يدًا بيد

أولاد شهداء الجيش في روما
إعداد: ندين البلعة خيرالله

 ستّة أيام في حضرة التاريخ والجمال

أن يحظى أولاد الشهداء بفرصة القيام بسفرة الأحلام إلى أمبراطورية الحضارة والتاريخ والمتاحف والكاتدرائيات الأثرية، أمر لم يعصَ على لجنة تنسيق ودعم نشاطات أبناء شهداء الجيش. فرئيسة اللجنة السيّدة جوانا قهوجي مدلج ومعها العميد المتقاعد طوني عازار وأعضاء اللجنة، تعهدوا احتضان أبناء الشهداء وتلبية حاجاتهم والسعي إلى زرع الفرحة في قلوبهم وتحقيق البعض من أمنياتهم، وفاءً لتضحيات أهلهم. فإلى جانب الحفلات والدعم المدرسي والمساعدات العينيّة والهدايا التي تقدّمها اللجنة للأولاد في المناسبات المختلفة، تنظّم أيضًا الرحلات الترفيهية داخل لبنان وفي الخارج. وآخر هذه الرحلات كان رحلة إلى العاصمة الإيطالية روما. وهكذا أمضى 25 من أبناء الشهداء ستّة أيام «من العمر»، جالوا خلالها في شوارع روما القديمة وتعرّفوا إلى أبرز معالمها.

 

زوّار من الدرجة الأولى
اجتمع المسافرون في مطار رفيق الحريري الدولي حيث استقبلهم ضابط من جهاز أمن المطار في صالون الدرجة الأولى، وحظيوا بالاهتمام اللازم لتسهيل أمور سفرهم. في مطار روما كان الدليل السياحي بانتظارهم، فاصطحبهم إلى فندق Hotel Pacific Rome. هناك تركوا أغراضهم، ومن دون إضاعة الوقت توجّهوا مباشرةً إلى قلب روما حيث افتتحوا جولتهم بوقفة عند نافورة تريفي Fontana Di Trevi (أشهر نافورة في العالم والأكبر في روما)، هناك أداروا ظهورهم للنافورة ورموا الليرات فيها، مطلقين أمنياتهم علّها تتحقّق...
المحطة التالية كانت في البانتيون Pantheon معبد جميع آلهة روما القديمة، وهو اليوم أقدم مبنى ذي قبّة ما زال قائمًا في المدينة. العيون المسكونة بالدهشة تعرّفت إلى اللوحات التي تعود إلى القرون الوسطى وإلى مقابر عظماء التاريخ الروماني. بعدها سار الزائرون في شوارع روما القديمة وتذوّقوا الطعام الإيطالي اللذيذ في أحد المطاعم التقليدية، ثم أخذوا الصور التذكارية على درجات Spanish Steps الـ135 الأثرية التي تؤدّي إلى Piazza di Spagna، وهي ساحة على شكل مدرّج أثري مفتوح.


في حضرة القداسة
في اليوم الثاني، توجّه الأولاد إلى مدينة كاشيا حيث دير القديسة ريتا Santa Rita di Cascia التي ما زال جثمانها على حاله على الرغم من مرور مئات السنين على وفاتها.
جالوا في أرجاء الدير، يرافقهم الدليل السياحي الذي شرح مراحل من حياة القديسة التي تُدعى شفيعة الأمور المستحيلة، وتوقّف معهم عند دالية العنب الموجودة حتى اليوم في فناء الدير، والشاهدة على طاعة ريتا التي زرعت غصن كرمة يابسًا وسقته طوال سنة كاملة، فلان وأزهر وأصبح كرمة ما تزال تثمر حتى اليوم.
خرجوا من الدير تتملّكهم الدهشة، تناولوا الغداء في رحاب القرية القديمة، احتفظوا بالتذكارات، والتقطوا الصور بين التلال والمنازل العتيقة.

