتل عالمياً المركز الأول من إنتاج الزمرد والفواكهة والجلديات والثاني في البن والرابع في الفحم والتاسع في الإنتاج البقري والكاكاو والعاشر في قصب السكر والحادي عشر في النيكل والثالث عشر في الذهب والسابع والعشرين في البترول. ويقصدها 856862 سائح سنويا([68]).

أمنياً، يبدو الوضع متدهوراً في كولومبيا التي كان يسود دائماً الصراع نحو الرئاسة وحتى في الانتخابات المحلية أعمال عنف، لاسيما مع خوضها من قبل مرشحين موالين لاتحادات المخدرات التي أقامت داخلها دويلات لا يمكن للدولة ولوجها، وسبق أن انتخب رؤساء عدة، منهم الرئيس السابق، بفضل دعم وأموال تجار المخدرات واتحاداتها([69]).

وتتكاثر أعمال العنف في البلاد حيث تعمد الصحف والإذاعات إلى تنبيه المواطنين إلى عدم اجتياز بعض الأحياء بسبب وجود مجرمين مسلحين يتعرضون للمارة. ففي مدينة مديلين مثلاً (وهي المدينة الثانية في البلاد)، قتل خلال عام 1996 ما مجموعه 5257 مواطناً، فيما قتل خلال العام نفسه 3296 في العاصمـة بوغوتا. فحسب مصادر البنك الدولي، تحتل كولومبيا الرقم القياسي في عدد الاغتيالات (89.5 لكل 100 ألف مواطن) ([70]). كما تحدد إحصاءات أخرى أن ربع الاغتيالات في القارة الأميركية بكاملها ترتكب في كولومبيا التي هي في حرب دائمة مع نفسها، وتعيش في حال من البؤس وانعدام الأمن تحت رحمة مجموعات من الثوار تعمـل بتمويل من كبار ملاكي الأرض أو من بارونات اتحادات المخدرات.

لقد اعتبرت الإحصاءات أن 40 بالمئة من أراضي كولومبيا لا تسيطر عليها قوى الأمن الحكومية. كما غادر حوالي 900 ألف شخص مناطق سكنهم بسبب المعارك القائمة منذ 1985. بالمقابل، تسيطر، خاصة في الجنوب، المنظمـات الثورية، وأبرزها القوات المسلحة الثورية التي تجمع 15 ألف مقاتل وتفرض ضرائب على السكان وتبلغ مداخيلها 70 ألف دولار لكل فرد من أفرادها، أي 40 ضعف متوسط دخل الكولومبيين([71]).

ويقود الصراع ضد هذه المنظمات جيش من 130 ألف يعتبر أفراده في أدنى مستويات المعنويات الممكنة. وقد ساهم هذا الصراع المسلح في خلخلة البنى التحتية للبلاد، وأدى إلى تدني مستواها الاقتصادي إلى الحد الأدنى، مع تضخم يبلغ 22.6 بالمئة وبطالة بنسبة 13.5 بالمئة فيما كانت في فترة سابقة تتمتع باقتصاد من أشد اقتصادات دول أميركا اللاتينية ثباتاً.

حتى خلال الانتخابات البلدية التي جرت في 2 تشرين الأول 1997، قامت الجماعات المسلحة باغتيال 35 مرشحاً وخطف 200 مرشح مما أدى إلى انسحاب 1879 آخرين بسبب تهديدهم بالقتل. كما نسفت مراكز انتخابية عديدة وأحرقت سيارات ونسفت أخرى خلال توجه أصحابها إلى أقلام الاقتراع([72]).

ومقابل الجماعات المسلحة المدعومة من تجار المخدرات، تجول في البلاد جماعة أخرى شبه عسكرية، يمينية الانتماء ومدعومة من أصحاب الأراضي وبعض وحدات الجيش، وتشن حرباً ضد التنظيمات اليسارية المذكورة أعلاه، وخاصة القـوات المسلحة الثورية. وتغتال هذه التنظيمات جميع المدنيين الذين يشتبه بتعاملهم مع القـوات الثورية. وهذا ما ساهم في إبعاد مئات العائلات أيضاً عن منازلها([73]).

 

هـ- كوبا: العداء للولايات المتحدة

فيدل كاسترو، الرجل الذي رأس حركة انقلابية شيوعية في عام 1959 على الاتحاد السوفياتي ودول الكتلة الشيوعية، وطرد باتيستا إلى الدومينيك، وأقفل المدارس الدينية عام 1961، وأبعد 130 رجل دين كاثوليكي أجنبي عن كوبا، وأرسل الكوبيين إلى معسكـرات التأهل وبينهم الكاردينال الحالي جيم أورتيغا؛ هو نفسه الذي وقف إلى جانب الكاردينال أورتيغا نفسه في مطار هافانا على رأس مستقبلي البابا ليفتح صفحة جديدة مع الكنيسة([74]).

وتمكن البابا من وضع بصماته الروحية على الكوبيين وعلى كاسترو نفسه، مما دفع بمستشاري الرئيس الكوبي للشعور بالإضطراب بسبب حدة انبهار رئيسهم بكل حركة وكل كلمة للضيف الكبير. ورغم أن كاسترو هو من الملتزمين بمقولة ماو تسي تونغ بأن المصدر الوحيد للقوة السياسية هو فوهة البندقية، فإنه ذكر لبعض أعضاء الكونغـرس الأميركي لدى اجتماعهم به أنه سيسمح بإقامة المزيد من الشعائر الدينية في الجزيرة.

أما البابا، فقد وجّه من على متن الطائرة التي تقله نحو كوبا في 21 كانون الثاني 1998 دعوتين([75]):

الأولى: نحو الولايات المتحدة، طالباً منها إعادة النظر بالحصار الاقتصادي والتجاري والمالي المفروض على كوبا منذ 1962.

