ضيف العدد

أيام من عمري
إعداد: سعد سامي رمضان

الذكريات... والذكريات صدى السنين الحاكي... كثيرة... كثيرة فهل يتسع المقام هنا, للتوقف عندها.. ولو الى لحظات؟ أحداث وأحداث, عشتها, في حلاواتها ­ ومراراتها... لا أنساها في بيروت ست الدنيا... فأنا “بيروتي” عتيق, ولدت وترعرعت في “محلة البسطة” يعني “أنا بسطاوي” لكن ما أنا “قبضاي” كما يقولون: “أبناء البسطة... قبضايات...”.
شاعرنا الكبير الأخطل بشارة عبدالله الخوري, أطلّ على بيروت قائلاً.. بل منشداً بيروت:
غــدت المنائر كـلــهـن منـــارة             هي في فم الدنيا هُدى وتبسمُ
ما جـئـتـها إلا هــــداك معـلـّـــم             فوق المنابر أو شــجـك متيّم
بيروت هل ذرفت عيونك دمعة            إلا ترشــفها فؤادي المضـرم
أنا من ثراك فهل أضن بأدمـعي            في حالتيك وفي سـمائك ألهَـمُ

لعل من الروايات الكثيرة التي ما زلت أذكرها, منذ طفولتي, تلك اللقاءات: زيارة الشاعر الكبير أحمد شوقي لنا في رفقة شاب ظريف مهذب. وكنا في منزلنا الصيفي عند “نبع الصفا”. وخلال تبادل الأحاديث العامة, قال شوقي:
أود أن تسمعا قصيدتي في زحلة, التي لحنها ويغنيها هذا المطرب الشاب. ذلك الشاب كان محمد عبد الوهاب, وهو في بداية حياته الفنية. وبـدأ يغني... ومنـذ ذلك التاريخ (عام 1929), ما زالت تلك الأغنيـة مسجلة في رأسي. وكلّما سمعتها اتذكر المرة الأولى التي أنشدها لنا عبد الوهاب شخصياً, ولم أكن بلغت العاشرة من عمري (محطات في حياتي).
وتدور الأيام أيضاً وأيضاً فنستمع الى “يا جارة الوادي” بصوت نور الهدى, ومن ثم بصوت فيروز. والقصيدة التي تتألف من 52 بيتاً يبدأها أحمد شوقي بقوله:
شيّعت أحلامي بقلب باك                  ولمت من طرق الملاح شباكي

وتنتهي بالبيت الأخير الذي يقول:
لا أمس من عمر الزمان ولا غدٌ          جمع الزمان فكان يوم رضاك

وقد اختصر هذه القصيدة عبد الوهاب كما نسمعها اليوم.

ولمناسبة الإشارة الى زحلة, أقول إن عبد الوهاب اتصل بي ذات مساء وطلب مني أن أوافيه بقصيدة من نظم الأخطل الصغير, وهي بعنوان “ناي الهوى” وفيها:
أيها البلبل المغرّد في الليـل              عــلـــى كــــل أخـضــر مـــــيــــاد
أنا أدرى بالطير حين تغنـي              كم جراح سالت على الأعـــــــــواد
سل ضفاف الهـــوى أنـبتـن              غصناً كحبيبي، أو طائراً كنواري؟
خلق الله للهوى، قلبه الروح              وراء الـخــــــدود والأجـــيـــــــــاد
نحن عرسان للفناء وللشـعـر             جـلـتــنـا مـواكـــــب الأعـــيـــــــاد
أنا ناي الهوى الذي اخترع...            الله... وانت الغريـدُ من إنـشــــادي

... ولم أعد أعرف شيئاً عن هذه القصيدة التي كان موسيقار الاجيال قد بدأ بتلحينها في بيروت.