يوم مفتوح

أهالي بعلبك والجيش: التلاقي والفرح

5 آب 2023. تاريخ لن ينساه أبناء منطقة بعلبك، ليس لأنّه شهد مداهمة أو اشتباكًا مع مطلوبين، وإنما لأنّه كان يومًا لتفاعل ملؤه الفرح بين الجيش وأبناء المنطقة، وبابًا مفتوحًا للعمل معًا من أجل مجتمع آمن، ولحماية المجتمع من خطر المخدرات. فالجيش لم يكتفِ بمواجهة التجار والمهربين والمروجين، وإنما ذهب إلى أبعد من ذلك عبر احتضان الشباب وتوعيتهم وتشجيعهم على ممارسة الرياضة، ودعوتهم لاختبار الحياة العسكرية بما تقوم عليه من مثل وقيم، وما تتميز به من مناقبية وانضباط. وهو في ذلك كله ينطلق من موقع مسؤوليته تجاه شعبه، وإدراكه لأهمية تحصين جيل المستقبل ضد الآفات المدمرة، وترسيخ الحس الوطني لديه.


"معًا نحو مجتمع آمن" هو العنوان الذي جمع ما يربو على 2500 تلميذ وتلميذة في رحاب ثكنة محمد مكي في بعلبك، حيث أمضوا يومًا حافلًا بنشاطات مختلفة راوحت بين التوجيه والترفيه والتعرّف إلى حياة العسكريين ومهماتهم. وهذا اليوم الذي نظّمه لواء المشاة السادس وفوج الحدود البرية الرابع، يأتي في سياق مجموعة من المبادرات الهادفة التي تقوم بها قيادة االمؤسسة العسكرية لتعزيز التواصل بين الجيش وشعبه، ونشر ثقافة احترام القانون وإظهار أهمية الالتزام والانضباط في الحياة، على المستويين الفردي والوطني.

 

تجديد عهد الولاء
بالإضافة إلى الأولاد وأهاليهم، شملت الدعوة إلى اليوم المفتوح فريق التدريب الاستشاري البريطاني وملحقين عسكريين أوروبيين وممثلي جمعيات خيرية دولية ومحلية، وبدأت نشاطاته بـ"تحية العلم"، وهي فعل تكريم لعلم البلاد الذي من أجل رفعته سالت دماء الشهداء، وهي عهد الولاء للوطن يجدده العسكريون ويلتزمون الوفاء به. لذلك كان لا بد أن يبدأ اليوم المفتوح بهذه التحية في جو من الوقار الذي انسحب على الحاضرين صغارًا وكبارًا، خصوصًا مع تجديد القسم  بالدفاع عن لبنان  وحمايته من خطر العدو الإسرائيلي والإرهاب وآفة المخدرات، بالإضافة إلى حماية المواطنين والحفاظ على أمنهم وسلامتهم.
خلال النهار أُتيح للأولاد الآتين من مدارس المنطقة (من عمر 10 سنوات إلى 16 سنة) أن يروا العسكري بمثابة الأخ الأكبر الذي يرعى إخوته ويحميهم من كل خطر، وأن يتواصلوا معه بعيدًا من الرهبة التقليدية التي تُثيرها البزة العسكرية ويعززها الخوف من السلاح. سُمح لهم بالصعود على متن الآليات العسكرية إلى جانب العسكريين، فغمرهم الفرح، وتعالت صيحاتهم وهتافاتهم وهم يلوّحون للطوافات التي حلّقت في الأجواء، كما اندفعوا بشغف إلى مشاغل الهبوط بالحبال وجولة المقاتل وسواها.
وصلتهم الرسالة الأهم: "سلاح الجيش هو لحمايتكم من كل خطر، بما في ذلك خطر المجرمين وتُجار المخدرات ومصنعيها ومروجيها، وخطر السلاح المتفلت، إذ كان لهذا الموضوع حيز مهم من خلال أفلام توجيهية. ولم يُغفل البرنامج فسحة الترفيه التي كانت غنية بالفرح على وقع أغاني معين شريف ابن بعلبك الذي ألهب الحماسة في نفوس الجميع.

