مشكلات وحلول

أي اتجاه تسلكه أسعار الدواء؟
إعداد: نينا عقل خليل

الحديث عن رفع الدعم عن الدواء أثار الهلع لدى المواطنين الذين ما عادوا يعرفون أي هم يحملون بعد أن انهمرت عليهم كل أنواع المصائب والهموم. في الآونة الأخيرة تبيّن أنّ الوضع يميل إلى الهدوء نوعًا ما، مع العلم أنّ أزمة شح أصناف كثيرة من الدواء ما زالت قائمة. لكن إلى أين يتجه الوضع؟

 

حسب نقيب الصيادلة في لبنان النقيب غسان الأمين، من أسباب أزمة شح الدواء كان إقبال المواطنين في الأشهر الماضية على تخزينه خوفًا من رفع الدعم عنه، وبالتالي ارتفاع سعره، فضلًا عن التهريب الذي نشط كون سعر الدواء في لبنان الذي يباع بالليرة اللبنانية أصبح الأرخص في المنطقة.

ويؤكّد السيد الأمين في حديث إلى مجلة الجيش أن «لا أزمة جديدة في موضوع الدواء، وأنّ الوضع حاليًا أفضل ممّا كان عليه في الأشهر الماضية»، لافتًا إلى أنّ «هناك شحًا في بعض الأدوية، بسبب تهافت الناس على شرائها وتخزينها في المنازل».

ويشير نقيب الصيادلة في هذا السياق إلى مجموعة خطوات اتخذتها وزارة الصحة وكانت لها انعكاسات إيجابية، مثل التفتيش على المستودعات والوكلاء والصيدليات، والتشدد في منع تهريب الدواء إلى خارج البلاد. لكنّه يلفت إلى أنّ الحكومة لم تتبنَ حتى الآن الخطة التي وضعتها اللجنة الوزارية ووزارة الصحة لترشيد دعم الدواء، وتناقلتها وسائل الإعلام. كما أنّه «لا تبنّي لهذه الخطة من قبل مصرف لبنان، ما زاد تهافت الناس على شراء الأدوية وتخزينها في المنازل، أضف إلى ذلك عدم ثقة المواطنين بالقرارات الصادرة عن المسؤولين وخوفهم من زيادة أسعار الأدوية أو فقدانها من الصيدليات».

وأوضح الأمين أنّ «الطلب على الأدوية هذا العام ارتفع بشكلٍ كبير عن العام الماضي والأعوام التي سبقت، موضحًا وجود مشكلة اليوم في أدوية الأمراض المزمنة، إلا أنّه بحسب الخطة التي اتُفق عليها، لن يرتفع سعر أدوية تلك الأمراض، داعيًا المواطنين إلى عدم تخزينها، فلا داعٍ للهلع، ومؤكدًا أنّه لو أُعلن عن تبنّي الخطة الموضوعة من قبل الوزارة لدعم الدواء لكانت الأمور عادت إلى طبيعتها، وزالت بالتالي مخاوف الناس وشكوكهم».

أما عن خطة ترشيد دعم الدواء التي اقترحت من قبل اللجنة الوزارية ووزارة الصحـة، فأكّـد نقيـب الصيادلـة أنّ «أدويـة الـOTC (التي تُصرف من دون وصفة طبية) والأمراض الحادة كمسكنات الوجع والمضادات الحيوية ستكون مدعومة بنسبة ٨٠٪ على سعر صرف المنصة أي ٣٩٠٠، ما يعني أن أسعارها سترتفع لمرتَين ونصف عن السعر المحدّد اليوم. وستبقى أدوية الأمراض المزمنة كالسكري والقلب والكوليسترول والأمراض المستعصية مسعرةً على سعر الصرف الرسمي أي ١٥١٥ من دون أن يطرأ عليها أي تغيير». وكشف السيد الأمين أنّ «ترشيد الدعم سيدفع بالمواطنين إلى عدم الخوف وتخزين الأدوية التي ستبقى على سعرها السابق، واستقرار السوق المحلي».

وعن الدور الذي يمكن أن تؤديه الصناعة الدوائية اللبنانية في هذا المجال قال الأمين: «هناك مشكلة كبيرة على هذا الصعيد، فالصناعة الدوائية اللبنانية لا تشكل سوى ٧٪ من الفاتورة الدوائية. وهي بحاجةٍ إلى خطة دعم وترشيد، واختيار أنواع الأدوية المطلوبة التي يجب تصنيعها بما يتناسب مع دخل المواطن وحمايتها... فهذه خطة كبيرة على مستوى الوطن يجب البدء بها، وهي بحاجةٍ إلى أكثر من سنتَين من العمل المتواصل لتحقيق نجاحها وقطف ثمارها».

