تحت الضوء

إدارة العمليات العسكرية خلال التظاهرات والتجمعات الكبيرة 25 كانون الأول خير دليل...
إعداد: ندين البلعة

«مراجعة ما بعد الحدث:
- أنجِزَت المهمة بنجاح بأقل عدد ممكن من الإصابات والخسائر يجب التنبّه إلى بعض الأخطاء وتلافيها في المستقبل».
هي عملية تقييمية ضرورية بعد تنفيذ أي مهمة عسكرية مهما كان نوعها.
لكن عندما تكون المهمة أمنية، فإن لتنفيذها ولتقييمها معايير دقيقة تفرضها ضرورات مراعاة التعامل مع المواطنين.
في الأساس مهمة الجيش تفترض وجوده بعيدًا من المدنيين، غير أن تكليفه حفظ الأمن والإستقرار يجعله على تماسٍ معهم واحتكاك مباشر بهم، خصوصًا عندما يتعلَّق الأمر بالتعامل مع تظاهرات شعبية أو تجمعات بشرية كبيرة.
وانطلاقًا من حرص الجيش على إتمام واجباته على نحو يتيح حفظ الإستقرار العام والمصلحة الوطنية من دون التعرُّض لحق اللبنانيين بالتعبير عن رأيهم، كان لموضوع التعامل مع التجمُّعات البشرية حيِّز كبير في برامج التدريب.
التدريبات التي تلقَّاها العسكريون معطوفة على مناقبيتهم وتنشئتهم الوطنية، جعلت اللبنانيين يشهدون لأدائهم، خصوصًا وأن لبنان شهد خلال الأعوام الأخيرة الكثير من الإستحقاقات التي ترافقت مع تظاهرات وتحركات شعبية كبيرة.
فكيف تدار العمليات في مواكبة هذه الإستحقاقات، مدير العمليات في الجيش العميد الركن مارون الحتي يشرح.

 

غرفة العمليات
ليست غرفة العمليات قطعة عسكرية مستقلّة بحدّ ذاتها، بل تتبع لمديرية العمليات وتُعتبّر أداة سيطرة الجيش خلال تنفيذ أي مهمّة يُكلَّف بها على كامل مساحة الوطن. وتقع على مدير العمليات مهمّة جهوزيتها المادية والعملانية وإدارتها.
مهمات هذه الغرفة وصلاحيتها هي وفق ما يفيدنا العميد الركن الحتي على النحو الآتي:
- تنظيم العمليات الحربية وإدارتها.
- تقدير مستمرّ للموقف.
- تزويد القائد الأعمال الممكنة وإدارة أي مهمة يطلبها.
- التنسيق مع أجهزة الجيش كافة ومع المعنيين بحسب الوضع.
- إصدار الأوامر الشفهية والخطية اللازمة للقوى وتوثيقها.
هذه الغرفة لا تدير وحدات الجيش فحسب، بل تعطي الأوامر وتنسّق مع الأجهزة الأمنية والمؤسسات المدنية الأخرى، وهي في جهوزية دائمة وتعمل ليلاً ونهارًا بنمط يتناسب مع الحالة، وترتفع جهوزيتها تصاعديًا مع الوضع العام.

 

ماهية التدخل
كيف تدار العمليات على الأرض؟ يجيب العميد الركن الحتي عن السؤال معتمدًا تظاهرات 25 كانون الثاني الماضي نموذجًا:
انطلاقاً من تقدير الموقف والأخذ بعين الإعتبار أننا في مواجهة مواطنين، فقد كان المطلوب استيعاب الغضب وعدم السماح بأي تعدّيات على الأملاك العامة والخاصة أو على المدنيين... وذلك بأقلّ قدر ممكن من الخسائر في صفوف المتظاهرين والقوى الأمنية على حدّ سواء.
«في بداية العمليات، وعلى الرغم من تحديد النقاط الحسّاسة، ظهرَ إمكان وجود نقاط أخرى، فتمّ اعتماد جهوزية انتشار مرنة تسمح بالتدخّل وبتركيز الجهد في أي مكان ترتفع وتيرة العمليات فيه».

 

مرتكزات
خلال تنفيذ هذه العملية تمّ التركيز على عدة نقاط ضرورية لتأمين النجاح المحتّم للمهمة:
- متابعة القيادة والرؤساء المباشرين الأحداث.
- ردّة الفعل الفورية من قبل الرؤساء وإفادة القيادة.
- أهمية الإستجابة خلال وقت وذلك على مستوى القيادة كما على مستوى العسكريين في الميدان.
- ضبط النفس على كل الأصعدة.
- ورود المعلومات بشكل مستمرّ وسريع، على غرفة عمليات القيادة للتمكّن من تقدير الموقف واقتراح القرارات المناسبة، واتّخاذها وترجمتها إلى أوامر.
- معالجة أعمال الشغب ومتابعتها في عدّة أماكن بالوقت نفسه .
- ضرورة تحلّي الرؤساء بالروح الخلاقة، ما يخوّلهم ارتجال الحلول والتأقلم مع الأوضاع الطارئة.
- تجلّي الروح المعنوية العالية من خلال ثقة العسكري برؤسائه التراتبيّين، وثقة قادة الألوية والأفواج بالأوامر الصادرة عن العمليات والثقة بالنجاح.
- وجود الضباط على الأرض على كل المستويات.