 

أنتم مستقبل الوطن وكنزه
لواء المشاة السادس وفوج الحدود البرية الرابع المنتشران في المنطقة كانا شريكين في تنظيم هذا الحدث وتقاسم مسؤولياته. وقد شكر قائد اللواء العميد الركن جرجس الصحيح، قائد الجيش العماد جوزاف عون على اهتمامه بإنجاح هذا اليوم، كما شكر فريق التدريب الاستشاري البريطاني الذي قدّم الهدايا التي وزّعت على التلامذة، والداعمين الذين قدموا الضيافة وسواها من مستلزمات .
وشدد على أنّ الهدف من هذا اليوم هو الوصول معًا إلى مجتمع آمن بعيدًا عن المخدرات وعن ظاهرة السلاح المتفلت وإطلاق النار في مناسبات الحزن والفرح، مضيفًا: "أنتم اليوم هنا، الأستاذ والطالب والمزارع والتاجر والعامل... لتتعرفوا إلى حياة الجنود الذين أتوا من مختلف المناطق اللبنانية ليخدموا في هذه المنطقة".
ولفت قائد فوج الحدود البرية الرابع العميد الركن عباس بدران إلى أنّ الحدث  يعكس أهمية الشراكة الحقيقية والتكامل بين المجتمعين العسكري والمدني في مكافحة المخدرات، للوصول إلى مجتمع أكثر أمانًا وصحّة وسعادة.  وأكّد أنّ "أمامنا مهمّة تثقيف الشباب وتوعيتهم على أضرار المخدرات، وتشجيعهم على تجنّبها، وكذلك العمل معًا لتوفير فرص عمل لينشط الشباب على صعيد الإنتاج بدل الاستسلام للفراغ والاستهلاك وافتقاد المعنى".
ولفت إلى التزام قيادة الجيش مواصلة دورها في مواجهة هذه الآفة المدمّرة من خلال التوعية، متوجهًا للتلامذة بالقول: "أنتم مستقبل الوطن وكنزه، وما يقوم به الجيش هو لحمايتكم وتوفير الحياة الكريمة لكم ولأسركم، في المنزل والمدرسة والعمل والمجتمع".

 

مساحة تلاقٍ وفرح

ماذا يقول مدير التخطيط للتواصل الاستراتيجي في الجيش عن هذا اليوم الذي رافق فعالياته؟ يلفت العميد الركن الياس عاد إلى أنّ قيادة المؤسسة التي تُدرك جيدًا أنّ للجيش مكانة عالية في نفوس أهل بعلبك،  أرادت أن تلتقي معهم في مساحة فرح بمناسبة عيده.  وأن تتيح لهم التعرّف عن قرب إلى الحياة العسكرية ومهمات الجيش المتعددة ومن ضمنها حماية أبنائهم من المخدرات، وهي واحدة من أبرز المخاطر التي يتعرضون لها. وقال: "نريد أن نتشارك معهم ومع المؤسسات التربوية في خدمة لبنان عبر نشر ثقافة الوعي واحترام القانون والتزام القيم الأخلاقية".  

 

الجيش لكم
على أي أساس تم اختيار الفئة العمرية وتحديد النشاطات؟ وجهنا السؤال إلى قائد فوج الحدود البرية الرابع الذي أشار إلى أنّ هذا النشاط استهدف التلامذة في المرحلة التي تشهد الاتجاه إلى تحديد خيارات المستقبل، على أمل أن يُسهم التفاعل مع الجيش بشكل إيجابي في توجهاتهم. ورأى أنّ تعزيز الترابط بين الجيش والمجتمع يؤدي إلى تحصين البيئة الداخلية في مواجهة المخاطر، وهذا ما برز جليًا خلال معركة "فجر الجرود". وأوضح أنّ برنامج النشاطات لحظ تنوعها بما يسمح بتكوين فكرة واضحة عن المهمات المختلفة من حفظ الأمن إلى مراقبة الحدود وضبطها، وسوى ذلك من مهمات يضطلع بها، فضلًا عن توجيه رسالة مفادها أنّ "الجيش لكم وليس عليكم".
هذه الرسالة يؤكدها ويشدد عليها رئيس قسم الأمن والتوجيه في اللواء السادس العميد حامد حيدر لافتًا إلى أنّ مهمات الجيش تتضمن مكافحة المخدرات والإرهاب والخطف والسرقة ومنع الإتجار بالأسلحة والتهريب وضبط السلاح المتفلت، وهذه مهمات صعبة  تستوجب في أحيان كثيرة الاشتباك مع متورطين في الجرائم لحماية المجتمع من خطرهم.