الثانية: نحو كوبا، مماثلة لتلك التي وجهها البابا عام 1979 إلى بولونيا. وفحواها أن حقوق الإنسان هي أساس الحضارة. وطلب من الكوبيين أن يتركوا تشي غيفارا يرتاح في مملكة الله، ودعاهم للانفتاح على العالم في سبيل مستقبل أفضل.

وبالفعل، يجري حالياً أمر ما في كوبا قد يحولها عن المسار الذي أخذته الثورة منذ 1959. وهي التي تمتد على مساحة 110860 كلم مربع مع 5745 كيلومتر من السواحل وتتألف من 1600 جزيرة. عدد سكانها 11.11 مليون (عام 1996). اللغة الرسمية هي الإسبانية.

إنها جمهورية إشتراكية للعمال والمزارعين يقودها فيدل كاسترو، القائد الأسطوري للثورة الذي خاضها مع غيفارا بين 1928و1967. جيشها يبلغ 200 ألف جندي مع وجود روسي للواء من 1500 جندي من 1963 وحتى 1992.

اقتصادياً، بلغ الناتج الوطني الصافي حوالى 600 دولار للشخص (1994) مع بطالة تتراوح بين 20و40 بالمئة. العملة الوطنية هي البيزوس غير القابل للصرف، ثمنه الرسمي 1.35 دولار فيما ثمنه الفعلي 0.04 دولار. نسبة النمو 2 بالمئة. وقد سجل تراجع الصناعة بين 1990و1995 بسبب نقص المحروقات بنسبة 80 بالمئة، مما دفع إلى إعادة استعمال حيوانات الجر. وتستفيد الصناعة من مناجم النيكل (30200 طن) والحديد والنحاس والمانغنيز والكروم والكوبالت والأملاح والبترول (1209000 طن سنوياً) ([76]).

زراعياً، تنتج كوبا قصب السكر (33 مليون طن) والارُز (186 مليون طن) والتبغ ولاسيمـا السيجار والبن والذرة الصفراء والفواكه من الموز والمانغا والليمون والخضار المتنوعة. ومن المواشي تملك قطعاناً من البقر (4500000 رأس) والخنازير (1503000 رأس) والأحصنة والخراف([77]).

تجارياً، تصدّر البلاد السكر والمعادن والسمك والتبغ وخاصة السيجار الفاخر، بما مجموعه ملياران و239 مليون دولار، وتستورد بما يعادل 2.2 مليار دولار. وتصدّر من السيجـار المتنوع ما مجموعه 57 مليون سيجار (عام 1993) فيما وصل تصديرها عام 1990 إلى 80 مليون سيجار.

 

كوبا والولايات المتحدة

تاريخياً، اعتبر انفجار السفينة الحربية "يواس ماين" في ميناء هافانا في 15 شباط 1898 ومقتل 266 من طاقمها، افتتاحاً لمرحلة ما زالت مستمرة حتى الآن. وكانت الولايات المتحدة يومذاك تقوم بخطواتها التوسعية الأولى، فاشترت لويزيانا من فرنسا وفلوريدا من إسبانيا واحتلت كاليفورنيا والتكساس من المكسيك. وكان في نية واشنطن السيطرة على البحر الكارايبي، فحاولت توظيف الثورة الكوبية لمصلحتها لضم الجزيرة إليها.

لذلك أصدرت الولايات المتحدة بياناً بأن الانفجار كان نتيجة لغم وضع في قعر السفينة وأعلنت الحرب على إسبانيا في 23 نيسان ورصدت 50 مليون دولار لتمويل تلك الحرب. وكان التدخل الأميركي في الحرب بقصد ضم الجزيرة إلى الولايات المتحدة وقطع الطريق على استقلالها. وامتدت الحرب إلى الممتلكات الإسبانية في الشرق الأقصى فضمت واشنطن الفيليبين كما ضمت بورتوريكو في الكارايبي.

وبنهاية حرب التحرير، فرضت الولايات المتحدة على كوبا حكومة عسكرية أميركية مشترطة عدم سحب قواتها منها. كما أخذ الرئيس الأميركي بنصيحة الكابتن الفـرد ثابرماهان وشق قناة باناما لتسهيل مرور السفن الأميركية بين المحيطين الأطلسي والهادىء([78]). لكن سياسة الهيمنة الأميركية هذه أدت إلى قيام هوة كبيرة بين الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية، ليس فقط ثقافياً ودينياً، إنما سياسياً وعسكرياً.

وفي عام 1933، قامت حركة كوبية لتحرير الجزيرة وسحب القوات الأميركية منها، تصدّت لها واشنطن وأجهضتها ودعمت الإنقلاب العسكري الذي قام به الكولونيل باتيستا المتعاون معها. وفي عام 1959، قام كاسترو بحركة انقلابية شيوعية فهرب باتيستا من البلاد.

ومنذ ذلك الحين، عزلت الولايات المتحدة النظام الكوبي، ودعمت جميع الحركات المناوئة لنظام كاسترو والإنزال الكوبي المعارض في خليج الخنازير عام 1961. كما وقف البلدان على شفير الحرب النووية خلال أزمة الصواريخ السوفياتية في كوبا عام 1962.

وفي عام 1994، دعي رؤساء 34 دولة أميركية جنوبية إلى مؤتمر قمة عقد في ميامي تقرر فيه إقامة منطقة للتجارة الحرة فيما بينها ابتداء من عام 2005. وحده الرئيس الكوبي لم يدع إلى تلك القمة.

وهكذا، وبعد قرن كامل، ما تزال كوبا تعاني من المقاطعة الأميركية ومن هيمنة جارها الشمالي القوي. ورغم ذلك، صمد نظام كاسترو في وجه ثمانية رؤساء أميركيين مارسوا ضده كل أنواع الحصار العسكري والإقتصادي والسياسي.

فهل ستساهم زيارة البابا في وقف هذه المقاطعة؟ سيما وأن قداسته هو من حيث المبدأ ضد هذا النوع من المقاطعة، كما أنه سبق وهاجم الحصار الأميركي المفروض؟.

