أدلّة جنائية

إجراءات الحفاظ على مسرح الجريمة

مع تزايد معدلات الجريمة في عالمنا المعاصر وتعدد وسائلها، تزايدت التحديات أمام السلطات المكلّفة بمكافحتها. ومع استفادة المجرمين القصوى من الإمكانات التي أتاحها التطور التكنولوجي المطرد من أجل إخفاء آثار جرائمهم، أو تمويهها سعت الأجهزة الأمنية المختصة في المقابل إلى تسخير معطيات العلم الجنائي الحديث بما يدعم التقنيات التي تجريها الضابطة العدلية بالقرائن والأدلة القادرة على فتح المسالك المغلقة في دروب التحقيق المتشعبة.
إن الخطوة البدهية الأولى أمام المحقق العدلي أو القضائي، هي الوصول إلى مسرح الجريمة ومعاينته عن كثب. ولا بد له من الاستعانة بالخبراء أو الاختصاصيين للتمكن من جمع الأدلّة الجرمية والبحث عن كل الآثار المادية ورفعها لمعالجتها لاحقًا. ولا يمكن إجراء المسح الممنهج الشامل في مسرح الجريمة إلاّ بالمحافظة عليه وعلى جميع محتوياته مهما بدت ثانوية. ومع تنامي دور الجيش في عمليات حفظ الأمن ومكافحة الإرهاب، إضافة إلى دوره الأساسي في الدفاع عن البلاد ضد العدو الإسرائيلي، تنامت مسؤوليات الضابطة العدلية العسكرية ممثلة بالشرطة العسكرية وسرايا شرطة المناطق التي راحت تواجه في تحقيقاتها معضلات جديدة ومتنوعة.
ولأن هذه المعضلات تزيد أو تنقص فعالية الإجراءات المتخذة للحفاظ على مسرح الجريمة، لا سيّما من قبل أول الواصلين إليه، كان لا بد من تعميم الوعي في هذا المجال لدى جميع العسكريين من مختلف الرتب وفي كل الوحدات.
وفي هذا السياق نظَّم رئيس قسم الأدلة الجنائية في الشرطة العسكرية العقيد نبيل عبدالله محاضرة تدريبية تحت هذا العنوان، وألقاها في جميع وحدات الجيش على امتداد أكثر من عام. وتوخيًا لمزيد من الفائدة يأتي نشرها في مجلة «الجيش» إستكمالاً لما ابتدأ، وهو لن يتوقف بأي حال.

 

تعريف مسرح الجريمة
هو المكـان الـذي ارتكبـت أو اكتشفـت فيـه الجريمـة، أو مجموعـة الأماكـن التي تشهد مراحـل تنفيذ الجريمـة أو حدوث أحد فصولـهـا.
يحتوي هذا المكان على الآثـار الناتجـة والمتأتيـة عن ارتكاب الجريمة.
قد يكون هذا المسرح، مكانًا مغلقاً (مبنى – مستودع)، أو مكانًا مكشوفـًا ( حقل – ساحـة – حديقـة أو صحراء – طريق...).
ويمكـن القول بإمكان وجود عـدة مسارح للجريمـة الواحـدة، مرتبطـة بمكان الإعداد لها ومكان تنفيذها، وبالمكان الذي قد تنقل إليه الجثة أو مكونات الجريمة وآثارها بهدف التمويه والتضليل.

 

التحقيق في مسرح الجريمة
إن التحقيق بمعناه العام يعني اتخاذ جميع الإجراءات والوسائل المشروعة التي تؤدي إلى كشف الحقيقة.
أما التحقيق الجنائي الفني فهو استخدام الوسائل العلمية والفنية التي تساعد المحقق على كشف معالم الجريمة وإيضاحها، وإنارة التحقيق في جوانبه كافة، من خلال جمع الأدلة التي تثبت وقوع الجرم وكيفية وقوعه.