 

مبادئ عملانية
يلخّص العميد الركن الحتّي المبادئ العملانية الأساسية في تنفيذ هذه المهمّة وسواها من المهمات المماثلة حيث يتمّ التركيز بالأساس على الإنتشار في المناطق الحساسة، وعدم السماح بتاتًا بقطع الطرقات الرئيسة مع إبقاء قوى احتياطية جاهزة لفتحها في حال القطع. إلى ذلك تصدر أوامر البقاء على استعداد تام لمؤازرة الوحدات المجاورة، ويتمّ تعزيز الوحدات مباشرةً مع بدء التحركات الإحتجاجية وبما يتناسب مع الوضع.
إلى جانب ذلك، توضع خطط خاصة بكل وحدة، ووفق تطور تركيز الجهود في الأماكن الساخنة، ويتم التدخل بقوة عند الحاجة بما يتناسب وخطورة الحدث. من هنا تظهر أهمية تقدير الموقف والوضع بالشكل الصحيح. وفي هذا الإطار ينوّه مدير العمليات بجهود مديرية المخابرات وفروع مخابرات المناطق، التي وصفها بحواس الجيش على الأرض، تعمل دائمًا بالتنسيق مع مديرية العمليات لتتمكَّن أركان الجيش للعمليات من استخلاص القرار الأنسب وتحويله إلى أوامر للوحدات المنفّذة.

 

تحديات وأخطاء
خلال تنفيذ أي مهمّة على الأرض، تظهر عقبات وتحديَّات تعرقل تنفيذها. كما يتبيّن من بعد تقييم العمليات، بعض الأخطاء يقصد المسؤولون التركيز عليها وانتقادها لتلافيها في ما بعد.
من أبرز هذه العقبات والتحديات:
- إبقاء التنسيق بين الوحدات المنفّذة.
- البطء الإداري في معالجة بعض المواضيع الملحّة.
- تحقيق التجانس على مستوى فريق العمل داخل غرفة العمليات خصوصًا أن هذا الفريق يضم أشخاصًا من أجهزة أمنية مختلفة.
- يضاف إلى ما ذكر عقبات تقنية من بينها النقص في عتاد مكافحة الشغب لدى الوحدات المنفّذة.

 

خطوط وقواعد
يعطي القائد خلال تنفيذ أي مهمة توجيهاته التي تُترجَم إلى أوامر وهي بمنزلة خطوط حمراء غير مسموح تجاوزها. وتراعي الحفاظ على معنويات العسكريين، وحمايتهم إضافة إلى حماية العتاد والآليات والمراكز العسكرية، وعدم استخدام العنف المفرط والتعامل مع المدنيين باحترام وتفهّم وحزم من دون إنحياز، ومحاولة استيعاب ردّات فعلهم.
ويشير العميد الركن الحتّي إلى أنه في مثل هذه المهمات، نذكر العسكريين دائمًا بأننا «نتعامل مع مواطنين وليس مع عدو»... في المقابل يجب أن يعرف المدنيون أن الجندي هو إنسان قبل كل شيء، وأن التعاون معه يحقِّق مصلحة الجميع.

 

استنتاجات ومتابعة
يتابع العسكريون في الوحدات كافة الدورات التدريبية الخاصة بالتعامل مع التجمعات البشرية، وسيتم تفعيل هذه التدريبات نظرًا إلى أهميتها. ويقول مدير العمليات في هذا الصدد:
«ينتشر الجيش على كامل مساحة الوطن منذ فترة طويلة، وهذا الإنتشار مفروض عليه ليتمكَّن من الحفاظ على الإستقرار الداخلي. هكذا وضعٌ يُحتِّم على أي جيش آخر، ضرورة التعامل يوميًا مع الطارئ وقد يغيب عن نظره خطًّا «مديرًا» يجب سلوكه باستمرار لعدم الوقوع في المجهول. هذا ما يُسمّى الاستراتيجية أو السِلاكة (من سلك، مسلكًا). وتعمل القيادة باستمرار لتحديد هذه السِلاكة للحفاظ على المسار وعدم تضييع الجهد الدائم في التعامل مع الطارئ.
أمّا أخيرًا فيقول: يجب العمل على تفعيل منظومة القيادة والسيطرة في غرف عمليات القطع، إلى جانب تفعيل العمل بروح فريق، والتركيز على تبادل المعلومات والتآزر فالنتيجة النهائية هي ما يحقِّقه الجيش وليس ما تحقِّقه هذه القطعة أو تلك، أو هذا الجهاز أو سواه.

 

غرفة عمليات القيادة
تتلقَّى غرفة عمليات القيادة المعلومات، تحلّلها وبالتالي يجب أن تتوصّل من خلالها إلى خلاصة لعرض الأعمال الممكنة بحسب المضامين التي يطلبها القائد. ولكن في بعض الأحيان تأتي المهمات مفاجئة ولا يتسنّى لها القيام بهذه الآلية، ما يتطلّب من مدير العمليات أحيانًا أخذ القرار مباشرةً وإعطاء الأوامر اللازمة وإفادة القائد.
ملاحظة: يحضر قائد الجيش في غرفة العمليات خلال الأوضاع الحرجة، ويديرها إلى جانب مدير العمليات.

 

خطة التطوير
ضمن خطة التطوير التي تعمل عليها مديرية العمليات، يتم إدخال برامج معلوماتية حديثة لمتابعة كل ما يحصل على الأرض من خلال التواصل الدائم مع غرفة عمليات القيادة، والتحديث المستمرّ للعمليات والتحركات بشكل آني.