مسرح

أول أوبرا لبنانية باللغة العربية تستعيد قصة «عنتر وعبلة»
إعداد: جان دارك أبي ياغي

في خطوة هي الأولى من نوعها في العالم العربي، شهد مسرح كازينو لبنان أوّل أوبرا مغنّاة باللغة العربية حملت عنوان «عنتر وعبلة».
وسط ديكور مسرحي يحاكي الصحراء ومضارب القبائل، وملابس وتفاصيل تستعيد حياة العرب في البادية، وعلى أنغام أوركسترا غربية طعّمت بإيقاعات شرقية بقيادة مارون الراعي، تتوالى فصول حكاية عنترة بن شداد الذي عاش في القرن السادس، وكان أحد أرق شعراء العرب وأشرس فرسانهم على الإطلاق، وحبيبته عبلة التي خلّدتها قصائده على مدى الأزمان.

 

نضالات ذلك الزمن
يؤدّي دور عنتر المطرب غسان صليبا مجسدًا نضال ذاك «العبد الأسود» الذي يناضل للحصول على حقّه في الحرية، وفي أن يكون مساويًا لأبناء قبيلته من دون تمييز بسبب لونه الأسود وعرق والدته الحبشية.
وإذا كان والده شداد (ابراهيم ابراهيم) لا تحركه مشاعر الأبوة للاعتراف بابنه وعتقه من العبودية، ولا ينصت لعذابات عبلة (لارا جوخدار) في الأسر، ولا لأصوات أطفال القبيلة وهم ينشدون له أنّ «الأرض بستان ألوان»، فإنّ ضرورة الاستعانة بشراسة عنتر القتالية للدفاع عن القبيلة، تجبره أخيرًا على ذلك.
ومع غلبة عنتر في المعركة، ينتهي الذل المخيم على قبيلته والبُعد القسري عن حبيبته، وتتراجع مشاعر التمييز على أساس اللون أو العرق لدى سادة قبيلته عبس، وتطوى أيضًا صفحة الحرب مع قبيلة طي، ويعمّ السلام دار عبلة، ما يسمح بإعلان حب عنتر الأسود وعبلة البيضاء، وبالتالي التطلّع إلى غدٍ مليء بالحب والسلام والازدهار.

 

بين الجاهلي والحديث
الملفت في العمل، المزج بين الشعر الجاهلي عبر قصائد لعنترة، والشعر الحديث للشاعرة ماجدة داغر. الحوارات من كتابة الأديب المسرحي الدكتور أنطوان معلوف، أما الألحان فمن تأليف المايسترو مارون الراعي مؤسّس برنامج «إنتاج الأوبرا» في المعهد الوطني العالي للموسيقى في لبنان، والعمل من إخراج ميرانا النعيمي وجوزف ساسين، وإنتاج «مؤسسة أوبرا لبنان». وقد شارك في العمل حوالى 160 شخصًا بين مغنّين متخصّصين في غناء الأوبرا، وممثلين و30 طفلًا، وفرقة رقص وكورس، إلى المعدّين ومصممي الأزياء والمخرجين، والعزف المباشر لفرقة «أوبرا لبنان السمفونية»، ما جعل العمل أحد أضخم الإنتاجات العربية في مجال المسرح والموسيقى لأشهر ملاحم الحب العربية الموثّقة شعرًا.

 

اللفظ العربي السليم
حرص المؤلف من خلال الأوبرا التاريخية «عنتر وعبلة» على استخدام اللغة العربيّة الفصحى في تفاصيل العرض كلّها، لأن اللغة العربيّة الشعريّة هي من أهمّ مكوّنات العرب الثقافية، وغناء اللغة العربية من شأنه أن يحفظها، أكثر من تدريسها برأي الراعي. وهو يضيف: «اعتمدنا مناهج وضعها كبار الأساتذة وتبنّاها المعهد الوطني العالي للموسيقى، وهي مناهج تقوم على احترام اللفظ العربي السليم.


وعن أهمية هذه المناهج يقول: «الأوبرا لم تعد فنًّا غربيًّا، إنها فنّ عالمي، ولكننا بحاجة إلى تطويعها لتصبح مناسبة للّغة العربية وتحترم أصول نطقها، لا أن نسمع أوبرا عربية تعرض وكأنها بلغة أجنبية».
وبالفعل «ما فعلناه في هذا العمل هو نقل هذه المناهج إلى حيّز التنفيذ»، فالمؤدّون في «عنتر وعبلة» هم من متخرّجي قسم الأوبرا الذين درسوا هذه المناهج، أو من الطلاب الحاليين، ما عدا غسان صليبا «الذي أردنا أن نستفيد من خبرته في المسرح الغنائي ومن احترافه العالي».
ويعتبر الراعي أن إنتاج أوبرا كاملة باللغة العربية، يُعتبَر نقطة تحول هامة في مسار الفن العربي، وهي ليست من اختراعه الشخصي، بل هي نتيجة تضافر جهود الفنانين العرب على مدار ما يقارب 160 سنة.