دراسات وأبحاث

أميركا تتّجه إلى تطوير أسلحة تقليدية تقارب النووية دقةً وفعاليةً
إعداد: د. أحمد علو
عميد متقاعد

روسيا تردّ بتطوير أسلحة دفاعية وتعلن رفض نظام «الزعيم الواحد»
 

خلال اجتماع اتحاد النقابات الروسية في مدينة سوتشي (7 شباط 2015) قال الرئيس الروسي بوتين: «لا توجد حرب ضد روسيا»، لكنه أكّد أن «هناك محاولة لتجميد تطورها عبر طرق مختلفة، وأن النظام الذي تشكل في العالم عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، هو نظام «الزعيم الواحد» الذي يرغب في أن يبقى وضعه على ما هو عليه».
وأضاف الرئيس الروسي: «الزعيم يعتبر أنه يمكن أن يفعل كل شيء، وأما الآخرون، فيمكن لهم أن يفعلوا فقط ما يسمح به هو ووفق مصالحه البحتة... هذا النظام لن تقبل به روسيا أبدًا.


طموحات وهواجس
في 19 حزيران من العام 2013 صرّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قائلًا: «إننا نرى نشاطًا حول العالم لتطوير منظومات من الأسلحة التقليدية ذات الدقة العالية والتـي تقتــرب بامكاناتهــا الضاربــة من قدرة الأسلحــة النوويــة الاستراتيجيــة. وهذا يعنــي أن الدول التي تمتلـك مثــل هذه الأسلحة تضاعف بشكــل جوهــري قدراتهــا الهجوميــة».
استبق بوتين يومها بساعات خطابًا للرئيس الأميركي أوباما ألقاه في برلين دعا فيه إلى المزيد من تخفيض الأسلحة النووية. كما أن بوتين كان يلمّح في الوقت ذاته إلى «مبادرة الضربة العالمية الفورية الأميركية» CPGS) Conventional Prompt Global Strike).
شكّل موضوع تطوير أسلحة تقليدية غير نووية يمكنها أن تضرب أهدافًا على مسافة بعيدة وفي وقت قصير جدًا هاجسًا وطموحًا استراتيجيًا لوزارة الدفاع الأميركية. ويرى الأميركيون المتحمسون لفكرة التطوير هذه أن أسلحة مبادرة «الضربة العالمية الفورية التقليدية» يمكن أن تتصدى للأسلحة المضادة للأقمار الإصطناعية وللقدرات الدفاعية المتطورة والبالغة التعقيد، كما يمكنها منع أي دولة نووية من استخدام ترسانتها، وكذلك يمكنها ضرب أي هدف في العالم أو قتل أي قائد إرهابي بعد تحديد مكانه خلال ساعة من اتخاذ القرار بذلك.
في المقابل يرى آخرون أن استخدام أسلحة الضربة العالمية الفورية، يمكن أن يولّد أخطارًا استراتيجية جسيمة، إذ أنّ تصاعد الصراع قد يؤدي إلى استخدام الخصم السلاح النووي.
كذلك فإن الكونغرس الأميركي لم يوافق بشكل نهائي حتى الآن على تمويل المبادرة ككل، واقترح اجراء بعض التعديلات عليها ليوافق على دعم وتحقيق قسم من برامج الأسلحة والوسائل والإمكانات العسكرية المرتبطة بها.
وقد توصل الخبراء العسكريون في وزارة الدفاع الأميركية إلى تصميم عدد من أنواع الأسلحة لتلبية حاجات هذه المبادرة ومتطلباتها ولكنهم لم يقرروا بعد أيها الأفضل.

 

هل من بدائل؟
مع بداية انجاز بعض الأسلحة والوسائط العسكرية الخاصة بها، واقتراب موعد اتخاذ القرار المناسب بشأنها، يتصاعد الجدل في الإدارة الأميركية حول حسنات مبادرة الضربة العالمية الفورية ومخاطرها، وحول إمكان إيجاد بدائل أقل خطرًا في ارتداداتها وعواقبها على استراتيجيا الردع الأميركية. وهنا برزت بعض الطروحات التي قدمها العسكريون الذين يرون في تحقيق الصواريخ البالستية الشبحية بديلًا أجدى وأقل كلفة، وإن كان أقل سرعة من صواريخ مبادرة الضربة الفورية.