 

عند وقوع انفجار ماذا يحدث؟
• يتدخل أقرب الأشخاص الموجودين في المكان إما بداعي المساعدة أو بداعي الفضول.
• تحضر الأجهزة الأمنية تباعًا بحسب قربها من مكان الحادث.
• تصل وحدات الإغاثة والإسعاف.
• تبدأ وسائل الإعلام بالتوافد إلى المكان وتحاول قدر الإمكان الاقتراب من مسرح الجريمة.
• يحضر العناصر المعنيون بالتحقيق (شرطة عسكرية، قوى أمن داخلي).
• يحضر الفنيون (الأدلة الجنائية، خبراء الذخيرة والمتفجرات...).
• يحضر القضاة المختصُّون.
• يحضر الأطباء الشرعيون.
• من الممكن أن يحضر الرسميون والسياسيون مع مرافقيهم.
فمن ينظم وجود كل هؤلاء الأشخاص؟ وكيف نحافظ على الأدلة في ظل هذه الظروف؟

 

الإجراءات الأولية
بشكل عام، عند وقوع انفجار ما، المتدخِّل الرسمي الأول يعتبر مسؤولاً عن جميع التدابير التي ينبغي اتخاذها من دون تأخير أو تهاون في مسرح الجريمة بغية المحافظة عليه، ليصار الى استغلاله بالصـــورة الأمثل من قبل أهـــل الاختصــــاص وصولاً الى مـــــا يخدم التحقيق.
فور تلقي الأمر بالتدخل يجب تنفيذ ما يأتي:
• التنسيق مع القوى الأمنية لتأمين وصول سريع وآمن إلى مسرح الجريمة.
• سلوك الطريق الأسهل والأكثر أمانًا للوصول إلى المكان.
• التأكد من إبلاغ الوحدات المختصَّة بالأنقاذ وإخماد الحرائق والهندسة والمعنيين بالتحقيق عند الإنطلاق.
• على الدورية أن تصطحب معها العتاد اللازم لعمليات:
- العزل (شريط عازل، عوائق طرقية...).
- إبعاد غير المعنيين (مكبر صوت...).
- التوثيق الأولي (عنصر توجيه مع عتاد التوثيق كالكاميرات ووسائل الكتابة...).
- دور عنصر التوجيه المرافق للدورية:
- تصوير أولي لمسرح الجريمة من الخارج.
- تصوير الأشخاص الموجودين داخل مسرح الجريمة وفي محيطه.
- تصوير عمليات الإخلاء والإنقاذ.

 

في مسرح الجريمة
فور الوصول إلى مسرح الجريمة يجب تنفيذ ما يأتي:
• تحديد مسرح الجريمة وعزله بواسطة شريط عازل على كامل حدود هذا المسرح من الجهات الأربع، وتأمين حراسة هذا الطوق.
• الحرص على بقاء العناصر الذين يقومون بالعزل خلف الشريط العازل للجهة الخارجية.
• إقفال جميع المداخل المؤدية إلى مسرح الجريمة.
• تنظيم حركة السير في محيط مسرح الجريمة، وتأمين مسلك لآليات الإغاثة والإطفاء والمحقِّقين بالتنسيق مع عناصر السير في قوى الأمن الداخلي.
• حراسة مداخل الأبنية المحيطة بمسرح الجريمة، وعدم السماح لأحد بدخولها أو الخروج منها قبل مراجعة المعنيين بالتحقيق بعد وصولهم.
• العمل قدر الإمكان على إقامة طوق عزل ثانٍ مخصَّص لوجود العناصرالأمنيين.
• تسهيل عمل العناصر الفنيين (الهندسة) الذين يقومون بتفتيش المكان، وتأمين سلامته خوفًا من وجود عبوة ثانية.
• إبعاد الاشخاص غير المعنيين كافة عن مسرح الجريمة.
• معاينة أولية سريعة للمكان، وجمع المعطيات الأساسية عن الحادث من دون العبث بأي شيء داخل مسرح الجريمة.
• تسهيل وتنظيم عمل عناصر الإسعاف والإنقاذ.
• تحديد ممر عام يسلكه عناصر الإنقاذ فحسب، يكون خاليًا قدر الإمكان من الأدلة.
• الحرص على عدم مس، أو السماح لأحد بمس أي دليل حتى ولو عن طريق الخطأ.
• تسجيل أسماء جميع الحاضرين وسبب حضورهم.
• منـع دخـول أي كـان إلى هذا المسرح، ضمنًا الأجهـزة الأمنيـة التي قــد تصـل تباعًا.
• تسليم مسرح الجريمة الى العناصر المولجين بالتحقيق والأدلة الجنائية.
كما ينبغي الانتباه إلى عوامل الخطر والسلامة الشخصية على سبيل المثال:
• إحتمال وجود متفجرة في المكان.
• إحتمال وجود مواد سامة، أو انبعاث غازات، أو حصول انهيارات، أو وجود أمراض معدية...
• إحتمال وجود الجاني أو مشتبه بهم في مكان الحادث.
كذلك يجب إفادة المحققين وعناصر الأدلة الجنائية عن كل المعطيات التي تم الحصول عليها عند تسليمهم مسرح الجريمة.
إن تطبيق هذه الإجراءات يتوقَّف على نوع كل قضية وظروفها والهدف بالاجمال هو المحافظة على الأدلة مهما كان نوع الجريمة، لأن أي عبث بالأدلة أو تغيير أمكنتها أو تلوُّثها يضلِّل التحقيق، ويؤدي إلى فقدان عناصر أساسية تساعد في كشف حقيقة الجريمة.

