مبدعون من بلادي

إحساس مرهف يتلمس الأشياء بإيمان وإصرار
إعداد: تريز منصور

فيليب عرقتنجي

مشوار سينمائي آخر محطاته بوسطة تجوب الذاكرة بحثاً عن المصالحة بين الماضي والحاضر

يستلهم من اللاشيء الذي هو كل شيء. يعشق الكاميرا ويصنع من لقطات عدستها السحرية، أجمل المشاهد، والصور، في صياغة أنيقة مرهفة.
يضفي على المطارح، السحر والجمال، فتشعر وأنت تشاهد أفلامه الوثائقية، لا سيما الخاصة بلبنان، كم هو جميل هذا البلد، وكم علينا من الواجبات الملزمة، لإبقائه جميلاً متألقاً في هذا الشرق العظيم.
إنه الفنان الشاب والمخرج المبدع فيليب عرقتنجي، الذي لمع اسمه في عالم السينما والتلفزيون، وأخيراً في فيلم «البوسطة»، الذي كسر عدد مشاهديه الرقم القياسي (135 الف مشاهد لغاية كتابة هذه السطور).


رحلةَ العمر

أبصر فيليب عرقتنجي النور في حزيران العام 1964، في الأشرفية - بيروت. والده أرنست عرقتنجي تاجر وصاحب محل رخام، ووالدته أندره سلطان أديبة، وصاحبة روايات باللغة الفرنسية. متزوج من السيدة ديانا عرقتنجي وله ثلاثة أولاد، لوك (7 سنوات)، ماتيو (5 سنوات) وإيف (3 سنوات).
رحلته مع الصورة بدأت في سن مبكرة، حين أهداه والده كاميرا، وبدأ يلتقط من خلالها صور الأماكن الأحب الى قلبه كقلعة بيت مري الأثرية، ليصنع منها لقطات فيها الكثير من الحميمية.
حبه للسينما والتلفزيون اكتسبه من والده، فقد كان يتسلل من غرفة نومه ليلاً، ليسترق النظر الى فيلم ما يعرضه التلفزيون.
تلقى علومه في مدرسة الجمهور ثم درس في جامعة «بي.يو.سي» (B.U.C) إدارة الأعمال مدة سنتين فقط، محاولاً متابعة بعض الدروس الخصوصية في الإخراج، الإختصاص الذي لم يكن مدرجاً في جامعات لبنان آنذاك.
في التاسعة عشرة من عمره، غادر لبنان متوجهاً الى لندن ثم باريس، واضعاً نصب عينيه هدفاً محدداً، وهو أن يصبح مخرجاً روائياً.
عاد بعد عامين ليعمل لدى المؤسسة اللبنانية للإرسال (ال.بي.سي)، فأخرج البرنامج التلفزيوني الناطق باللغة الفرنسية «موزاييك». محطته التالية كانت إخراج وإنتاج مجموعة أفلام وثائقية قصيرة حول الحرب تم عرضها على قنوات «بلاس» (Plus) وفرنسا-3 (France 3) وفرنسا-2 (France 2)، وتلفزيون وراديو كندا.
من جديد أجبرته الحرب على العودة الى فرنسا، حيث عمل مراسلاً خاصاً لبرامج تلفزيونية، كما أنتج أفلاماً خاصة لمحطات ت-ف1 (TF1) وفرنسا-3.
في الثامنة والعشرين من عمره، قرر أن يحزم أمتعته ويجول حول العالم. انتهى به الأمر الى صناعة الأفلام لمحطات أميركية وأوروبية: قناة «ديسكوفري» (Discovery channel)، وقناة «ليرنينغ» (Learning channel)، و«بسكيب» (Bskyb) الانكليزية والألمانية «ان.دي.أر» (NDR)، وقد صوّرت هذه الأفلام في تونس والمغرب، منغوليا، جنوب أفريقيا وسيريلانكا... وبعد غربة إستمرت اثني عشر عاماً في الخارج، عاد عرقتنجي الى لبنان ليحقق حلم «البوسطة»، وفي جعبته أكثر من أربعين فيلماً وثائقياً، أبرزها «عيون الأمهات» و«موزاييك».