مواقف الخبراء العسكريين
أكدت لجنة الخبراء الاستراتيجيين الروس منذ سنوات، أن الأسلحة الأميركية التقليدية ذات الدقّة العالية، قد تستخدم لوضع الاسلحة النووية الروسية في دائرة الخطر. وبذلك يبدو أن الأسلحة التقليدية الاستراتيجية أصبحت قضية محورية في أي مفاوضات حول مراقبة التسلح بين البلدين. ويرى بعض الخبراء الأميركيين أن الولايات المتحدة وروسيا إذا وجدتا في أزمة جدية وخطيرة، وأصبح استخدام السلاح النووي أمرًا يمكن تصوره أو محتملًا، فإن المخاوف من «الرد المعاكس التقليدي» قد تعجل في حدوث الضربة النوويــة الأولى.

 

مواقف السياسيين والاستراتيجيين
في العام 2007 قال نائب وزير الدفاع الروسي الحالي أناتولي انتونوف والذي كان يومها رئيسًا لقسم الأمن ونزع السلاح في وزارة الخارجية الروسية: «إن الجمع ما بين مبادرتي «الضربة العالمية الفورية» و«الدفاع الصاروخي» سيؤمن لأميركا وسائل فرض الهيمنة والتحكم بالعالم سياسيًا واستراتيجيًا».
وفي أيلول 2014 قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريفكوف في مقابلة مع صحيفة «كومرسنت»: «إنّ تطوير منظومة اسلحة الضربة العالمية الفورية في الولايات المتحدة قد يقود إلى صراع عواقبه كارثية». كذلك اعتبر نائب وزير الدفاع الروسي يوري بوريسوف في نهاية العام 2014 «أن روسيا قد تنشىء نظام الضربة الفورية العالمية الخاص بها، ولكنها ستنطلق من مبدأ الأسلحة الدفاعية فقط».
من جهتها، ترى إدارة الرئيس أوباما أن هذه المبادرة لن تؤثر سلبًا على استقرار العلاقات النووية ما بين الولايات المتحدة وكل من روسيا والصين. فهي تستهدف الأعداء من الدول النووية، وأولئك المحتملين (مثل كوريا الشمالية وايران والدول المارقة) أو الأخصام الإقليميين، وروسيا لا تعتبر من الاعداء بل من «المنافسين الأنداد».
كذلك يرى جيمس أكتون وهو أحد كبار المحللين الاستراتيجيين الأميركيين في «معهد كارينجي للسلام» أن هذه المبادرة «يمكن تطبيقها على مستويات دول وسطى أو صغيرة من حيث الامكانات الصاروخية والنووية ككوريا الشمالية وإيران، وليس على مستوى أخصام يملكون قدرات كبرى كروسيا أو الصين. فهما قد تقومان برد فعل نووي في حال أطلقت هذه الصواريخ من دون علمهما ومعرفتهما باتجاهها وما اذا كانت تحمل رؤوسًا نووية أم لا».
وهنا يرى المحلل أكتون أن «على روسيا أن تقتنع بأنّ مبادرة الضربة العالمية الفورية لن تؤثر على قوة الردع النووي لديها، بل على روسيا والولايات المتحدة أن تعملا معًا لتعزيز أمنهما المشترك».

 

أسلحة المبادرة
من الناحية النظرية، فإن الأسلحة المعتمدة في نظام الضربة العالمية الفورية تتضمّن رؤوسًا حربية تقليدية وزنها كبير، تلقى بسرعة عالية وبدقة بالغة، وتولّد قوة تدميرية تعادل قوة رأس حربي نووي.
ويتمّ تحميل الرأس الحربي التقليدي على صاروخ بعيد المدى أو عربة فضائية لبدء رحلته نحو الهدف، حيث يسافر عبر الغلاف الجوي بسرعة اكبر من سرعة الصوت بعدة أضعاف (نحو 5 ماخ أي ما يزيد عن 6000 كلم في الساعة)، ما يولد حرارة عالية، ولذلك سيتعين حمايته بمواد وصفائح خاصة لتجنب ذوبانه. لكن وبما أن المركبة ستبقى داخل الغلاف الجوي وليس عليها الذهاب إلى الفضاء، فالصاروخ سيكون أكثر قدرة من الصواريخ البالستية على المناورة، وعلى تجنب المجال الجوي لبلدان محايدة. ويشير مصممو هذه الصواريخ إلى أنها يمكن أن تسلك مسارًا مباشرًا قبل اتخاذ منعطف حاد نحو الهدف، كما أنها تمتاز بدقة أكبر في إصابة الهدف (ضمن شعاع عدة أمتار فقط).
لقد تمّ إنجاز المرحلة الأولى من تحقيق بعض أسلحة المبادرة، وأطلق نموذج تجربة الصاروخ الاول في العام 2011، كما جرت بنجاح (في أيار 2013) تجربة إطلاق صاروخ كروز «إكس -51 أ» – (X- 51 A WaveRider) والذي تفوق سرعته سرعة الصوت (Supersonic) أي من 1,2 إلى 5 ماخ (الماخ = سرعة الجسم مقسومة على سرعة الصوت).