 

الآثار والأدلة الممكن وجودها داخل مسرح الجريمة
يمكن العثور داخل مسرح الجريمة على الأدلة البيولوجية، والأدلة البالستية، والأسلحة النارية، والأدلة الناتجة عن المتفجرات، وآثار مادية أخرى (إطارات، أحذية...).
تشمل الأدلة البيولوجية ما يأتي :
• النسيج العضوي ويتضمَّن: الجلد، الجهاز العضلي، الأعضاء الداخلية، العظام، الأسنان، الدماغ، القيء.
• الدم، ويمكن العثور على آثار من الدم على الجاني، على الضحية، على الثياب، في مسرح الجريمة، وعلى الأداة المستخدمة فيها.
• الشعر والوبر.
• الأظافر والقذارة تحتها.
• أدلة ناتجة عن الإحتكاك، التعرُّق، اللعاب، المخاط، الغائظ، البول، المني، الإفرازات المهبلية.
يمكن العثور على الأدلة البيولوجية على الأشياء الآتية (على سبيل المثال لا الحصر):
الملابس (بما فيها الأحذية)، القفازات، القبعات أو الأقنعة، الأسلحة المستخدمة في الجريمة (سكين، سلاح ناري، حجر...)، الأدوات المستخدمة لاقتحام المكان (مفك، مخل)، أو أشياء أخرى، الجلد (مثل عنــق الضحية)، سيارات (عجلة القيادة، ذراع تبديل السرعة...).
ويمكن العثور على اللعاب في: أعقاب السجائر، أوعية الشراب، المحارم، العلكة الممضوغة، الطوابع، ألسنة المغلفات، علامات العض، الأقنعة.

 

