جولة ميدانية

أنتم الأساس ومصدر الفخر والثقة
إعداد: د. إلهام نصر تابت

«جيت طل عليكن»... بهذه العبارة المشبعة بمعاني القيادة الحقة، بدأ قائد الجيش العماد جوزاف عون حديثه إلى عسكرييه المنتشرين في مناطق الحدود الشرقية. هناك حيث الحجر يئن من وطأة الحر والصقيع، يقف عسكريونا نهارًا وليلًا، ثابتين كالصخر، شامخين كالجبال. لا بشر يأنسون إليهم، ولا بيوت تخفف من وحشة الأرض الجرداء. هم فقط، هم والواجب المقدس، ومراكزهم التي زرعت الحياة حيث تستحيل الحياة، والطرقات التي شقوها بابًا مشرّعًا للحياة.

 

زيارة القائد لهم كانت في مناسبة افتتاح شبكة طرقات في جرود بلدتي رأس بعلبك والقاع، شملت طريقًا يربط خربة داوود بمرطيسا (طول ٣ كلم)، وآخر بين خربة داوود ومرطبيا (طول ١١ كلم)، وثالثًا بين رأس بعلبك والقاع (طول ١٠ كلم). تُشكل هذه الطرقات شرايين حيوية ليس بالنسبة للعسكريين فقط إذ تربط مراكزهم بعضها ببعضٍ، وإنما للمواطنين أيضًا الذين كانوا يعانون الأمرَّين للوصول إلى أراضيهم.

 

في أصعب الظروف

حتّمت جولة العماد عون في المنطقة عدة مناسبات، إذ افتتح إضافة إلى شبكة الطرقات مركزًا لمديرية المخابرات في القاع، وآخر للشرطة العسكرية في رأس بعلبك، ومطبخًا جديدًا في قيادة فوج الحدود البرية الثاني في رأس بعلبك يتولى تأمين تغذية عسكريي الفوج. لكنّ هذه الجولة تأتي أساسًا في إطار حرص قائد الجيش على المتابعة الميدانية لشؤون جميع الوحدات، وقد تفقّد خلالها مركز وادي التينة التابع لفوج الحدود البرية الثاني على الحدود الشرقية، وأكّد للعسكريين: «ما بقدر إلا ما طل عليكن كل فترة»... قالها لـ«الأبطال اللي قاعدين هون»، في أصعب الظروف المناخية، بعيدًا من البشر وبيوتهم، يواصلون أداء مهماتهم بكل إخلاص وتفانٍ». قال لهم «أنتم الأساس، أنتم من يحمي اللبنانيين، القاطنين في بيروت وسواها من المناطق لما استطاعوا العيش بأمانٍ لولا وجودكم أنتم هنا، من دونكم لا أمن ولا حياة».

هو يُدرك حجم المهمات الملقاة على عاتقهم وصعوبتها، ويشعر بثقل معاناتهم بسبب الأزمة، لكنّه يُذكّرهم: عندما تطوعنا في الجيش أقسمنا اليمين بأن نقوم بواجبنا كاملًا. في لبنان ثلاثة فقط يؤدون القسم، رئيس الجمهورية والقاضي والعسكري. وهذا يدل إلى قدسية مهمتنا، القسم لا يلحظ أن نؤدي واجبنا في ظل أوضاع مريحة وطبيعية، الجيوش تُبنى لمواجهة الظروف الصعبة، لتدافع عن أرضها وشعبها وكرامتها، وهذا ما تفعلونه. نحن لا نتخلى عن مسؤولياتنا، تخيّلوا الوضع لولا جهودكم وتضحياتكم: حدود سائبة، مخدرات، إجرام، سرقة... أنا أكيد ليس هذا ما تقبلون به، وستواصلون تحمّل مسؤوليتكم الوطنية.

 

مهمتنا المشرّفة

وتطرّق العماد عون إلى التجني الذي تتعرض له المؤسسة من قبل «بعض الموتورين، وضعاف النفوس، وأصحاب المصالح الضيقة»، وإذ أثنى على ثبات العسكريين وتمسكّهم بقدسية مهمتهم خاطبهم قائلًا: «ما تخلوا حدا يشوّش عليكن، بينتقدوا، بيتهموا، بيزتوا إشاعات وتلفيقات، نحنا مش سئلانين، نحنا مكفيين ومركزين على مهمتنا المشرّفة». وأكد للعسكريين مجددًا أنّ القيادة تتحسس معاناتهم وهي إلى جانبهم، لن تتخلى عنهم، وتقارع المستحيل لتسهّل الأمور وتؤمن لهم المساعدات. وكشف في هذا السياق أنّه بالإضافة إلى الهبة القطرية ثمة هبة أخرى على الطريق، مؤكدًا أنّ ما يحظى به الجيش من ثقة واحترام في الداخل والخارج هو ما يدفع اللبنانيين المقيمين والمغتربين كما الأجانب إلى دعمه. وتوجّه بالشكر إلى الدول الصديقة والشقيقة على ما تقدّمه من مساعدات للمؤسسة العسكرية، وإلى اللبنانيين المقيمين والمغتربين على مساهماتهم القيّمة التي تساعد الجيش على الاستمرار في أداء مهماته.

 

الصبر والأمل

في المقابل لفت العسكريين إلى ضرورة التمسك بالصبر والأمل منوهًا بتضحياتهم التي تحمي لبنان، وداعيًا إياهم إلى أن يرفعوا رؤوسهم عاليًا ويفتخروا بما أنجزوه. أما كلماته الأخيرة فكانت تعبيرًا عن افتخاره وأمله بهم، وثقته بأنّهم لن يخذلوا مواطنيهم الذين يثقون بهم، ودعوة للحفاظ على أملهم ببلدهم.

كذلك، كانت للعماد عون كلمة للمواطنين في بلدتَي القاع ورأس بعلبك أيضًا، حيث أكّد «أنّ هذه المنطقة الحدودية ترفد المؤسسة العسكرية بخيرة شبابها»، وأضاف: «نحن ندرك مدى معاناتها خلال الفترات السابقة في مواجهة الإرهاب وفي هذه الظروف الصعبة»، شاكرًا لأبنائها وقوفهم الدائم إلى جانب الجيش.

في جرود القاع ورأس بعلبك كما في كل مناطق لبنان، عين الجيش على وطنه ومواطنيه، إيمان عسكرييه يزهر أمنًا وأملًا رغم كل السواد، وزنودهم جاهزة دومًا للمساهمة في تخفيف وطأة المعاناة. هنا يشقون طريقًا، وهناك يُقيمون ملعبًا، أو يدعمون مستوصفًا... بوركت همم المؤمنين بهذا الوطن عسكريين ومواطنين، معًا يواجهون ويصمدون.