          وما هو المطلوب من الولايات المتحدة بالنسبة إلى كوبا؟

          وما هو المطلوب من كوبا بعد زيارة البابا؟

مما لا شك فيه أن موجة التغيير قد بدأت تهز كوبا، مع تراجع قدرة كاسترو على فرض إرادته على البلاد. كما أن المتغيرات الاقتصادية أدت إلى مزيد من التغييرات في المجالات السياسية والاجتماعية. والهدف الرئيسي يبقى التحول السلمي لكوبا إلى نظام حكم ديمقراطي([79]).

أما واشنطن فيمكنها المساعدة في حل الأزمة الإنسانية والاقتصادية في كوبا حيث يعيش السكان تحت وطأة المعاناة المستمرة من نقص للأغذية والأدوية. هذا مع العلم أن الأميركيين من أصل كوبي يرسلون مئات ملايين الدولارات إلى أهلهم في الجزيرة. وينبغي أيضاً التفاوض بين الدولتين لحل قضايا الهجرة غير الشرعية نحو الولايات المتحدة، والتعاون في مجال مكافحة تهريب المخدرات، والسماح بتفتيش مصانع الطاقة النووية، والعمل على تخفيف التلوث في المضيق الذي يفصل كوبا عن فلوريدا.

ينبغي أيضاً توسيع الاتصالات، والتنسيق في المجالات العسكرية بين الجهتين، واتخاذ إجراءات لتقليل فرص نشوب أي نزاع مسلح بينهما وتحول علاقاتهما نحو المجال السلمي.

ينبغي أيضاً تبادل المعلومات والتبادل الثقافي والعلمي في الاتجاهين، مع السماح باستخدام الصناديق الأميركية الحكومية الخاصة لتمويل هذا التحول. كما أن المطلوب من واشنطن أيضاً حث صندوق النقد الدولي وبنك التنمية الأميركي على بدء التعامل مع كوبا وقبول عضويتها في هاتين المنظمتين.

على واشنطن أخيراً الاستجابة بشكل مشجع لمبادرات الحكومة الكوبية بناء لدعوة البابا حول نيتها في تحسين أوضاع الحريات في الجزيرة. كما أن إطلاق سراح المعتقلين السياسيين بناء لنداء البابا يجب أن يسبق كل ذلك.

إلا أن الظاهر حالياً، أن في كوبا أو في الولايات المتحدة، هو عكس هذه التوجهات. فكاسترو ما يزال رهينة أفكاره. وهو، رغم تنازلاته حتى الآن، مصمم على عدم إجراء تغييرات جوهرية في نظامه السياسي. وهو يخاف على نظامه الاقتصادي في حال فتحت أسواق الجزيـرة أمام المساهمين من فلوريدا أو نيويورك للتوظيف فيها، لأنه، في هذه الحالة، قد تتبع كوبا المثال البولوني في التغيير([80]).

أما كلينتون فهو أيضاً غير مستعد لتغييرات جوهرية في سياسته تجاه كوبا طالما أن كاسترو ما يزال في الحكم، رغم أن واشنطن، وتماشياً مع دعوة البابا، اتخذت في 20 آذار 1998 ثلاث خطوات في سبيل الانفتاح الإنساني على كوبا، وهي([81]):

- عودة الرحلات الجوية مع كوبا والتي كانت قد علقت منذ عام 1996.

- تخفيف الحصار الاقتصادي المفروض عليها منذ 1962.

- السماح للأميركيين من أصل كوبي بإرسال 1200 دولار سنوياً لأهاليهم في الجزيرة.

لقد اعتبرت الإدارة الأميركية هذه التدابير الجديدة رداً على نداء البابا، وليست لمد يد العون لكاسترو الذي ما زالت تعتبره الديكتاتور الشيوعي في الجزيرة. فهي ليست مستعدة لرفع الحصار بكامله طالما أن كاسترو ما زال في الحكم، خاصة وأنه أمسى في عامه الـ72 ويشكو من أمراض عدة مما دفعه إلى وقف تدخين السيجار الكوبي الذي اشتهر بتدخينه منذ زمن طويل([82]).

فعلى سبيل المثال، وفي أواخر حزيران 1998، تم التوصل لاتفاق بين الولايات المتحدة وأوروبا بشأن تجديد المادة الثالثة من القوانين الأميركية التي تقضي بمعاقبة الشركات التي تستثمر أموالاً في كوبا، وهو القانون الذي يدعى قانون "هلمز بيسرتون". وتسمح المادة الثالثة منه لأي مواطن أميركي بمقاضاة الشركات الأجنبية التي تستثمر أموالاً في كوبا تتعلق بعقارات يشتبه في أنها كانت مملوكة من مواطنين أميركيين قبل ثورة كاسترو([83]). وتجديد هذه المادة يظهر جدّية المتابعة الأميركية في محاربة نظام كاسترو، رغم نداء البابا الذي رافق زيارته للجزيرة العاصية.

 

و- دول أخرى

وهكذا نرى أن دول أميركا اللاتينية هي في طور التغيير والانتقال نحو الديمقراطية والحداثة. وقد رسمنا صورة أوضاع بعض الدول التي اعتبرنا أن لدراستها أهمية خاصة، ونظراً لعدم إمكانية دراسة جميع دول المنطقة بالتفصيل. وقبل أن نختم الموضوع، يمكننا الكلام عن بعض الدول الأخرى لأسباب خاصة بها إنما باختصار كلي.

ففي فنزويلا، تستغل 5000 عائلة، أي 4 بالمئة، 70 بالمئة من خيرات البلاد وتعيش في رخاء منقطع النظيـر، ويعتبر أفرادها من أكبر أغنياء العالم يمارسون هواية التزلج في جبال الألـب ويخدم في منازلهم عشرات الخدم ويتسع مرآب قصورهم لعشرات السيارات الفخمة، ويملكون اليخوت في جزر الكاريبي والطائرات الخاصة ويرسلون أولادهم إلى جامعات أوروبا والولايات المتحدة، إلى ما هنالك من مظاهر الغنى([84]).