 

البوسطة

فيلم «البوسطة» حلم حققه المخرج المبدع فيليب عرقتنجي، يعتبر أول أفلامه الروائية الطويلة. يروي الفيلم قصة لقاء بين أصدقاء الطفولة، لقاء يتصالحون فيه مع زمنهم الضائع، ويستعيدون طفولة هشّمتها الحرب. إنها رواية جيل كبر بسرعة، ونسي الحياة والبهجة.
«البوسطة» هو رحلة في ذاكرة لبنان من خلال ذاكرة الراقصين في الفيلم، انه اختراع الدبكة اللبنانية الحديثة، لا بل هو اختراع الحاضر الجديد... فيلم يحرك مشاعر المشاهدين من خلال الموسيقى، والدبكة والضيافة اللبنانية وغيرها من مقومات ذاكرتنا التراثية. فالفيلم مشوار في طريق تدلنا على لبنان الجميل وقراه العريقة، وسفوح جباله، وتحثنا على القيام بشيء ما لإنقاذه.
تناولت الفيلم الصحف الأجنبية ووسائل الإعلام العالمية، مثنية على إخراجه الرائع وعلى مضمونه. عدد مشاهديه في لبنان بلغ لغاية اليوم 135 ألف مشاهد، متخطياً بذلك عدد مشاهدي فيلم «كينغ كونغ» (87 الف مشاهد).

 

سر إبداعه

إبداعه سر، ينبع من إيمانه، الذي لا يمكن للفكر تحديده. يقول عرقتنجي: «إذا قررت معرفة مصدر الإبداع والغوص في أعماقه أستطيع القول انه لا شيء يكون بالحقيقة كل شيء. الفكرة تأتي من إيماني بأن ثمة شيئاً سوف أجده في مكان غير ملموس».
يستلهم فيليب عرقتنجي أفكاره، في معظم الأحيان من الموسيقى العالمية (World Music)، ومن الصور الفوتوغرافية من الجسد المتمايل في أثناء الرقص، ومن السفر حول العالم حيث يحاول أن يعود طفلاً، يتحسس زقزقة العصافير والنسيم العليل وجمال الطبيعة الخلابة. ويحاول أن يكون حراً في تنقلاته البعيدة لكي يندمج في عمق الأشياء. ويقول: «رغم تأثري بالأشياء الجميلة من حولي فإنني متأكد بأن الذي ينبع من الداخل، هو كالنبع الدفاق الذي لا ينضب ولا يجف أبداً».
ويعتبر المبدع عرقتنجي أن الإخراج هو عملية وضع غطاء على الأشياء ولكن الأساس في المضمون. ومن هنا كان انتاجه غزيراً في الأفلام الوثائقية، حيث الإستماع الى الناس وتسليط الضوء على قضاياهم، يملأ فراغ القلوب.
ويقول عرقتنجي: «أنا لست المخرج، إنما أنا مسؤول عن الوزنة النعمة التي وهبني اياها الخالق».


جوائز وميداليات

شارك المخرج فيليب عرقتنجي في العديد من المهرجانات الدولية ونال عدداً من الجوائز والميداليات منها:
- جائزة "CARAT ACADEMY".
- «غراند جوري» "Grand Jury" ، في مهرجان الأفلام - بيروت العام 1997، وذلك عن فيلمه «حلم الطفل البهلوان».
«سبيشل جوري برايز» "Special jury price" في مهرجان السينما الافريقية - مونريال - كندا، العام 1995.
- الميدالية الذهبية في «الألعاب الفرنكوفونية» عن فيلمه «بيروت أحجار وذكريات،» «العام 1994.
كرمته جامعة البلمند في لبنان، ومنحته شهادة تقدير في 27 شباط 2006، لعمله السينمائي «البوسطة».