وقاية

أيّ نظّارات شمسية هي الأفضل للمقاتلين؟
إعداد: الملازم فادي عنبر

إنّ التجهيزات والأعتدة ضرورية للمقاتل لا سيّما عندما تساعده في تأدية مهمّاته بشكل أفضل وفي الوقت نفسه، تؤمّن له الحماية من الأخطار التي تعترضه في ساحة المعركة، وسواها من ظروف الخدمة.


النظّارات الشمسية الواقية هي واحدة من عشرات التجهيزات التي تحتاجها القوات المسلّحة لتأمين الوقاية للعين، من الأشعة ما فوق البنفسجية ومن الشظايا والأجسام المتطايرة، سواء كانت معدنية أو غير معدنية. وثمن نظّارة شمسية واقية هو جزء بسيط من فاتورة معالجة مقاتل واحد تعرّض لإصابة في العين، ناهيك عن تغيّب المقاتل عن عمله أو على الأقل عدم قدرته على ممارسة عمله بشكل صحيح.
يميّز العلماء ثلاثة أنواع من الأشعة التي يتألف منها الإشعاع الشمسي:
1- الأشعة الحرارية أو تحت الحمراء وهي غير مرئية.
2- الأشعة الضوئية المسمّاة مرئية وهي في الحقيقة غير مرئية؛ فأشعة الشمس تخترق الفضاء الكوني من غير أن نراها، ولكنّها تنير الوسط المادي الذي تنتشر فيه مثل الغلاف الجوي، أو تنعكس فيه مثل سطح القمر. تقدّر نسبة الأشعة الضوئية بنحو 37% من جملة الإشعاع الشمسي وتزداد قوّتها على سطح الأرض في فترة الظهيرة في فصل الصيف.
3- الأشعة فوق البنفسجية (Ultra-Violet) وتسمّى الأشعة الحيوية وهي أيضًا غير مرئية وتشكّل نحو 13% من جملة الإشعاع الشمسي. هذه الأشعة مثل ملح الطعام قليله مفيد وكثيره ضار، فهي تسبّب سرطان الجلد وانفصال شبكة العين، وتقضي على المضادات الحيوية التي ينتجها جسم الإنسان. يمتصّ غاز الأوزون المتواجد في الغلاف هذه الأشعة ويشكّل درعًا واقيًا يحمي الأرض والكائنات.
 
تأثير الأشعة فوق البنفسجية على العين
تشير بعض الدراسات إلى أنّ الأشعة فوق البنفسجية هي واحدة من أسباب تدهور قوّة النظر مع تقدّم السن (الضمور البقعي).وقد يسبّب التعرّض للشمس ولفترات طويلة مشاكل أخرى للعيون، منها إعتام عدسة العين (الماء الزرقاء) إذ تعود حالة واحدة من كل خمس حالات إصابة بهذا المرض إلى التلف الناشئ عن الشمس. بالإضافة إلى ذلك تسبّب أشعة الشمس الإزعاج البصري وخصوصًا للمقاتل الذي يقضي ساعات تحت أشعتها المباشرة، ممّا يُجهد عينيه فتتدنّى قدرته على المراقبة أو التسديد. وللأشعة فوق البنفسجية دور في رفع احتمال الإصابة بالماء البيضاء (إعتام عدسة العين) وذلك للأسباب الآتية:
تحتوي عدسة العين على مادة شفافة تسمح بمرور الضوء إلى قاع العين الشبكية، وهذه المادة شبيهة بزلال البيض، فإذا تمّ تعريضه للحرارة يتحوّل من مادة لزجة شفّافة إلى مادة أقل لزاجة وغير شفّافة. وإعتام العدسة أو ما يسمّى الماء الزرقاء هو زيادة كثافة وتيبّس تدريجي في مادة العدسة، ومن أحد أسبابه التعرّض لفترات طويلة للأشعة فوق البنفسجية والتي تسبّب تعتيم العدسة، بحيث يتم تشتّت الضوء ويتعذّر وصوله إلى شبكية العين.

 

العوامل التي ترفع احتمال الضرر
تشير الدراسات إلى عدّة عوامل يمكن أن ترفع احتمال حصول الضرر في العينين بسبب التعرّض لأشعة الشمس، ومن هذه العوامل:
• البيئة: ينعكس الضوء على الأسطح اللامعة (مياه، طرقات...) وهذه العملية تؤدي إلى انتشار الضوء في الاتجاهات كلها وتسبّب إزعاجًا بصريًا.
 

• الأشعة فوق البنفسجية: تصل إلى العين بكمية أكبر حين يكون الإنسان أمام: ثلوج، مسطّحات مائية، أراضٍ رملية (تربة البقاع الشمالي، عرسال، الحدود الشرقية...) أو أراضٍ مكسوّة بالبلاط أو طرقات...
 