ولدى السؤال: من أين تأتي هذه الأموال؟ يتبين أنها إما من البترول الذي أغنى البلاد عامة أو من التجارة والمصارف المزدهرة فيها.

وبالمقابل، يتناول 50 بالمئة من سكان فنزويلا وقعة طعام واحدة في اليوم بسبب الفقر، ولا يمكنهم زيارة الطبيـب عند تعرضهم للأمراض. لذلك يقبل العديد منهم العمل كخدام في منازل الأغنياء التي تعج بهم وحيث يلبسون وينامون ويتغذون بدون مقابل([85]).

وفنزويلا التي عادت إلى الديمقراطية عام 1959، تجتاز أزمة اقتصادية خانقة منذ 1983. وفي عام 1989، أوقعـت عمليات قمع ثورة كاراكاس بين 300 و2000 قتيل. وفي عام 1992 زعزعـت البلاد محاولتا انقلاب فاشلتان. وفي عام 1993 عزل رئيس الجمهورية ولوحق أمام القضاء. وفي عام 1994 أدت أعمال الفساد إلى أزمة مالية خانقة وعلى عشرات الإفلاسات في أوساط المصارف. ولكن منذ عام 1996، بدأ تطبيق مخطط اقتصـادي إصلاحي بمساعدة صندوق النقد الدولي، مما أعاد الانتعاش إلى البلاد.

وفي غواتيمالا، وقّع بتاريخ 29 كانون الأول 1996 اتفاق سلام لإنهاء نزاع استمر 36 عاماً بين الحكومة والمتمردين منذ ولادة حركات التحرر في هذا البلد في الستينات. وكانت غواتيمالا خلال فتـرة الحرب أرضاً للمذابح والانقلابات والديكتاتوريات العسكرية، حيث لقي نحو 150 ألف شخص مصرعهم أو اختفوا خلال الحرب([86]).

وتبلغ مساحة غواتيمالا 108889 كيلومتراً مربعاً، وهي جمهورية دستورية منذ 1965 يبلغ عدد سكانها 10 ملايين ونصف مليون نسمة، أكثر من 60 بالمئة منـهم من الهنود. ويدين 75 بالمئة بالكاثوليكية، اللغة الرسمية هي الإسبانية.

وتحتل البلاد المركز السابع في العالم على لائحة مصدري النفط والمركز الخامس في إنتاج الهيرويين (15 مليار دولار سنوياً) والماريجوانا (38 مليون دولار سنوياً) فيما يعيش 80 بالمئة من سكانها تحت عتبة الفقر ويشكل العاطلون عن العمل حوالى  40 بالمئة من القوى العاملة.

وبموجب الاتفاق الموقع، سيتحول الاتحاد الثوري الوطني الذي يضم أربع حركات تمرد إلى حزب سياسي مع تسريح المقاتلين، ويخفّض عدد الجيش الذي يفقد صلاحياته في مجال الأمن بعد تسريح عدد كبير من الضباط المتورطين في العمليات. وهكذا تدخل البلاد في صلح وطني حيث يتمتع السكان الأصليون (23 إتنية) المتحدرون من حضارة المايا بحقوقهم المدنية، وذلك للمرة الأولى منذ وصول المستعمرين الإسبان عام 1524. كما تبدأ مرحلة الإعمار الاقتصادي والاجتماعـي برعاية الرئيس ألفارو أرزو، لكنها تبدو صعبة في وضع البلاد الاقتصادي المتدهور([87]).

وفي البيرو، خيّم على البلاد استرخاء وتفاؤل بعد انتهاء أزمة الرهائن، إثر اقتحام سفارة اليابان في 17 كانون الأول 1996 من قبل ثوار حركة توبـاك أمارو خلال حفل استقبال بمناسبة عيد ميلاد الإمبراطور واحتجاز 503 رهينة. وكان الرئيس فوجيموري قد رفض صراحة مطلب الثوار إطلاق سراح 400 من زملائهم المعتقلين([88]).

وفي بوليفيا، تجد السلطات صعوبة في إقناع المزارعين بإتلاف أشجار الكوكا التي زرعت قبل 1988 والتي تشكّل أوراقها المادة الأولية لتصنيع الكوكايين، رغم دفع 2500 دولار من قبل الولايات المتحدة مقابل كل هكتار يتلف. وتكمن المشكلة في أن ورقة الكوكا تستعمل من قبل السكان الفقراء، وغالبيتهم من الهنود، لغايات متعددة وسحرية: منع الجوع والتعب واستعمالها بطريقة تقليدية شبه مقدسة. وثمة سبب آخر يكمن في صعوبة تسويق منتوج الزراعات البديلة كالجوز والأناناس والحمضيات. وهكذا يعارض المزارعون الأكثر فقراً في جنوب أميركا إتلاف إنتاجهم من أوراق الكوكا([89]).

وفي الباراغواي، جنّة التهريب وجهنّم الفقر، جرت خلال شهر أيار 1998 انتخابات رئاسية لم يتمكن خلالها الشعب من الاقتراع لمرشّحه المفضّل الجنرال لينو اوفييدو لأنه فار من العدالة بعد أن حكمت عليه محكمة عسكرية بالسجن لمدة سنتين بسسب محاولة انقلابية عام 1996. وتعود شهرة الجنرال إلى عام 1989 حين قاد الجيش للإطاحة بالديكتاتور الذي كان يحكم البلاد بالعنف منذ 1954([90]).