 

"متل بابا وعمو وخالو"
عبّرت السيدة Gretchen Severson من فريق التدريب الاستشاري البريطاني عن سعادتها بأن  يكون فريقها جزءًا من هذا الحدث الذي يترك لدى المشاركين ذكريات رائعة، ويُسهم في  تعزيز العلاقات بين الجيش والمجتمع.
ليس فقط ذكريات رائعة، وإنما سعادة عارمة... هذا ما تؤكده دموع فاطمة العكاري إبنة الـ14 عامًا حين سألناها عن شعورها، وهي تخبرنا أنّها تدخل لأول مرة ثكنة للجيش. أما فرح علي مرتضى ( 13 سنة)، فيفتخر بمشاركته في هذه التجربة متمنيًا أن تتكرر... فيما تخبرنا بنين حيدر أنها عندما تكبر سترتدي هذه البزة" متل بابا وعمو وخالو"...
مديرة ابتدائية بعلبك الرسمية راغدة اسماعيل كانت آخر من التقيناهم في هذا النهار، أما كلماتها فعبّرت عن لسان حال أهل المنطقة التائقين إلى الأمان، قالت: "الجيش هو الدرع والسند، هو الجبل الذي نستند إليه لنحتمي من الأشرار، أدام الله حماة الوطن".  
انتهى اليوم الطويل، عاد التلامذة إلى بيوتهم، والعسكريون إلى مهماتهم، لكن باب التلاقي سيظل مفتوحًا لأبناء بعلبك وأبناء جميع المناطق اللبنانية، فمعًا نعمل من أجل مجتمع آمن...

 

الفيديو جزء مهم من الحدث

شكّل الفيلم القصير الذي عُرض خلال اليوم المفتوح جزءًا مهمًا من الحدث. وقد وجّهت مديرية التوجيه من خلاله عدة رسائل تتمحور حول علاقة الجيش بالمواطنين.
فمن كلمة قائد الجيش العماد جوزاف عون خلال زيارته للواء المشاة السادس عقب عملية حورتعلا واستشهاد ثلاثة عسكريين في مداهمة لأحد أبرز أوكار تجارة المخدرات، والتي وجّه فيها إلى الأهالي رسالة مفادها أنّ لهم الحق في حياة آمنة بعيدًا من سموم المخدرات وجرائم السرقة والخطف والتعديات، إلى كلمة قائد اللواء العميد الركن جرجس الصحيح التي تندرج في إطار مشابه، ومن ثم شهادة للدكتور حسن عباس نصرالله (من فعاليات المنطقة) الذي اعتبر أنّ الجيش نجح من خلال التضحية والشجاعة في إبقاء لبنان دولة موحدة.
تضمن الفيلم الذي أعده الرقيب أمير هليّل وصوره المعاون جورج فريحه وقام بإخراجه المعاون رواد علم معلومات عن حدود القطاع ومهماته، وكيفية مواجهة العسكريين وقيادتهم للأزمة عبر تدابير وخطوات استثنائية. ومن بينها استصلاح الأراضي الزراعية، زراعة الأزولا، تربية الدواجن، استحداث فرن للمناقيش، إنشاء معمل للصابون وأدوات التنظيف والتعقيم، صناعة المفروشات المنزلية وعرضها في أكثر من معرض.
كما سلّط الضوء أيضًا على واقع المنطقة الذي يسهم في انتشار آفة المخدرات التي يعمل اللواء على مكافحتها وتوقيف مروجيها في الوقت الذي يعمل خلاله على إرساء أفضل العلاقات مع المواطنين ومساعدتهم وحمايتهم.
ومن هذا المنطلق، عرض الفيلم شهادة لمدمن سابق تحدّث عن تجربته وعن خضوعه لإعادة التأهيل في أحد المراكز التي تُعنى بذلك.
واختُتم الفيلم بالإضاءة على المعالم السياحية في المنطقة حيث كان لزوار محليين، عرب وأجانب في قلعة بعلبك أحاديث عن مدى سعادتهم بزيارة القلعة، وحضور المهرجانات التي تُقام فيها.