 

إلى ساحة القتال فالكنائس
إلى وسط مدينة روما توجّه الأولاد في اليوم الثالث، قاصدين الكولوسيوم Colosseum، هذا المدرج الروماني العملاق الذي يعود إلى القرن الأول، وهو الأكبر في العالم ومن أعظم الأعمال المعمارية والهندسية التي شيّدتها الأمبراطورية الرومانية. وقد وُضع هذا المدرج على لائحة التراث العالمي (1980)، كما صنّف ضمن قائمة عجائب الدنيا السبع الجديدة (2007). هنا كانت تدور الصراعات والمسابقات الجماهيرية ومصارعة الحيوانات وإعادة تمثيل المعارك الشهيرة... تقدير الأولاد لعظمة ما يرونه، أدهش الدليل السياحي الذي أُعجب بمستوى ثقافتهم وذكائهم وبأسئلتهم العميقة نسبةً لأعمارهم.
بعد الظهر توجّهوا إلى كنيسة القديس بولس خارج الأسوار Basilica of Saint Paul Outside the walls، إحدى الكنائس الباباوية الأربع في روما، والمدرجة على لائحة اليونيسكو للتراث العالمي، وهي ثاني أكبر كنيسة في المدينة بعد كاتدرائية القديس بطرس. من هناك انتقلوا إلى كنيسة القديسة مريم الكبرى الباباوية Basilica di Santa Maria Maggiore وهي أقدم كنيسة رومانية مشيّدة على اسم مريم العذراء، وتتميّز عن سائر الكنائس بهندستها كما أنّ بعض أجزائها مرصّع بالذهب.
ختام هذا النهار، كان جولة ليليّة في شوارع روما.


حديقة الحيوانات
خُصِّص اليوم الرابع من هذه الرحلة لزيارة الجزء المحبّب إلى قلوب الأولاد، حديقة الحيوانات Bioparco di Roma، وهي جزء ممّا يُعرف بفيلا بورغيز Villa Borghese Park الممتدّة بمساحاتها الخضراء على طول 17 هكتارًا من الجنائن والتماثيل والممرّات والينابيع والبحيرات الاصطناعية والمتاحف والمسارح.
استمتع الأولاد بهذا اليوم المسلّي وتعرّفوا إلى الحديقة التي تأسّست في العام 1911، وتحوّلت في منتصف التسعينيات إلى محمية طبيعية تأوي أخطر أنواع الحيوانات وأكثرها عرضةً للانقراض، من الدببة إلى الذئاب والأسود والقردة وغيرها.

 

السوق والمتاحف
التسوّق جزء من المتعة التي يجب اختبارها في أسواق روما وشوارعها القديمة، وهذا ما كان للأولاد، لكن نهارهم لم ينته في الأسواق. فبعد الغذاء توجّهوا إلى كنيسة سيستينا Cappella Sistina وهي أكبر كنيسة موجودة في الصرح الباباوي. طرازها المعماري فريد، وهو مستوحى من ذكر معبد سليمان في العهد القديم، لوحاتها الجدارية رسمها كبار فنّاني عصر النهضة ومنها لوحة الحكم الأخير الشهيرة لمايكل انجلو.
الخطوة التالية كانت باتجاه متحف الفاتيكان الذي تأسّس في العام 1506، وهو عبارة عن مجموعة متاحف تضمّ مجموعة كبيرة من الأعمال الفنيّة. تنقّلوا من معرض الفنون الذي يضمّ الأيقونات واللوحات الشهيرة كلوحة التجلّي ولوحة القديس جيروم في البريّة لليوناردو دافنشي، إلى متحف الفنون الحديثة، فمتحف النحت الذي يتألف من 54 صالة عرض تضمّ تماثيل دينية ووثنية ونواويس ومقابر ولوحات من الفسيفساء تعود إلى ما قبل الميلاد.

 

وداعًا...
في اليوم السادس والأخير، كانت للمشاركين في الرحلة جولة بانورامية بالباص في مختلف أرجاء روما، تخلّلتها وقفة في المنتدى الروماني Forum Romanum، هذا الميدان العام المستطيل الشكل الذي كان مركزًا للعديد من الأبنية الحكومية الرومانية في القدم، وفيه كانت تقام الاحتفالات الشعبية والانتخابات الحكومية، وتُلقى الخطابات وتُجرى المحاكمات العلنية...
وكان ختام الزيارة في كاتدرائية القديس يوحنا اللاتراني الباباوية، التي بُنيت في القرن الرابع وكانت مقرًا لبابا روما في القرون الوسطى، وهي أيضًا مدرجة على لائحة التراث العالمي. من هناك توجّهوا إلى المطار سالكين طريق العودة إلى الوطن...