وفي هذه البلاد، تعيش أيضاً جماعات من "غير مالكي الأرض" تشتكي من ملاك الأراضي الكبار الذين يزرعون الصويا والقطن وينالون جميع المساعدات الممكنة، بعكس باقي أفراد الشعب الفقراء وغالبيتهم من المزارعين المعدمين. فحسب الإحصاءات، تملك 3421 عائلـة فقط 18 مليون هكتار من أصل الـ 24 مليون هكتار من الأراضي الزراعية. وهذا الوضع أجبر مئات العائلات على ترك الريف والاتجاه نحو العاصمة حيث يزداد عدد العاطلين عن العمل([91]).

وفي تشيلي، وفي أيلول 1997، سلّم الديكتاتور العسكري، الجنرال رامون بينوشا قيادة القوات المسلحة بعد 25 سنة من رئاستها. وكان الديكتاتور قد سنّ قانوناً عام 1980 يسمح لرؤساء الجمهوريات السابقين الذين حكموا ست سنوات متتالية بلقب سيناتور لمدى الحياة. وبما أن هذا القانون ينطبق عليه، فإن الديكتاتور السابق سيصبح زميلاً لعدد من الشيوخ الذين سبـق ووضعهم في السجون. وفي البلاد نفسها، وفي شهـر أيار 1998، وضعت أول مرآة لأضخم تلسكوب في العالم في الخدمة بعد  عشر سنوات من العمل عليها. ويعتبر التلسكوب الأوروبي الذي يقام في تشيلي أقوى بماية ضعف من هابل، التلسكوب الأضخم في العالم حتى هذا التاريخ([92]).

وفي الإكوادور، أُقيل الرئيس المنتخب عبدالله بوكرم اللبناني الأصل عام 1997 بسبب عدم أهليته العقلية، حسب ادعاءات أخصامه، وذلك بعد أن أمضى في الحكم 6 أشهر. وجاء في الادعاء أنه كان يرقص علناً ويقدم حفلات موسيقية، لذلك لقّب بالمجنون وخلع من منصبه. وتشهد الإكوادور أزمة اقتصادية واجتماعية خطيرة وتعتبر أفقر دولة في أميركا اللاتينية (60 بالمئة من شعبها فقير وسط عجز في الموازنة بلغ 60 بالمئة). وعاد بوكرم خلال انتخابات 1998 الرئاسية واتهم مواطنه جميل معوض، اللبناني الأصل، بتمويل حملته من كارتل المخدرات الكولومبي كالي([93]).

وفي نيكاراغوا، التي، وبعد سبع سنوات من انتهاء الحرب، لم تعرف فعلياً السلام، قرر آخر الثوار، كميليو يترسييس، أخيراً وضع السلاح جانباً بعد أن وقّع في شهر كانـون الأول 1997 اتفاقاً مع السلطة يقضي بتجريد عناصره البالغ عددهم 440 مقاتلاً من السلاح تمهيداً لانخراطهم في الحياة العامة للبلاد. وهكذا ربح الرئيس المنتخب ارنولدو اليمان رهانه الذي يقضي بتجريد جميع الفصائل المسلحة من أسلحتها تمهيداً لجذب الرساميل الأجنبية للاستثمار في بلاده التي هدمتها الحرب الأهلية الطويلة التي أوقعت أربعين ألف قتيل والتي تجابه خلالها الساندينيون الماركسيون مع ثوار الكونتراس المدعومين من وكالة الاستخبارات الأميركية المركزية.

بالمقابل، ما زال الوضع الاقتصادي للبلاد متدهوراً، مع 70 بالمئة من البطالة والسلطة لا تملك الوسائل اللازمة للقيام بوظائفها الأساسية: الشرطة والقضاء والمدارس والطبابة والنظافة وغيرها.

 

الخلاصة

قد تطول لائحة الدول الأميركية اللاتينية التي سادها أو يسودها العنف وتجتاز أزمـات اجتماعية واقتصادية صعبة. من السلفادور إلى الهندوراس ونيكاراغوا وغرانـادا وباناما وغيرها. لكن الهدف ليس التعداد بقدر ما هو ملامسة أوضاع قارة من قارات العالم الثالث هي حالياً قيد التطور والإنتقال من أجواء الديكتاتوريات إلى أجواء الديمقراطيات المبنية على الدساتير الحديثة، ومن أجواء تجارة المخدرات وزراعتها إلى أجواء محاربة اتحاداتها ودعم زراعات بديلة عنها، ومن أجواء تزوير الإنتخابات إلى أجواء إجرائها في حرية وديمقراطية وبإشراف دولي.

إلا أن انتقال هذه الدول إلى الأجواء الجديدة لا يمكن أن يتم بنجاح دون مساعدة دولية، خاصة من الجار الشمالي القوي ومن المنظمات والمصارف الدولية. وينبغي خـلق أسواق استهلاكية للزراعات البديلة لإنجاح التحول عن زراعة المخدرات. وكذلك مساعدة حكومات الدول التي تسيطر فيها اتحادات المخدرات لأن الحرب ضد هذه الاتحادات هي حرب طويلة وصعبة ودموية.

ينبغي تعزيز المنظمات الإقليمية الفاعلة وامتدادها لتشمل أكبر عدد ممكن من دول الأميركتين، وذلك لخلق أجواء دولية مناسبة لمكافحة أعمال التهريب وتبييض الأموال وتهديد الديمقراطية والحرية.

ينبغي خلق أجواء مناسبة للتنمية الاقتصادية تمتد من الشمال الأميركي إلى جنوبه مما يساهم في تفكيك البنى الإرهابية ومخيمات المنظمات الثورية التي تزرع الرعب والفساد في أرياف دول أميركا اللاتينية. ينبغي أيضاً إدخال جميع الأنظمة، بما فيها النظام الكوبي وغيره، في منظومة أميركا الجديدة، وذلك لإقفال الباب أمام التدخلات الخارجية في القارة. وهكذا تساهم دول العالم الأميركي الأول في إبعاد دول العالم الأميركي الثالث عن الديكتاتورية والإرهاب والفوضى والفساد والزراعات المضرة وأعمال العنف.