 

المبادرة في الاستراتيجيا الأميركية
لاشك في أن تحقيق أسلحة مبادرة الضربة الفورية العالمية وإنجازها بشكل كامل سيستغرق وقتًا قد يصل إلى منتصف العقد المقبل كما تفيد مصادر تصنيع الأسلحة في دوائر وزارة الدفاع الأميركية، ولكن ذلك سيتيح للولايات المتحـدة ما يأتي:
-تسديد ضربات عسكرية سريعة ودقيقة في أي مكان في العالم.
- القيام بضربات استباقية ضدّ أي عدو قد يباشر الحرب عليها.
– المسارعة إلى شن حرب وقائية لضرب أسلحة أو مراكز أسلحة نووية قبل انطلاقها كما في حالة الصاروخ الكوري الشمالي «نو دونغ» والذي يستغرق التحضير لإطلاقه ما بين 50 إلى 90 دقيقة.
– منع العدو من تكرار استهدافها في حال أطلق عليها دفعة من الصواريخ النووية أو التقليدية، وذلك بضرب مراكز هذه الصواريخ قبل تمكنه من اطلاقها مرة ثانية.


الردّ الروسي
من الواضح أن ردود الفعل التي أبدتها بعض الدول الكبرى كروسيا والصين على مبادرة الضربة الفورية العالمية التقليدية تعكس التوجس والحذر. فتبريرات الولايات المتحدة الأميركية لم تقنع روسيا وحلفاءها بحقيقة أهداف هذه المبادرة وبخاصة مع تقدم حلف الناتو إلى حديقتها الأمامية في أوروبا الشرقية وتدخله في أوكرانيا بالإضافة إلى تدخله في الشرق الأوسط وكذلك في الشرق الأقصى. لذلك بدأت روسيا وضع برامج عسكرية جديدة لتحديث جيشها وأسلحتها، ووضعت عقيدة عسكرية جديدة (نهاية العام 2014) اعتبرت فيها حلف الناتو التهديد الأساس لروسيا، لا سيّما وأنّ قواعد إطلاق الصواريخ وفق المبادرة الأميركية، تعتمد على الغواصات والبوارج، بالاضافة إلى الاطلاق من الطائرات أو من العربات الدافعة المنزلقة في الفضاء الخارجي، مما يعني انتشارًا أميركيًا واسعًا على مستوى العالم وفضائه. وهذا ما يعيد إلى الأذهان مبادرة حرب النجوم الأميركية في الثمانينيات في عهد الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان والرد السوفياتي عليها آنذاك بمزيد من الإنفاق العسكري وارتفاع وتيرة الحرب الباردة وتسعير سباق التسلح، ما أسهم في انهيار الإتحاد السوفياتي السابق. ولكن يبدو أن روسيا اليوم هي غير الإتحاد السوفياتي السابق، فإلى تصميمها على تطوير أسلحة جديدة للدفاع عن نفسها، تؤكد روسيا أنها لن تقبل «بأن تقود دولة واحدة (أي الولايات المتحدة الأميركية) النظام العالمي الجديد كما تريد، وبدون شروط». وهذا ما يشدد عليه رئيسها بوتين منذ سنوات في خطبه وفي بعض المؤتمرات الدولية أو المفاوضات التي تدور حول شؤون الأمن الإقليمي أو العالمي والمخاطر التي تتهددهما.


المراجع:
- carnegieendowment.org/.../conventional-prompt-global
- missilethreat.com/.../conventional-prompt-strike
- carnegieendowment.org/.../silver-bullet-asking-right-que
- en.wikipedia.org/wiki/Prompt_Global_Strike.


• تراوح سرعة الصوت في الجو ما بين 1224 و1236 كلم في الساعة، وذلك تبعًا لدرجة الحرارة أو الرطوبة والضغط الجوي.