كلمتي

أوان القطاف

عرفنا في الشهور السابقة فصلاً من العواصف الهوجاء، زاد زمهريرها، واشتدت رياحها، وكادت تقتلع الكثير مما بنيناه. لقد ازدادت المصاعب في الفصل المذكور، وطال الانتظار، وظنّ البعض أنّه لن ينتهي أياماً عصيبة، وأنّ النار لن تخبو في مواقده، وأنّ أيّ التفاتة عبر نوافذه الى أمل ما، ستفاجئها هطلة عملاقة من رعود الفضاء. لكن، لم يغب عن الأذهان أنه، في مقابل تلك المصاعب والأزمات، كان هناك مَن يجمع من الفصل القارس أمطاره، وأنه، في موازاة هدير الرعود تلك، كان هناك من يعد بهمس جميل في ربيع كانت بشائره تبين من بعيد، وثمار كان بريقها يطل عبر أطراف الشجر في فصل قطاف واعد، من حق النفوس أن تنتظره وأن تلقاه، وأن تهنأ في ظلاله. من كل ذلك لا بد من الإيمان بأن الله لا يتركنا في معاناة تطول على هواها وكيفما يشاء المخططون، ولن يسلّمنا الى شدائد لا يحدها حدّ. وأنه لا بد من الإيمان بأن جهود أبناء الوطن، وإرادتهم في مواجهة الأخطار، وأملهم بالمستقبل المشرق.. لن تنتهي الى سدى.
ونحن اليوم، في تموز، نمدّ أيدينا قاطفين، فلا الغصن بعيد، ولا الأيدي قصيرة، ولا الزرع هزيل. إرزع تحصد، قالت أمثالنا، واصبر تنل، وسر تصل. ونحن اليوم في تموز، لا بد للمواطن بأن ينهض من كبوة المصاعب والأحزان، وأن يرى وطنه وقد استعاد العافية. لعل تلك العافية تتكون جزءاً جزءاً، من كل قماش خيط، ومن كل ريشة لون: فللجمهورية الآن رئيس، والحكومة هي الأخرى في طريق العمل والخدمة والبناء. وها هي الأبواب وقد فتحت على سياحة طالما رفدت بلادنا بالبحبوحة والخير، ورسّخت علاقة اللبنانيين بالعالم، فعرف الجميع جمالات أرضنا ماضياً وحاضراً. وتضاف الى تلك الثمار اليانعة ثمرة كبيرة بهية: بشائر عودة أسرانا من سجون العدو الإسرائيلي، أحياء فرحين فخورين كباراً، وشهداء مكرّمين منوّرين الدرب نحو المجد والكرامة.
ليس المقصود دعوة المواطن الى أن يستريح فوق فراش من الأحلام وكأنّ المعاناة والخيبة والانتظار المملّ.. قد زالت الى غير رجعة، وليس المقصود تجاهل ما يعتري حياته اليومية من ضائقات مادية وعقبات اجتماعية، وما يواجه وطنه من تحديات وأزمات، إلاّ أنّه من المنطقي التوقف عند النجاحات الحاصلة، تماماً كما يتمّ التعثّر التلقائي في مواجهة المصاعب والعقبات، فكما أنّ هناك شجرة ماحلة وأرضاً قاحلة، هناك غصون معطاء وثمار يانعة، وإلاّ، كانت مسيرة الوطن محكومة بالفشل المطلق، وكان التغنّي به، والاندفاع في خدمة مصلحته العليا، هراءاً ووهماً، وجهداً لا مبرر له، وسعياً لا طائل فيه.
بذلك، لا يكون دفء الصيف مجرد انخطاف نحو الحر والهجير، بل سباق حبات الثمر نحو السلال، وبلوغ الأيدي العاملة القطاف الموعود.

 

العميد الركن صالح حاج سليمان
مدير التوجيه