 

ملحق رقم 1: محطات في تاريخ أميركا اللاتينية

- 1492: كريستوف كولومبوس يكتشف أميركا.

- 7 حزيران 1494: معاهدة Tordesillas واقتسام أميركا اللاتينية بين إسبانيا والبرتغال.

- 1519: كورتيس يدمر إمبراطورية الأزتيك.

- 1529: فرانشيسكو بيزارو Francisco PIZARRO يحتل إمبراطورية الإنكا.

- 1814-1825: حروب الإستقلال بقيادة سيمون بوليفار وسان مارتان، وغيرهما.

- 1822: البرازيل يعلن استقلاله عن البرتغال.

- 1823: إعلان مونرو: الولايات المتحدة تعارض كل تدخل أوروبي في أميركا.

- 1824: معركة أياكوشو وانتصار الجنرال سوكر (SUCRE) على الإسبان مما أمّن استقلال أميركا الجنوبية.

- 1879-1883: حرب الباسيفيك بين تشيلي، بوليفيا والبيرو. بوليفيا تخسر منفذها الى البحر.

- 1910-1929: الثورة المكسيكية.

- 1914: شق قناة باناما.

- 1932-1935: حرب الباراغواي-بوليفيا (حرب شاكو  SHACO).

- 1946: خوان بيرون رئيساً للأرجنتين.

- 1952: وفاة إيفيتا بيرون.

- 1954-1989: ديكتاتورية الفريدو ستروينسر في الباراغواي.

- 1959: خلع باتيستا في كوبا من قبل مقاتلي كاسترو (BARBUDOS).

- 1960: برازيليا، عاصمة البرازيل الجديدة.

- 1961: فشل إنزال خليج الخنازير في كوبا.

- 1962: أزمة الصواريخ في كوبا.

- 1973: انقلاب الجنرال بينوشا (PINOCHET) في تشيلي.

- 1976-1983: الديكتاتورية في الأرجنتين.

- 1979: ثورة نيكاراغوا وخلع سوموزا من قبل الساندينيين.

- 1982: حرب الفولكلند بين بريطانيا والأرجنتين.

- 1989: التدخل الأميركي في باناما.

- 1991: توقيع معاهدة مركوسير (MERCOSUR).

- 1994: المكسيك: القائد المساعد ماركوس يثير الـ شياباس (CHIAPPAS ).

- 1994: فرناندو كاردوزو رئيساً في البرازيل.

- 1997: خسارة الحزب الذي كان يحكم المكسيك منذ 68 سنة.

 

ملحق رقم 2: أميركا اللاتينية معلومات جيوستراتيجية.

الدولة

المساحة بآلاف الكيلومترات

السكان بالمليون 1997

الناتج الوطني الصافي بمليارات الدولارات

الناتج الوطني الصافي للفرد بالدولارات

العاصمة

الأرجنتين

   2767         

34.6

287.87

8320

بيونس - ايرس

بيليز

23.6

210آلاف

0.55

2630

بيملوبان

بوليفيا

1098

7.4

5.92

800

سانتا كروز

البرازيل

8511

157.8

599.85

3801

برازيليـا

تشيلي

756.9

14.3

65

4545

سنتياغو

كولومبيا

1138

35.1

67

1910

بوغوتا

كوستاريكا

50.7

3.27

8.54

2610

سان خوسيه

الإكوادور

270.6

12

16.68

1390

جوايا كيل

غواتيمالا

108.8

10.6

14.2

1340

غواتيمالا

غويانا

214.9

800 ألف

0.48

590

جورج تاون

هندوراس

112

5.6

3.36

600

تيجو سجاليا

المكسيك

1972

93.7

350

3751

مكسيكو

نيكاراغوا

130

4.4

1.67

380

ماناغا

باناما

77

2.6

7.17

2750

باناما

باراغواي

397

4.9

8.28

1690

اسنسيون

البيرو

1285

24

55.44

2310

ليما

السلفادور

21

5.5

8.86

1610

سان سلفادور

سيرينام

163.2

420 ألف

0.37

880

بارا ماريبو

اوروغواي

176

3.17

16.39

5170

مونتيفيدايو

فينيزويلا

912

21.8

55.55

2548

كاراكاس

غويانا الفرنسية

91

140 ألف

1.40

10000

كايين

كوبا

110.860

11.11

6.5

600

هافانا

الدومينيكان

48.422

7.961

-

1070

سانتو دومينكو

بورتوريكو

8.959

3.685

-

7270

سان خوان

هايتي

27.750

7.32

-

250

بوراوبرنس

جامايكا

10.962

2.5

-

1320

كنغستون

بربادوس

214.970

270 ألف

-

7000

بريدجيتون

غرانادا

0.344

95 ألف

-

2500

سان جرجس

مونتسرّات

0.102

10500

-

3500

-

 

 

ملحق رقم 3: المؤسسات الأميركية الإقليمية

1- السوق المشتركة لأميركا الوسطى

Marché Commun d'Amérique Centrale (MCCA(

- تاريخ الإنشاء: 1961.

- الدول المشتركة: كوستاريكا - غواتيمالا - الهندوراس - نيكاراغوا - السلفادور.

 

2- ميثاق اوندان Pacte ANDIN

- تاريخ الإنشاء: 1969.

- الدول المشاركة: بوليفيا - كولومبيا - البيرو - فنزويلا - الإكوادور.

 

3- مجموعة الكاراييب Communauté CARAÏBE (CARICON)

 - تاريخ الإنشاء: 1972.

- الدول المشاركة: باهاماس - بربادوس - بيليز - الدومينيكان - غرانادا - غويانا - جامايكا - مونتسرّات.

 

4- ماركوسير Marché commun du Cône-Sud (MERCOSUR)

- تاريخ الإنشاء: 1991.

- الدول المشاركـة: البرازيل - الباراغواي - الأوروغواي -تشيلي - بوليفيا (أعضاء مؤسسون).

