أنت...والآخر

أنت...والآخر
إعداد: العميد الركن صالح حاج سليمان
مديـر التوجيـه

إن تكن للكرة الأرضية برمتها حدود تميّزها عن باقي الأجرام،  وتحدد ما يفصلها عن الكواكب الأخرى وما يربطها بها من مؤثرات الكون العجيب، فإن تلك الكرة نفسها تتوزّع دولاً وأقطاراً وترسم بينها حدود واضحة ومتفقاً عليها في معظم الأحيان.

والحياة، الحياة نفسها، يجهد العلم في ضبط حدودها، بداية ونهاية، وقد يكون ذلك ممكناً ومقبولاً ومعقولاً، وان تكن أرقام الملايين والبلايين التي تطرح في ذلك غير قابلة للتصديق في أذهاننا، ونحن من اعتدنا على بساطة الاعداد والارقام. لكن من الثابت أن أعمار الناس الفردية القصيرة تخضع بشكل حتمي للحدود ضمن الحياة الكبرى التي هي حياة البشر بأكملهم على سطح الأرض. وصحيح أن الإنسان لا يرضى بقصر حياته، أو حيوات أحبابه، إلاً أنه يقر بأن الموت هو حدود حياة كل امرئٍ، يعود بنهايتها إلى التراب.

وللمشاعر الإنسانية على أنواعها حدود، وهذه حال الرضا وحال الغضب على السواء، وإلاّ طفح الكيل كما نقول في أدبنا الشعبي، ونفذ الصبر. ومن منّا لا يصرخ عندما تضيق به الحال، وتختلط إشارات المصير والمآل: " للصبر حدود"؟ ومن منا لا ينتفض بوجه من يحاول تخطيه وتجاوزه وإلغاءه والتطاول عليه، فينبهه ويحذّره: "إلزم حدودك"؟ وكما يقال، رحم الله امرءاً عرف حدّه فوقف عنده، أو، إن حريتك أيها الإنسان تقف عند حدود حرية الآخرين.

وليست الحدود بين الدول رمزاً للقطيعة والمقاطعة والانزواء، بل انها تنظيم للعلاقة ، وتأكيد لحسن الجوار، وتمهيد لحل الخلافات والنزاعات في حال وقوعها، خصوصاً وأنّ كل دولة بدورها تعود وتضع حدوداً بين أراضي وعقارات مواطنيها، وذلك تنظيماً للمجاورة بينهم، وتسهيلاً لاستفادتهم من خيرات تلك الاراضي والعقارات ومحافظتهم على خضرتها وعمرانها.

لكن حسن الجوار غير مضمون وغير مأمون إذا كان التباين واضحاً وثابتاً بين الدول من حيث المفاهيم والأهداف والقناعات والأصل والتاريخ والهوية... وهذا ما حصل بين الدول العربية وبين دولة إسرائيل التي نشأت على العدوان، وقامت على اغتصاب حقوق الغير، واستمرت في التعامل العنصري مع الآخرين رافعة شعار وزير دفاعها القديم موشيه ديان : "حدود إسرائيل هي حيث تصل دبابات جيش الدفاع الإسرائيلي". وبذلك لم ترسم إسرائيل حدوداً لعدوانها، وهي وإن اضطرت لشيء من الحدود الأمنية المؤقتة، فإنما تفعل ذلك بداعي الفصل العنصري لا بداعي الوصل الإنساني، تاركة لشرورها أن تنتقل من البر إلى البحر إلى الجو متجاوزة الأعراف والمواثيق والأحكام.

بالمقابل، كتب على الشعوب العربية المواجهة والمقاومة من دون حدود طالما أن العدوان مستمر عليها من دون وازع أو رادع أمام عيون العالم، وعلى مرأى ومسمع من المؤسسات العالمية جمعاء. وقدر لبنان في ذلك أن يكون في طليعة المواجهين، حاملاً في يد سلاحاً وفي يد غصناً للسلام.