• الارتفاع عن سطح البحر: يؤثر هذا العامل أيضًا، فكميّة الأشعة فوق البنفسجية تزداد في المناطق المرتفعة كالجبال.
 

• البشرة الفاتحة والعيون الملوّنة: إنّ أصحاب البشرة الفاتحة والعيون الملوّنة هم عرضة لتلقّي كميات أكبر من الأشعة فوق البنفسجية، وهذه حال معظم اللبنانيين.
 

• فترات التعرّض لأشعة الشمس: إنّ التعرّض للشمس خصوصًا بين العاشرة صباحًا والرابعة مساءً يزيد احتمال الضرر. وكلما زاد وقت التعرّض، ارتفعت نسبة التعرّض للأشعة فوق البنفسجية. أمّا في ما يتعلّق بالفصول، فالأشعة فوق البنفسجية أعلى في فصلي الصيف والربيع، لكن من الضروري حماية العيون في فصلي الشتاء والخريف، إذ إنّ نسبة كبيرة من هذه الأشعة (ثلثا الكمية) تستطيع اختراق الغيوم والضباب وطبقات الغبار.

أخيرًا خلال كسوف الشمس تتعرّض العين لكميات عالية جدًا من الأشعة الحرارية وليس الأشعة فوق البنفسجية، وفي هذه الحالة يجب استخدام نظّارات خاصة، فالنظّارات الشمسية لا تؤمّن الحماية.

 

الحماية ضرورية
يمكن تجنّب الكثير من تأثيرات أشعة الشمس وأضرارها على العين وذلك باستعمال النظّارات الشمسية الطبية المزوّدة حماية من هذه الأشعة UV Protection التي تحمل شعار UV400. وقد توصّلت الأبحاث التي أجرتها الرابطة الأميركية لقياس النظر، إلى أنّ زيادة التعرّض للأشعة فوق البنفسجية، يؤدّي إلى العديد من الاضطربات والمشاكل في النظر، منها تكوّن الماء البيضاء في عدسة العين كما ذكر سابقًا، والتلف الذي يطال غلاف القرنية، والنموّ غير الطبيعي للأنسجة على سطح العين وحتى حصول حروق فيها. وهذه الحالات تؤدّي إلى عدة مشاكل منها: تشويش صفاء وحدة الرؤية، تهيّج أنسجة العين، الاحمرار، زيادة إفراز الدمع، فقدان البصر مؤقتًا، وفي بعض الأحيان قد يصل الأمر إلى العمى.
تؤمّن النظّارات الطبية الشمسية التي تحمل علامة UV400 الحماية من الأشعة فوق البنفسجية وتعمل على امتصاصها، وبالتالي تمنع دخولها إلى العين. لكن مع التقدّم العلمي، ظهرت النظّارات الطبية المستقطبة أو Polarized، وهي من أفضل أنواع النظّارات الطبية الشمسية حاليًا.


النظّارات الشمسية المستقطبةأو الـ Polarised
هي نظّارات مصنوعة من عدسات مستقطبة Polarised تتميّز بقدرتها على تخفيف انعكاس الضوء على الأسطح بدرجة كبيرة، فالضوء المنعكس من الماء أو من الأراضي الرملية أو من أي سطح مستو،ٍ يسبّب وهجًا وانزعاجًا. والعدسات المستقطبة قادرة على تخفيف الوهج والإزعاج إلى حدٍ كبيرٍ. لذا فإنّ هذا النوع من العدسات مثالي ومفيد للأشخاص الذين يقضون وقت عملهم تحت أشعة الشمس، أو يتعرّضون لأوقاتٍ طويلة للأشعة فوق البنفسجية. وبالتالي فهي مفيدة للعناصر العسكرية بشكلٍ خاص، أو لبعض الأشخاص الذين يمارسون الألعاب الرياضية تحت أشعة الشمس المباشرة أو يقودون المركبات، وهي توفّر لهم الراحة البصرية.
يستخدم هذه النظّارات الكثير من الناس، مثل صيادي الأسماك والبحّارة والمسافرين بحرًا وممارسي الألعاب المائية، وكذلك سائقو المركبات ومن يسافرون كثيرًا عبر البر، والطيارون، والمتزلّجون على الثلج، وسكان المناطق التي تكون أشعة الشمس فيها قوية، ومن يتعرّضون لظاهرة السراب والانعكاسات القوية من الإسفلت وغيرهم.
كما تستخدم عدسات الـPolarized في كثير من التطبيقات، مثل عدسات كاميرات التصوير وبشكلٍ خاص الكاميرات العالية الدقة التي تُستخدم للمراقبة والتقاط الصور الجوية، فضلًا عن بعض المعدّات العسكرية كالمناظير.
نستنتج ممّا تقدّم أنّ هذه النظّارات الشمسية تمنح حماية أفضل من الأشعة فوق البنفسجية الضارة بالعين مقارنة بالنظّارات الطبية العادية UV400، وبالإضافة إلى ذلك، فهي تساعد على الرؤية بشكلٍ أوضح وتؤمّن الراحة البصرية بفضل تمتّعها بميزة استقطاب الضوء.
تُبيّن الدراسات والأبحاث أهمية النظّارات الشمسية الطبية Polarized للعسكريين، نظرًا لما تتمتّع به من مزايا تؤدّي إلى عدم إجهاد العين، وتبعد عنها الكثير من وهج الشمس والانعكاسات الضوئية الحادة، كما تؤمّن رؤيةً أوضح للأشياء.