 

5- اتفاق التبادل الحر لأميركا الشمالية Accord de Libre-échange nord-Américain (ALENA)

- تاريخ الإنشاء: 1994.

- الدول المشاركـة: كندا - الولايات المتحدة - المكسيك.


[1] CARCASONNE Guy, "Enraciner la démocratie", le Point, No 1318-19, 20 décembre 1997, P 133

[2] Référence: Fond Monétaire International

[3] BONAZZA Patrick, "Face aux Etats Unis, le Mercosur", le Point, No spécial Amérique latine, No 1318-19, 20 décembre 1997, P 124

[4] LAMBROSCHINI Charles, "Face à la compétition Américaine", le Figaro, 16671, lundi 16/3/1998, P 4

[5] BEYLAU Pierre, "Un acteur du XXIe siècle", le Point, No 1318-19, 20 décembre 1997, P 119

[6] أنظر ملحق رقم 1: محطات في تاريخ أميركا اللاتينية.

رقم 2: معلومات جيوستراتيجية عن أميركا اللاتينية

[7] Quid 1997, Laffont, Paris, 1996

[8] Le Point, No. spécial, Amérique Latine, 1318-19, 20 Septembre 1997

[9] Quid, idem

[10] REVEL Jean-François, "Le grand chantier de la démocratie", le Point, No 1318-19, 20 septembre 1997, P 120-121

[11] REVEL, opcit

[12] REVEL, idem

[13] حكيم بيتر، "منطقة التجار الحرة بين الأميركيتين ضرورة ملحّة"، الشرق الأوسط، العدد 6940، الجمعة 28/11/1997 ص 8

[14] المرجع نفسه

[15] GUBERT Romain, "Mexique; à l'ombre des Etats-Unis", le Point, No spécial Amérique latine 1318-1319, 20 décembre 1997, P 164

[16] المرجع نفسه

[17] "أميركا الوسطى تحولت إلى منطقة منسية"، الشرق الأوسط، العدد 6733، الإثنين 5/5/1997، ص 6

[18] المرجع نفسه

[19] وكالة رويتر في 4/5/1997

[20] وكالة الصحافة الفرنسية، الأحد 4 أيار 1997

[21] BONAZZA Patrick, "Face aux Etats-Unis, le Mercosur", le Point, No 1318-19,  20 septembre 1997, P 124

[22] أنظر الملحق رقم 3: المؤسسات الأميركية الإقليمية.

[23] STEHLI Jean-Sébastien, "Les Etats d'Amérique sont responsables des dégâts causés par la drogue", le Point No 1318-19, 20 septembre 1997, P 162

[24] STEHLI, idem

[25] JARRY Irène, Colombie: "Eléction présidentielle", le Figaro, No 16731, dimanche 31 mai 1998, P 2

[26] يدخل الولايات المتحدة، حسب التقديرات الأميركية الرسمية سنوياً 30 طن من الكوكايين و10 طن من الهيرويين

[27] BRANT Martha, "Mexico: Busting the bankers", Newsweek, june 1st 1998, P 16

[28] وكالة رويتر، الجمعة 26 تشرين الثاني 1997

[29] BONAZZA Patrick, "Brésil: l'émergence d'un géant", le Point, No spécial 1318-19, 20décembre 1997, P 122

[30] Quid 1997, PP 1928-29

[31] FAUST Jean-Jacques, "Comment j'ai vu changer le Brésil", le Point, No 1318-19, 20décembre 1997, PP 128-29

[32] BONAZZA Patrick, "Brésil, l'émergence d'un géant", le Point No 1318-19, 20décembre 1997, PP 122-127

[33] حركة الذين لا يملكون أرضاً "mouvement sans-terre" تضم حوالى 4 ملايين، منهم 300 ألف محارب. وهي تنظم الجهاد ضد السلطة في ظل الأعلام الحمر. قسم كبير من عناصرها تلقى تدريبات في المدارس الصينية والكوبية. غالبيتهم من العمال الزراعيين العاطلين عن العمل الذين يقاومون أصحاب الأملاك الكبيرة الذين يملكون 153 مليون هكتار من الملكيات الكبيرة التي تبلغ عدة مرات مساحة لبنان. ويقومون أحياناً باحتلال أراضي الغير ونصب خيمهم فيها وزرعها والبقاء فيها أشهر عدة.  Référence: GASNIER Annie, "La lutte des sans-terre", le Point No 1318-19, 20 décembre 1997, P 127

[34] Quid 1997, opcit PP 1102-3

[35] HUERTAS Francis, "Argentine, la France au coeur", le Point, No 1318-19, P 130

[36] Quid 1997, P 1103

[37] Quid, Opcit, pp1102-3

[38] HUERTAS Francis, "La légende GARDEL Carlos", Le Point No 1318-19, p131

[39] LAMBROSCHINI Charles, "Argentine: Le business en Français", Le Figaro No 16671, Lundi 16/3/1998, p4

[40] JARRY Irène, "Législation en Argentine", Le Figaro No 16545, vendredi          24/10/1997, p4

[41] وكالة الصحافة الفرنسية، بيونس أيريس، الإثنين 27 تشرين الأول  1997

[42] JARRY Irène, "Menem sanctionné par les urnes", Le Figaro No 16548, mardi 28 octobre 1997, p4

[43] JARRY Irène, "Argentine: l'argent sale des années plomb", Le Figaro No 16645, mercredi 18 février 1998, p4

[44] Iréne JARRY, "La corruption et l'implication des policiers", Le Figaro, No 16545, vendredi 24/10/1997, p4

[45] P.S.E, "Suicide d'un proche de Menem", Le Figaro, No 16724, vendredi 22 mai 1998, p5

[46] JARRY Irène, "La corruption et l'implication des policiers", Idem

[47] Quid, Opcit, p1308

[48] لفظة الأولميك تعني سكان بلاد الكاوتشوك

[49] GIRON François, Archéologie: les seigneurs de Sipan, Le Point, No. spécial 1318-19, p178

[50] GUBERT Romain, Mexique: A l'ombre des Etats-Unis, Le Point, No.1318-19, pp165-66

[51] أدت أزمة البيزوس في بداية 1995 إلى بقاء مليون مكسيكي دون عمل والى انهيار آلاف المؤسسات وتراجع  الناتج الداخلي الصافي بنسيبة 5 بالمئة.