 

خطة وزارة الصحة لترشيد دعم الدواء

عقب الاجتماع الذي عُقد في نهاية شهر تشرين الثاني الماضي في وزارة الصحة العامة لبحث خطة ترشيد دعم الدواء، وفي حضور وفد من الاتحاد العمالي العام برئاسة رئيس الاتحاد بشارة الأسمر، عدّد وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور حمد حسن، المبادئ الأربعة الأساسية التي تعتمدها الوزارة في خطتها لترشيد الدواء وفق آلية تراعي الهواجس وتنعكس استثمارًا للمزيد من اليد العاملة والأدمغة المتميزة في لبنان، في رفع عدد الأدوية المصنّعة في لبنان وجودتها. وهذه المبادئ هي:

أولًا: عدم المس بأدوية علاج الأمراض المزمنة والمستعصية والضرورية، أيًا كان سعر هذه الأدوية.

ثانيًا: تشجيع الصناعة الوطنية الدوائية وخوض تحدي تعويض الدولار الذي سيُستخدم للاستيراد بدولار يتم تحصيله بالتصدير. وهذا الأمر يشكّل فرصة في الأمن الاقتصادي لترشيد استخدام الدواء، إذ يتوقف اللبنانيون عن تناول الأدوية بشكلٍ عشوائي ومن دون حاجة طبية، الأمر الذي ينعكس سلبًا على الصحة كما على الفاتورة الدوائية التي تُعد الأعلى في الشرق الأوسط.

ثالثًا: المحافظة على الشركات العالمية لأنّ وجودها في السوق ضرورة للحفاظ على عامل المنافسة الذي ينعكس تلقائيًا على استمرار جودة الصناعات الدوائية وفعاليتها.

رابعًا: تخفيف الدعم عن أصناف غير أساسية، مع إتاحة خيارات متعددة أمام المواطن فتكون هناك أدوية بأسعارٍ مقبولة، وأخرى بأسعارٍ أغلى لمن يود شراءها.

 

لا داعٍ للهلع

• أدوية الأمراض المستعصية كالسرطان لن تطالها الخطة بل ستبقى أسعارها على سعر صرف الدولار الرسمي أي ١٥١٥ ما يعني عمليًا أنّ أسعارها لن ترتفع.

• ستبقى أدوية الأمراض المزمنة كالسكري والقلب والكوليسترول مسعرةً على سعر الصرف الرسمي أي ١٥١٥ من دون أن يطرأ عليها أي تغيير.

• التغيير الذي سيطرأ على الأسعار سيشمل فئتَين من الأدوية: فئة أولى هي الأدوية التي تباع من الصيدلي إلى المريض من دون وصفة طبية كالبنادول وغيرها. وفئة ثانية هي أدوية الأمراض الحادة، كمسكنات الوجع والمضادات الحيوية التي لا يتناولها المريض إلا عند إصابته بعارضٍ صحي. هاتان الفئتان ستسعّران على سعر صرف المنصة أي ٣٩٠٠، ما يعني أنّ أسعار أدويتهما سترتفع لمرتَين ونصف عن السعر المحدّد اليوم.

• ترشيد الدعم سيدفع بالمواطنين إلى اعتماد أدوية الجينيريك التي تعطي النتيجة ذاتها، نظرًا إلى جودتها العالية، ولأنّ أسعارها أقل من أدوية الماركات التي اعتاد اللبنانيون على تناولها. هذه الأدوية يمكن أن تكون مستوردة من دول أجنبية ويمكن أن تكون لبنانية الصنع وهذا ما يدعم الصناعة اللبنانية. على سبيل المثال، سيصبح المواطن بعد ترشيد الدعم أمام خيارَين: إمّا أن يُطلب من الصيدلي علبة Panadol غير مدعومة سعرها حوالى ١٠ آلاف ليرة، وإمّا أن يُطلب منه علبة جينيريك قد يكون اسمه Paracetamol أو غيره بثلاثة آلاف ليرة. بهذه العملية يتناول المواطن حبة دواء تشفيه من ألم الرأس وتوفر الدولة على نفسها حوالى ٢٥ مليون دولار تدفعها سنويًا على دعم الـPanadol.

خطة وزارة الصحة كشفت عددًا كبيرًا من الأدوية المدعومة التي يمكن التخلي عن دعم الدولة لها، كالفيتامينات، والكريمات، المخصصة لعلاج الفطريات. كذلك، ستعتمد وزارة الصحة مع بداية العام ٢٠٢١ وبالتوازي مع خطة ترشيد الدعم، لائحة جديدة لأسعار الأدوية، وبموجبها ستخفّض أسعار عدد كبير من الأدوية لا سيّما تلك المخصصة لمعالجة الأمراض المستعصية كالسرطان، وهي أدوية معروفة عادة بأسعارها المرتفعة.