 

هل لهذه النظّارات أي أضرار جانبية؟
ليس لهذه النظّارات أي ضرر، بل هي مفيدة لكثيرٍ من الناس الذين يعملون في الشمس الساطعة، وكذلك الذين خضعوا إلى عملية تصحيح أبصارهم بواسطة الليزر، إذ تخفّف عنهم وهج الشمس والضوء إلى حد كبير وتريح أعينهم، وتسهم في تحسين نتائج عملهم.

 

مواصفات النظّارات الشمسية التي يجب أن يرتديها العسكريون
يجب أن تتمتّع النظّارات الخاصة بالعسكريين بمميّزات تتلاءم مع طبيعة العمل من جهة وتؤمّن الحماية من الأشعة من جهة أخرى.
ومعلوم أنّ مشكلة التشظّي وتطاير الأجسام الغريبة تعتبر من أخطر العوامل التي تهدّد نظر المقاتل، وهو يتعرّض لها خصوصًا بسبب التفجيرات أو سقوط القذائف القريبة، إذ تتطاير الأجزاء المعدنية في الاتجاهات كلها.
إنّ الأجسام الغريبة التي تتطاير في أثناء الانفجارات وخصوصًا الأجسام المعدنية، تتسبّب بإزعاجٍ شديدٍ للعين ما يجعل المقاتل غير قادر على التركيز والرؤية بشكل واضح. لكنّ المشكلة تتخطّى ذلك إلى درجة التسبّب بضررٍ بالغٍ للعين، فالأجسام التي تتطاير قد تصيب قشرة العين الخارجية فقط من دون أن تخترق العين (وهذه الحالة نصادفها بكثرة خلال العمليات العسكرية)، ولكنّها أحيانًا تخترق جزءًا من العين وتصل إلى العدسة، فتسبّب حصول الماء البيضاء، Cataracte Traumatique وإذا وصلت إلى الشبكة فإنّها تؤدّي إلى فقدان النظر كليًا في معظم الحالات.
خلال معارك نهر البارد كان فرع العين في المستشفى العسكري يقوم وبشكلٍ يومي باستقبال العسكريين لإزالة أجسام معدنية صغيرة جدًا من العين تعرّضوا لها في أثناء المعارك، لذا من الضروري أن يكون زجاج النظّارات الواقية، سواء كانت شمسية أو شفافة، مصنوعًا من مادة Policarbonat، وهي المادة نفسها التي تُصنع منها السترات الواقية وزجاج السيارات المصفّحة.
أمّا في الظروف العادية، أي بعيدًا من المهمّات القتالية، فإنّ أشعة الشمس هي من العوامل التي يتعرّض لها المقاتل وتؤذي نظره.
تعدّ البوليكربونات من أحدث المواد البلاستيكية التي تُصنع منها العدسات الطبية وتتميّز بأنّها ضد الكسر والاختراق، وبالتالي هي تستطيع اعتراض الأجسام المعدنية الصغيرة، وهي خفيفة الوزن والأرقّ بين العدسات، ولا تتأثّر ببعض الأحماض، كما أنّها مقاومة للخدوش وتؤمّن الحماية من الأشعة فوق البنفسجية.
إذًا هذا النوع من العدسات يعتبر الأكثر أمنًا على العين وخصوصًا للعسكريين. جدير بالذكر أنّ منظمة الغذاء والدواء الأميركية، منعت وصف عدسات أخرى غير البوليكربونات للأطفال دون سن الثانية عشرة من عمرهم.

 

شكل النظّارات المخصصة للقوات المسلّحة
يجب أن يكون حجم النظّارة كافيًا لتغطية العينين ومحيطهما، على أن تلتف قليلًا باتجاه الخلف وتكون مزوّدة من الداخل بطبقةٍ من مادة ليّنة تخفّف من اصطدامها بالعظم الموجود حول العين في حال التعرّض للصدمات.
يمكن تبديل النظّارات الشمسية الملوّنة بأخرى شفّافة، وذلك في أثناء المداهمات وخصوصًا داخل المنازل، على أن تكون مصنوعة من المواد نفسها التي تؤمّن الحماية من الأجسام المعدنية الصغيرة والأشعة فوق البنفسجية.