[52] GUBERT Romain, opcit

[53] FAURE Michel, "Mexique: la démocratie à l'épreuve de Chiapas", l'Express, No .  2433 , 19 Février 1998, pp54-59

[54] JARRY Irène, "Le gouvernement mexicain en accusation", Le Figaro No. 16600,  samedi 27 décembre 1997, p3

[55] JARRY, Idem

[56] FAURE Michel, Idem

[57] BRANT Martha, "Mexico: Whashington tries to cripple the drugs cartels finances with a money aundering sting", Newsweek  june 1, 1998, p10

[58] GYLDEN Axel, "Trafic de drogue; les banquiers piégés par le FBI", Le Point No. 1340, 23 Mai 1998, pp32 -33

[59] GYLDEN Axel, "Mexique; le sang des cartels", le Point No.1340, 23 Mai 1998, p 28

[60] GYLDEN, Idem

[61] وكالة الصحافة الفرنسية، بوغوتا, الأحد 31 أيار 1998

[62] JARRY Irène, "Colombie: menaces de mort contre les candidats aux élections présidentielles", Le Figaro, 16731, dimanche 31 mai 1998, p2

[63] JARRY Irène, Idem

[64] JARRY Irène, "Colombie: la guerilla choisit son candidat", Le Figaro, No.16749, samedi-dimanche 20 -21 juin 1998, p2

[65] وكالات الأنباء، الأحد 21 حزيران 1998

[66] معلومات عن عام 1995

[67] تنتج المخدرات خاصة في بوليفيا والبيرو وغواتيمالا وكولومبيا والمكسيك وبيليز:"بوليفيا": زراعة الكوكا على مساحة 48000 هكتار وتحويله إلى كوكايين بلغ انتاجه عام 1994 حوالى   400  طن أي 20 بالمئة من الإستهلاك العالمي-المدخول 1.5 إلى 4 مليارات دولار ويعمل فيه بين 350و600ألف عامل."البيرو": 1399 طن من الكوكايين غير المصنع و 636 طن مصنع، أي 600 مليون دولار سنوياً  والجيش متهم بالتعامل مع المهربين."غواتيمالا": اريجوانا وهيرويين بعدة مليارات دولار سنوياً."بيليز": ماريجوانا."المكسيك وكولومبيا": أنظر التفاصيل في المتن

[68] Quid, op.cit, pp 1155- 57

[69] JARRY Irène, "Les marcodollars en campagne", Le Figaro, No.15733, lundi 1 juin  1998, p5

[70] FAURE Michel, "Colombie: les urnes contre la violence". L'Express , No. 2415,  24 octobre 1997, pp. 54-58

[71] FAURE, Idem

[72] JARRY Irène, "La Colombie vote dans la terreur", le Figaro 16547, lundi 27 octobre 1997, p3

[73] JARRY Irène, "Les paramilitaires sèment la terreur", Le Figaro, 16721, mardi 19 mai 1998, p.4

[74] VANDRISSE Joseph, "La Havane se mobilise pour Jean-Paul II", Le Figaro, No.16622, jeudi 22/1/1998, p.3

[75] VANDRISSE Joseph, "Le Pape appelé à la levée de l'ambargo américain", Le Figaro, No.16622, jeudi 22/1/1998, p3

[76] Quid, Opcit, pp.1165 -66

[77] Quid, Opcit, pp. 1165 - 66

[78] محمد السماك، "البابا حليف من في كوبا، كاسترو أم واشنطن؟"، النهار، 19954، الأربعاء 21/1/1998، ص13

[79] LAMBROSCHINI Charles, "Fidel Castro face au scénario polonais", Le Figaro, 16622, jeudi 22/1/1998, p.3

[80] LAMBROSCHINI, Idem

[81] LEVEL Jean-Jacques, "Clinton desserre l'étau contre Cuba", Le Figaro, 16672, samedi 22/3/1998,p.2

[82] وكالة الصحافة الفرنسية، الخميس 14 ايار 1998

[83] جون أوميسنسكي، "البابا ينفخ بوق الحرية في كوبا، الشرق الأوسط"، العدد 7007، الثلاثاء 3 شباط 1998، ص8

[84] GYLDEN Axel, "Le sérail des grandes familles", le Point, No 1318-19, 20 décembre 1997, PP 140-141

[85] GYLDEN, idem

[86] وكالة الصحافة الفرنسية، 29 كانون الأول 1996، ستيفنس ويلي، لعنة الاختفاء في غواتيمالا، النهار نقلاً عن الموند ديبلوماتيك، 18 أيار 1998، ص 18-19

[87] JARRY Irène, "Le Guatemala met l'arme au pied", Le Figaro, 16289, lundi 30 decembre 1996, P.3

[88] وكالة رويتر، الأحد 29 كانون الأول 1996

[89] GYLDEN Axel, "Bolivia, coca: la menace américaine", le Point, 1312, 8 novembre 1997, P 33

[90] FAURE Michel, "Les tristes clowns de la démocratie", l'Express, 1722, 7/9/1998, P36

[91] JARRY Irène, "Les "sans-terre" du Paraguay", le Figaro, 16714, lundi 11 mai 1998, P6

[92] PARANAL Cerro, "Le géant du désert ouvre un premier oeil", le Figaro, 16713, samedi-dimanche 9-10 mai 1998, P 10

[93] وكالة رويتر، الأحد 31 أيار 1998.