لمحة عامة عن البصمات
إن البصمات هي الانطباعات التي تتركها رؤوس الأنامل أو راحتا اليد والقدمين عند ملامستها السطوح الجامدة، وهي صور طبق الأصل لأشكال ومميزات الخطوط الحلمية التي تكسو الجلد في هذه المناطق.
تظهر هذه الخطوط وتتحدَّد معالمها، ويتوضَّح تراصفها عند الجنين ابتداء من الشهر الرحمي السادس (قبل الولادة).
إن تراصف الخطوط الحلمية بعضها مع بعض وفق مسارات وأشكال مختلفة يعطي البصمة صورة ذاتية خاصة تميِّزها عن سواها حتى عند الشخص الواحد.
بالإضافة إلى صورتها الذاتية الخاصة التي تسمها بالفردية، تتميَّز البصمة بثباتها وعدم تبدلها طوال حياة صاحبها (مثلاً بصمة إبن الـعشرين سنة هي نفسها لهذا الشخص عندما يبلغ السبعين).
لا يمكن أن تتطابق بصمتان بشكل كلي وفق حساب النسبية إلا بنسبة 1/64 مليار.
قبل اكتشاف DNA كانت البصمات هي الطريقة الأهم في التعريف عن الشخصية وما تزال حتى يومنا هذا الطريقة الوحيدة التي تتيح تحديد هوية الشخص أو التعرف إليه، بدقة تبلغ نسبتها 100% نظرًا إلى أنه ما من بصمتين مماثلتين.
البصمات الظاهرة هي نتيجة تلوُّث الأصابع بمواد مثل: الدم، دهون، أوساخ تكون موجودة على أشياء تظهر عليها مثل الشمع، الدهانات، معجون، الخ...
البصمات الأخرى تكون بشكل عام غير ظاهرة أو شبه ظاهرة لأنها مكونة من الإفرازات الطبيعية لليد أو الأصابع.
تتوقَّف رؤية البصمات على العوامل الفيزيولوجية للشخص الذي يتركها، ولطبيعة الشيء المطبوعة عليه البصمة، وللزاوية التي ينظر إليها وانعكاس الضوء عليها.
تتوقف استمرارية البصمات على الوقت الذي مضى عليها، وكمية الحرارة والرطوبة والهواء التي تعرَّضت لها، وعلى الرغم من كل الظروف يمكن أن تبقى البصمة صالحة لوقت طويل. ويوجد ثلاثة انواع رئيسة لبصمات الأصابع وهي الآتية: المقوسات، المنحدرات، المستديرات.
لمحة عامة
 

عن الحمض النووي
تمامًا كما في بصمات الأصابع التي أدخلت في علــم الجريمـة في الثلاثيــنــيات، فإن لكل فرد في هذا العالم خصائصـه الفريـدة من مادة DNA.
ولكن خلافًــــا لبصمــات الأصــابــع التــي تــوجد فقــط على رؤوس الأنــامل، والتــي يمكــن تشويهـــها أو إزالــتـها بــواسطــة عمــل جراحي أو بالحرق، فإن مــــادة DNA هــي واحــدة في كــل خليــة، وسائــل ونسيــج في جــسم الفرد، ولا يمكن تغـيـيرها بأي طريقة كانت.
الحمض النووي هو مادة تحتوي على كل الصفات الوراثية المستخدمة في نمو كل الكائنات الحية وعملها، والدور الأساسي لهذه المادة هو حفظ المعلومات المطلوبة لتركيبة هذه الكائنات.
أين نجدها؟
توجد مادة DNA في المني، الدم، العظام، النسيج، الشعر، الأسنان، اللعاب، الأظافر.
وثمة مواد نموذجية تحتوي على مصادر الحمض النووي هي:
الملابس، النظارات، فرشاة الشعر، قبعات الرأس، أقنعة التزلج، أعقاب السجائر، أكواب وزجاجات الشراب، الطوابع والمغلفات، الجروح الناتجة عن عضة.
قد يبقى DNA حيًا:
بعد عمليات الغسيل، بعد المعالجة ببودرة بصمات الأصابع، وبعد المعالجة بالصمغ القوي.
ويمكن أن يفسد DNA إذا تعرَّض لأشعة الشمس، والحريق والحرارة القوية، والرطوبة (البلل، العفن، البكتيريا، مياه البحر).

 

ما هو مسرح الجريمة؟
لا يعني مسرح الجريمة الانفجارات فحسب إنما قد يشمل
الحوادث الآتية: حوادث الموت الناتجة عن الإصابة
بطلقات نارية، الانتحار، حرائـق، الصدمة الكهربائية،
التسمم، جرعة مخدرات زائدة، حوادث الوفاة
الناتجة عن أسباب مختلفة،
العثور على عبوات،
الموت الناتج عن
حوادث السير،
إطلاق ومحاولات إطلاق صواريخ،
السرقة، العثور على رفات وجثث لمجهولين.
أي كل جريمة أو حادثة يحتاج كشفها إلى العثور على أدلة
وحيث يكون التحقيق وحده غير كاف.